رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: أبو الحسن مصطفى بن إسماعيل السليماني 17 ديسمبر، 2013 0 تعليق

معـــالـــم في الوسطية والاعتدال

الحمد لله وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى، أما بعد:

فإن دين الله -عز وجل- وسط بين الغالي فيه والجافي عنه، وإن الشيطان حريص على إخراج المرء من طريق الاعتدال، ولا يبالي أكان ذلك بتفريط منه أم بإفراط، والموفق من وفقه الله تعالى؛ ولذا فالمؤمنون يدعون ربهم في أشرف عباداتهم وهي الصلاة، قائلين: {إهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين} (الفاتحة:6-7)، والمغضوب عليهم هم أهل الإفراط والغلو، والضالون هم أهل التفريط والجفاء، ولا يلزم من ذلك أن كلا الطائفتين سالمة من عيب الأخرى؛ فاليهود فيهم إفراط وجفاء، والنصارى فيهم تفريط وغلو، وبقدر فهم المرء دينه فهما صحيحا بقدر تحقيقه ما أوجبه الله عليه في الاعتدال، وعكسه عكسه، ومن فهم مراد الله -عز وجل- ومراد رسوله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وسلم ولزم سبيل المؤمنين أمن الفتنة، وكان مفتاح خير على نفسه وعلى غيره، وانتفع ونفع، وصلح وأصلح، بخلاف من اضطرب في هذا الباب، فإنه يبني ثم يهدم، وربما كان ضرره أعظم من نفعه، والتاريخ السابق واللاحق يدلان على ذلك دلالة واضحة.

ولأهمية هذا الأمر، فقد رأيت أن أوضحه ما أمكن في هذه المقالات الموجزة:

     وسطية أهل السنة في مسائل الاعتقاد: معلوم أن مسائل الاعتقاد من أهم مسائل الديانة؛ لما ينبني عليها من مسائل العبادات، والأخلاق، والمعاملات.

     فمن حسن اعتقاده -وفقه الله تعالى- حسنت عباداته ومعاملاته، وكان مفتاح خير مغلاق شر: {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ} (محمد:17)، ومن فسد اعتقاده فسد فهمه للأمور وتصوره، وفسد بذلك حاله في المعاملات والأحكام؛ وربما فسد حاله في العبادات {فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ} (الصف:5).

وقد وفق الله أهل السنة لحسن الاعتقاد لأسباب:

1 - أنهم يؤمنون بالكتاب كله، وبما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وسلم، فلا يضربون الكتاب بعضه بعضا.

2 - أنهم حكموا النصوص وعلى الآراء والعقول والأهواء، وجعلوا هذه الأمور تابعة للنصوص لا حاكمة عليها، والنصوص منضبطة، والاستحسانات مضطربة، فمن يقيد بالمنضبط نجا.

3 - أنهم تجردوا من الأهواء المضلة، فليس لهم هَمِّ إلا نصرة ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم وعلى آله وسلم، فلا ينتصرون لكبير أو صغير على حساب الحق، ويدورون مع الحق حيث دار.

4 - أنهم جمعوا أدلة الباب الموافقة التي ظاهرها المخالفة، وأخذوها ممن توافرت فيه الشروط قبول الرواية، حسب منهج علمي رصين لهم وعليهم، دون النظر إلى موافقة الراوي لهم أو مخالفته، ووفقوا بينها حسب القواعد الشرعية، فكان مذهبهم جامعا لكل الأدلة من المنقول والمعقول.

5 - أنهم استرشدوا بفهم السلف الصالح من الصحابة ومن بعدهم {أُولَٰئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ } (الأنعام:90)، {فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ} (البقرة:137)، وقد أثمرت هذه الأسباب ثمرة مباركة في الوسطية والاعتدال في باب الاعتقاد وغيره.

     ففي باب الإيمان والوعد والوعيد: قولهم وسط بين المرجئة المفرطين، والخوارج والمعتزلة الغلاة المارقين.

وفي باب الأسماء والصفات: قولهم وسط بين المشبهة والمجسمة، والنفاة المعطلة.

وفي باب الصحابة: قولهم وسط بين النواصب الجاحدين والروافض الغلاة الجاحدين المنكرين.

وفي باب القدر وأفعال العباد: قولهم وسط بين الغلاة والنفاة، بين القدرية والجبرية.

     وهكذا في بقية الأبواب تراهم أسعد الطوائف بالمنقول والمعقول، وبالنظر والاعتبار والآثار، وتراهم قد سلموا من كل الإيرادات على مخالفيهم، وترى حجتهم قاهرة، ومحجتهم ظاهرة، حتى إن كثيرا من الفرق على انحرافها. باعتقادهم يتظاهر؛ وإذا ردوا على المخالف لا يخرج عن إلزاماتهم، ولا يستطيع أن يلزمهم بما يلزمون به، ولا يستطيع أن يقلب حجتهم عليهم، كما يفعلون هم مع أهل الفرق.

     وهكذا كله تطبيق عملي لبعض المعالم السابقة، وكما قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- كما في (مجموع الفتاوى 4/53): ومن المعلوم أن العلم أصل العمل، وصحة الأصول توجب صحة الفروع. اهـ.

     وقال في (المنهاج: 5/83، ومجموع الفتاوى: 19/203): ونحن نذكر قاعدة جامعة في هذا الباب لهم ولسائر الأمة، فنقول: لابد أن يكون مع الإنسان أصول كلية يرد إليها الجزئيات ليتكلم بعلم وعدل، ثم يعرف الجزئيات كيف وقعت، وإلا فيبقى في كذب وجهل في الجزئيات، وجهل وظلم في الكليات، فيتولد فساد عظيم. اهـ.

 

     وقال في بيان تخبط الرافضة: ولهذا قال فيهم الشعبي: يأخذون بأعجاز لا صدور لها. أي بفروع لا أصول لها.اهـ (المنهاج: 8/355).

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك