رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: د. علي الزهراني 27 يونيو، 2019 0 تعليق

معالم التـأديب التربـوي في الحلقات القرآنية (6) الحفظ الدائم لا يتحقق إلا بالتأديب التربوي


ما زلنا نتحدث عن بعض معالم التأديب التربوي للحلقات القرآنية؛ حيث ذكرنا أنه من الوسائل المساعدة على حفظ القرآن الكريم والتخلق بأخلاقه، والحصول على السعادة التي تنال بتزكية النفس وتكميلها، وإن تكميلها يكون باكتساب الفضائل؛ ولذلك لابد من معرفة الفضائل جملة وتفصيلا، وقياسًا على ذلك؛ فإن الحفظ المتين الدائم لن يتحقق إلّا بالتأديب التربوي.

4- الاهتمام بإثارة الدافعية والرغبة الذاتية

     يجد الكثير من الطلاب صعوبة في الحفظ، بل ربما يجد بعضهم صعوبة في حفظ مايطلب إليهم حفظه في الحلقات القرآنية؛ وسبب ذلك ليس ضعف القدرات العقلية، أو ضعف حافظة المتعلم في الغالب، وإنما السبب في ذلك ضعف الدافعية، أو الرغبة الذاتية لدى المتعلم؛ الأمر الذي يجعل التلميذ لايقبل على الحفظ والتعلم بسبب ضعف الرغبة والعزيمة؛ لأن غالب التلاميذ يأتون إلى الحلقة مدفوعين من آبائهم، ثم لايجدون في الحلقة القرآنية مايسيّر تلك البواعث والمستحقات الذاتية حتى بإقبال المتعلم على الحفظ والمراجعة والمنافسة في ذلك الميدان.

     والباحث يرجع سبب ذلك إلى ضعف هذه الرغبة، وعليه فالواجب على المعلم أن يحرص على مراعاة هذا الجانب والبحث عن البواعث التي تدفع المتعلم إلى حفظ القرآن الكريم، وقد دلت الدراسات النفسية المعاصرة على وجود مايحرك الإنسان إلى تحقيق الهدف المحدد والمرغوب تحقيقه، وعليه فواجب القائمين على الحلقات القرآنية التأكيد على ضرورة إثارة هذه البواعث لدى التلاميذ، والتأكيد عليها حتى يصبح التلميذ مدركاً لهدفه، عارفاً بثمرة حفظه، راغباً فيما يحفظ؛ حيث دلت الدراسات على أن القدرة على استرجاع الخبرات السارة، أفضل من القدرة على استرجاع الخبرات المؤلمة؛ وبهذا يتطلب الأمر أن يتم التعلم في بيئة تربوية يغمرها الود والتقدير.

ومن الأمثلة على إثارة مثل هذه الدوافع الآتي:

أ- بيان عظيم الأجر والثواب لحافظ القرآن الكريم في الدنيا والآخرة.

ب- تشجيع التنافس الشريف بين الحفاظ.

ج- إشعار المتعلم بالإنجازات والنجاحات التي حققها في حفظه.

د - إقامة البرامج التربوية والرحلات والزيارات الميدانية للتلاميذ.

إن توفير هذا الجو في الحلقات القرآنية يؤدي إلى التفاعل والحفظ.

5- الاستعانة بجهاز الحاسوب

     لقد أصبح جهازالحاسوب من الوسائل الفعالة في التعلم والحفظ ويوجد برامج متخصصة في هذا الميدان، سواءً بكتابة ما أُنجز على الجهاز، ثم مقارنته بالآيات القرآنية المخزنة في برامج الحاسوب، أو تسجيلها على الجهاز عن طريق اللاقط، ثم الاستماع إلى الصوت المسجل، وهذا يحفز على الحفظ؛ لأن المتعلم يأنس لسماع صوته، أو عن طريق سماع القراءة من أحد الشيوخ أو أكثر، في ظني أن هذه وسيلة تساعد على الحفظ، وتشجع عليه، وتقدم هذه البرامج للطلاب عن طريق الجمعية برسوم رمزية، مصحوبة ببعض التوجيهات التربوية المناسبة التي تُعرض على الجهاز.

6- تعويد التلاميذ على التكرار الموزع

     يعد أسلوب التكرار أحد أساليب الحفظ الأساسية ودون التكرار لن يحصل الحفظ المتقن؛ حيث إن التكرار من طرائق الحفظ ومقصده التأثير في النفس، وتثبيت المعلومات، وقد أكد الزرنوجي أن الحفظ الموزع أفضل من التكرار المتصل؛ حيث قال: «إن التكرار تتبع فيه الطرائق الآتية: خمس مرات أول يوم، ثم أربع مرات في اليوم الثاني، وثلاث في اليوم الثالث، ومرتان في اليوم الرابع، ومرة في اليوم الخامس، وهذا أدى إلى الحفظ»، ولايعني هذا الاقتصار على خمس مرات، بل ربما زاد على ذلك، لكن المهم توزيع التكرار من الأكثر إلى الأقل، وهذا الرأي ذهب إليه علماء التربية الحديثة.

7- إتقان مفهوم التلاوة الحقيقي

يعد إتقان التلاوة بمفهومها الحقيقي إحدى مهمات الحلقات القرآنية، والتلاوة المثمرة هي التي تتضمن مفهوم التلاوة الشامل :

1- التلاوة اللفظية: والمقصود بها قدرة التلميذ على إتقان التلاوة الصحيحة دون زيادة أو نقص في أحكام التجويد، كما هو متبع عند أهل الاختصاص.

2- تلاوة المعنى: والمقصود بها تربية التلاميذ في الحلقات القرآنية على التدبر والتفكر في الآيات التي يتلونها ويحفظونها ويسمعونها، وهذا الأمر لن يتم إلاّ إذا أدرك التلاميذ معاني الآيات وتفسيرها وأسباب نزولها مع مراعاة قدراتهم ومستوياتهم.

3- التلاوة الحكمية: والمقصود بها ثمرة التلاوة والحفظ داخل الحلقات القرآنية؛ بحيث يلتزم التلاميذ في الحلقات القرآنية بأوامر الآيات القرآنية التي حفظوها وسمّعوها ونواهيها، وعدم الخروج عنها ومخالفتها بأقوالهم أوسلوكهم.

8- أساليب التجديد في الحفظ

     يعد استغلال أوقات الإجازات في حفظ القرآن الكريم في بيئة جديدة من التجديد في أساليب حفظ القرآن الكريم، وقد لاحظت في السنوات الأخيرة بعض المعلمين يختارون الطلاب المتميزين الراغبين في الحفظ؛ فيأتون بهم إلى المسجد الحرام بمكة المكرمة، أو المسجد النبوي بالمدينة المنورة، أو مكان مناسب؛ حيث ينقطع هذا المعلم مع طلابه طول مدة الإجازة على أن تتخللها فترات للراحة تكون أسبوعية، أو يعطى إجازة أسبوع بعد نهاية كل شهر، ليذهب التلميذ إلى والديه أو ‏كانوا بعيدين عن مكان إقامته، وقد استطاع عدد كبير منهم أن يحفظوا ويتقنوا القرآن الكريم، وكانوا يحددون بعض البرامج التربوية المصاحبة بهدف العناية بالجوانب الإيمانية والأخلاقية التي كان لها أثرها على سلوكهم وحفظهم وتفاعلهم؛ لدرجة أنها أنستهم وتنسيهم وحشة فراق الأهل وغربة المكان.

9- العناية بالتربية الإيمانية

     يعد الاهتمام بالتربية الإيمانية في الحلقات القرآنية أحد الوسائل الفعالة في مواجهة الانحرافات السلوكية؛ حيث إن الحلقة التي تركز على التربية الإيمانية، وتعمل على غرسها في نفوس طلابها منذ التحاقهم بالحلقة القرآنية؛ تؤدي إلى تنمية جوانب شخصياتهم، ومما يساعد على ذلك وجود برامج تربوية تكون مرتبطة بالمسجد الذي يتردد عليه التلميذ سواءً للصلاة أم للدرس أم لحفظ القرآن، والتي سوف تثمر شحنة إيمانية لايمكن أن تقف في وجهها أي أفكار انحرافية ويستمر هذا الإيمان يدفع إلى الشعور بالرضى والاقتناع بأن هذه الحياة ليست نهاية المطاف، وبالتالي يعمل على تحقيق الغاية التي خلق من أجلها ويسلم من المشكلات والضغوط المختلفة التي يتعرض لها الإنسان في حياته خاصة في هذا العصر المضطرب والتائه في بحار مظلمة من الأفكار المادية العمياء في مجتمع تكاد تسيطر عليه العلمانية» التي تمثل أهم أذرع الغزو الفكري المتنوع الأوجه والأقنعة.

أثر الوسط التربوي

وبهذا يتضح أن لنا أثر الوسط التربوي الصالح في نجاح التربية الإيمانية مع الحذر من اليأس في البيئة التربوية غير الصالحة، بل إن الواجب على المشرفين والمعلمين وأولياء أمور التلاميذ بذل كل الجهود لتحقيق متطلبات التربية الإيمانية في الحلقات القرآنية، والدارس لسيرة الرسول صلى الله عليه وسلم يلحظ عنايته بهذه التربية في غربة الإسلام، الأولى في مرحلة الإعداد والتكوين في مكة وما تبعها من ملامح التربية الشمولية في العهد المدني الذي أثمر التمكين بعد أن تكاملت الأصول الإسلامية وميادينها في المجتمع المدني، وتنوعت أساليب بناء الشخصية المسلمة.

10- عدم التساهل في القبول

     إن الذي يتامل واقع الحلقات القرآنية اليوم يجدها مكاناً يجمع أولاد الحي أوالقرية، وكأنها تشبه الشارع أوالملعب، إلّا أنها في المسجد، بل تحولت بعض الحلقات إلى تجمعٍ لمؤانسة الطبع بين الأولاد، أو مكاناً يتخلص منه الآباء من أولادهم بعض الوقت؛ حيث يلاحظ فيهم أخلاقيات وسلوكيات وحركات بين التلاميذ لاتليق بأهل القرآن، ولاينبغي أن تظهر على شخصياتهم، والكثير من المعلمين يعانون مظاهر الإنحراف السلوكي لدى طلاب الحلقات الذين ليس لهم رأي في قبولهم ولايسمح لهم بتخصيص بعض الوقت بتوجيههم وتربيتهم باعتبار أن الحلقة مكاناً للحفظ والتسميع، وليس للتربية والتأديب.

     وبناء على ماسبق فالواجب عدم التساهل في قبول الطلاب حتى لو اقتصر الأمر على قبول الطلاب الحسنة أخلاقهم وتعاملهم هذا من جانب، ومن جانب آخر الزام أمور التلاميذ بمتابعة أولادهم وزيارة الحلقة لمعرفة واقع التلميذ ماله وما عليه من خلال وجهة نظر المعلم.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك