رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: زين العابدين كامل 1 يوليو، 2020 0 تعليق

مقاصد المكلفين (13)

 

فما زلنا نطوف حول مقاصد المكلفين, وأمر النية والإخلاص، وقد ذكرنا في المقال السابق مدى احتياج النفس البشرية إلى الله -تعالى-؛ حيث إن الإنسان لن يشعر بالأمان والسعادة والراحة إلا بعبوديته لله -تعالى-، ومن سعى إلى الحرية وبحث عنها بعيدًا عن عبودية الله فقد ضل سواء السبيل، ونسلط الضوء في هذا المقال على مسألة مهمة، ألا وهي:

حكم الإِخلاص في العبادات، هل هو شرط لصحة العمل وقبوله؟ أم هو شرط للثواب لا للصحة؟

     يقول صدّيق حسن خان: ولا خلاف في أن الإِخلاص شرط لصحة العمل وقبوله، وممّن نصَّ على ذلك العزّ بن عبد السلام، قال: «إخلاص العبادة شرط»، وقد عدّه القرطبي واجبا، وابن تيمية فرضا، وقد حكم السيوطي ببطلان عبادة من نوى بذبحه الأضحية أن تكون لله ولغيره، ويقول الحطّاب، «فالمخلص في عبادته هو الذي يخلصها من شوائب الشرك والرياء، وذلك لا يتأتى له إلاّ بأن يكون الباعث له على عملها قصد التقرب إلى الله -تعالى- وابتغاء ما عنده، وأما إذا كان الباعث عليها غير ذلك من أغراض الدنيا فلا تكون عادة، بل مصيبة موبقة لصاحبها» وقد تحدث شيخ الإسلام ابن تيمية عن الذين يدفعون زكاة أموالهم إلى السلطان خشية أن تٌضرب أعناقهم، أو تنقص حرماتهم، أو تؤخذ أموالهم، وعن الذين يقومون يصلّون خوفا على دمائهم وأعراضهم، فقال: «عندنا وعند أكثر العلماء، أن هذه العبادة فاسدة، لا يسقط الفرض بهذه النية».

     وقد خالف هذا القول بعض فقهاء الأحناف؛ فيقول الحموي: «إذا صلى رياءً وسمعة تصحّ صلاته في الحكم، يعني لوجود شرائطها وأركانها، ولم يستحقّ الثواب لفقد الإخلاص، ويقول في موضع آخر: «النية الخالصة ظاهرة في حصول الثواب لا الصحة؛ لأنَّ الثواب ٌيُبنى على وجود العزيمة وهو الإخلاص، وأما الصحة فلا تتوقف على الإِخلاص، بل على أصل النية، فإنّه لو صلّى رياءً صحّت صلاته، وكان غير مثاب عليها».

ويقول ابن عابدين: «الإخلاص شرط للثواب لا للصحة، فإنّه لو قيل لشخص صلّ الظهر ولك دينار، فصلّى بهذه النية، ينبغي أن يجزيه، وأنه لا رياء في الفرائض في حقّ سقوط الواجب، فهذا يقتضي صحة الشروع مع عدم الإخلاص».

     وبعد هذا العرض نقول: إن الإخلاص شرط للصحة والقبول معاً، فيشترط لقبول العمل شرطان، أن يكون خالصا لله -تعالى- لا يقصد به إلا وجهه، وأن يكون العمل في ظاهره موافقاً لسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ويعبر العلماء عن هذين الشرطين بقولهم: الإخلاص والمتابعة، ويقول - صلى الله عليه وسلم -: «إنَّ الله -تَعالَى- لاَ يَقْبَل مِنَ العَمَلِ إِلّا ما كَانَ له خَالِصًا، وَابْتُغِيَ بِهِ وَجْههُ، (رواه النسائي بسند صحيح). وعن أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: قَالَ اللَّهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-: «أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنْ الشِّرْكِ مَنْ عَمِلَ عَمَلًا أَشْرَكَ فِيهِ مَعِي غَيْرِي تَرَكْتُهُ وَشِرْكَهُ» (رواه مسلم) وقال -تعالى-: {مَن كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ (15) أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (سورة هود/15-16).

 

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك