رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: د. علي الزهراني 20 يونيو، 2019 0 تعليق

معالم التـأديب التربـوي في الحلقات القرآنية (5) – الحفظ الدائم لا يتحقق إلا بالتأديب التربوي


سوف نتحدث في هذه الحلقة عن بعض معالم التأديب التربوي للحلقات القرآنية؛ حيث إنه من الوسائل المساعدة على حفظ القرآن الكريم والتخلق بأخلاقه، والحصول على السعادة التي تنال بتزكية النفس وتكميلها، وإن تكميلها يكون باكتساب الفضائل؛ ولذلك لابد من معرفة الفضائل جملة وتفصيلا، وقياساً على ذلك؛ فإن الحفظ المتين الدائم لن يتحقق إلّا بالتأديب التربوي، وقد كان القدماء يوصون بأن يتعلم الطفل بالكتّاب أحاديث الأخبار وحكايات الأبرار وأحوالهم ثم بعض الأحكام الدينية، وبناء على ماسبق؛ فهذه بعض المعالم للتأديب التربوي في الحلقات القرآنية .

1- الحلقة مكان للتعليم والتأديب

     ينبغي أن يتجاوز التعليم في الحلقات القرآنية، أبعاده التعليمية المعاصرة في الاقتصار على حفظ القرآن، ويتسع في أنشطته وأساليبه، ويصبح مرادفاً للتأديب أو التهذيب؛ لأن الانضمام إلى الحلقات القرآنية  في عصرنا هذا لم يعد كافياً للاقتصار على الحفظ والتسميع فقط، بل يجب أن يصبح التعليم في الحلقات تربية سلوكية، تعمل من أجل بلوغ التلميذ كماله الأخلاقي بمساعدة المعلم في الحلقة، والبرامج التربوية المصاحبة؛ فهو يحتاج من يعرّفه الفضائل الأخلاقية، يقول القابسي: «إن الصبي لايفهم فضائل نفسه أو لايستطيع معرفة نفسه واستخراج الفضائل بذاته»، وبهذا تصبح الحلقات القرآنية محاضن تربوية، يجد التلميذ فيها التوجيه والتهذيب، وإخراج الأخلاق السيئة، وغرس الأخلاق الحسنة؛ فينضج المتعلم معرفياً، ونفسياً، وخلقياً؛ فيصبح متطبعاً بالأخلاق الحسنة، وهذا سوف يجعله مهيئاً للحفظ ومواظباً عليه.

أهمية التأديب

     وعندما يؤكد الباحث أهمية التأديب فلأن «الولد يأخذ من مؤدبه الأخلاق والشمائل والآداب والعادات أكثر مما يأخذ من والده؛ لأن مجالسته له أكثر ومدارسته معه أطول، والولد قد أمر حيث سلم إليه بالاقتداء به جملة، وإذا كان هكذا؛ فيجب ألاّ يقتصر من المعلم والمؤدب على أن يكون قارئاً للقرآن، وحافظا ًللغة حتى يكون تقياً ورعاً ديِّناً فاضل الأخلاق، أديب النفس نقي الجيب»، وهذا يؤكد أن لمعلم القرآن وللحلقة القرآنية بعداً تربوياً يجب أن يتم في الحلقات القرآنية؛ ولقد كان السلف يؤكدون على الصفات الخلقية للمعلم، بل يجعلونها مقدمة على صفاته العلمية بناء على أن تأثيره بأخلاقه يسبق تأثيره بمعلوماته، قال الأعمش: «كان الناس يتعلمون من الفقيه كل شيء حتى لباسه ونعليه، وكانوا يقولون: دين الصبي على دين معلمه» .

أهم المحاضن التربوية

     وتعد الحلقات القرآنية  أهم المحاضن التربوية في الواقع المعاصر للأجيال المسلمة؛ حيث تساهم في توجيههم وحمايتهم من الشهوات والشبهات التي كثرت في هذا العصر بطريقة لم يسبق لها مثيل في تاريخ الأمة الإسلامية؛ الأمر الذي يتطلب تحصين الطلاب من هذه المتغيرات التي تحاصرهم في كل مكان .

الأسلوب الأمثل

إن تربية التلاميذ على القرآن الكريم، هو الأسلوب الأمثل لحماية الجيل المسلم؛ لأن القرآن الكريم  في الأمة الإسلامية، روحها الذي تحيا به أمام تيار العولمة والتغريب وعن طريقة يسهل عودة الأمة إلى كتابها ومنبع عزها وفخرها .

     ومن وسائل تحقيق هذا الأمر، العناية بالتأديب التربوي في الحلقات القرآنية، وتوسيع مجالات التربية فيها، وعدم الاقتصار على مجال واحد فحسب حتى تصبح الحلقات ذات أثر فاعل في حركة المجتمع، وبالتالي تؤدي دورها في تعليم القرآن الكريم، الأمر الذي يتطلب ضرورة التقويم لبرامج الحلقات، وأساليب التحفيظ، نظراً للمتغيرات الطارئة على المجتمع، والانفتاح الثقافي والمعرفي الذي لم يسلم منه مجتمع؛ فالواجب على القائمين على أمر الحلقات القرآنية أن يتجاوزوا هذا الواقع وهم يواجهون هذه المتغيرات المتلاحقة في العالم؛ فيعملوا على إعادة النظر في وظيفة الحلقات القرآنية وبرامجها وأساليبها حتى تساير العصر، وتواكب التطور، ولاتبقى كما هي حال الكثير من الحلقات اليوم.

2- الجمع بين الحفظ والفهم

إننا نحتاج إلى التجديد في الأسلوب الأمثل للحفظ، وذلك من خلال بيان آليات خاصة، وتهيئة ظروف مناسبة لإنعاش الحفظ وتنميته، والواقع أن علماء المسلمين سبقوا واجتهدوا في كشف تقنيات التحفيظ التي تعين الذاكرة في عمليات التخزين والتثبيت والتذكر.

     ولعل من الآليات المناسبة التي يجب أن يعتني بها القائمون على الحفظ، هو الجمع بين فهم النص والحفظ، حسب قدرات المتعلمين، وذلك أن عملية الحفظ إحدى عمليات العقل العليا، يقوم فيها المتعلم بمحاولات عدة، ويبذل فيها جهداً كبيراً حتى يصل إلى استظهار الآيات المرغوب حفظها؛ فإذا توفر فيها عامل الفهم للنص المرغوب حفظه، فسوف يتحقق أمران مهمان وضروريان للحفظ في الحلقات القرآنية هما: سهولة عملية الحفظ، وثبات مدة الحفظ لدى طلاب الحلقات القرآنية مدة طويلة.

الفهم للآيات

     وبهذا يتضح لنا أهمية ما تنادي به المدرسة القرآنية المعاصرة من ضرورة سبق عمليات الحفظ بعملية الفهم  لآيات القرآن الكريم وتتبع سياق موضوعات السورة، وذلك خلافاً لما استمرت عليه المدرسة القرآنية (الكتّاب)؛ حيث كان المحفّظون يركزون على حفظ الآيات القرآنية دون العناية بمعانيها وأهدافها؛ مما يعرض المادة المحفوظة للنسيان، ويؤكد الباحث على هذا الأمر؛ لأنه يجمع بين ما كانت عليه المدرسة القرآنية في العصور المبكرة للأمة الإسلامية؛ حيث كانوا يجمعون بين الحفظ والفهم، ولايتجاوز أحدهم العشر الآيات حتى يعلم ما فيها من العلم والعمل.

الدراسات التجريبية

     أما الأمر الثاني الذي يؤكد أهمية هذا الأسلوب؛ فإن الدراسات التجريبية الميدانية التي أجريت للتعرف على مدى تحقق الحفظ القائم على أساس فهم النص؛ فقد دلت تلك الدراسات على أن الحفظ والاسترجاع نشاطان متصلان اتصالاً وثيقا ًفكل ما يعلم عن الحفظ ييسر الاحتفاظ، أما الحفظ عن ظهر قلب أواستظهار مادة غير ذات معنى أكثر مايكون تعرضاً للتناقص من المادة المفهومة»، وقد حث الأقدمون على الحفظ مع الفهم؛ لأن فهم معاني القرآن وتفسير آياته بما يتناسب مع نمو المتعلم ودرجة إدراكه،واستيعابه معاني الآيات فإن الحفظ مع الفهم لمعاني الآيات وأسباب النزول سوف  يرسخ في عقله وقلبه ويختلط باللحم والدم،الذي يدعو إلى التطبيق الواعي،والحفظ المبصر.

وفي ذلك يقول ابن الجوزي -رحمه الله-: «لما كان القرآن العزيز أشرف العلوم، كان الفهم لمعانيه أرفع الفهوم؛ لأن شرف العلم بشرف المعلوم.

الطريقة الصحيحة

     ويؤكد الباحث ضرورة فهم معاني ما يحفظ التلميذ بطريقة مبسطة؛ لأن الطريقة الصحيحة عند القدماء والمتأخرين تجمع بين الحفظ والفهم الذي يثمر في نهاية الأمر، الحفظ الواعي، والتطبيق العملي الذي يعين على تطهير النفس وتزكيتها، وتقويم سلوكها بما يتوافق مع مبادئ الإسلام التي جاءت مفصلة في القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، يقول ابن الجوزي مؤكداً على أن: حفظ الطفل للقرآن لابد أن يصاحبه فهم حقيقته كما أرادها الله -عز وجل- المراد حفظ القرآن، وتقويم ألفاظه ثم فهمه ثم العمل به ثم الإقبال على مايصلح النفس ويطهر أخلاقها ثم التشاغل بالمهم من علوم الشرع»، وبهذا يحصل لنا الجمع بين طريقة القدماء الصحيحة في حفظ القرآن الكريم وتعلمه في الحلقات القرآنية وبين مادلت عليه الدراسات المعاصرة التي أكدت أهمية الفهم مع الحفظ وضرورته .

3- مراعاة الخصائص العمرية للمتعلمين

     إن قدرة التلاميذ في الحلقات القرآنية على الحفظ والتسميع تختلف من شخص، لآخر وهذا يعني أن اختلاف التلاميذ يستلزم اختلاف الوسائل؛ وعليه فواجب القائمين على الحلقات القرآنية إعادة النظر في الأساليب التعليمية؛ بحيث تكون الوسائل متناسبة مع خصائص المتعلمين؛ لأن قدرات الطلاب على الحفظ تختلف من تلميذ إلى آخر كما أنها تختلف مع التلميذ ذاته في المراحل العمرية المختلفة الخصائص؛ الأمر الذي يجعل بعض التلاميذ يتميزون بقوة الحافظة، وبعضهم متوسطون في الحفظ والتذكر وهم في الغالب السواد الأعظم من التلاميذ، وبعضهم الآخر بطيء بطبعه، أو لأسباب خارجية؛ فيصعب عليه الحفظ؛ حيث إن الناس يتفاوتون في ذلك؛ فمنهم من يثبت معه المحفوظ مع قلة التكرار، ومنها المحفوظ، وعليه فإن التلميذ هو المستهدف؛ لذلك وجب مراعاة هذا الجانب؛ حيث إن الحلقات القرآنية لاتحقق النجاح إذا تجاهلت تكوين الأفراد الذين تتفاعل معهم، ولم تدرك ما يمتازون به من مواهب واستعدادات، وما بينهم من فرروق في الجسم والعقل والانفعال والتجارب.

التنويع في البرامج

     وفي ضوء ماسبق؛ فالواجب التنويع في برامج الحلقات القرآنية، وطرائق الحفظ، وأساليب التعامل بما يتوافق مع التلاميذ؛ فتغدو الحلقات القرآنية محاضن تربوية فاعلة، يجد فيها كل تلميذ ما يناسبه؛ فإذا فاته الحفظ لكامل القرآن، لم يفته الأدب والخلق وحسن التعامل، وقد اتفق القدماء والمعاصرون على ضرورة مراعاة ميول التلميذ وخصائصه، وجعلها أساساً في تعليمه لإنجاح المتعلم في أي عمل يساعد على النجاح في غيره من الأعمال؛ فالنجاح يؤدي إلى النجاح.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك