مــن أخطــاء الحـجيج
الحج فريضة عظمى، وركن من أركان الإسلام، ومؤتمر جامع للمسلمين من كافة أرجاء الأرض، والحج فيه منافع أخروية ومنافع دنيوية، ففيه مغفرة الذنب؛ لحديث أبي هريرة أن النبي [: قال «العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة».
ولحديث أبي هريرة أيضاً: «من حج هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه». وحديث عطاء بن يسار أيضًا : «من حج البيت فقضى نسكه وسلم المسلمون من لسانه ويده ، غُفر له ما تقدم من ذنبه». ومنافع أخروية دنيوية لحديث ابن عباس، ]، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «تابعوا بين الحج والعمرة؛ فإنهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد».
أما المنافع الدنيوية ففي قوله تعالى:
{ لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ } (الحج : 28).
والحج موسم يجمع الحجيج من كافة بقاع الأرض ، فيظهر فيه من آيات الله سبحانه ما جاء في قوله تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ} (الروم : 22).
والحج عبادة عظمى تتساوى فيها الهيئات وتتوحد الأعمال وترتفع الأصوات بنداء واحد يشترك فيه الجميع: الغني والفقير، والملك والمملوك، والرئيس والمرؤوس، لباسهم الإحرام، ونداؤهم الرحمن: «لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك»، نداء واحد على اختلاف الألسنة والألوان.
تجتمع الأبدان ويتوافق نطق اللسان ويتوحد مراد الجنان، ويتعرف المسلمون على حاجات إخوانهم ، في عرفة موسم عظيم، وفي منى ومزدلفة مقام لا شغل لهم فيه إلا ذكر الله، حتى رمي الجمار، فضلاً عن الطواف والسعي ، ليس له من شغل إلا الذكر والشكر والعبادة والطاعة.
مع كل هذه الفوائد العظمى والعوائد الكبرى يظهر الأثر السيئ للجهل الشديد في التزاحم الذي يؤذي الكثيرين، بل قد يودي بحياة بعض الضعفة والمساكين، عند رمي الجمار، أو التزاحم لتقبيل الحجر الأسود، وفعل بعض ما لم يكلفوا بفعله كصعود الصخرات التي تسمى بجبل الرحمة، وهذا يحدث بسبب خطأ عظيم هو الجهل بأحكام الدين القويم.
فمع أن الحج من أيسر العبادات تعلمًا، وأكثرها سماحة ولطفًا، إلا أن الناس أحالوه من جهاد لا شوكة ولا دم فيه ، فجعلوا الشوكة فيه بازرة، والدم نازفًا.
ويرجع ذلك إلى أن الحاج لا يقوم بأوجب الواجبات عليه قبل الخروج إلى الحج، وهو أن يتعلم مناسك الحج من واجبات ومندوبات ومحظورات وآداب وهيئات ورخص وسائر أعمال الحج، وهذا الخطأ هو بالنسبة للأخطاء أُمٌّ لبقية الأخطاء، ويزيد من ذلك الخطأ أن الناس لم يفهموا أن عبادة الحج في هيئتها أعمال عادات أحالتها نية التقرب إلى الله تعالى، والاقتداء بالنبي [ إلى عبادات، فالسفر والترحال واللباس إحرامًا وتحللاً والسير طوافًا وسعيًا، والمكث بمنى وعرفة ومزدلفة والمبيت وقضاء الليل والنهار، ورمي الجمار، كل هذه في هيئتها أعمال عادات صارت بنية التقرب إلى الله، وقصد الاقتداء بالنبي [ صارت عبادة مشروعة، بل مفروضة واجبة لازمة على كل قادر مستطيع للزاد والراحلة، مع أمن الطريق وبلوغ سن التكليف.
زاد من ذلك الخطأ أن صار الناس يقلدون في أمر الحج من ليس له بذلك علم ، فترى هيئة الإحرام كأن كشف الكتف الأيمن من مناسكها، مع أنه سنة فقط في أشواط القدوم السبع فحسب، لكنك ترى الحجاج جميعًا على ذلك، ويعين على هذا أن الملصقات الإرشادية ترسم صورة الحاج في إحرامه وقد كشف كتفه الأيمن، فيثبت ذلك الخطأ ، ومن أسباب الأخطاء: تسمية من يقوم بمساعدة الحجاج في تدبير الإقامة والسفر (مطوفًا)، فيظن الناس أن وظيفته تعليم الناس الطواف ومناسك الحج ، فترى الحاج القادم يسأل أعمالاً عند أولئك المطوفين وهؤلاء لا يتورعون عن الفتيا بما لا يعلمون.
ومما يعين على ذلك طلب التكسب بالبدع، فترى أصحاب السيارات ينادون على الحجيج بالمزارات بالمدينة أو بالعمرة من التنعيم ، أو الجعرانة بمكة، فيظن الناس أن هؤلاء ما داموا موجودين إلى جوار الحرم، فهذا دليل صحة لهذه الأعمال، وكأنها فتوى بمشروعيتها، بل يظنون هؤلاء محلاًّ للفتيا فيسألونهم والآخرون يجيبون ولا يردون العلم لأهله.
هذا، مع أن مراكز الدعوة والإرشاد قريبة يمكنهم أن يسألوهم، بل سيارات التوعية تجوب الشوارع ودعاتها يرشدون الناس في المساجد، لكن الناس لم يتعلموا أن يتحروا في أمر دينهم كما يتحرون في أمر دنياهم.
وإن العامي إذا عرضت له مسألة دينية لا يسعه في الدين إلا السؤال عنها؛ لأن الله لم يتعبد الخلق بالجهل، ولكن تعبدهم بتصحيح القصد والاقتداء بالنبي [.
لذا فإن السائل لا يصح له أن يسأل من لا يعتبر في الشريعة جوابه؛ لأنه إسناد الأمر لغير أهله ، فكأن السائل يقول لمن ليس بأهل للمسألة إذا سأله: أخبرني عما لا تدري، وأنا أسترشد بك فيما نحن في الجهل به سواء، مع أنه لو سأل عن طريق أو مكان يريده ويسأل من يعلم أنه جاهل بالطريق لعده الناس من المجانين، والطريق الشرعي أولى بالرعاية والعناية؛ لأنه هلاك في الآخرة، بينما هذا هلاك في الدنيا.
والمفتي قائم في الأمة مقام النبي صلى الله عليه وسلم ؛ لحديث النبي صلى الله عليه وسلم : «إن العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يُورثوا دينارًا ولا درهمًا ، وإنما ورثوا العلم».
ويحرم التساهل في الفتوى ويحرم استفتاء من عُرف بالتساهل بالفتوى ، ويحرم الفتوى بالتسارع بغير نظر ولا تفكر؛ لظنه أن الإسراع بالفتوى براعة وترك الإسراع عجز ونقص.
ويبقى أن يعلم الحاج أن التزاحم على الحجر ليس من السنة، وأن صعوده على رصيف الكعبة (الشاذروان)، ليصل إلى الحجر يجعل الطواف غير صحيح مثله كمثل الذي يدخل من باب الحجر ويخرج من الآخر؛ لأن هذا الرصيف الذي حول الكعبة من الكعبة ومزاحمة النساء للرجال عند الحجر ليست من الفضل ولا يعفيها من الذنب الذي تقع فيه والذي أوقعت فيه الرجال.
وكذلك ليس من أعمال يوم عرفة صعود الجبل (الصخرات المسماة جبل الرحمة)، فلا النبي صلى الله عليه وسلم صعدها ، ولا أحد من أصحابه.
وعمرة التنعيم إنما أذن النبي صلى الله عليه وسلم فيها لعائشة، رضي الله عنها؛ لأنها لم تكن قد طافت قبل الحج لحيضها، وإنما فعل ذلك ليهدم قول أهل الجاهلية بحرمة العمرة لمن اعتمر حتى ينخلع ذو الحجة والمحرم ويأتي شهر صفر.
وتقبيل أحجار الكعبة ليس من الشرع ، إنما التقبيل للحجر الأسود فقط.
نسأل الله أن يرزقنا حجاً مبروراً، وذنبا مغفوراً.
والله من وراء القصد.
لاتوجد تعليقات