رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: محمود طراد 5 نوفمبر، 2018 0 تعليق

معايير الاعتدال الإسلامي في الفكر الغربي (4) موقف التقارير الغربية من المجتمع المسلم

أوصى الله -عزوجل- المؤمنين أن يكونوا إخوة، وألا يتفرقوا كما تفرّق الذين من قبلهم؛ فقال -سبحانه وتعالى-: {إنما المؤمنون إخوة}(الحجرات)، وقال -سبحانه-: {ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا}، وقال النبي صلى الله عليه وسلم : «المؤمن للمؤمن كالبنيان المرصوص»، بيد أن الفكر الغربي في مخططاته لتفتيت الشعوب الإسلامية، يسعى إلى توسيع الفجوات الخلافية الطبيعية بين المسلمين؛ فالخلاف موجود منذ قديم الأزل وسيظل، لكننا بالنظر إلى ما يسطره الفكر الغربي في تقاريره، نجد أنه يسعى دائما إلى تحقيق قاعدة (فرق تسد) والله -تعالى- قد نبه عباده المؤمنين إلى هذه النية الخبيثة منذ زمن، وأوصاهم بالإصلاح ولم الشمل في كثير من المواطن، مثل قوله -تعالى-: {فأصلحوا بين أخويكم واتقوا الله}، وقوله -تعالى-: {لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس}؛ فماذا كتبت التقارير الغربية في هذا الباب ؟

 

لماذا يهتمون بالمجتمع المسلم ؟

      ليس من العجيب أن نرى اهتمام المؤسسات الغربية بالخريطة الفكرية للمجتمعات المسلمة؛ لأن هذا الاهتمام ما هو إلا لمعرفة أهم القضايا على الساحة المسلمة، وما مدى التمسك بها، وكيفية استخدام القضايا الخلافية، والمدى الذي وصلت إليه الفجوة بين أبناء التيار الإسلامي، وبين المسلمين عموماً، كما أن المؤسسات الغربية تعلم علم اليقين أن الإسلام هو السبب الأوحد لاستقرار المجتمعات المسلمة، وبالتالي فإن على من أراد زعزعة هذا الاستقرار معرفة هذه القضايا.

كيف يفتتون المجتمع من خلال وصفهم للإسلام؟

     عمدت التقارير الغربية إلى وصف الإسلام بمجموعة من الأوصاف التي تحمل على خلق صورة من التفتيت المتعمد في المجتمع، ومن هذه الأوصاف التي يضيفها الغربيون إلى الإسلام: الإسلام السني، والإسلام الليبرالي،  والإسلام الأوروبي، والإسلام الأمريكي، والإسلام الإفريقي، والإسلام السعودي، والإسلام المدني، والإسلام السياسي، والإسلام المعاصر، والإسلام الحداثي، ويقولون أيضا: الإسلام الأصولي، أو الإسلام الراديكالي. وقد وردت هذه الأوصاف في معظم تقارير مؤسسة (راند) مثل تقرير: (العالم المسلم بعد 11 سبتمبر)، وتقرير الإسلام المدني الديمقراطي، وتقرير بناء شبكات مسلمة معتدلة، وفي تقرير الإسلام المدني الديمقراطي، يضرب التقرير أمثلة للصور المقبولة غربياً للإسلام، ويذكر فيها نوعين هما (الإسلام الأوروبي)، و(الإسلام الأمريكي)، هكذا كما يقول التقرير نصاً.

السر وراء التقارير الغربية

      الذي حمل المستشرقين على إطلاق هذه الأوصاف على الإسلام، هو ما يلي:-أولًا: أنهم قاموا بتحليل الواقع الاجتماعي في بعض البلدان الإسلامية، وكذلك بعض الانحرافات الفكرية لدى بعض التيارات الإسلامية، وعدوا ذلك من الإسلام، وجعلوا الناس حجة على الدين، حتى قالوا: الإسلام الشعبي، والإسلام التقليدي، والإسلام السياسي، وأخذ بعض المفكرين العرب بهذه التقسيمات، وأشاعوها بين الناس، ودعوهم إلى تصنيف إسلام الأشخاص بحسب ما يظهر عليهم من قرب أو بعد عن هذا الإسلام، وكما هو واقع؛ فإن التركيز على هذه التقسيمات هو تهويل للقضايا الخلافية بين المسلمين ومآل ذلك من التفتيت معروف، وقد حذر الله -تعالى- من مثل هذه النزاعات التي يسعون إليها فقال: {ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم}.

تصنيف مؤسسة (راند) للمسلمين

     عمدت تقارير مؤسسة (راند) على تقسيم المسلمين إلى أربع مجموعات فكرية وهي: (التيار الأصولي)، و(التيار التقليدي)، و(تيار المجددين)، و(التيار العلماني)، عند التدقيق والنظر في المفهوم المقصود الذي تعنيه التقارير؛ فإننا نجد أنه كلما كان التيار مقترباً من القرون الأولى في فهمه للإسلام؛ فإنه الموسوم بالأصولية التي يعنون بها الجمود -حسب زعمهم-، لكن هذا الوصف عندنا -نحن المسلمين- هو صفة مدح؛ لأن المسلم مأمور بالعمل بالكتاب والسنة على منهج القرون الأولى التي قال عنها النبي صلى الله عليه وسلم : «خير القرون قرني...»؛ ولذا فإن تقرير 2003 لمؤسسة (راند) يقول: «الأصوليون هم الذين يرفضون القيم الغربية المعاصرة»؛ لأنهم يتمسكون بقيم الإسلام الموروثة عن النبي وأصحابه، وأما موقفهم من بقية التيارات الأربعة؛ فيكون حسب المصلحة.

موقفهم من التقليديين

      التقليديون حسب الفكر الغربي: تيار فكري غربي يقوم على الحفاظ على القيم السياسية، والأخلاقية، والدينية القديمة، تأثر هذا المذهب في القرن الثامن عشر بالرومان؛ فاستبدلوا  المعتاد بالمدون، واستبدلوا المعقول بالتجربة، وهذا في المفهوم الغربي، أما في التاريخ الإسلامي؛ فلا توجد طائفة تعلي من شأن العادات والتقاليد على حساب العقل؛ فالعادات والتقاليد لها احترامها، إلا إذا خالفت الدين والعقل؛ فإنها حينئذ تطرح جانباً, ومع أن التقارير تشير إلى أن التقليدية موجودة في المسلمين، كما كانت موجودة في الغرب، إلا أنها لا تستدل بواقعة صحيحة على ذلك.

التجديد والعلمانية

     وكلاهما فصل للفهم الصحيح للدين عن الحياة كلها، وهما أهم تصنيفين وردا في التقارير، وليس المقصود من التجديد ذلك الذي قال عنه النبي صلى الله عليه وسلم : «إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها»، ولا هو المقصود في قوله أيضاً: «إن الإيمان ليخلَق في جوف أحدكم، كما يخلَق الثوب؛ فاسألوا الله -تعالى- أن يجدد الإيمان في قلوبكم»، بل هو حركة تسعى إلى إعادة النظر في الأحكام والقواعد الدينية، وإعادة تفسيرها بما يتناسب مع المستجدات الحياتية، ولو أدى ذلك إلى تغيير الحكم والانقلاب على أصول الشريعة، وله مجموعة من السمات المنحرفة منها: تقديم العقل على النقل، أو المبالغة في احترامه وتقديره، و تقديم الاجتهاد المقاصدي على الحكم الشرعي، والخروج على مصادر الحجة، وإطلاق الحريات في محاولة فهم النصوص ونقدها، واعتماد المنهج الغربي في التعامل مع النصوص.

توسيع الفجوة في المجتمع المسلم

     بتتبع التقارير الصادرة عن مؤسسة (راند) نجد أن هذه الاستراتيجية دائمة في توصيات التقارير ومن ذلك: ففي تقرير الإسلام المدني الديمقراطي يتحدث التقرير عمن يسميهم بالأصوليين الذين يجب إيقاف انتشارهم وتفكيك تكتلاتهم بدعم مخالفيهم في التيارات الإسلامية؛ ذلك أن: العداوة بين الولايات المتحدة والأصوليين بسبب رفضهم للقيم الحداثية والغربية، يقول التقرير:  «ولا تتوافق أهدافهم العامة مع أهدافنا»؛ ولذا ينبغي على السياسة الخارجية دعم التقليديين في مواجهة الأصوليين؛ لأن لهم ثقلاً مكافئاً لهم: لما يتمتعون به من شرعية عريضة لدى الجماهير، وهم أكثر منهم اعتدالاً، ويمثلون تأثيراً ملطفاً للتزمت الأصولي.

القرآن يحذر وينبه

     قال -تعالى-: {واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنت أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخواناً}(آل عمران: 103)، وقال -تعالى-: {وأن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله}(الأنعام: 153), وقال -تعالى-: {إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون}(الأنبياء: 92)، وفي حديث سيدنا جابر رضي الله عنه حين قال له النبي صلى الله عليه وسلم : «استنصت الناس وقال: لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض» متفق عليه؛ فعلى المسلمين أن ينتبهوا جيداً إلى الواقع الذي يُصنع لأجل إشغالهم بالخلافات الداخلية. والله المستعان.

 

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك