رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: د.عادل المطيرات 16 سبتمبر، 2019 0 تعليق

مفهوم الحرية بين الإسلام والعلمانية


انتشرت في واقعنا المعاصر بعض المصطلحات الجديدة التي لم تكن معروفة بلفظها في العصور السابقة، ومن هذه المصطلحات مصطلح الحرية، والحرية كلمة ينشد حقيقتها كل فرد ويسعى إليها؛ لأن الحرية إحدى مقومات الشخصية، وأساس أي مجتمع إنساني، وقد جاء الإسلام ليضمن الحرية للإنسان. حرص الإسلام على تربية حرية الإنسان وتهذيبها وتقويمها وضمن للمسلم الحرية الشخصية: حرية الرأي، وحرية العمل، وحرية السكن، وحرية التنقل، وحرية التملك، وحرية التعلم، وغيرها من الحريات التي كفلها الإسلام للمسلم.

وتتعدد الحريات في الإسلام فتشمل جوانب الحياة كلها، ولم تكن الدنيا تعرف من قبل حرية بالمعنى الذي جاءت في رسالة الإسلام العظيمة، ودونكم أيها الإخوة بعض الضوابط والقواعد الشرعية في المعنى الحقيقي للحرية.

دعوة الإسلام للحرية

- أولاً: إن دعوة الإسلام للحرية تبدأ بتوحيد الله -سبحانه-، الذي حرر الإنسان من عبودية الشرك، أي حرره من عبادة غير الله -تعالى-؛ فالحرية الصادقة لا تكون إلا بالتذلل لله والعبودية له، ففي العبودية لله يتحرر المسلم من سلطان الشهوة والشبهة، ومن رق المال، قال -سبحانه-: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلًا فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَمًا لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} (الزمر:29)، قال ابن كثير في تفسيره (7/96): {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا رَجُلا فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ} أي: يتنازعون في ذلك العبد المشترك بينهم، {وَرَجُلا سَلَمًا لِرَجُلٍ} أي: خالصا لرجل، لا يملكه أحد غيره، {هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلا} أي: لا يستوي هذا وهذا.

أعظم الحريات

     كذلك لا يستوي المشرك الذي يعبد آلهة مع الله، والمؤمن المخلص الذي لا يعبد إلا الله وحده لا شريك له. فأين هذا من ذاك؟ وأي حرية أعظم من حرية المصلي في المسجد، وهو متحرر من كل عبودية إلا عبوديته لله رب العالمين؟ له وحده يركع ويسجد، ولوجهه يذل ويخشع.

التحرر الحقيقي

     إن التحرر الحقيقي يعني الخضوع لله وحده، وأخذ منهجه دون سواه، والتحاكم إلى شرعه دون بقية الشرائع والقوانين، فإن رفض البشر هذه العبودية لله الواحد الأحد فإنهم سيعبدون أنفسهم إلى الشيطان وإلى أهوائهم وإلى مخلوقات مساوية لهم:

هربوا من الرق الذي خلقوا له

                                          وبلوا برق النفس والشيطان

حرية الأمن

- ثانيا: كفل الإسلام للإنسان حرية الأمن، أن يعيش آمنا لا يعتدي عليه أحد، ومنعه أن يعتدي على الآخرين، قال -سبحانه-: {فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ} (البقرة: 193)، في صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يَخْذُلُهُ وَلَا يَحْقِرُهُ... بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنْ الشَّرِّ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ، كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ: دَمُهُ وَمَالُهُ وَعِرْضُهُ».

حرية التملك والتصرف

- ثالثا: كفل الإسلام للمسلم حرية التملك والتصرف، فأعطاه حقه في أن يتصرف في أمور نفسه، وحمله مسؤولية هذا التصرف، قال -سبحانه-: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ} (البقرة: 286).

حرية التفكير والتأمل

- رابعا: أعطى الإسلام المسلم حرية التفكير والتأمل في خلق الله -تعالى-، قال -سبحانه-: {قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (العنكبوت: 20).

حرية الحركة والسير

- خامسا: أعطى الإسلام المسلم حرية الحركة والسير في الأرض والاستمتاع بخيراتها، قال -سبحانه-: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ} (الملك: 15).

حرية الدين

- سادسا: كفل الإسلام حرية الدين، ومنع الإكراه فيه، قال -سبحانه-: (لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} (البقرة: 256)، وإسلام المكره لا يعتد به، فالإسلام يقيم رسالته على القناعة، وسيلته في ذلك الحجة الدامغة، والبرهان الساطع.

الإنسان حر كما خلقه الله

- سابعا: لا شك بأن الإنسان حر كما خلقه الله -تعالى-، قال عمر - رضي الله عنه-: متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا، لكن هذه الحرية تتضمن مسؤولية مناطة بالابتلاء والامتحان، قال -سبحانه-: {وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا} (الكهف: 29)، نعم أنت حر لكن لا حرية دون مسؤولية وحساب، نعم افعل ما تشاء فعندك قدرة ومشيئة وإرادة حرة، لكن تحمل نتيجة عملك، قال -سبحانه-: {إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا لَا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا أَفَمَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِنًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} (فصلت: 40).

الحرية التي يريدها الإسلام

     الحرية التي يريدها الإسلام الحرية التي تبني الشخصية، وتحرس الأمن، وتحفظ النفس والفطرة، وتقيم الحق والعدل، وإذا تجاوز أي إنسان حدود الحرية وضوابطها فإنه يؤذي نفسه ومجتمعه وأمته، وواجب الأمة حماية الحرية حتى لا تفضي إلى الهدم.

فتنة الكثيرين

     يفتن الكثير بمصطلح الحرية وشعار الحرية، ويروج لها أعداء الإسلام، ويوسعون دائرتها لتحقيق أهدافهم: من تدمير القيم الدينية والخلقية، وإماتة الوازع الديني والخلقي، وتحطيم النظم الاجتماعية، ويفسر كل إنسان الحرية على هواه، فالمجرم يفهم الحرية بأنها ممارسة السلب والنهب والقتل، والمحتال يفهم الحرية بأنها سلب الأموال وممارسة الغش والاحتكار، وصاحب الشهوات يفهم حرية المرأة بأنها الانفلات من ضوابط العفة والقوامة وأي ضابط خلقي.

مفهوم خطأ

     يخطئ من يجعل الحرية مركبا يستبيح به كل شيء دون ضوابط، فليس من الحرية أن يرضي الإنسان شهوته ويسبب آلاما للآخرين، وليس من الحرية أن يدمن على المسكرات والمخدرات ويترك وراءه ذرية ترث العاهات والأمراض، وليس من الحرية أن تعمل ما تشاء وترتكب من المنكرات ما تريد دون أن تضبط تصرفاتك بآداب المجتمع أو تعاليم الدين.

فوضى وليست حرية

     إن فهم الحرية على هذا النحو يسوق المجتمع إلى الدمار ويعرض ثوابته للخراب، وأي تماسك يبقى في المجتمع وكل فرد فيه يعمل بما يرى، ولو أضر ذلك الآخرين؟! إنه أمر عجيب وغريب، يسحق الإنسان وتسحق المبادئ والقيم باسم الحرية، يعلن الكفر ويفتخر به باسم الحرية! يسب الله ورسوله ودينه باسم الحرية! تتبرج المرأة وتنزع الحجاب وتفتن الرجال باسم الحرية! يختلط الشباب بالفتيات باسم الحرية! هذه فوضى وليست حرية، ولقد ضرب لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مثلا من أروع الأمثلة يبين لنا الفرق بين الحرية والفوضى، في صحيح البخاري عن النعمان بن بشير -رضي الله عنهما- عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «مَثَلُ الْقَائِمِ عَلَى حُدُودِ اللَّهِ وَالْوَاقِعِ فِيهَا؛ كَمَثَلِ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سَفِينَةٍ, فَأَصَابَ بَعْضُهُمْ أَعْلَاهَا, وَبَعْضُهُمْ أَسْفَلَهَا, فَكَانَ الَّذِينَ فِي أَسْفَلِهَا إِذَا اسْتَقَوْا مِن الْمَاءِ مَرُّوا عَلَى مَنْ فَوْقَهُمْ, فَقَالُوا: لَوْ أَنَّا خَرَقْنَا فِي نَصِيبِنَا خَرْقًا وَلَمْ نُؤْذِ مَنْ فَوْقَنَا, فَإِنْ يَتْرُكُوهُمْ وَمَا أَرَادُوا هَلَكُوا جَمِيعًا, وَإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِمْ نَجَوْا وَنَجَوْا جَمِيعًا».

     فأنت ترى هؤلاء أرادوا أن يستعملوا حريتهم فيما يخصهم، ولكنهم يجب أن يمنعوا من استعمالها، إبقاء على حياة السفينة ومن فيها، وفي هذا المثل الرائع يتبين موقف الإسلام ممن يسيئون استعمال حريتهم الشخصية بما يؤذي الأمة ويضر الوطن ويفسد الأمر على الناس جميعا.

حرية الفرد

     إن دائرة حرية الفرد تتسع في نظر الإسلام ما دام لا يؤذي بهذه الحرية نفسه أو مجتمعه أو دينه، أما إذا استغل هذه الحرية للإضرار بنفسه أو إيذاء مجتمعه أو الإضرار بدينه، عند ذلك يقف الإسلام في وجهه، فإن أخذوا على يده نجا ونجوا، وإن تركوه هلك وهلكوا.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك