رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: د.أحمد حمدي 12 مارس، 2018 0 تعليق

معنى كونك مسؤولاً!

 

كثيرٌ مِن الناس عندما يسمع كلمة «مسؤول» يقع في ذهنه المكانة الرفيعة، والمنصب والصلاحيات، والوضع الاجتماعي؛ ولذلك فإن بعضهم يسعى إليه مستشرفًا متطلعًا له، ويبذل مِن أجله المال، وربما يقاتِل مِن أجل الوصول إليه؛ لينال حظـًّا دنيويًّا أو شهرة أو حصانة أو تعظيمَ الناس له، مع أن النبي -صلى الله عليه وسلم - حذر مِن ذلك، فقال: «إِنَّا وَاللهِ لَا نُوَلِّي عَلَى هَذَا الْعَمَلِ أَحَدًا سَأَلَهُ، وَلَا أَحَدًا حَرَصَ عَلَيْهِ» (متفق عليه)، وقال: «لَا تَسْأَلْ الْإِمَارَةَ، فَإِنَّكَ إِنْ أُعْطِيتَهَا عَنْ مَسْأَلَةٍ، وُكِلْتَ إِلَيْهَا، وَإِنْ أُعْطِيتَهَا عَنْ غَيْرِ مَسْأَلَةٍ، أُعِنْتَ عَلَيْهَا» (متفق عليه).

ويستثنى مِن ذلك ما فعله يوسف -عليه السلام- مِن قوله: {اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ} (يوسف:55)، وهذا في حالة إذا لم يقدِّمه غيره، ولم يعلموا بإمكانياته، ولا يوجد غيره يقوم بهذا الفرض الكفائي؛ فيضطر أحيانًا للإقدام عليها.

ما معنى كونك مسؤولًا؟

معناه أنك ستُسأل مِن غيرك -مَن فوقك وتحتك مِن الناس-: عن القيام بمهامك وواجباتك، وتتحمل تبعات المسؤولية، وقبْل ذلك ستُسأل أمام الله؛ فأعد للسؤال جوابًا.

     أتكلم الآن عن المسؤوليات الدعوية، عن قطاعٍ أو لجنةٍ أو مساحة ما؛ لأن الكثير يطالب بصلاحياته ويعترض على أي تجاوز إداري، وفي الوقت نفسه يقصِّر ولا يقوم بالواجبات التي عليه، قال الله -تعالى-: {وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ. الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ. وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ} (المطففين:1-3).

فإنسان الحقوق يبحث عن حقوقه فقط غير إنسان الواجبات الذي يؤدي الذي عليه، وينتظر الجزاء مِن الله، وليس رد الجميل مِن البشر!

     وكذلك عندما يعلم أن هناك متابعة له يرتِّب أوراقه حتى لا يسقط مِن نظر الناس أو تقل مكانته عندهم؛ فيتعجل ويتكلف ويتصنع «تمام يا أفندم!»، كالكثير في العمل الحكومي عندما تأتي مراقبة مِن الجهاز المركزي أو الرقابة الإدارية يراعي نظر الناس مع أنه في العمل الدعوي ليس هناك خصم مِن راتب أو فصل مِن وظيفة أو جزاءات، ولكنها قضية أدبية شرعية دينية؛ فالمفترض أن هناك ابتغاء الثواب مِن الله وفقط، وليس رضا الناس، قال النبي -صلى الله عليه وسلم -: «مَنِ الْتَمَسَ رِضَا الله بِسَخَطِ النَّاسِ رَضِيَ الله عَنْهُ، وَأَرْضَى النَّاسَ عَنْهُ، وَمَنِ الْتَمَسَ رِضَا النَّاسِ بِسَخَطِ الله، سَخِطَ الله عَلَيْهِ، وَأسْخطَ النَّاسَ عَلَيْه» (رواه الترمذي وابن حبان، وصححه الألباني).

فما بالك أن الذي يراقِب عملك هو الله، المطَّلع على ما في قلبك، الذي لا تخفى عليه خافية؟!

     فإذا كنتَ تستطيع أن تخفي العيوب عن الناس وتهرب مِن ذمهم بالمعاذير والمسوغات؛ فإن ذلك لا يروج على الله -عز وجل-، قال -تعالى-: {بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ. وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ} (القيامة:14-15)، {وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} (التوبة:105)، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إِنَّ اللَّهَ لا يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ، وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ» (رواه مسلم).

     فينبغي أن تراجع نفسك في تحملك للمسؤولية والأمانة الملقاة على عاتقك: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ» (متفق عليه)، «إِنَّ اللَّهَ سَائِلٌ كُلَّ رَاعٍ عَمَّا اسْتَرْعَاهُ: أَحَفِظَ أم ضَيَّعَ؟» (رواه الترمذي وابن حبان، وحسنه الألباني).

     فلا بد مِن استفراغ الوسع في متابعة مَن هو في عنقك مِن شبابٍ أو طلائع أو فريق عمل، وتربيتهم وحل مشاكلهم، ونصحهم وتحفيزهم وتنشيطهم، ودفع الكسل واليأس عنهم، وتعليمهم والتنسيق بينهم، والتفكير لهم وحمل الهم، وإيصال التكليفات والقرارات، والمسوغات والتفسيرات لهم، وبدقةٍ وبسرعة دون توانٍ.

     وإذا رأيتَ مَن هو أفضل منك وأولى؛ فلا تتردد أن تقول له: «أنتَ اليوم أفضل مني!»، كما قال الراهب للغلام؛ فبعضهم يقتل الإبداع والكفاءات، وهذا يقدح في النية؛ فأين نقل الأمانة للأجيال القادمة واستمرار الدعوة، والدفع بدماءٍ جديدةٍ، والاستفادة مِن حماسة الشباب وفراغهم وبذلهم؟!

     وينبغي الحذر مِن أن بعض الناس يريد المكانة الدينية في قلوب الآخرين ابتغاء عرض الدنيا؛ فيكون ممَن يشتري دنياه بآخرته، وأن يُكرم مِن أجل دينه، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «مَا ذِئْبَانِ جَائِعَانِ أُرْسِلَا فِي غَنَمٍ بِأَفْسَدَ لَهَا مِنْ حِرْصِ الْمَرْءِ عَلَى الْمَالِ وَالشَّرَفِ لِدِينِهِ» (رواه أحمد والترمذي، وصححه الألباني).

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك