رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: أسامة شحادة 3 يونيو، 2013 0 تعليق

معركة القصير.. لا تحسبوه شرًا لكم

تدور منذ أيام معارك ضارية، يشارك فيها عناصر حزب الله بجانب جيش الأسد ضد قوات الجيش الحر والكتائب الجهادية، وفي الوقت الذي تتواصل فيه قوافل الإمداد من إيران وروسيا لقوات الأسد، وميليشيات حزب الله، يبقي الجيش الحر والكتائب المجاهدة في العراء، دون غطاء جوي، ولا إمدادات عسكرية أو إغاثية من قبل العالم كله، فبرغم أن هناك مئات الملايين لا ينامون إلا بعد أن تذرف دموعهم على قتلى القصير وأخواتها على يد مجرمي نظام الأسد وأذنابه، فإن هناك أيضًا ملايين أخرى من المسلمين والعرب تسهر للفجر، طربًا، ورقصًا، وفرحًا، بأبطال (عرب آيدول) وهم يمتلكون من الميزانيات ما يمكّن عضوة بلجنة التحكيم من شراء فستان بـ أكثر من مليون ريال، وينفق أحد المعجبين 850 ألف دولار ثمن رسائل نصية لدعم إحدى المتسابقات!!

 

     وفي الوقت الذي لا تغيب فيه أخبار القصير عن نشرات الأخبار التي تحصي عدد القذائف والصواريخ المتساقطة على رؤوس الأبرياء، وتعد القتلى والجرحى، يقف العالم المتحضر مراقبًا؛ لاجتياز الأسد الخط الأحمر العاشر!!

     ومع هذا كله فإني على يقين بأن معركة القصير هي خطوة مهمة، ومهمة جدًا، على طريق نهضة الأمة وعزتها، وبغض النظر على الفوز بها أو عدمه، فليست القصير بأول مآسينا، ولن تكون الأخيرة، ولكن القصير تمتاز بأنها معركة سقطت فيها الأقنعة، وتهاوت فيها الأكاذيب، وأوقفت الأمة مع الحقيقة وجهًا لوجه، عارية من الأكاذيب والأباطيل، وهي وقفة علنية لا خفاء فيها، وليست محصورة بفئة، أو مخصوصة بنخبة، وهذا كله سيجعل من القصير عبرة وعظة للأمة بأجمعها، وسيجعل الاستفادة من عبرها ودروسها سريعة، وسريعة جدًا.

     فإذا كانت مآسينا قديمًا تكررت؛ بسبب أنها كانت لا تصل إلا بعد وقت طويل، وقد تكون محرفة ومحملة بالأكاذيب؛ بحيث تجعل الجاني ضحية، والمجني عليه هو الجاني، كما تفعل إسرائيل اليوم؛ حيث تدعي أن الطفل محمد الدرة لم يُقتل برصاص إسرائيلي!! وكما تم مع مجزرة حماة التي طمسها حافظ الأسد، حتى نسيها غالبية الشعب السوري، فأتت الثورة، وكشفت عن حقيقتها المروعة، وكذلك المجازر التي قامت بها روسيا والصين، بحق مواطنيهما المسلمين إبان ثورتيهما الشيوعيتين، فقد أبادتا مئات الملايين من المسلمين الذين لم يجدوا من يدافع عنهم، أو يفضح الجريمة التي حصلت لهم، ولمن أراد الزيادة فليطالع كتاب (قتلوا من المسلمين مئات الملايين) لمحمود القاسم.

     الأمة تعرضت للكثير من المآسي، وقد سجل التاريخ كثيرًا منها، مثل فظائع جرائم التتار، حين غزوا العالم الإسلامي، وقد وصف ابن عربشاه في كتابه (عجائب المقدور في أخبار تيمور) ما جرى من جرائمهم، وكأنه يشاهد معنا اليوم مقاطع اليوتيوب لشبيحة بشار، والميليشيات الشيعية الطائفية في لبنان والعراق واليمن، فقال:

بفروع جنكيز خان ذاك

 

                         الظالم النحس الكفور

فأباح إهراق الدما

 

                         من كل صبار شكور

وأحل سبي المحصنا

 

                         ت المؤمنات من الخدور

ورمى على النار الصغا

 

                         ر كأنهم فيها بخور

وأضاف في هذا إلى

 

                         فعل الزنى شرب الخمور

طورًا يرى نكث العهو

 

                         د وتارة نقض النذور

وعدا على السادات من

 

                         أهل الصيانة والوقور

من كل ذئب صائل

 

                         منهم ومن كلب عقور

فتكوا وقد بتكوا القلو

 

                         ب وبعدما هتكوا الستور

وشووا جباهًا طالما

 

                         سجدت لذي الرب الغفور

وكووا جنوبًا وقد جفت

 

                         طيب المضاجع والظهور

واستخلصوا الأموال من

 

                         أيدي البرايا بالفجور

وسقوهم كأس السمو

                         م وجرعوا كأس الحرور

     ومع كل ذلك سرعان ما قامت الأمة ونهضت من نكبتها، واستوعبت التتار والمغول الغزاة، الذين أصبحوا مسلمين، يدافعون عن الأمة، وعادت بغداد والشام لتكون قلب العالم والحضارة، ولذلك فإن ما يجري اليوم في معركة القصير سيكون خيرًا وبركة على الأمة والشعب السوري، وما هو إلا بمثابة الصدمة الكهربائية لإنعاش المرضى، والتي يعقبها بإذن الله نجاة، وحياة مديدة وسعيدة.

     وقد بدأت بواكير بركة معركة القصير في سقوط ورقة التوت عن أعداء الأمة، فمحور الممانعة المزعوم فُضح، وانكشفت طائفيته البغيضة، وانكشف معها مخططه الحقيقي للسيطرة على المنطقة، بالتفاهم مع إسرائيل وأمريكا وروسيا.

     ومن بركة القصير أنها حددت بوصلة العزة والكرامة باتجاه الاستعانة بالله وحده (ما لنا غيرك يا الله)، وأن الدول العربية والدول الغربية تركض خلف مصالحها، وليس مبادئها، ولذلك ليس مهمًا عندهم كم يموت من الشعب السوري بقدر معرفة كم يلزم أن يموت لتتحقق رؤيتها للحل السياسي عبر جنيف 2 وما بعده، وطبعًا الجانب الآخر من الحل السياسي المتمثل بإيران وروسيا والصين الذين ينفذون القتل بحق الشعب السوري.

     ومن بركة معركة القصير أن الوعي الحي بدأ يدب في الأجيال الصاعدة من الأمة، التي تشاهد المأساة عبر الشاشات، أو في الطرقات، من خلال اللاجئين السوريين في بقاع الأرض، وكما كانت الهزيمة في عام 67 بقيادة التيار الناصري سببًا لانطلاق شرارة الصحوة الإسلامية، التي وصلت للحكم اليوم، فإن معركة القصير ستكون فصلًا جديدًا في مسيرة الصحوة الإسلامية، فصلًا جديدًا لا ينطلق من شعوب إسلامية على الورق، كما كان الحال من قبل؛ بل هو فصل جديد ينطلق، والمساجد ممتلئة، والقرآن يتلى، وأفواج الصائمين والحجيج لا تحصر، فصل جديد تسلح بالعلم والمعرفة الشرعية والدنيوية، وسيُراكِم على تجارب الماضي فيستفيد منها، ويهتم بالوعي والمعرفة، والتخطيط السليم، وإذا كانت الصحوة السابقة نجحت في تقديم تجربة ماليزيا وتركيا، فالصحوة القادمة بإذن الله ستقدم نماذج أرقى وأكثر، مما يؤكد أن الأمة الإسلامية تمرض ولكن لا تموت.

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك