رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الفرقان 9 يونيو، 2015 0 تعليق

مغالطات بيان الكنانة المؤيد للعنف

الدعوة إلى الصدام والمواجهات جلبًا للقصاص يخالف تماما أحكام القصاص وشروطه الموجودة في كتب أهل العلم

 وصف الشيخ عادل نصر، المتحدث الرسمي باسم الدعوة السلفية، البيان المسمى بنداء الكنانة الذي يدعو صراحة إلى تبني العنف والصدام بزعم الجهاد والقصاص في مصر، بأن فيه مخالفات عديدة ومزالق خطيرة.

 وعدد (نصر) تلك المخالفات في 6 نقاط قائلا:

- أولاً: هذا البيان لا يعبأ بالدماء التي عظمتها أدلة الشريعة قرآناً وسنة التي تؤكد أن المرء التي لا يزال في فسحة من دينه ما لم يصب دمًا حرامًا.

     ومعلوم أن موقف المسلم في مثل هذه المواطن ينبغي أن يكون كـ(ابن آدم) الذى قال لأخيه: {لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ ۖ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ}(المائدة: 28)؛ فلِأن يلقى الإنسان ربه وهو عبد الله المقتول خير له من أن يلقى الله وهو عبد الله القاتل؛ فالأمر كما قال ابن عمر -رضي الله عنهما-: «إن من ورطات الأمور سفك الدماء بغير حق»، ومعلوم أن القتال على النحو الذي يدعون إليه يقتل فيه خلق كثير بغير جريمة كما رأينا عبر التاريخ.

     وتساءل (نصر) قائلا: أين هذا من موقف النبي صلى الله عليه وسلم الذي عقد صلح الحديبية على الرغم من الشروط المجحفة؟ وكان من أسباب ذلك الحفاظ على دماء من أسلم في مكة كما، قال تعالى: {هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفًا أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ ۚ وَلَوْلَا رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُؤْمِنَاتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَئُوهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ ۖ لِيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ ۚ لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا ﴿٢٥﴾}(الفتح: 25)، فتأخر فتح مكة سنة والأصنام من حول الكعبة حرصًا منه صلى الله عليه وسلم على دم المسلم الذي هو أعظم عند الله من الكعبة .

- ثانيا: أن ما ذكروه من الدعوة إلى القتل يخالف أحكام الجهاد وضوابطه جملة وتفصيلاً؛ فالجهاد لا يكون بين أبناء الأمة الواحدة، ثم إن للجهاد أحكامًا وشروطا ليس من بينها القصاص والانتقام، كما أنه (أعني الجهاد) أقسام لكل منها ضوابطها التي ينبغي أن تراعى، وهذه كتب أهل العلم قاطبة شاهدة على أن تلك الأعمال ليست من الجهاد في شيء.

- ثالثا: إن ما ذكروه مخالف لمناهج أهل العلم في الفتوى التي لابد لها من حكم شرعي وواقع مرعي، وكما قال ابن القيم -رحمه الله-: «إن صحة الفهم تكون بشيئين فقه في الواقع، ومعرفة حكم الله الذي يكون في هذا الواقع»، وكثيرُ ممن وقع على البيان أفتى فى واقع لا يعلم ملابساته ولا حقيقة ما يدور فيه فأفتى فيما ليس له به علم.

- رابعا: أن ما ذكروه من وجوب القتال للردع والقصاص مخالف لمنهج الأنبياء، الذين لم يدفعوا أتباعهم العُزل للقتال والصدام على الرغم من تعرضهم للأذى والقتل.

     فهذا موسى -عليه السلام- بعد أن قتل فرعون قرابة السبعين ألفا من السحرة لما آمنوا بالله ورسوله وتوعد بنى إسرائيل؛ فما كان من موسى إلا أن قال لقومه: {استعينوا بالله واصبروا}، بل إنه -عليه السلام- لما قتل نفسا كافرة خطأ بغير إذن الله استغفر ربه وأعد هذا ظلمًا لنفسه ومن عمل الشيطان، ووصف الإسرائيلي الذي كان سببا في ذلك لما أراد أن يعيد الكرة في اليوم التالي {إنك لغوى مبين}، قال القرطبي أي تشادد من لا تقدر عليه، على الرغم مما كان يتعرض إليه بنو إسرائيل من القتل والاستحياء للنساء.

وكذلك فعل  صلى الله عليه وسلم فقد أوذي هو وأصحابه الكرام في مكة فما أمرهم إلا بالصبر وعدم رد الأذى، فأين التأسي بالأنبياء عليهم الصلاة والسلام؟

- خامساً: إن ما ذكروه من الدعوة إلى الصدام والمواجهات جلبًا للقصاص يخالف تماما أحكام القصاص وشروطه الموجودة في كتب أهل العلم، ثم متى كان القصاص يترك لعموم الناس؟ إن الأمر حينئذ سيتحول إلى فوضى عارمة ودماء وأشلاء؛ مما يعني مزيدا من الدماء، ومتى كان درء المفاسد بمزيد من المفاسد؟، والشريعة قد جاءت لتحقيق المصالح وتكميلها ودرء المفاسد وتقليلها .

- والسؤال: إذا كانت مصر ساحة جهاد كما يدعون فلماذا تركوها؟ ألم يكن الواجب عليهم ساعتئذٍ الثبات فإما النصر وإما الشهادة، بل إن بعضهم أخذ أولاده حتى لا يبقى شيء ينغصه، فأي تناقض بعد هذا التناقض؟، وبعضهم الآخر حينما أعلنت بعض دول الخليج أن جماعة الإخوان جماعة إرهابية أزالوا فورًا شارات رابعة، وكل ما يدل على انتماءاتهم من على صفحاتهم ومواقعهم ولم يجرؤ أحدهم على التفوه - مراعاة للمصالح ودرءاً للمفاسد ونظراً في المآلات- فأين مراعاة هذه القواعد الشرعية فيما ذكروه عن مصر؟ ولماذا لم يرضوا لغيرهم ما رضوا لأنفسهم؟

وتساءل (نصر) أين الاعتبار بتجارب التاريخ، وبما نراه فى البلدان الإسلامية من حولنا ولقد كانت التجارب في الأربعينيات والخمسينيات والستينيات وما تلاها من حقب أسوأ الأثر على الحركة الإسلامية؛ فما نالت بذلك مراداً، وإنما خسرت جل ما اكتسبته .

ووجه المتحدث باسم الدعوة السلفية، نداء للجميع بأن يتقوا الله، ويراجعوا أنفسهم، ويزنوا أقوالهم وأفعالهم بميزان الكتاب والسنة، وما كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم ، كما نطقت به سيرته العطرة صلى الله عليه وسلم ، ولا يقدموا أبناء أمتهم فريسة للقتل والتشريد.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك