رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: وائل رمضان 15 سبتمبر، 2015 0 تعليق

مع بداية العام الدراسي الجديد- 13 مليون طفل عربي محرومون من التعليم بسبب الحروب

يوجد 63 ألف طالب ليبي وأكثر من 8.500 معلم لن يكونوا قادرين على الالتحاق بالمدارس في مناطق الصراع

تعرضت ربع مدارس سوريا على الأقل إلى التخريب والتدمير أو استخدامها لأغراض عسكرية أو لجوء النازحين إليها

قامت إسرائيل بمصادرة الحق في التعليم من خلال استهدافها وتدميرها للمؤسسات التعليمة دون أدنى مراعاة للمبادئ الأساسية الخاصة بالتمييز والتناسب

2.7 مليون طفل سوري لا يتلقون التعليم، وفي العراق 3 مليون طفل، ومليونان في ليبيا، و3.1 مليون في السودان، و2.9 مليون في اليمن.

(التعليم في خط النار) كان هذا هو عنوان تقرير صندوق الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف) الذي تناول تأثير الحروب على تلاميذ المدارس في تسع مناطق، من بينها سوريا والعراق واليمن وليبيا والسودان؛ حيث يترعرع جيل بأكمله خارج النظام التعليمي، وحسب التقرير فإن 40٪ من الأطفال في هذه الدول خارج النظام التعليمي، وأن ما مجموعه تسعة آلاف مدرسة تعرضت للتدمير في تلك الدول.

أرقام مخيفة

     وأشار التقرير الذي صدر يوم الخميس 3 سبتمبر 2015 إلى أن هناك أكثر من  13 مليون طفل في الشرق الأوسط وشمالي إفريقيا محرومون من حق التعليم في مدرسة؛ مما يعني نهاية آمالهم وطموحاتهم في مستقبل أفضل.

     وأوضح التقرير أن 2.7 مليون طفل سوري لا يتلقون التعليم من بينهم 700 ألف في الدول المجاورة التي فر إليها اللاجئون السوريون، وفي العراق 3 مليون طفل، ومليونان في ليبيا، و3.1 مليون في السودان، و2.9 مليون في اليمن.

     وقال بيتر سلامة المدير الإقليمي لليونيسيف: إن نسبة الأطفال المحرومين من التعليم في هذه الدول قد تصل إلى 50٪ من مجموع الأطفال في سن التعليم؛ بسبب استمرار تدهور الأوضاع، وأشار التقرير، إلى أن المدارس تتعرض لهجمات، وفي الكثير من الأحيان تحولت إلى ملاجئ لإيواء الأسر المشردة أو قواعد للمقاتلين.

     وأوضحت اليونيسيف أن الأطفال الذين يحرمون من التعليم قد ينتهي بهم الحال بالقيام بأعمال غير مشروعة، وكثيرًا ما يصبحون معيلين لأسرهم، ويصبحون عرضة للاستغلال، ومن الممكن أن يتم تجنيدهم في الجماعات المسلحة بسهولة أكبر. وأضاف التقرير أن قرابة تسعة آلاف مدرسة في سوريا والعراق واليمن وليبيا وحدها لا تستخدم في الأغراض التعليمية، وتابع أن آلاف المعلمين في المنطقة تركوا عملهم بدافع الخوف؛ مما دفع أولياء الأمور إلى عدم إرسال أبنائهم إلى المدرسة، وقال سلامة: إن الدول التي تستضيف اللاجئين تكافح لتعليم الأطفال؛ لأن أنظمتها التعليمية لم تؤسس لاستيعاب مثل هذه الأعداد الكبيرة.

فقدان جيل كامل

     ولفت التقرير إلى أن العالم بصدد فقدان جيل كامل من الأطفال في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وإنه يجب التحرك بعَجَل وإلا سيلحق ضرر على المدى البعيد بالأطفال في المنطقة، ويتعذر تغييره.

مأساة أطفال سوريا

     مع نهاية العام الرابع من عمر الحرب في سوريا تشير الإحصاءات أن ثلاثة ملايين طفل سوري لا يذهبون إلى المدرسة؛ مما يجعلهم عرضة للاستغلال، ويهدد مستقبلهم، ويعد حرمان الطفل السوري من حقه في التعليم اعتداءً بطيئًا وصامتًا.

تكاليف باهظة

      وثمة تحليلات جديدة من منظمات حقوقية مثل منظمة: (أنقذوا الأطفال، ومركز المعلمين البريطانيين، ومعاهد الأبحاث الأمريكية)، تسلط الضوء على التكلفة الاقتصادية الباهظة التي يتسبب بها غياب هذا العدد الهائل من الأطفال عن المدرسة على مستقبلهم ومستقبل بلدهم.

     وقد بلغت تقديرات هذه المنظمة لتكلفة استبدال ما تم تخريبه أو تدميره أو احتلاله من مدارس وما فقد من معدات بحوالي 2 مليار جنيه استرليني (3 مليار دولار أمريكي)، كما أشارت إلى أن تأثير انقطاع ثلاثة ملايين طفل سوري عن الدراسة نهائيًا على المدى البعيد قد يبلغ 5.4% من إجمالي الناتج المحلي، أي ما يعادل حوالي 1.5 مليار جنيه استرليني (2.18 مليار دولار أمريكي).

استهداف المدارس

     وقد تعرضت ربع مدارس سوريا على الأقل إلى التخريب والتدمير أو استخدامها لأغراض عسكرية أو لجوء النازحين إليها، بينما تم هجر غيرها بسبب خوف الأهالي من تعريض أولادهم لخطر التفجيرات والقصف العشوائي.

التعليم في دول اللجوء

     أما المأساة الأخرى التي يتعرض لها أطفال سوريا فهي معاناتهم في مخيمات اللجوء؛ حيث يعد التعليم الكامل للعديد من الأطفال السوريين اللاجئين ضربًا من الرفاهية؛ إذ لا يحظى قرابة النصف من اللاجئين في العمر الدراسي بأي تعليم وعدد المسجلين ببرامج التعليم الرسمية لا يتجاوز 340 ألفًا، ينخفض هذا الرقم كثيرًا في بعض المناطق؛ ففي لبنان الذي اتخذ العدد الأكبر من اللاجئين نجد أن هناك 78% من الأطفال السوريين لا يتلقون تعليمًا.

تعليم متقطع وغير كافٍ

    أما التعليم الذي يناله بعضهم فهو متقطع وغير كافٍ؛ فالمناهج غير المألوفة والعوائق اللغوية والزحام والعنصرية ضد الأطفال السوريين كلها عوائق تحول دون حصولهم على التعليم، ومعظم الأطفال اللاجئين يعيشون خارج المخيمات الرسمية في مجتمعات مضيفة أو مستوطنات غير رسمية، وحصولهم على التعليم مقوض بمحدودية استيعاب أنظمة التعليم الحكومية في الدول المضيفة والضغوط المالية الهائلة التي يرزح الأهل تحتها، وبالنسبة للعائلات اللاجئة التي خسرت كل ما تملك فإن كسب القوت قد يدفع أبناءهم إلى عمالة الأطفال والزواج المبكر؛ مما يبعدهم عن المدرسة، ويقلل من فرصة عودتهم إليها.

مأساة أطفال اليمن

     أما مأساة أطفال اليمن في قضية التعليم فحدث ولا حرج، فقد كشفت منظمة اليونيسيف التابعة للأمم المتحدة المعنية بالطفولة عن أرقام «مخيفة» بحق أطفال اليمن جراء الحرب الدائرة فيه، فقد كشفت المنظمة عن توقف مئات الآلاف من الأطفال عن الدراسة، ومقتل العشرات منهم وتوقف مئات المدارس.

تأثير مدمر

     وعَدَّتْ المنظمة الصراع الدائر في اليمن له تأثير مدمر على نظام التعليم في البلاد وعلى فرص ملايين الأطفال في الحصول على التعليم، وأشارت المنظمة إلى أن القتال في اليمن أدى إلى عرقلة حوالي 1.8 مليون طفل عن دراستهم.

     وفي حوار مع إذاعة الأمم المتحدة، أوضح المتحدث باسم اليونيسف (كريستوف بوليرياك)، أن إعادة فتح المدارس يعد أولوية لليونيسف لمنع تجنيد الأطفال من قبل الجماعات المسلحة، وتوفير الشعور بالحياة الطبيعية لهم.

     وأضاف: «لأن التعليم مهم جدًا خلال الصراع، فهو يحمي الأطفال، ويساعدهم على الشعور بالحياة الطبيعية؛ فالكثير من الطلاب ليس لديهم أقلام؛ ويرسمون على الأرض، إننا بحاجة إلى 11 مليون دولار للمساعدة في دعم إعادة تأهيل المدارس المتضررة، وتقديم الدعم النفسي والاجتماعي أيضا». وذكرت اليونيسف إن القصف المكثف والقتال الدائر في الشوارع في الأشهر الأخيرة قد أدى إلى مقتل 365 طفلاً منذ أواخر مارس الماضي، وإغلاق أكثر من 3600  مدرسة حتى الآن.

مأساة أطفال فلسطين

     أما أطفال فلسطين فلم يكن حالهم بأحسن حال من إخوانهم في سوريا واليمن برغم توقف الحرب الأخيرة التي تعرضت لها غزة قبل قرابة العام؛ حيث قامت إسرائيل بمصادرة الحق في التعليم من خلال استهدافها وتدميرها للمؤسسات التعليمة دون أدنى مراعاة للمبادئ الأساسية الخاصة بالتمييز والتناسب والضرورة العسكرية، التي تحظر استهداف هذه المؤسسات كونها من الأعيان المدنية المحمية، كما وألحق العدوان دمارًا في البيئة التعليمية عمومًا من خلال استهداف وتدمير محطة الطاقة الكهربائية وخطوط المياه والصرف الصحي والمساكن والوحدات السكنية وغيرها من مكونات البيئة التعليمية.

أضرار بالغة

     وقد أصدرت وزارة التربية والتعليم العالي في غزة تقريرًا مفصلاً ونهائيًا عن الأضرار التي لحقت بالتعليم نتيجة العدوان على قطاع غزة؛ حيث وضّح التقرير أن الأضرار التي لحقت بقطاع الأبنية المدرسية نتيجة العدوان الإسرائيلي على غزة بلغت (33,130,687,2) مليون دولار، ومن أهم ما لحق في قطاع التعليم نتيجة لاستهدافه من قوات الاحتلال هو ما يلي: تضرر (278) مدرسة، منها (187) تابعة لوزارة التربية والتعليم، (91) تابعة لوكالة الغوث، (49) تابعة للقطاع الخاص؛ حيث تضررت (23) مدرسة حكومية، و(5) مدارس تابعة للوكالة كليًّا بما لا يسمح باستخدامها عند افتتاح العام الدراسي الجديد، وتعرضت (12) مؤسسة تابعة للتعليم العالي لأضرار وهي: الجامعة الإسلامية، جامعة الأزهر، جامعة فلسطين، جامعة غزة، الكلية الجامعية للعلوم التطبيقية، كلية مجتمع جامعة الأقصى، كلية فلسطين التقنية، والكلية الجامعية للعلوم والتكنولوجيا، كلية الرباط الجامعية، كلية الدراسات المتوسطة- جامعة الأزهر، الكلية العربية للعلوم التطبيقية. واستهداف (199) مقراً لرياض الأطفال.

     وقد أصدر مركز الميزان لحقوق الإنسان تقريراً أفاد باستخدام (25) مدرسة حكومية و(90) مدرسة تابعة لوكالة الغوث مراكز إيواء للنازحين من العدوان الإسرائيلي على السكان المدنيين؛ حيث بلغ عدد النازحين (460) ألف نازح؛ مما أدى إلى تأجيل بدء العام الدراسي ولاسيما أن هذه المدارس تعرضت للأضرار من استخدامات النازحين؛ كونها غير مؤهلة للاستخدام بوصفها مراكز للإيواء، ورصد مركز الميزان أيضاً استهداف (6) مدارس يتخذها السكان النازحين بوصفها مراكز للإيواء، بالرغم من قيام وكالة الغوث بإبلاغ سلطات الاحتلال مرات عديدة بمواقع هذه المدارس وإحداثياتها الهندسية؛ حيث قُتل (39) شخصًا، وأصيب (290) شخصاً داخل هذه المدارس أو في محيطها، واستشهد (19) موظفاً يتبعون وزارة التربية والتعليم العالي، فضلا عن إصابة عدد آخر منهم.

     وأضاف تقرير الميزان باستشهاد وجرح الآلاف من الطلبة في مختلف المراحل التعليمية نتيجة للعدوان وإصابة العديد منهم بإعاقات متنوعة؛ مما يرفع من إشكاليات المؤسسات التعليمية في التعامل معهم بسبب ضعف مواءمتها للتعامل مع الطلبة من ذوي الإعاقة.

     كما أن تدهور الحالة النفسية للأطفال نتيجة للخبرات الصادمة أثناء العدوان على القطاع، وزيادة اكتظاظ الطلبة في الصف الواحد وزيادة نسبة المدارس التي تعمل بنظام الفترتين، ولاسيما بعد الدمار الذي لحق بها خلال العدوان، ونزوح العائلات الغزية من المناطق الحدودية والمناطق التي لحق بها دمار واسع وتركزها في مراكز المدن سيرفع من تعداد الطلبة في مدارس تلك المدن، وسيلقي بظلاله السلبية على قدرة الطلبة على التحصيل العلمي.

     من خلال هذه المعطيات التي تدلل على تدهور واقع الحق في التعليم العام والعالي، ولاسيما مع حالة التراجع المستمرة في مؤشرات التعليم؛ بسبب سنوات الحصار الطويلة التي تسببت بانتهاك خطير لحق سكان القطاع في الحصول على التعليم المناسب؛ فمن المتوقع تفاقم تدهور الأوضاع التعليمية؛ لما تسبب به العدوان من آثار خطيرة على التعليم وتدمير للمنشآت التعليمية.

مأساة أطفال ليبيا

     أطفال ليبيا صاروا للأسف رقما مضافا لإخوانهم المنكوبين في البلدان الأخرى، المنكوبين الذين يعانون المرض والجوع والعجز والجهل بعدما ترك الكثير منهم مقاعد الدراسة والتحصيل العلمي مرغمين؛ لأنهم هاجروا مع ذويهم من ديارهم ومدنهم بعد دمار مؤسساتهم التعليمية كأطفال مدن (زليتن)، (وسرت)، و(وبني وليد)، وغيرها من المدن الليبية.

     وبحسب تقرير أصدره مسؤولو التعليم في بنغازي مؤخرًا فإن 63 ألف طالب وأكثر من 8.500 معلم لن يكونوا قادرين على الالتحاق بالمدارس في مناطق الصراع؛ حيث صرح المتحدث باسم وزارة التعليم قائلاً: «استثنت الوزارة بعض المدارس الواقعة في مناطق غير آمنة والمدارس التي يقطنها نازحون حاليًا من بدء العام الدراسي الجديد، يمكن للطلاب والمعلمين النازحين الالتحاق بأي مدرسة قريبة من مكان إقامتهم».

التعليم يجب ألا يتوقف

     نخلص مما سبق أنه بالرغم من هول حجم الاعتداءات على التعليم والمخاطر التي يتعرض لها، إلا أنه من الضروري ألا يتوقف التعليم بأي حال من الأحوال؛ لأن حصول الأطفال على التعليم في جميع الظروف ليس فقط من حقهم، وإنما من أجل حمايتهم؛ فعندما يذهب الأطفال إلى المدرسة يكونون أقل عرضة للمخاطر مثل عمالة الأطفال والانخراط في المجموعات المسلحة، كما تساهم المدرسة في تحسين حالة الطفل؛ حيث توفر شعورًا بالاستقرار في حياته وتعلمه كيفية التكيف مع ظروفه؛ لذلك يجب على المجتمع الدولي اليوم وضع التعليم في قائمة الأولويات عند تعامله مع الأزمات التي تمر بها المنطقة، وكذلك لابد لدول اللجوء وغيرها من الدول التي تهتم لأمر هؤلاء المنكوبين أن تعلم أن جيلاً كاملاً معرض للضياع، وأن مستقبل هذا الجيل أمانة في أعناقهم سيسألهم الله عنها يوم القيامة، فليعدوا للسؤال إجابة.

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك