رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: د. علي الزهراني 12 مايو، 2019 0 تعليق

معالم التأديب التربوي في الحلقات القرآنية (1)


إن الحلقات القرآنية إحدى المحاضن المهمة في بناء الأجيال وتربيتهم وتأديبهم على أخلاق القرآن وتعاليمه، الأمر الذي جعل هذه الحلقات ضرورة شرعية لرعاية أبناء المسلمين في واقعنا المعاصر، وقد زاد الإقبال عليها، والمطالبة بها؛ لأنها ذات أثر إيجابي وكبير في تكوين الميول والاتجاهات لدى تلاميذ الحلقات، وذلك من خلال ثلاثة جوانب من وجهة نظري يُعتنى بأمرين منهما ويهمل أحدها؛ وهو مادفع إلى دراسة هذا الموضوع.

والجوانب الثلاثة المهمة التي نتحدث عنها هي:

(1) تعليم القرآن الكريم

     إن زيادة الاهتمام بتعليم القرآن وحفظه عن طريق إتقان تلاوته والاستمرار في حفظه كاملاً، أو أجزاء منه ومعرفة معاني بعض مفرداته، له الأثر الفعال في تكوين شخصية المتعلم؛ فعن عمر ابن الخطاب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواماً ويضع به آخرين».

(2) الحلقة القرآنية المسجدية

     إن اجتماع التلاميذ في الحلقة القرآنية داخل المسجد له أثره الإيجابي على سلوك المتعلم؛ لأنه يعيش جو المسجد الروحاني، ويمارس العبادات مع أهل المسجد، كصلاة الجماعة واستماع التوجيهات والمواعظ داخله المسجد، ومشاهدة الصالحين من مرتاديه؛ فهذه الأمور وغيرها تساهم في بناء شخصية المتعلم، وتغرس في نفسه تعظيم بيوت الله -عز وجل- وحب مرتاديها، وكل ذلك يزيد محبة القرآن والمسجد في قلوب المتعلمين؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من غدا إلى المسجد أو راح أعد الله له في الجنة نزلاً كلما غدا أو راح».

(3) التأديب التربوي

 أما ثالثة الأثافي المهمة في بناء الشخصية؛ فهو التأديب التربوي الذي يؤثر في سلوك المتعلم، ويزيد تفاعله مع بيئته الاجتماعية والتربوية داخل بيئة الحلقة؛ مما يحقق الأهداف التربوية للحلقة القرآنية.

التأديب التربوي

إن التأديب التربوي في الحلقات القرآنية أحد العوامل المهمة لنجاح الحلقات القرآنية،  وهو لايزال مهملاً في الحلقات القرآنية، بحجة أنه يؤثر على مستوى حفظ القرآن وزيادته، مع أن هذا الزعم لايؤيده الواقع، أو الدراسات العلمية، أو التجارب العملية.

الاهتمام بالتأديب التربوي

     ولقد برزت أهمية هذا الموضوع من خلال عدم الاهتمام بالتأديب التربوي لطلاب الحلقات القرآنية؛ حيث تكاد تجمع الحلقات على الاقتصار على تعليم قراءة القرآن الكريم تجويداً وحفظاً فقط، باعتبار أن النظام الأساسي للجمعيات، يلزم الحلقات بذلك، الأمر الذي غاب معه التأديب التربوي عن الحلقات القرآنية؛ مما أدى إلى بروز مشكلات سلوكية متعددة في بيئات الحلقات القرآنية.

فضل الاجتماع في الحلقات القرآنية

     يتميز التعليم في الحلقات القرآنية، والاجتماع على كتاب اللَّه بخصوصية ينفرد بها عن التعليم في وسائط التربية الأخرى، وإن كان الاجتماع على ذكر الله، وتعلم كتابه، ومدراسته، وتعلم العلم النافع حسن، إلا أن الاجتماع لدراسة القرآن الكريم في الحلقات القرآنية أعظم أجراً، وفضلاً، وقد بين الرسول صلى الله عليه وسلم هذا الفضل، وذكر ثمرة هذا الاجتماع المبارك على مأدبة القرآن في هذه الحلقات؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم : «ما اجتمع قوم في بيت من بيوت اللَّه يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم اللَّه فيمن عنده»؛ ولما كانت الحلقات القرآنية في الغالب، تعقد في المساجد؛ فإن هذا الحديث يؤكد فضل هذه الحلقات القرآنية، ويبين لنا عظيم أجر المجتمعين فيها، وفضل اجتماعهم ومدارستهم لكتاب اللَّه -تعالى-، بل وفيه دعوة لكل مسلم إلى إقامة مثل هذه الحلقات، والمشاركة فيها، ودعمها مادياً، ومعنوياً، ومن الذي لا يحرص على كل واحدة مما ذكر؟؛ فكيف وقد اجتمعت كلُّها في عمل واحد ميسرٍ هو الاجتماع على كتاب اللَّه؛ ولأهمية هذا الاجتماع في حلقات القرآن، وأثره على أفراد المجتمع، جعل العلماء له أبواباً في كتبهم كباب فضل الاجتماع على تلاوة القرآن، في صحيح مسلم، وباب فضل الاجتماع في المسجد لدرس القرآن، في كتاب الآجرِّي: أخلاق حملة القرآن، وقد «كان سلف الأمة من الصحابة والتابعين، وتابعيهم يجتمعون عليه لصلاح قلوبهم، وزكاة نفوسهم». أي: يجتمعون على قراءة القرآن في حلق المساجد أو الكتاتيب والدور القرآنية.

آداب الاجتماع التربوي

     وكان من آداب الاجتماع التربوي على القرآن أنهم إذا اجتمعوا أمروا واحداً منهم أن يقرأ، والباقون يستمعون وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه  يقول لأبي موسى: يا أبا موسى: ذكرنا ربَّنا فيقرأ وهم يستمعون، وهذا هو السماع الذي كان النبي صلى الله عليه وسلم يشهده مع أصحابه ويستدعيه منهم، كما جاء في الصحيح عن عبد اللَّه بن مسعود قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «اقرأ علي القرآن، قلت: أقرؤه عليك وعليك أنزل؟ فقال: إني أحب أن أسمعه من غيري؛ فقرأت عليه سورة النساء حتى وصلت إلى هذه الآية {فَكَيفَ إذا جِئناَ من كُلِّ أُمَّةٍ بشهيدٍ وجئنا بِكَ علَى هؤلاءِ شَهيداً} قال: حسبك؛ فنظرت فإذا عيناه تذرفان». وهذا هو الذي كان النبي صلى الله عليه وسلم يسمعه هو وأصحابه، كما قال -تعالى-: {لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إذَا بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ}، والكتاب والحكمة يعني: الكتاب والسنة.

وقال -تعالى-: {قُلْ إِنَّما أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ البَلْدَةَ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلِّ شَيءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآن فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَقُلْ إِنَّماَ أَنَا مِنَ الْمُنْذِرِينَ}.

     وعلى هذا؛ فإِنَّ الاجتماع، لسماع القرآن، وتلاوته مستحب لهم خارج الصلوات؛ فقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه خرج على أهل الصفة وفيهم واحد يقرأ وهم يستمعون؛ فجلس معهم، وكان أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إذا اجتمعوا أمروا واحداً منهم يقرأ والباقون يستمعون، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ القرآن على الحفاظ من أصحابه؛ فقد قرأ على أُبَيّ ليعلم الناسَ أهمية الاجتماع على القرآن ويعلمهم التواضع؛ لئلا يأنف أحد من التعلُّم، والقراءة على من دونه في المنزلة؛ ولأن أُبياً كان أسرع أخذاً لألفاظ الرسول صلى الله عليه وسلم، فأراد بقراءته عليه أن يأخذ ألفاظه ويقرأ كما سمع منه ويُعَلِّمَ غيره. 

     ولا شك أن هذه إشارة إلى أهمية الاجتماع على كتاب اللَّه -تعالى-، وتزكية النفوس بذلك، وإعداد المربين الذين يقومون بهذه المهمة، ولعلَّ أهم وسائل تحقيق ذلك الحلقات القرآنية، وبهذا تصبح قراءة القرآن، وعرض الطالب على معلم القرآن سنة نبوية، والمراد بالعرض القراءة والتثبت فيها، ولكي يتحقق هذا الفضل العظيم ينبغي العناية بالتأديب التربوي .

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك