معاملة الحكام في ضوء الكتاب والسنة
ومن الإصدارات المتميزة أيضا في هذا الصدد (كتاب معاملة الحكام في ضوء الكتاب والسنة) للشيخ/ عبد السلام بن برجس بن ناصر آل عبد الكريم، وفي مقدمة الكتاب بين المؤلف أهمية الموضوع عند السلف الصالح -رضوان الله عليهم- فكانوا يولون هذا الأمر اهتماما خاصا، ولاسيما عند ظهور بوادر الفتنة؛ نظرا لما يترتب على الجهل به أو إغفاله من الفساد العريض في العباد والبلاد والعدول عن سبيل الهدى والرشاد.
هذا الاهتمام تحمله صور كثيرة نقلت إلينا عنهم من أبلغها وأجلها ما قام به الإمام/ أحمد بن حنبل إمام أهل السنة صلى الله عليه وسلم ؛ حيث كان مثالا للسنة في معاملة الولاة.
وبين كذلك في المقدمة الحاجة الماسة للموضوع في الزمن الذي نعيش فيه؛ إذ اجتمع فيه أمران غلبه الجهل بهذا الأمر وفشو الأفكار المنحرفة فيه.
ثم بعد ذلك شرع في تدوين الكتاب؛ حيث قسمه إلى خمسة فصول:
فقد كان الفصل الأول يتضمن خمسا من القواعد المتعلقة بالإمامة منها:
في القاعدة الأولى بين المؤلف وجوب عقد البيعة للإمام القائم المستقر المسلم والتغليظ على من ليس في عنقه بيعة والترهيب من نقضها، دل لذلك ما أخرجه مسلم في صحيحه في كتاب الإمارة أن عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ جاء إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُطِيعٍ حِينَ كَانَ مِنْ أَمْرِ الْحَرَّةِ مَا كَانَ زَمَنَ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ فَقَالَ اطْرَحُوا لأَبِى عَبْدِ الرَّحْمَنِ وِسَادَة،ً فَقَالَ: إِنِّى لَمْ آتِكَ لأَجْلِسَ أَتَيْتُكَ لأُحَدِّثَكَ حَدِيثًا سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلىالله عليه وسلم يَقُولُ: «مَنْ خَلَعَ يَدًا مِنْ طَاعَةٍ لَقِي اللَّهَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لاَ حُجَّةَ لَهُ، وَمَنْ مَاتَ وَلَيْسَ فِى عُنُقِهِ بَيْعَةٌ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً».
تعظيم السلطان
وفي القاعدة السادسة أهمية تعظيم السلطان وما يترتب عليه من صلاح فقال: قال سهل بن عبد الله التستري -رحمه الله-: لا يزال الناس بخير ما عظموا السلطان والعلماء، فإن عظموا هذين أصلح الله دنياهم وأخراهم، وإن استخفوا بهذين أفسدوا دنياهم وأخراهم، وقال العلامة الشيخ/محمد بن الصالح العثيمين -رحمه الله-: فالله الله في فهم منهج السلف الصالح في التعامل مع السلطان، وألا يتخذ من أخطاء السلطان سبيلا لإثارة الناس وإلى تنفير القلوب عن ولاة الأمور؛ فهذا عين المفسدة وأحد الأسس التي تحصل بها الفتنة بين الناس، كما أن ملء القلوب على ولاة الأمر يحدث الشر والفتنة والفوضى وملء القلوب على العلماء يحدث التقليل من شأن العلماء وبالتالي التقليل من الشرعية التي يحملونها.
العبرة بالحكمة
ثم قال: وليعلم أن من يثور إنما يخدم أعداء الإسلام، فليست العبرة بالثورة ولا بالانفعال، بل العبرة بالحكمة ولست أريد بالحكمة السكوت عن الخطأ بل معالجة الخطأ، لنصلح الأوضاع لا لنغير الأوضاع فالناصح هو الذي يتكلم ليصلح الأوضاع لا ليغيرها.
الأمر بالمعروف
وفي الفصل الثاني بين أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أصل من أصول الدين به يظهر الخير ويعم، ويختفي الباطل ويضمحل، وبين أن الله قد أوجبه على هذه الأمة في قوله -تعالى-: {وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}(آل عموان: 104)، وواصل قائلا فيما يخص الولاة والسلاطين في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: وفق الله أهل السنة والجماعة إلى عين الهدى والحق، فذهبوا إلى وجوب إنكار المنكر لكن بالضوابط الشرعية التي جاءت بها السنة وكان عليها سلف هذه الأمة، ومن أهم ذلك وأعظمه قدرا أن يناصح ولاة الأمر سرا فيما يصدر عنهم من منكرات، ولا يكون ذلك على رؤوس المنابر وفي مجامع الناس؛ لما ينجم عن ذلك غالبا من تأليب العامة وإثارة الرعاع عليهم وإشعال الفتن وهذا ليس دأب أهل السنة والجماعة، بل سبيلهم ومنهجهم: جمع قلوب الناس على ولاتهم والعمل على نشر المحبة بين الراعي والرعية والأمر بالصبر على ما يصدر عن الولاة من استئثار بالمال أو ظلم للعباد مع قيامهم بمناصحة الولاة سرا والتحذير من المنكرات عموما أمام الناس دون تخصيص فاعل كالتحذير من الزنى عموما ومن الربا عموما ومن الظلم عموما ونحو ذلك.
الصبر على الحكام
وفي الفصل الثالث ألقى الضوء على الصبر على جور الأئمة، وبين أنه أصل من أصول أهل السنة الجماعة وهذا من محاسن الشريعة؛ فإن الأمر بالصبر على جور الأئمة وظلمهم يجلب من المصالح ويدرأ من المفاسد ما يكون به صلاح العباد والبلاد.
وقد جاءت أحاديث كثيرة عن النبي صلى الله عليه وسلم تأمر بذلك منها ما رواه البخاري ومسلم عن عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من رأي من أميره شيئا يكرهه؛ فليصبر فإنه من فارق الجماعة شبرا فمات فميتة جاهلية»، وأكد كثيرا على وجوب الصبر على جور الأئمة واحتمال الأذى منهم؛ لما في ذلك من درء المفاسد العظيمة التي تترتب على عدم الصبر عليهم من الخروج عليهم المفسد للدين والدنيا.
وجوب السمع والطاعة
أما الفصل الرابع فقد عقده المؤلف في بيان وجوب السمع والطاعة لولاة الأمر في غير معصية، وبين أن هذا أصل مجمع على وجوبه عند أهل السنة والجماعة، وهو أصل من أصولهم التي باينوا بها أهل البدع والأهواء، وبين أن هذا الإجماع مبني على النصوص الشرعية الواضحة التي تواترت بذلك ومنها قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ}(النساء: 59)، ففي الآية وجوب السمع والطاعة لولاة الأمر وهذا مطلق يقيد بما ثبت في السنة من أن الطاعة إنما تكون في غير المعصية، من ذلك ما أخرجه البخاري ومسلم عن عبدالله بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «على المرء المسلم السمع والطاعة فيما أحب وكره إلا أن يؤمر بمعصية فإن أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة».
مقدمات الخروج
وختم المؤلف كتابه بالفصل الخامس؛ حيث بين عقوبة المثبط عن ولي الأمر والمثير عليه، وذكر لذلك صور عديدة بعضها أشد من بعض فإذا دعا رجل إلى التثبيط أو الإثارة فإن لولي الأمر إيقاع العقوبة المتلائمة مع جرمه من ضرب أو حبس أو نفي أو غير ذلك؛ لأن التثبيط والإثارة من أعظم مقدمات الخروج والخروج من أشنع الجرائم وأبشعها فكان ما يفضي إليه كذلك.
ومن صور ذلك :الطعن فيه وهذا خلاف التعظيم الواجب له، فقد قيل من إجلال الله إجلال السلطان عادلا كان أوجائرا.
ومن صور ذلك: الافتئات عليه في التعرض لكل ما هو منوط به ومن أعظمه فسادا تغيير المنكر بالقدر الذي لا يليق إلا بالسلطان؛ لما في السمح به والتجاوز به إلى التغيير عليه.
وكانت الكلمات الأخيرة في هذا الكتاب رائعة فقد قال: إذا فهم ما تقدم من النصوص القرآنية والأحاديث النبوية وكلام العلماء المحققين في وجوب السمع والطاعة لولي الأمر وتحريم منازعته والخروج عليه، وأن المصالح الدينية والدنيوية لا انتظام لها إلا بالإمامة والجماعة تبين أن الخروج عن طاعة ولي الأمر والافتئات عليه بغزو أو غيره معصية ومشاقة لله ورسوله ومخالفة لما عليه أهل السنة والجماعة.
لاتوجد تعليقات