معاوية رضي الله عنه من علماء الصحابة وفقهائهم
إن الصحابي الجليل معاوية بن أبي سفیان -رضي الله عنهما- لا يزال يتعرض لهجمة منظمة شرسة لتشويه صورته وتزييف تاريخه والطعن في دينه وعدالته، توصلا للنيل من جمهور الصحابة العظام نقلة الدين وأئمته، و الرعيل الأول الذين نزل الوحي بينهم، وتلقوا تعاليم الإسلام من نبيه مشافهة من غير وسيط، فكانوا حفاظ الدين -نصوصه وأحكامه ومعانيه-، وكانوا الجسر الذي أراد أعداء الدين هدمه للطعن في دين الإسلام بلا ریب.
ومن هنا كانت كلماتنا لتجلية منزلة معاوية رضي الله عنه وفضله وعلمه وعدالته، وأنه حقا كما قال الربيع بن نافع الحلبي (البداية والنهاية: (8/139)): «معاوية ستر لأصحاب محمد، فإذا كشف الرجل الستر، اجترأ على ما وراءه».
اسمه وكنيته ومولده رضي الله عنه
يلتقي نسب معاوية رضي الله عنه مع نسب رسول الله صلى الله عليه وسلم عند عبد مناف (سير أعلام النبلاء: 3/119).
فهو معاوية بن أبي سفيان، صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف، أمير المؤمنين وكاتب وحي رب العالمين، ملك الإسلام أبو عبدالرحمن القرشي، الأموي، المكي.
وأمه: هي هند بنت عتبة بن ربيعة بن عبد شمس ابن عبد مناف بن قصي.
وكانت ولادته قبل البعثة بخمس سنين وقيل بسبع والأول أشهر.
إسلامه رضي الله عنه
قال الذهبي في السير (120/3): «إنه أسلم قبل أبيه وقت عمرة القضاء، وبقي يخاف من اللحاق بالنبي صلى الله عليه وسلم من أبيه، ولكن ما ظهر إسلامه إلا يوم الفتح».
قال الذهبي في السير (120/3): «ذكر ابن أبي الدنيا، وغيره: «أن معاوية كان طويلا، أبيض، جميلا، إذا ضحك انقلبت شفته العليا، وكان يخضب. روی سعید بن عبدالعزيز، عن أبي عبد رب قال: رأيت معاوية يخضب بالصفرة، كأن لحيته الذهب». وروى: عبدالجبار بن عمر، عن الزهري، عن عمر بن عبدالعزیز، عن إبراهيم ابن عبدالله بن قارظ أنه سمع معاوية على منبر المدينة يقول: أين فقهاؤكم يا أهل المدينة؟ سمعت رسول الله نهی عن هذه القصة (الوصلة من الشعر) ثم وضعها على رأسه، فلم أر على عروس ولا على غيرها أجمل منها على معاوية.
وأما صفاته الخلقية: فيقول شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى (4/458): «فاستعمل عمر معاوية مكان أخيه يزيد بن أبي سفيان، وبقي معاوية على ولايته تمام خلافته، وعمر ورعيته تشكره وتشكر سيرته فيهم، وتواليه وتحبه لما رأوا من حلمه وعدله، حتى أنه لم يشكه منهم مشتك ولا تظلمه منهم متظلم».
كتابته رضي الله عنه للوحي
ثبت في صحيح مسلم (2501) من حديث ابن عباس رضي الله عنه أنه قال: «كان المسلمون لا ينظرون إلى أبي سفيان ولا يقاعدونه، فقال للنبي صلى الله عليه وسلم : يا نبي الله ثلاث أعطنيهن، قال: «نعم» قال: عندي أحسن العرب وأجمله، أم حبيبة بنت أبي سفيان، أزوجكها، قال: «نعم» قال: ومعاوية، تجعله كاتبا بين يديك، قال: «نعم» قال: وتؤمرني حتى أقاتل الكفار، كما كنت أقاتل المسلمين، قال: «نعم»». وقد ثبت ذلك عنه بنقل مستفيض وهو موضع اتفاق.
علمه وروايته رضي الله عنه
حدَّث عن النبي صلى الله عليه وسلم وكتب له، وحدث عن أخته أم المؤمنين أم حبيبة، وعن أبي بكر وعمر -رضي الله عنهما-. وروى عنه: ابن عباس، وسعيد بن المسيب، وأبو صالح السمان وأبو إدريس الخولاني، وسالم بن عبدالله، ومحمد ابن سیرین، وخلق كثير سواهم. وحدث عنه من الصحابة أيضا: جریر بن عبدالله، وأبو سعيد، والنعمان بن بشیر، وابن الزبير -رضي الله عنهم- أجمعين.
وقد كان رضي الله عنه من علماء الصحابة وفقهائهم؛ فنقل عنه العلم الجم والفتاوی والأحكام، فقد ثبت في صحيح البخاري (3765) عن حبر الأمة ابن عباس -رضي اله عنهما- لما قيل له: «هل لك في أمير المؤمنین معاوية، فإنه ما أوتر إلا بواحدة؟! فقال: «أصاب، إنه فقيه»». وهی شهادة بالفقه من أفقه الناس وأعلمهم.
وفي (مسند الشافعي) (1/10) وتاريخ دمشق (63864) أن گريبا مولی ابن عباس، أخبره أنه رأى معاوية صلى العشاء، ثم أوتر بركعة والجدير لم يزد عليها، أخبر ابن عباس، فقال: أصاب أي بني، ليس أحد منا أعلم من معاوية، هي واحدة، أو خمس، أو سبع إلى أكثر من ذلك الوتر ما شاء».
وكان يعد من أصحاب الفتيا من الصحابة.
معاوية رضي الله عنه صحابي
تقدم معنا أنه أسلم رضي الله عنه قبل الفتح وكان من كتبة الوحي، فهو صحابي وله من الفضل والمكانة والرفعة والشأن ما لهم، ويدخل في الذين أثنى الله -تعالى- عليهم في إيمانهم بنبيه صلى الله عليه وسلم وصحبتهم له ونصرته، في كثير من آيات القرآن العظيم، ويثبت له من الفضل ما لا ينكره إلا جاحد أو جاهل.
فضائل معاوية رضي الله عنه عموما
لا شك أن معاوية رضي الله عنه يدخل في عموم الآيات التي وردت في فضائل الصحابة، ومنها:
- قال تعالى: {مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} (الفتح:29)، ولو لم يكن في الصحابة إلا هذه الآية لكفتهم -رضي الله عنهم.
- وقال: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} (التوبة:100).
- وقال: {للذين أحسنوا الحسنى وزيادة} (يونس:26).
- وقال: {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُم مِّنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ} (الأنبياء:101).
- وقال: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوا وَّنَصَرُوا أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَّهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ} (الأنفال:74).
- وقال: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} (آل عمران:110).
- وقال -تعالى-: {لَا يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ الَّذِينَ أَنفَقُوا مِن بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى} (الحديد:10).
وغير ذلك من الآيات التي وردت في مدح الصحابة عموما ومنهم معاوية رضي الله عنه ، وقد صح أنه آمن قبل الفتح وإن كان لم يقاتل قبله، ولكن قد وعد الله كلا الطائفتين بالحسنی.
أما الثناء على الصحابة في السنة ومنهم معاوية رضي الله عنه فكثير جدا، ومن ذلك:
١- عن أبي بردة، عن أبيه قال: صلينا المغرب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قلنا: لو جلسنا حتى نصلي معه العشاء، قال: فجلسنا؛ فخرج علينا فقال: ما زلتم هاهنا؟ قلنا: يا رسول الله صلينا معك المغرب، ثم قلنا نجلس حتى نصلي معك العشاء، قال: أحسنتم، أو أصبتم، قال: فرفع رأسه إلى السماء وكان كثيرا مما يرفع رأسه إلى السماء فقال: النجوم أمنة للسماء؛ فإذا ذهبت النجوم أتى السماء ما توعد، وأنا أمنة لأصحابي فإذا ذهبت أتى أصحابي ما يوعدون، وأصحابي أمنة لأمتي فإذا ذهب أصحابي أتى أمتي ما يوعدون. رواه مسلم (2531).
2- عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم : لا تسبوا أصحابي، فلو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه. رواه البخاري (3673)، ومسلم (2540).
فضائل خاصة
أول من ركب البحر معاوية رضي الله عنه
١- عن أنس بن مالك، عن خالته أم حرام بنت ملحان قالت: نام النبي صلى الله عليه وسلم يوما قريبا مني، ثم استيقظ يبتسم فقلت: ما أضحكك؟ قال: أناس من أمتي عرضوا علي يركبون هذا البحر الأخضر، كالملوك على الأسرة، قالت: فادع الله أن يجعلني منهم، فدعا لها، ثم نام الثانية ففعل مثلها، فقالت مثل قولها، فأجابها مثلها، فقالت: ادع الله أن يجعلني منهم، فقال: أنت من الأولين؛ فخرجت مع زوجها عبادة بن الصامت غازيا أول ما ركب المسلمون البحر مع معاوية، فلما انصرفوا من غزوهم قافلين فنزلوا الشام، فقُرِّبت إليها دابة لتركبها، فصرعتها، فماتت. رواه البخاري (2799)، ومسلم (1912).
ونقل الإمام النووي في (المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج (13 / 59)) عن القاضي عیاض قوله: «قال أكثر أهل السير والأخبار: إن ذلك كان في خلافة عثمان بن عفان رضي الله عنه وأن فيها ركبت أم حرام وزوجها إلى قبرص فصرعت عن دابتها هناك، فتوفيت ودفنت هناك، وعلى هذا يكون قوله: «في زمان معاوية» معناه: في زمان غزوه في البحر لا في أيام خلافته، قال: وقيل: بل كان ذلك في خلافته».
2- عن خالد بن معدان أن عمر بن الأسود العنسي حدثه أنه أتى عبادة بن الصامت، وهو نازل في ساحة حمص، وهو في بناء له ومعه أم حرام، قال عمير: فحدثتنا أم حرام أنها سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: أول جيش من أمتى يغزون البحر قد أوجبوا، قالت أم حرام: قلت: يا رسول الله أنا فيهم؟ قال أنت فيهم، ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم : أول جيش من أمتى يغزون مدينة قيصر مغفور لهم، فقلت: أنا فيهم يا رسول الله، قال: لا. رواه البخاري (2924).
قال الحافظ ابن حجر في (الفتح) (6/120): «قال المهلب: في هذا الحديث منقبة لمعاوية؛ لأنه أول من غزا البحر».
وقال ابن عبدالبر في التمهيد (1/235): «وفيه فضل لمعاوية رضي الله عنه ، إذ جعل من غزا تحت رايته من الأولين». وهذا الغزو كان لجزيرة قبرص تحت إمرة معاوية رضي الله عنه عام 28هـ.
لاتوجد تعليقات