رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: القاهرة - الفرقان: أحمد عبد الرحمن 2 مايو، 2011 0 تعليق

مفرداته انهيار اقتصادي وتدخل أجنبي وغياب الأمن كشف حساب موجة الاضطرابات في العالم العربي

 

لم تترك الاضطرابات الأمنية وموجة الاحتجاجات داخل العالم العربي - وما خلفته من سقوط النظامين المصري والتونسي فيما تواجه أنظمة الحكم في اليمن وليبيا وسوريا مصيرًا مشابهًا خلال المرحلة المقبلة - مجالاً إلا وكانت لها تداعيات ضخمة عليه سواء أكانت سلبية أم ايجابية، فأغلب بلداننا حاليًا تعيش ظروفًا سياسية واقتصادية واجتماعية وأمنية استثنائية أصابت الحياة في هذه البلدان بالشلل وخلقت أزمات كانت هذه الدول - رغم ما تردد عما شاب ممارساتها من فساد وقمع واستبداد - قد نجحت في إيجاد حلول لها.

 

      ولعل أسوأ تداعيات موجة الاضطرابات هو افتقاد الأمن بشكل كبير في عدد لا بأس به من العالم العربي خصوصًا بعد الانتكاسة التي أصيبت بها الأجهزة الأمنية في عدد من الدول العربية التي كان أغلبها يعمل خارج النطاق القانوني؛ مما أفقدها تعاطف الرأي العام بما أدى لسيطرة البلطجية والعصابات المسلحة مستغلة غياب سلطات الدولة خصوصًا في بلد بحجم جمهورية مصر العربية حيث تقطعت أواصر الصلات بين المصريين وتراجعت الزيارات المنزلية بين الأهل والأصدقاء إلى حد الأدنى؛ خوفًا من انعدام الأمن فضلاً عن معاناة الشركات والمؤسسات الاقتصادية والمصانع بفعل هذا الوضع المضطرب وعملها بنصف طاقتها مما أدى إلى تشريد مئات الآلاف من العمال.

      ولا يتوقف هذا الأمر في مصر فالسيناريو نفسه تكرر في سوريا وليبيا واليمن؛ حيث أسهم انهيار الأوضاع الأمنية في تعرض اقتصاديات هذه الدولة لانتكاسة رهيبة وتراجع إنتاجها من كافة السلع والخدمات لأكثر من 50%؛ مما شكل نوعًا من الضغط على ميزان مدفوعاتها لدرجة أن دولة مثل ليبيا خسرت عائدات إنتاجها من النفط يوميًا والمقدر بحوالي 2 مليون برميل بفعل العمليات العسكرية التي خلفت خسائر تجاوزت عشرات المليارات، ناهيك عن لجوء دول مثل مصر وتونس للاعتماد على احتياطياتها الاستراتيجية مما يهدد بوصول اقتصادياتها للهاوية خصوصًا أن مجالي السياحة والخدمات تعرضا لانتكاسة رهيبة بفعل هذه الأحداث.

غول بطالة

      وزادت حالة الشلل الأمني لتفاقم مشكلة البطالة وتحقيقها أرقامًا قياسية على ارتفاع معدل البطالة في بلدان المنطقة والتي تجاوزت حسب تقرير لمنظمة العمالة العربية قبل اندلاع موجة الاضطرابات أكثر من 25 مليون عاطل، ويتوقع أن تتجاوز هذا الرقم بأكثر من خمسة ملايين بعد مغادرة العمالة المصرية والتونسية والسودانية للأراضي الليبية بعد اندلاع المواجهات المسلحة بين القذافي ومعارضيه.

      وبقدر ما تعرضت الاقتصاديات العربية لانتكاسة رهيبة بفعل موجة الاضطرابات التي قدرها المركز العربي للدراسات الاقتصادية في مصر بحوالي 200 مليار دولار، بقدر ما تعرضت كافة الخدمات من تعليم وصحة وتموين لأوضاع مزرية؛ مما أدى لارتفاع تكلفة هذه الخدمات لأسعار قياسية نتيجة غياب سلطات الدولة وضياع ما يقرب من أكثر من شهر على طلاب المدارس في بعض الدول فيما يتعرض العام الدراسي لانهيار تام في دول مثل اليمن وسوريا وليبيا بفعل استمرار هذه التوترات وعدم وجود سقف زمني لها حتى الآن على الأقل.

سطوة البطانة

      وإذا كانت هذه الظروف الاستثنائية قد سددت ساعدت في التغيير للقطاعات الخدمية والجوانب الاقتصادية والاجتماعية فإنها كشفت عن عدد من الظواهر السلبية التي عانتها أغلب دولنا خلال الفترة الأخيرة وأدت إلى ما أدت إليه من اضطرابات ونكبات طالت هذه البلدان والتي كان في مقدمتها الدور السلبي لما يطلق عليه حاشية الحاكم أو بطانة السوء وكيف استغلت سطوتها لتخلق حالة انفصام بين الحاكم وشعبه وتوهمه بأن الأوضاع ممتازة وأن الرعية مرتاحة لكل السياسات التي يتبناها سيادته وكيف حالت بينه وبين وصول أنات الفقراء والمقهورين إليه، بل إن الأمر ازداد سوءًا حين كشفت تقارير داخل مصر عن دور هذه البطانة في اشتعال الثورة ضد حكم مبارك لدرجة أن رئيس ديوانه حال بينه وبين جميع تقارير الأجهزة الرقابية حيث كان مصيرها الأضابير ولاسيما أنها كانت تكشف ما اقترفته الحاشية والأبناء بمصر من نهب للمال العام والحصول على عمولات قياسية نتيجة التخلص من وحدات القطاع العام بأقل من سعرها الدفتري.

حكم عائلي

      ما حدث في مصر تكرر في تونس؛ حيث سيطرت عائلة الرئيس وقرينته على جميع ثروات البلاد واستغلوا الإصلاحات الاقتصادية التي جرت خلال الأعوام الأخيرة لتصب في خزائنهم وتحرم الشعب التونسي من التمتع بخيرات البلاد وهو ما حدث بشكل كربوني في كل من سوريا وليبيا؛ حيث سيطر الأبناء والأصهار على جميع مقدرات البلاد وأشبعوا شعوبهم ذلاً وقهرًا عبر الاحتكارات ووضع مقدرات وثروات بلادهم رهن إشاراتهم لدرجة أن ثروات العائلات الحاكمة في هذه الجمهوريات تراوحت بين عشرات ومئات المليارات فيما بقي السواد الأعظم من شعوبها تحت خط الفقر.

      من جانبه يري د.حمدي عبد العظيم العميد السابق لأكاديمية السادات للعلوم الإدارية أن الأوضاع الاقتصادية في بعض الدول العربية تتجه لكارثة نتيجة توقف عجلة الإنتاج وتراجع عائدات السياحة وتردي الأوضاع الأمنية وحالة الشك في جدوى الاستثمار في البلدان ذات الأوضاع المضطربة مما اضطر هذه الدول لخيارات صعبة منها اللجوء للاحتياطي الاستراتيجي أو العودة من جديد للاقتراض من مؤسسات دولية وهما أسلوبان لا يتمتعان بالجدارة الاقتصادية.

      وتابع: هناك بدائل يمكن اللجوء إليها داخليًا لتعويض العجز في ميزانيات هذه الدول وفي مقدمتها اللجوء للموارد السيادية ومنها الضرائب غير المسددة للدولة لدرجة أن هناك أكثر من 50 مليار جنيه نجح رجال أعمال في الإفلات من سدادها بفعل التحالف بين الثروة والسلطة، ونفس الأمر فيما يتعلق بالجمارك وصناديق المحافظات والولايات غير الخاضعة لوزارات المال.

      وأضاف أن الإطاحة بنظامين فاسدين في مصر وتونس ومحاولات بناء دول ديمقراطية حديثة ورد الاعتبار لنظام المحاسبة والمساءلة بشفافية قد يحفز الاستثمارات الاقتصادية على العودة وتجاوز دولنا لهذه الفترة الاستثنائية من تاريخها خصوصًا أن تجفيف منابع الفساد والقضاء على البيروقراطية كفيلان بوضع أي اقتصاد على الطريق الصحيح.

      ومما يزيد من قتامة المشهد العربي أن الثروات والخيرات وفي مقدمتها «النفط والغاز» التي حبا الله تعالى بها الدول العربية لم تستخدم يومًا لخدمة شعوب المنطقة ورفاهيتها أو وضعها على الأقل في مصاف الدول المتقدمة أو حتى النامية ،بل إن الأنظمة الحاكمة في هذه البلدان قد وضعت في أيدي عصابات استغلتها في تضخم ثرواتها لدرجة أن ثروة مصر من الغاز الطبيعي قد وضعت في يد رجل أعمال مقرب من الرئيس السابق ليقوم بتبديدها عبر صفقات مشبوهة وبأسعار بخسة مع الكيان الصهيوني فيما يعاني الشعب المصري الأمرين في توفير احتياجاته من التدفئة والوقود اللازم لتشغيل مصانعه وهو ما عُد دليلاً على سيطرة الفساد السياسي والاقتصادي مدعومًا بحزمة من الجرائم مثل الاحتكارات والعمولات والنهب المنتظم للمال العام.

أمن سياسي

      ذهاب الجزء الأكبر من الثروات العربية لجيوب المحتكرين ورجال الأعمال الكبار لم يشغل إلا صورة بسيطة من المشهد المأساوي، فالجميع يعلم كيف ذهبت مقدرات أغلب بلادنا في العقد الأخير لصالح تجييش كافة الإمكانات لما أطلق عليه الأمن السياسي للأنظمة وكيف بنيت ترسانات أمنية بمئات المليارات من الدولارات لشراء أحدث ما تنتجه بيوت الخبرة الغربية من تكنولوجيات القمع, وكيف تضخمت أعداد قوات الأمن في بلداننا بأرقام قياسية فاقت ما استعان به شاه إيران السابق للحفاظ على ملكه دون جدوى بل، إن مئات المليارات التي سخرت لخدمة الأجهزة الأمنية كانت كفيلة بإحداث نقلة حضارية وتنموية وجعلها تغادر ربقة التخلف والجهل للأبد.

      ورغم السلبيات الشديدة التي عانتها الشعوب العربية بسبب انتشار الفساد والاحتكار ونهب المال العام واختصار هذه البلدان في شخوص المقربين من الحكام وحاشيتهم، فإن الأمر لم يخل من جوانب إيجابية، فصور من نهبوا المال العام وأذلوا شعوبهم في كل من مصر وتونس -والحبل على الجرار- وهم بملابس الاحتجاز ستردع أي مسؤول في المستقبل عن ارتكاب أي فساد أو تسهيل الاستيلاء على المال العام بحكم أن العقاب لن يكون بعيدًا عن أي مسؤول كبيرًا كان أو صغيرًا.

أجندة خبيثة

      أما التداعيات الأخطر على أغلب بلدان المنطقة فتمثلت في عودة القوى الاستعمارية السابقة للتدخل في شؤون بلداننا ومحاولتهم تجييش قواتهم للعبث بأمن ووحدة بلداننا العربية مستغلين حالة الاحتقان الشديدة التي تسود بلدا ما كالجماهيرية الليبية حيث يرغبون في استغلال هذه الأحداث في السطو على ثروات هذا البلد غير عابئين بتداعيات تدخلهم على وحدته واستقراره بل تشويه صورة انتفاضة شعبه ضد الظلم والقهر الذي عانى منه طوال أربعة عقود على يد القذافي وأبنائه الذين أضاعوا ثروات الشعب الليبي على مغامرات خارجية لا طائل منها وأبقوه أسيرًا للفقر والتهميش رغم أن هذه الثروات كانت كفيلة بإحداث نقلة نوعية اقتصادية وتنموية.

تبعية واستعمار

      بل إن هناك من نفى وجود ارتباط بين التدخل الغربي في ليبيا والتوترات داخله بقدر ما يتعلق بالتطورات الأخيرة في كل من مصر وتونس في ظل علاقات التبعية التي كانت تحكم علاقات الغرب بكل من الرئيسين المصري والتونسي وحرص الغرب على إيصال رسالة للقيادة الجديدة في كل البلدين مفادها رفضه التام لأي تغيير في قواعد اللعبة ولاسيما فيما يتعلق بالمصالح الغربية وأمن الدول العبرية في ظل القلق من احتمال حدوث تغير إستراتيجي في سياسات البلدين من جهة تغليب لغة المصالح على علاقاتها مع هذه القوي بدلاً من الاستمرار في علاقات التبعية والعمالة للغرب المستمرة في البلدين منذ عقود.

      ولم يتوقف الأمر بالطبع عند التدخل الغربي في شؤون بلداننا حيث فتحت الاضطرابات الأخيرة في بعض بلدان الجوار الباب على مصراعيه لتدخل أكثر خطورة ألا وهو التدخل الصفوي الطائفي في عدد من بلدان الخليج العربي ومحاولة التحرش بها حيث لم يرق لها تدخل قوات درع الجزيرة في مملكة البحرين لحماية المنشآت الإستراتيجية دون الاحتكاك بأي من ألوان طيف الشعب البحريني وهو ما يكشف نبل الهدف الذي جاءت من أجله هذه القوات والمتمثل في منع سقوط الحكم الشرعي في البحرين، بل إن هذا التدخل امتد لدى الجوار الخليجي عبر شبكات الجواسيس والطابور الخامس ومحاولات إثارة الفتن في هذه الدولة لدرجة استفزت مرجعيات سياسية سعودية لمطالبة مجلس الأمن بالتدخل لمنع الاستفزاز الإيراني لهذه الدول، بل إن شيخ الأزهر د.أحمد الطيب دعا طهران لكف أذاها عن الدول العربية وعدم التدخل في شؤونها انطلاقًا من أواصر القربى والجوار.

      لكن استجابة إيران للنصيحة تبدو بعيدة المنال كما يؤكد د.محمد سعيد عبد المؤمن أستاذ الدراسات الفارسية بجامعة عين شمس، فهي تعتبر الأوضاع الحالية فرصة ذهبية لاكتساب أرضية جيدة في المنطقة، فالنظام المصري السابق ورغم كل التحفظات عليه كان مناهضًا للتمدد الإيراني في المنطقة وشكل مع غيره عقبة في طريق توسعه وهو ما ستحاول إيران تجنبه مع النظام الجديد وإن كنت لا أعتقد حدوث تغيير إستراتيجي كبير في علاقات القاهرة بطهران فالأمر قد لا يتجاوز تبادل السفراء معها شأن مصر شأن جميع دول الخليج.

      وأضاف: إيران كانت ترى الظروف مواتية لتحقيق مكاسب إستراتيجية في مملكة البحرين في ظل الاضطرابات التي شهدتها إلا أن التدخل السريع لقوات درع الجزيرة قد خلط الأوراق بالنسبة لها وشكل عقبة كبيرة أمام طموحاتها وهو ما ردت عليه بمطالبات غير مبررة بانسحاب هذه القوات.

واعتبر أن حالة الشك الكبيرة التي تنتاب دول الخليج في الجانب الإيراني تحول دون تجاوز علاقات الطرفين حالة التوتر الحالية، مشيرًا إلى أن ما يتردد عن تدخل إيراني في الشؤون الداخلية سيجعل علاقات الشد والجذب مستمرة بل مرشحة للتصاعد. 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك