رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: إيمان الوكيل 11 فبراير، 2014 0 تعليق

مفاهيم غائبة عن حياتنا الأسرية(1) «الـــتــفــــــاهــــم والــحــــــــوار»


التفاهم: هو أن يفهم القوم بعضهم بعضا، والحوار: هو نوع من الحديث بين شخصين يتم فيه تداول الكلام بينهما بطريقة ما

احرص على الاحترام المتبادل، وتجنب الاحتداد وعلو الصوت، وألا يكون جدالاً يثير الكراهية والعداوة

 

الأسرة هي المؤسسة الأولى والأساسية من بين المؤسسات الاجتماعية المتعددة المسؤولة عن إعداد الطفل ليكون عنصراً صالحاً فعّالاً في المجتمع، ولكن لا تخلو أي أسرة من وجود مشكلات عديدة لسبب أو لآخر وبدرجات متفاوتة، وقد تؤدي هذه المشكلات إلى تفكك الأسرة وانفراط عقدها، ولكن إذا تم تشخيص الداء سهل وصف الدواء؛ لذا كان لابد من التعرض لبعض المفاهيم التي غابت عن حياتنا الأسرية التي على أساسها تبنى العلاقات السوية وتستمر، ونتناول ذلك في سلسلة أسبوعية نحاول من خلالها تسليط الضوء باختصار على كل مفهوم لعله يكون طوق نجاة لكثير من الأسر التي غابت عنها هذه المفاهيم، ونبدأ بأهم هذه المفاهيم وهو ( التفاهم والحوار).

     (التفاهم والحوار)، هما لغة الإسلام، والقرآن الكريم هو دستور المسلمين ومصدر عقيدتهم وشريعتهم وقد اتخذ التفاهم والحوار منهج ليعلمنا استعماله في جميع مجالات حياتنا من أجل الوصول لقناعة عقلية وارتياح نفسي واطمئنان وجداني لكي نعيش في إخاء وتواصل وأمن وأمان وحب وسلام، ويجب علينا اتباعه عند بحث القضايا والمشكلات، فهو قائم على لغة هادفة تلون الحياة بطعم مميز، فالتفاهم والحوار هما أساس في عملية التواصل الإنساني، ونجاح واستمرار أي علاقات، وانعدامهما سبب رئيس لسريان الملل، وتفاقم المشكلات، وضياع الأبناء وبحثهم عن ملجأ آخر غير الأسرة لإشباع احتياجاتهم، فإن تنشئتهم في جو يفتقد الحوار الإيجابي والتفاهم يؤدي إلى ظهور أجيال تستمر في ممارسة التسلط وفرض الرأي وعدم احترام الآخر، ولكن أحياناً وللأسف حتى مع وجود الحوار فإن الرجل يفرضه على زوجته، وهما معاً يفرضانه على أبنائهم ويقرران النتائج كما يريدانها وكما يتصورانها وما على الابن إلا أن يصغي ويبارك وإلا فإنه سيوصم بالتمرد وعدم الطاعة.

أصل مفهوم التفاهم والحوار

     التفاهم: هو أن يفهم القوم بعضهم بعضا، والحوار: هو نوع من الحديث بين شخصين يتم فيه تداول الكلام بينهما بطريقة ما، فلا يستأثر به أحدهما دون الآخر ويغلب عليه الهدوء والبعد عن الخصومة والتعصب، ومما لا شك فيه أن كل واحد من المتحاورين لا يقتصر على عرض الأفكار القديمة التي يؤمن بها؛ وإنما يقوم بتوليد الأفكار في ذهنه، ويعتمد على توضيح المعاني المتولدة من خلال عرض الفكرة وتقديمها بأسلوب علمي مقـنع للآخر؛ بحيث يظل العقل واعياً طوال فترة المحاورة ليستطيع إصدار الحكم عليها، سلباً أو إيجابا؛ً فهو ليس أداة تعبير لغوي فقط، بل الحوار هو أداة التعبير الذاتي.

التفاهم والحوار في القرآن الكريم

     هذا المفهوم يتسم باتساع دائرته وتعدد قضاياه في القرآن الكريم، فنحن بحاجة إلى الحوار ليفهم بعضنا بعضاً فنتحاور مع أبنائنا لنعظهم ونذكرهم بالله سبحانه وتعالى كما ورد لسان لقمان عليه السلام: {وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ ۖ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} (لقمان:13)، وإبراهيم عليه السلام وحواره مع أبنائه عندما وصّاهم بالتمسك بالدين في قوله تعالى: {وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} (البقرة:132) ويظهر في لهجته مع أبنائه من تحبب وتقرب يدلان على أدب رفيع في الحوار مع الآخرين؛ فالإنسان يحـب أن يعبر عما بداخله وينتظـر من غـيره الإنصـات لـه.

التفاهم والحوار في السنة والنبوية

     عن أبي أمامه أن فتى شابا أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم  فقال: يا رسول الله ائذن لي بالزنا، فأقبل القوم عليه فزجروه، وقالوا (مه، مه) فقال: ادن، فدنا منه قريبا. قال: فجلس، قال: أتحبه لأمك؟ قال: لا والله، جعلني الله فداءك. قال: ولا الناس يحبونه لأمهاتهم. قال: أتحبه لأختك؟ قال: لا والله جعلني الله فداءك. قال: والناس لا يحبونه لأخواتهم. قال: أتحبه لعمتك؟ قال: لا والله، جعلني الله فداءك. قال: ولا الناس يحبونه لعماتهم. قال: أتحبه لخالتك؟ قال: لا والله، جعلني الله فداءك. قال: ولا الناس يحبونه لخالاتهم. قال: فوضع يده عليه وقال: «اللهم اغفر ذنبه، وطهر قلبه، وأحصن فرجه»، فلم يكن الفتى بعد ذلك يلتفت إلى شيء (رواه أحمد)، نلاحظ أن الرسول  صلى الله عليه وسلم ، لم يستخدم أسلوب اللوم أو العقاب، وإنما استخدم أسلوب الحوار والمناقشة، وطرح الأسئلة، ليدع المجال للأخر للتفكير في أمره، ولاحظوا معي هذه النقاط بالنسبة لهذا الموقف: المجالسة، الرفق، الاحتواء، الحوار، السؤال، الاستماع، الاختيار، الذات، القناعة، الحوافز، الدعاء، واللمسة الأبوية وهذه هي أصول الحوار وقواعده. فالحوار هو غذاء عقول يقبل الناس عليه إقبالهم على غذاء البطون لذلك فإن الأب الذكي هو الذي يختبر اهتمام زوجته أو ابنه بحديثه قبـل التوغـل في حوار معهم، ويحاول استثارة اهتمامهم بموضوع الحوار، فإن وجد منهم أذنًا صاغية واصل الحوار، وإلا كفّ عنه، إلا أن يكون واجبًا شرعيًا لابد من إبلاغهم به. فبراعته تكمن في جعل كلماته صُوَرًا تتدفق أمام ناظري الطرف الآخر، مبتعدًا عن الرمزية والغموض، باحثًا عن الكلمات والعبارات التي تسمع وترى في آن واحد؛ فالحوار ليس مطلوبا لذاته كما هو الشأن في الخطاب المعاصر وإنما المراد هو الوصول إلى نقاط ارتكاز مشتركة بين الأسرة تؤسس لتفاهم أكبر على المستوى الحيـاتي والنشاط الإنسـاني، وبدء الحوار بالسؤال يعطي المسؤول الفرصة حتى يعبر عما في نفسه، ولا يبدأ بالهجوم قبل أن يعرف ما عند الطرف الآخر، فمعظم الناس لا يسمعون بعضهم بعضا سماعا كافيا؛ لهذا ينشأ الخلاف بينهم.

أسس الحوار الناجح

وهناك بعض الخطوات التي ترسم لنا آفاق المستقبل الناجح وتظلل حياتنا العملية وبيوتنا بأجواء التفاهم والحوار بعيداً عن القلق والاضطراب ومخاوف الهزيمة والفشل وهي:

- إعطاء الظروف النفسية وزنها، فالإرهاق، والجوع، ودرجة الحرارة، وضيق المكان قد تؤثر على الحوار سلباً فتبتره.

- لا تستأثر بالحديث، كن مستمعا بارعا، أحسن الاستماع، لا تقاطع من تحاور حتى لو كنت على حق؛ بل شجعه على الحديث كي يقابلك بالمثل.

- احرص على الاحترام المتبادل، وتجنب الاحتداد وعلو الصوت، وألا يكون جدالاً يثير الكراهية والعداوة، وأن يكون فرصة لطرح الآراء ومناقشتها وأن يتم تقبل الآخر وتجنب اتباع أسلوب الاستهزاء، وكذلك عدم التسرع في إصدار الأحكام.

-  تجنب عرض نقاط الاختلاف عند البدء بالحوار لأنه يوقف الحوار من أوله أو يحوّله إلى منحنى التحدي، وتكون نصرة الذات لا بلوغ الحق هي الهم الأوحد.

- اعترف بالخطأ، ومن ذا الذي لا يخطئ؟ قال الرسولصلى الله عليه وسلم  «كل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون» (صححه الحاكم)، فحري بنا أن نبدأ بتطبيق فنون الحوار لتتحول حِواراتنا الأسرية إلى حِوارات إيجابية نافعة مثمرة.

 

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك