رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: زين العابدين كامل 11 يوليو، 2019 0 تعليق

مقاصد المكلفين (1)


لا شك أن أمر النية من أهم الأمور والمسائل التي يجب على كل مسلم أن يهتم بها؛ فهي أصل العمل وروحه، لذا اهتم العلماء قديماً وحديثاً بموضوع النية، وأفردوا لها بعض المصنفات، ومن المصنفات المعاصرة التي اهتمت بدراسة أمر النية كتاب: (مَقَاصِدُ المُكَلفينَ فيمَا يُتعَبَّدُ به لِرَبِّ العَالمين) للدكتور عمر سليمان عبد الله الأشقر، والكتاب في أصله عبارة عن رسالة دكتوراه، جمع فيها مؤلفها المسائل والأحكام التي تخص أمر النية، ونظراً لأهمية هذا الموضوع، فقد عزمت على أن نتناول موضوع الكتاب في مقالات عدة -بمشيئة الله تعالى-، وأود أن أشير إلى أننا لن نطوف كثيراً حول التعريف ببعض المصطلحات الخاصة بكلمة النية ومعناها ومدلولاتها من الناحية النظرية، كالحديث عن الفرق بين العزم والإرادة والقصد ونحو ذلك، ولكننا نريد أن نسلط الضوء ونطيل النفس حول الجانب التربوي والتعبدي، وذلك بذكرنا لبعض أقوال العلماء والصالحين في هذه المسألة، وكذا نذكر شيئاً من قصصهم وأحوالهم في عبادتهم.

     ونؤكد أولاً على خطورة أمر النية في الأعمال فإنَّ مقاصد العباد ونياتهم محلُّ نظر الباري -جلَّ وعلا-، وأمر النيات يحتاج دائما إلى تقويم وتهذيب ورعاية؛ وذلك لأن النيات تقع موقع الأرواح من الأعمال، وتقوم مقام الجذور والأصول بالنسبة للأشجار؛ لأن النيّة هي القصد إلى الشيء، والعزيمة على فعله، فهى عمل قلبي، ومما يدل على خطورة أمر النية ما جاء عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى؛ فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه» (متفق عليه)، وبهذا الحديث صدر البخاري كتابه الصحيح؛ لأنه أصل عظيم في الدين.

      لذا قال الشافعي -رحمه الله- في هذا الحديث: هو ثلث العلم ويدخل في سبعين بابا من الفقه، وقال أحمد -رحمه الله-: أصل الإسلام على ثلاثة أحاديث، حديث عمر، الأعمال بالنيات، وحديث عائشة من أحدث في أمرنا هذا، وحديث النعمان بن بشير الحلال بين والحرام بين، وإذا تدبرنا آيات الكتاب المبين، نجد أن الآيات التي تتحدث عن القصد والنية هي الآيات التي تتحدث عن الإرادة والإخلاص، كقوله -تعالى-: {فَاعْبُدِ الله مخلِصًا لَهُ الدِّينَ}، وقوله {وَمَا أمِرُوا إلاّ لِيَعبدُوا الله مُخْلصِين لَهُ الدِّينَ}وقوله -تعالى-: {فمَنْ كَانَ يَرْجو لِقَاءَ رَبِّه فَلْيعْمَلْ عَملاً صالحًا، وَلاَ يشْركْ بعبادَةِ رَبِّه أَحَدًا} وفي الحديث الذي ذكرناه آنفا، «إنما الأعمال بالنيات» دليل على أن الأعمال لا تصح ولا تعتبر ولا تقبل إلا بالنية، وأن النية هي الفاصلة بين ما يصح وما لا يصح، وبين ما يقبل وما يُرد، ومن ثم لم يعتد الشرع أو يعتبر الأفعال التي وقعت دون قصد وإرادة، كالأعمال الصادرة من المجنون والمخطىء والساهي والغافل والنائم ونحو ذلك، فلا يُعتدُّ بها إن كانت طاعات، ولا يعاقب عليها إن كانت معصية.

      فالذي يستمع القرآن بغير قصد الاستماع والتعبد لا يثاب على استماعه، ومن جامع امرأة يظنها زوجته ثم تبين أنها ليست هي فلا عقوبة عليه، ومن أكل أو شرب ناسيا وهو صائم فصومه صحيح، وهكذا، والأدلة على ما ذكرنا من الكتاب والسنة متضافرة، قال -تعالى-: {لاَ يُكَلَفُ الله نَفْسًا إلاّ وُسعَهَا، لَهَا مَا كَسَبَتْ، وَعَلَيْهَا مَا اكتَسَبَت، رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذنَا إن نَسِينَا أوْ أَخْطَأْنَا}، وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان، وما استكرهوا عليه» (حديث حسن، أخرجه ابن ماجه، وابن حبان فى صحيحه والحاكم في مستدركه) وكذا كان الحكم برفع القلم عن ثلاثة: «عن النائم حتى يستيقظ، وعن المبتلى حتى يبرأ، وعن الصبي حتى يكبر» كما ثبت في الحديث الصحيح، وكذا الناطق بكلمة الكفر مُكرها، وقلبه مطمئن بالِإيمان، لا يؤاخذه الله: {إلاّ مَنْ أكْرهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌ بِالإيَمانِ}ونستكمل في المقال القادم بمشيئة الله -تعالى.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك