رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: د. علي الزهراني 11 يوليو، 2019 0 تعليق

معالم التـأديب التربـوي في الحلقات القرآنية (8) البعد التربوي للتأديب


إن مراعاة التأديب في الحلقات القرآنية، يؤدي إلى عدد من الأبعاد التربوية المهمة نذكرها في هذا المقال.

1- إتقان التلاوة والنطق الصحيح

     أثبتت التجارب العملية أن تلاوة القرآن الكريم تساعد كثيراً على النطق الصحيح؛ لأن تكرار التلاوة يؤدي إلى اتقان التلميذ لمخارج الحروف؛ فيثمر اعتياد اللسان على ذلك؛ وبهذا يكتسب التلاميذ الفصاحة في النطق «تكرار القرآن وتلاوته، ترطب اللسان بذكر الله، وتمرنه، وتروضه بالنطق الصحيح، إذا كثر تقليب اللسان، رقت حواشيه، ولانت عذبته، وإذا حبس اللسان عن الاستعمال، اشتدت عليه مخارج الحروف».

2- التأثر الوجداني

     تمتاز تلاوة القرآن بما تحدثه في نفس القارئ والسامع من خشوع وتأثر؛ حيث تتأثر النفس البشرية بسماع القرآن، وتتفاعل معه حتى لو كانت كافرة، وقد جعل هذا البعد التربوي النفسي الإمام الخطابي (ت388) أحد وجوه الإعجاز؛ حيث قال: «قلت في إعجاز القرآن وجهاً آخر ذهب عنه الناس، فلا يكاد يعرفه إلّا الشاذ من آحادهم وذلك صنيعه بالقلوب وتأثيره بالنفوس»؛ ولذلك كان مجرد سماع التلاوة تقوم به الحجة، فأمر الله الرسول[ أن يتلوه على الكافر المستجير، وأن يسمعوه إياه ليسلم، قال -تعالى-: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَه}، نقل السيوطي عن ابن حجر «فلولا أن سماع القرآن حجة عليه لم يقف أمره على سماعه»، وقال -تعالى-: {وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً}.

قال ابن عباس: «كاد يركب بعضهم بعضا من الازدحام عليه حرصاً على استماع القرآن، وأوصى بعضهم بعضا بالإنصات»؛ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا، وهذا البعد يمر بثلاث مراحل كما يقول التربويون في مجال التعلم الفعال وهي:

الإحساس بالشيء: وهو قولهم: {فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا}.

الانفعال والتأثر: {إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآناً عَجَبا} وهو قولهم: {يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ}.

النزوع السلوكي في قوله: {يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ}.

وهذا الذي نريده من طلابنا في الحلقات، أن يتأثروا وهو حاصل، لكن عليهم أن يطبقوا ماتعلموا .

3- اكتساب المعرفة التربوية

     إن تلاوة القرآن وحفظه، يزود الطلاب بمعلومات ومعارف مهمة؛ لأن هذا القرآن يحوي مجالات العلم المختلفة، العلوم الشرعية على وجه الخصوص، غالبها مشتق من القرآن الكريم، كما قال عبدالله بن مسعود: «من أراد العلم فليثوِّر القرآن؛ فإنه فيه علم الأولين والآخرين»؛ فقال البيهقي موضحاً لكلامه: «أراد به أصول العلم، ومعنى (يثوِّر القرآن) يتأمله، ويتدبره، ويفكر في تفسيره ومعانيه».

وليس المجال هنا بيان المعارف التي يحصل عليها المتعلم لكتاب الله، سواءً من الأحكام، أو الثروة اللغوية التي قال عنها الراغب الأصفهاني في مقدمته مانصه: «إن ألفاظ القرآن هي لب كلام العرب وزبدته وواسطته وكرائمه».

4- الممارسة السلوكية والتطبيق العملي

     إن الحياة في رحاب القرآن تعلماً وتعليمًا ومدارسة، سوف تؤدي إلى الاستقامة والصلاح، قال -تعالى-: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ}، إن مدارسة القرآن بالمفهوم الشمولي، وعدم الاقتصار على الحفظ، بل مدارسته حفظا، وسلوكاً وعملاً حسب عمر الطفل وقدراته، والوقت المتاح أما العلم سوف يجعل من التلميذ شخصية متزنة متميزة؛ لأن القرآن يحدث في نفوس الدارسين عظة وعبرة، ويكسبهم علماً، وشرفاً، وخلقاً، ويزكي نفوسهم ظاهراً وباطناً، ويحفزهم إلى عمل الطاعات، ويزجرهم عن الاقتراب من المخالفات، يقول ابن مسعود رضي الله عنه : «كان الرجل منا إذا تعلّم عشر آيات لم يجاوزهن حتى يعرف معانيهن والعمل بهن».

      وقال عبدالله بن مسعود أيضاً: «والذي نفسي بيده إن حق تلاوته: أن يحل حلاله ويحرم حرامه ويقرأه كما أنزله الله، ولايحرف الكلم عن مواضعه، ولايتأول منه شيئاً على غير تأويله»، وعندما سئلت عائشة -رضي الله عنها -عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قالت: «كان خلقه القرآن».

قال الحافظ موضحاً هذا الخلق: «ومعنى ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم صار امتثال القرآن أمراً ونهياً، سجية له، وخلقاً تطبّعه، وترك طبعه الجبلي؛ فمهما أمر القرآن فعله، ومهما نهاه عنه تركه».

يقول ابن عثيمين -رحمه الله تعالى- في شرح قوله -تعالى-: {يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ}، أي يتبعونه والتلاوة يراد بها ثلاثة أمور: ( تلاوة لفظية - تلاوة معنوية - تلاوة عملية)، ويقصد بالتلاوة العملية: أي: يؤمن بأخباره، ويقوم بأوامره، ويتجنب نواهيه .

 فهذا يعني أن المقصود ليس هو القدرة على الضبط والتجويد والحفظ، بل المقصود الجمع بين الأمرين؛ فالأمة متعبدة بتصحيح ألفاظه، وإقامة حروفه، ومتعبدة أيضاً بفهم القرآن والعمل به.

قال الحسن البصري: «أما والله ماهو بحفظ حروفه وإضاعة حدوده حتى إن أحدهم ليقول: قد قرأت القرآن كله؛ فما أسقط منه حرفاً، وقد والله أسقطه كله مايرى له القرآن في خلق ولاعمل»،

     وقال الإمام شهاب الدين المقدس (ت665) : «لم يبق لمعظم من طلب القرآن العزيز همة إلّا في قوة حفظه وسرعة سرده، وتحرير النطق بألفاظه، والبحث عن مخارج حروفه، والرغبة في حسن الصوت به، وكل ذلك وإن كان حسناً لكن فوقه ماهو أهم منه وأتم وأولى وأحرى، وهو فهم معانيه والتفكير فيه والعمل بمقتضاه، والوقوف عند حدوده وثمرته خشية الله -تعالى- من حسن تلاوته».

يقول ابن تيمية في قوله -تعالى-: {وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ}، أي غير عارفين بمعاني الكتاب، يعلمونه حفظاً وقراءة بلا فهم لايدرون، وقوله: «أماني»، أي تلاوة من لايعلمون فقه الكتاب.

5- التربية تساعد على الحفظ

     إن التربية على أخلاق القرآن وآدابه، من الوسائل التي تساعد على الحفظ؛ فالإخلاص وحسن الصلة بالله هو سر التوفيق والفتح من الله -عز وجل-؛ فتربية هذا المبدأ العظيم في نفس التلميذ، له أثره على حفظ القرآن وإثارة الدوافع لدى التلميذ، وصدق الرغبة في الحفظ من خلال بيان مايثمره حفظ القرآن وتعلمه والعمل به في نفس الطالب، يزيد لديه الرغبة في الحفظ والقاعدة النفسية تؤكد أن قوة الحفظ مرتبط بالدافع إلى الحفظ ومصادرها الدافعية متعددة إدراك المعلم بها وتوظيفها في الحلقة تجعل الطالب يسلك كل وسيلة تقوي هذا الأمر؛ فلو بيّنا له أن اللجوء إلى الله بالدعاء وطلب العون منه، أمر مهم في حفظ القرآن وهو كذلك؛ فإن التلميذ سوف يفعل ذلك رغبة في الحفظ وإشباعاً لذلك؛ فإن الدافع الآخر لديه، يضاف إلى ماسبق أن الفهم الشامل لمعنى الآيات أو المفردات الصعبة والأحكام ولآداب المشتمل عليها القرآن الكريم يؤدي الحفظ المتكامل.

     وعليه فالواجب أن نضع برنامجاً تربوياً متكاملأً، يوضح فيه الطرائق العملية والتطبيقات التربوية المساعد على الحفظ، ويختار منها المعلم بالتنسيق مع الجهة المشرفة على الحلقات مايتناسب مع بيئة حلقته القرآنية؛ ليتم لنا تحقيق أفضل الأهداف التربوية لهذه الحلقات القرآنية المباركة.

توصيات مهمة

1- التأديب التربوي في الحلقات القرآنية أصبح ضرورة شرعية في واقعنا المعاصر حتى تتحقق الأهداف التربوية للحلقات القرآنية.

2- إن زيادة المشكلات السلوكية في الحلقات القرآنية، كانت بسبب غياب التأديب التربوي الذي يعد الوسيلة المناسبة لعلاج المشكلات السلوكية التي بدأت تنتشر في بيئات الحلقات القرآنية، لاسيما تلك السلوكيات المنافية للأخلاق الإسلامية؛ حيث أصبح يمارس بعض الطلاب الذين ينتسبون للحلقات القرآنية ألواناً من السلوك المضاد للمجتمع.

3- إن الاقتصار على الحفظ في الحلقات القرآنية، ومنع البرامج التربوية المصاحبة التي تساعد على إنجاح الحلقات القرآنية بطريقة تربوية إيجابية، له آثار سلبية على واقع التعليم القرآني، وعلى سلوك التلاميذ.

4- عناية التربية الإسلامية بالتأديب التربوي على مر العصور، الأمر الذي يجعل الحلقات القرآنية في واقعنا المعاصر مكاناً مناسباً لإحيائه والدعوة إليه للحاجة الماسة للتأديب التربوي في هذا الوقت.

5- إن الحلقات القرآنية لا تقوم بوظائفها التربوية بطريقة شمولية؛ مما يتطلب ضرورة تشجيع المعلمين للقيام بوظائف الحلقات القرآنية .

6- حاجة المعلم إلى التدريب والتأهيل التربوي باستمرار حتى يقوموا بواجبهم التربوي والدعوي داخل الحلقات القرآنية.

7- إن التأديب والتربية على أخلاق القرآن الكريم، يساعد على الحفظ، ويمنع تسرب الطلاب من الحلقات القرآنية.

8- إن عناية الحلقات القرآنية بالأنشطة التربوية المناسبة مثل: الزيارات والرحلات والمسابقات وغيرها، أحد الوسائل المعينة على الحفظ، والتحلي بأخلاق القرآن .

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك