رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: سامح محمد بسيوني 29 نوفمبر، 2018 0 تعليق

معالم في السلفية ( 4) لزوم فهم الصحابة من أعظم أسباب النجاة

وضحنا سابقا أن من أصول معالم السلفية لزوم ما كان عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه -رضوان الله عليهم- في فهم الدين، والعمل به، والدعوة إليه في أي زمان أو مكان كان، كذلك فإن من المعالم الرئيسة عند أصحاب المنهج السلفي أن هذا اللزوم هو من أعظم أسباب النجاة من استحقاق دخول النار، كما بين ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - في حديث افتراق الأمة المشهور: وهو ما رواه معاوية - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «ألا إن من قبلكم من أهل الكتاب افترقوا على ثنتين وسبعين ملة، وإن هذه الملة ستفترق على ثلاث وسبعين، ثنتان وسبعون في النار وواحدة في الجنة وهي الجماعة».

 

     وفي رواية للترمذي عنه - صلى الله عليه وسلم - قال: «افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة. وتفرقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة، وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة. قالوا: من هي يا رسول الله؟ قال: من كان على مثل ما أنا عليه وأصحابي ». رواه: أبو داود والترمذي وأحمد وغيرهم، وصححه الحاكم ووافقه الذهبي، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: «هو حديث صحيح مشهور»، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة برقم 203، 204؛ فهذا الحديث دلل على أمور عدة مهمة يجب إدراكها بوضوح:

- أولا: إن الفرقة الناجية من النار إنما استحقت هذه النجاة بصفتها المذكورة في الحديث؛ وهي التزام ما كان عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - وما كان عليه أصحابه من علمٍ وفهمٍ للدين وتطبيقٍ عمليٍ له.

- ثانيا: أن الأمة المقصودة في قول النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحديث «وستفترق أمتى» هي (أمة الإجابة)، وذلك لنسبتها إلى ذات النبي - صلى الله عليه وسلم .

وعليه تكون الفرق الاثنتان والسبعون المذكورة في الحديث هي من الطوائف المنتسبة للإسلام لكنها استحقت دخول النار بسبب انحرافها عن نهج الفرقة الناجية التي استحقت النجاة بسبب صفتها المذكورة في الحديث: «من كان على مثل ما أنا عليه وأصحابي».

الفرقة الناجية

     وإذا كانت الفرقة الناجية إنما استحقت هذه النجاة بصفتها المذكورة في الحديث، وكان سبب هلاك الفرق الأخرى هو انحرافها عن هدي النبي - صلى الله عليه وسلم - وهدي أصحابه -رضوان الله عليهم-؛ فإن هذا الانحراف يظهر في تلك الفرق النارية في صور أنماط متعددة؛ حيث تتفاوت الفرق فيما بينها بحسب قربها من المعيار الثابت - المتمثل في سمات الفرقة الناجية كما في الحديث - أو بُعدها عنه، وقد يزداد شيئاً فشيئاً حتى يصل إلى حد التنكر للانتساب للإسلام ومن ثم الردة الصريحة، وهنا تخرج الفرقة عن مثيلاتها من الفرق التي لم تصل إلى هذا الحد؛ حيث مازالت في دائرة الحديث (دائرة الإسلام).

أسباب دخول النار

- ثالثا: المقصود من قوله - صلى الله عليه وسلم - عن الثنتين والسبعين فرقة «كلها في النار» -عند عامة السلف- أن هذه الفرق قد انعقدت عليها أسباب دخول النار بانحرافها عن هدى النبي - صلى الله عليه وسلم - وهدي أصحابه؛ فهم مستحقون لدخول النار؛ لانحرافهم، ولا يعني ذلك الحكم عليهم بالكفر المخرج من الملة والخلود في النار، بل إن الدخول الفعلي من عدمه ومدة البقاء فيها له أحوال متفاوتة:

- فقد لا يدخل الشخص النار مطلقا: إما لتوبة يختم بها حياته يرجع بها عن آرائه المنحرفة، أو لوجود حسنات ماحيات عنده من العبادة والدعوة والجهاد، أو تقع له مصائب تكفر عنه ما اقترف.

- وقد تدركه رحمة الله، ويدخل في قوله سبحانه: {وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} (النساء: 48).

- وقد يدخل النار ثم يخرج منها قبل استيفاء مدة عذابه بشفاعة الشافعين ورحمة أرحم الراحمين.

- وقد يدخل النار حتى يستوفي عذابه ثم يخرج منها إلى الجنة برحمة أرحم الراحمين.

وهذه المراتب يتوزع فيها العصاة والمبتدعة من أهل القبلة من أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - من « الثنتين والسبعين فرقة»، أما الخلود في النار فإنه للكفار والمشركين، وهؤلاء ليسوا من أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - (أمة الإجابة) أصلاً.

واقع الاثنتين وسبعين فرقة

     يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: وكذلك سائر الاثنتين وسبعين فرقة من كان منهم منافقا فهو كافر في الباطن، ومن لم يكن منافقا بل كان مؤمنا بالله ورسوله في الباطن لم يكن كافرا في الباطن، وإن أخطأ في التأويل كائنا ما كان خطؤه، وقد يكون في بعضهم شعبة من شعب النفاق ولا يكون فيه النفاق الذي يكون صاحبه في الدرك الأسفل من النار، ومن قال إن الاثنتين وسبعين فرقة كل واحد منهم يكفر كفرا يخرج من الملة فقد خالف الكتاب والسنة وإجماع الصحابة -رضي الله عنهم أجمعين-، بل وإجماع الأئمة الأربعة وغير الأربعة؛ فليس فيهم من كفر كل واحد من الاثنتين وسبعين فرقة وإنما يكفر بعضهم بعضا ببعض المقالات. أ.هـ  

حكم من لا ينتسب إلى السلفية

وهنا يطرح سؤال: ما حكم من لا ينتسب إلى السلفية وينتمي إلى غيرها، وهل الجماعات الأخرى غير السلفية فرق ضالة تستحق دخول النار؟

- والإجابة هي: إن السلفية بمعنى المنهج والطريق في فهم الإسلام والعمل به على طريقة الصحابة -رضوان الله عليهم - كما سبق بيانه - هي الإسلام الحق فيلزم أن ينتمي إليها كل مكلف، سواء تسمى باسم السلفية أم لا، وإلا تعرض للوعيد لمخالفته الشرع كتابًا وسنة، ومخالفته سبيل المؤمنين الذين هم أهل السنة والجماعة.

      وأما السلفية بمعنى الدعوة أو الكيان الدعوي المعين (الدعوة السلفية) فلا يلزم من لم ينتم إليها أن يكون خارجًا عن منهج أهل السنة والجماعة؛ فالدعوات المعاصرة المنتشرة في الساحة الإسلامية إنما هي متفاوتة فيما بينها قربًا وبعدًا عن مثل ما كان عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وصحابته الكرام.

     فما كانت على ما عليه أهل السنة والجماعة وأهل الحديث وعقيدة السلف فهي تنسب إلى أهل السنة والجماعة، ومن بعد عما عليه أهل السنة فيكون بعده بمقدار مخالفته لأهل السنة والجماعة، فإن بلغ به الأمر مخالفة أهل السنة والجماعة في أمور كلية من كليات الدين، أو في قاعدة من قواعد الشريعة دخل في أهل الفرق الضالة.

ضابط الحكم

     يقول الشاطبي - رحمه الله - في كتابه (الاعتصام)، مبينًا ضابط الحكم على تجمع معين أنه من الفرق الضالة: «وذلك أن هذه الفرق إنما تعد فِرقًا لخلافها للفرقة الناجية في معنى كلي في الدين، وقاعدة من قواعد الشريعة، لا في جزئي من الجزئيات؛ إذ الجزئي والفرعي الشاذ لا ينشأ عنه مخالفة يقع بسببها التفرق شيعًا، وإنما ينشأ التفرق عند وقع المخالفة في الأمور الكلية».

ويقول أيضًا: «ويجري مجرى القاعدة الكلية كثرة الجزئيات؛ فإن المبتدع إذا أكثر من إنشاء الفروع المخترعة عاد ذلك على كثير من الشريعة بالمعارضة».

والناظر في واقع الدعوات المعاصرة سيجد أنها متفاوتة فيما بينها قرباً وبعداً من هذا الضابط والميزان؛ فبعضها قريب من أصول أهل السنة والجماعة وبعضها أقرب إلى أصول الفرق النارية، بل قد صار بعضها من تلك الفرق النارية ذاتها.

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك