رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: وائل رمضان 16 مارس، 2015 0 تعليق

مع معاناة 15 مليون طفل من النزاعات- الأطفال .. ضحايا الحروب والصراعات السياسية والطائفية

اليونيسف أعلنت سنة 2014 سنة مدمرة للأطفال

15 مليون طفل يعانون من آثار الحروب والصراعات الطائفية أغلبهم في البلدان العربية والإسلامية

إن أخطر آثار الحروب على الأطفال يظهر لاحقًا في جيل كامل ممن نجوا من الحرب وقد حملوا معهم مشكلات نفسية لا حصر لها

7 مليون طفل تأثروا بالصراع الدائر في العراق، وقد حذَّرت (اليونيسيف) من خطورة الأوضاع التي يعيشها هؤلاء الأطفال

تعرض 7,3 مليون طفل سوري لأبشع الانتهاكات وفقًا للقانون الدولي الإنساني، وقانون محكمة الجنايات الدولية 

 

أعلنت منظمة (اليونيسف) قبل فترة أن سنة 2014 كانت سنة مليئة بالرعب والخوف واليأس لملايين الأطفال؛ حيث إن النزاعات المتزايدة عرضتهم للعنف الشديد والآثار المترتبة عليه، والتجنيد الإجباري، والاستهداف المتعمد من قبل المجموعات المتحاربة والميليشيات الطائفية والعنصرية.

     وصرح المدير التنفيذي لليونيسف (آنتوني ليك) قائلاً: «كانت هذه سنة مدمرة لملايين الأطفال، قتل الأطفال وهم على مقاعد الدراسة، أو وهم نيام في أسرّتهم، تعرضوا لليتم والخطف والتعذيب والتجنيد والاغتصاب وللبيع بوصفهم عبيدا، ولم يسبق في ذاكرتنا الحديثة أن تعرض هذا العدد من الأطفال لمثل هذه الفظائع،  ( 15 مليون ) طفل يعاني من النزاعات العنيفة في جمهورية إفريقيا الوسطى والعراق وجنوب السودان ودولة فلسطين وسوريا وأصبح  الكثير منهم بفعل هذه الصراعات نازحين أو لاجئين، ويقدر أن 230 مليون طفل في العالم يعيشون حاليا في دول ومناطق تتأثر بالنزاعات المسلحة.

     ومع تصاعد وتيرة العنف في الوطن العربي في السنوات الأخيرة، بات لا ينقضي يوم دون أن نسمع عن مقتل أو استهداف طفل، بات الأطفال هم الهدف وهم الضحية في تلك الحروب البشعة، والصراعات المدمرة! وإن لم يصب هؤلاء الأطفال بأي مكروه جسدي، تصيبهم التداعيات النفسية ، وتؤثر عليهم وعلى مستقبلهم وحياتهم على المدى الطويل!

     اختطف مئات الأطفال من مدارسهم أو وهم في طريقهم إلى المدرسة، بينما تم تجنيد عشرات الآلاف منهم أو استخدامهم في القوات والمجموعات المسلحة، كما ارتفع عدد الهجمات على مرافق التعليم والصحة وازداد استخدام المدارس لأغراض عسكرية في العديد من الأماكن».

مأساة أطفال سوريا

     تأثر 7,3 مليون طفل بالصراع الدائر في سوريا، منهم 1,7 مليون طفل لاجئ؛ وبحسب الأمم المتحدة كان هناك 35 هجمة على المدارس خلال الشهور التسعة الأولى من السنة؛ تسببت في مقتل 105 أطفال وإصابة 300 آخرين.

     وقد تعرض هؤلاء الأطفال لأبشع الانتهاكات وفقًا للقانون الدولي الإنساني، وقانون محكمة الجنايات الدولية، والقوانين المحلية الوضعية، واتفاقية حقوق الطفل منذ بدء الحراك الثوري في سوريا؛ حيث قام النظام باعتقال أعداد كبيرة من طلاب المدارس، وتم تعذيبهم تعذيباً وحشياً، منذ بداية الثورة السورية وإلى الآن.

      كما يزيد عدد الأطفال المعتقلين في سجون النظام عن عشرة آلاف طفل،  وقد تم توثيق حالات قتل لأكثر من عشرة آلاف آخرين نتيجة القصف العشوائي، ومنهم من قضى تعذيبًا، أو قنصًا أو جوعًا أو في مجزرة أو بالكيماوي.

     كما أن هناك نسبة كبيرة من الأطفال فقدوا أحد والديهم أو الاثنين معًا في مناطق النزاع نتيجة الاقتتال والقصف العشوائي، وبذلك خسروا حقهم بالرعاية والحضانة، كما خسر هؤلاء الأطفال أيضًا حقهم في التعليم بعد تدمير المدارس والتهجير من مناطقهم، ونتيجة للجوع والفقر وتدني مستوى الخدمات بحق اللاجئين والنازحين السوريين.

اغتصاب الفتيات القاصرات

فيما أفادت لجنة الإنقاذ الدولية بهروب فتيات سوريات إلى الدول المجاورة بسبب وقوع حالات اغتصاب عديدة في سوريا من قبل مسلحين تابعين لقوات النظام.

     وكانت الشبكة السورية لحقوق الإنسان قد وثقت أربعة آلاف حالة اغتصاب لنساء منذ بداية الثورة، فخروج هؤلاء النسوة من سوريا ليس هربًا من القصف والعنف الدائر هناك فقط، بل هربًا من استخدام قوات النظام للاغتصاب بوصفها أداة حرب، وكان هذا عاملاً رئيسًا دفع العديد من العائلات للفرار ولاسيما الفتيات إلى الدول المجاورة بحسب تقرير لجنة الإنقاذ الدولية.

     اعتمدت اللجنة في تقريرها على ثلاثة تقييمات أجرتها في لبنان والأردن وسوريا، وبحسب التقرير فإن العديد من النساء والفتيات تحدثن عن التعرض لاعتداءات في العلن أو في منازلهن، وغالبًا ما كانت تحدث حالات الاغتصاب أمام أفراد الأسرة، وهو ما ترجعه مصادر المعارضة لسياسة العقاب الجماعي التي ينتهجها نظام الأسد.

     وبحسب الشبكة السورية لحقوق الإنسان، فقد تم توثيق أربعة آلاف حالة اغتصاب لنساء فقط منذ بداية الثورة السورية، ومن بينها 700 حالة تمت داخل السجون والمعتقلات، فيما بقيت حالات عديدة طي الكتمان خوفًا من عواقب الإدلاء بالشهادات من جهة والحالة النفسية والصحية من جهة أخرى.

     وفيما أفاد تقرير أعدته الشبكة عن حالات اغتصاب جماعي حدثت في ريف اللاذقية وحمص وريف دمشق، بث إعلام النظام السوري تقارير تتحدث عن تعرض فتيات للاغتصاب من قبل مسلحين وإرهابيين قبل أن يسرب منشقون عن التلفزيون الرسمي التسجيل الأصلي.

 مأساة أطفال غزة

وفي غزة ، تسبب النزاع الذي استمر لخمسين يومًا خلال الحرب على غزة في فقدان 54,000 طفل لمنازلهم، فضلا عن مقتل 538 طفلاً وإصابة 3,370 آخرين.

     وتؤكد الإحصائيات أنَّ عدد الأطفال المشردين بلغ نحو 25,220، فيما بلغ عدد الأطفال الذين يحتاجون إلى الدعم النفسي والاجتماعي 373,000 على الأقل، نتيجة معاناتهم من الصدمة، أو لظهور أعراض الضيق المتمثلة بالأرق والذعر والكوابيس واضطرابات الطعام، والعصبية ، والاكتئاب ، وغيرها...، علمًا بأن الدراسات تشير إلى أن 52 ٪ من سكان قطاع غزة تحت سن الـ(18).

     وحسب ما ذكرت رئيسة المكتب الميداني الذي تديره منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف) في غزة (بيرنيل إيرنسايد)، فإن نحو 400 ألف طفل أصبحوا يواجهون مستقبلا «قاتما للغاية» بفعل الصدمات التي يواجهونها بفعل العدوان الإسرائيلي.

مأساة أطفال العراق

     أما في العراق، فيقدر أن 2,7 مليون طفل تأثروا بالصراع؛ حيث تعرض أكثر من 700 طفل للإصابة والقتل وحتى الإعدام، وحذَّرت منظمة الأمم المتحدة لرعاية الطفولة (يونيسيف) من خطورة الأوضاع التي يعيشها أطفال العراق؛ حيث يعانون الحرمان من أبسط الحقوق التي يتمتع بها أقرانهم في الدول الأخرى، وذكرت المنظمة في تقرير لها أن أكثر من 360 ألف طفل يعانون من أمراض نفسية، وأن 50% من طلبة المدارس الابتدائية لا يرتادون مدارسهم، و40% منهم فقط يحصلون على مياه شرب نظيفة.

     وفي جريمة سابقة وماتزال مستمرة ضد الأطفال ظهرت فيها بشاعة المليشيات الطائفية ضدهم أظهر تحقيق صحفي نشر على 6 صفحات في كبريات الصحف السويدية ووكالة الأخبار العالمية (إكسبريس) وعرضه التلفاز السويدي، الذي ترجم إلى أكثر من 12 لغة عالمية قامت به الصحفية السويدية (تيريس كرستينسون) وزميلها (توربيورن انديرسون) اللذان تخفيا ورصدا وجود سوق في وسط بغداد لبيع الأطفال الرضع والكبار، وعرضوا فيه بالصوت والصورة مشاهد غاية في الفزع لأطفال عراقيين يعرضون للبيع بمبالغ لا تزيد عن 500 دولار!!.

الآثار السلبية للحروب على الأطفال

تقول إحصاءات اليونيسيف: إن الحروب عرَّضت (10 ملايين) طفل للاكتئاب والصدمات النفسية، الجزء الأكبر من هذه الأرقام يقع في بلدان العرب والمسلمين.

     ويركز علماء النفس والتربويون على الصدمة بوصفها أكثر الآثار السلبية للحروب انتشارًا بين الأطفال، فغالبًا ما يصاحب الصدمة خوف مزمن (فوبيا) من الأحداث والأشخاص والأشياء التي ترافق وجودها مع الحرب مثل صافرات الإنذار ، وصوت الطائرات ، وصوت الجنود.. إلخ، يقابلها الطفل بالبكاء أو العنف أو الغضب أو الاكتئاب الشديد.

    وتفجر الحروب لدى الأطفال -لا سيما الصغار منهم- أزمة هوية حادة، فالطفل لا يعرف لمن ينتمي؟ ولماذا يتعرض لهذه الآلام؟ أما الأطفال الأكبر – الفتيان – فيجدون أنفسهم وقد أصبحوا في موقف الجندية، عليهم الدفاع عن أنفسهم وذويهم ولو عرضهم ذلك للخطر، وحتى إذا لم يفعل الأطفال ذلك فإنهم يجدون أنفسهم في حالة من التشرد والفقر تفوق قدرتهم على الاستيعاب ولاسيما على التعبير الجيد عن المشاعر والرغبات؛ مما يغذي مشاعر دفينة تظهر في مراحل متقدمة من أعمارهم في صور عصبية وانطواء وتخلف دراسي وغيرها من الأعراض.

     إن أخطر آثار الحروب على الأطفال ليس ما يظهر منهم وقت الحرب، بل ما يظهر لاحقًا في جيل كامل ممن نجوا من الحرب وقد حملوا معهم مشكلات نفسية لا حصر لها تتوقف خطورتها على قدرة الأهل على مساعدة أطفالهم في تجاوز مشاهد الحرب.

ففي العراق مثلاً يشير أحد مسؤولي اليونيسيف إلى أن أكثر من نصف مليون طفل عراقي سيكونون بحاجة إلى علاج نفسي من الصدمة النفسية التي تعرضوا لها خلال الحرب.

     أما في لبنان فقد أشارت جماعة (إنترناشيونال ميديكال كوريس) الأمريكية إلى أن الأطفال اللبنانيين سيواجهون مشكلات صحية ونفسية خطيرة؛ بسبب الحرب التي كان ثلث قتلاها وجرحاها من الأطفال، ورصد أطباء الجماعة تغيرات سلوكية سلبية على أطفال لبنان في مناطق الحرب، أما منظمة اليونيسيف فقد أكدت أن الأحداث المروعة التي شهدها لبنان تركت آثارًا بالغة في نفوس الأطفال، وأن آثارًا خفية عن الأنظار بدأت تظهر عليهم.

معاناة ممتدة

     معاناة الأطفال من الحروب لا تتوقف بتوقف المدافع، بل تصاحبهم إلى مراحل متقدمة من أعمارهم؛ فمذبحة قانا - على سبيل المثال - التي مر عليها حوالي أكثر من عشر سنوات لا يزال الأطفال الذين عايشوها يعانون من اضطرابات نفسية؛ ففي بحث أجراه صندوق الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف) بالتعاون مع وزارة التعليم اللبنانية على 500 طفل لبناني ممن عايشوا أو شاهدوا تلك المذبحة تبين أن 30% من هؤلاء الأطفال لا يزالون يعانون من اضطرابات النوم، و14% يعانون من الاكتئاب، و40% منهم فكروا في الانتحار.

     ختامًا: فإن شراسة الحرب والصراعات السياسية والطائفية لا تكمن في تخريب معالم المدن فقط، بل تتجلّى بشاعتها في تخريب النفوس وتعكير المستقبل وإفساد أجيال لاحقة برمّتها، والأطفال هم أكثر ضحايا تلك الحروب تأذّياً وتشتّتاً وضياعًا؛ ذلك لأنّهم يفقدون براءتهم الواقعيّة، وتتشوّه القيم الجمالية في أعينهم، وهم يشاهدون المناظر المرعبة وهول المجازر الكارثية، ويجدون أنفسهم مرغمين في هذا المعسكر أو ذاك، كما يكونون مستهدفين بناء على النيّات المبيّتة والظنون بأنّهم سيصبحون محاربين مستقبليين أو قتلة مجرمين؛ لذلك تهدَر دماؤهم ، ويصبحون برسم القتل أو مرهونين له وقيد الاقتناص.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك