رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الفرقان.القاهرة/مصطفى الشرقاوي 7 يناير، 2013 0 تعليق

مظاهرات الأنبار والأزمات مع الأكراد واستهداف السنة تضع مصير المالكي على المحك

 

لم يواجه العراق أزمة سياسية منذ العام 2007 مثل الأزمة التي يواجهها هذه الأيام، فالمشكلات السياسية تتوالى والفرز الطائفي يعود لصدارة المشهد والصراعات السياسية ذات البعد الطائفي تسفر عن وجهها بشكل يعيد للأذهان مصطلحات القتل على الهوية والسجال الطائفي الذي عمل الاحتلال والقوى المناوئة للوفاق الوطني العراقي على تكريسه، وهو ما ظهر جليًا في تفجيرات مراقد الهادي والعسكري في سامراء عام 2005م.

     وقد تصاعدت الصراعات ذات البعد الطائفي بشكل غير مسبوق بدءًا من اشتعال المواجهات بين حكومة المالكي في بغداد والأكراد في المناطق النفطية المتنازع عليها، وهو الصراع الذي أوشك على التحول لصراع عسكري لدى تدخل قوات فيلق دجلة في الأزمة ومحاولتها فرض الأمر الواقع، وهو ما لم يحظ بأي قبول من قبل رئاسة إقليم كردستان والبشمرجة لولا تدخل بعض الوسطاء وتطويق الصراع المفتعل الذي حاول من خلاله المالكي خلق نوع من الاصطفاف العربي السني في الصراع مع الأكراد حفاظًا على وحدة العراق وسيادته، وهو ما لم يجد آذانًا صاغية من جانب السنة العرب الذين اعتبروا الأمر مجرد مناورة من المالكي للظهور في مظهر من يحاول الحفاظ على وحدة البلاد.

     ومن المهم التأكيد أن إخفاق المالكي في تحقيق هذا الاصطفاف السني العربي في المواجهة مع الأكراد جعله ينقل الصراع إلى ساحة أخرى تمثلت هذه المرة في اقتحام قوة أمنية مقر وزارة الداخلية وإلقاء القبض على رئيس حماية وزير المالية رافع العيساوي وعدد من حراسه بتهم التورط في عمليات اغتيال وتصفية وهجمات على مؤسسات عراقية بشكل أعاد للأذهان الاتهامات التي وجهت لنائب الرئيس العراقي السابق طارق الهاشمي وأفضت في النهاية ونتيجة سيطرة المالكي على القضاء العراقي المسيس للحكم بالإعدام غيابيًا على الهاشمي، وهو ما قد يتكرر مع العيساوي في إطار مساعي المالكي لشن حملة تطهير عرقي في صفوف المسؤولين السنة العرب باعتبارهم منافسين محتملين في الانتخابات المحلية القادمة المقررة في 2013م والتشريعية المعتزم انعقادها خلال عام 2014م.

 مؤامرات متتالية

     وقد جاءت هذه الخطوة بعد ساعات من نقل الرئيس العراقي جلال الطالباني إلى ألمانيا للتعافي من جلطة دماغية أصيب بها ليعيد للأذهان التصعيد ضد الهاشمي بعد ساعات من انسحاب الجنود الأمريكيين من العراق، وكأن المالكي قد فرغ نفسه للمؤامرات ضد السنة العرب ورموزهم دون الوضع في الاعتبار مشاكل العراق كبلد يواجه أزمات غير مسبوقة.

     ولم يكد المالكي يصدر أوامر الحملة الأمنية ضد وزير المالية العراقي المنحدر من الفلوجة حتى اشتعلت مظاهرات حاشدة في مدن المثلث السني تقدر بالآلاف في الرمادي وسامراء والفلوجة، وكأنها ترفض هذه المساعي للانفراد بالسلطة من قبل المالكي وسعيه للقضاء على تطلعات أبناء الطائفة السنية للعودة للمشهد السياسي في العراق.

     وأعادت المظاهرات غير المسبوقة في العراق مشهد الربيع العربي إلى الأذهان، حيث وجه المتظاهرون انتقادات شرسة وغير مسبوقة لحكومة المالكي معلنين رفضهم لتبعيته الشديدة لحكم الملالي في إيران، مشددين على أهمية طرد عملاء إيران وحرسها الثوري من العراق، فضلا عن الإفراج عن المعتقلات وتجميد العمل بقانون الإرهاب وحظر ظاهرة المخبر السري والكف عن سياسة الإقصاء التي يتبناها منذ عدة أعوام إزاء جميع القوى السياسية في العراق، بل إن مشهد إحراق العلم الإيراني كان ذات دلالة أعادت للأذهان ثورات الربيع العربي وما كان يتعرض له العلم الأمريكي في بداية حمى إسقاط الأنظمة بدءًا من تونس ومصر وليبيا وغيرها.

 شقا الرحى

     وقد زادت التظاهرات الحاشدة وتصاعدت الأزمة السورية ووقع المالكي بين شقي الرحى لتعديل موقفه من الأزمة السورية أو استمرار تأييده للأسد من قبل قوى إقليمية، وهو موقف يجابه برفض إيراني حيث تسعى طهران لتأزيم المشهد السوري لأقصى درجة وربما يفرض هذا التأزم الوصول لحل وسط بين الأسد ومعارضيه يحفظ لها جزءا من أرضيتها في الداخل السوري.

     ومن المهم الإشارة إلى أن تصعيد التظاهرات السنية كذلك قد أجج المخاوف على وحدة العراق واستقراره الهش، فتباطؤ حكومة المالكي في البداية في التعامل مع الأزمة عظم المخاوف من إمكانية رفع المتظاهرين من سقف مطالبهم وصولاً إلى المطالبة بإنشاء إقليم سني ينهي حالة التهميش المستمرة لهذه الطائفة ويضع حدا للسياسة المهيمنة التي تمارسها الحكومة المركزية في بغداد.

     إلا أن المتظاهرين حاولوا النأي بأنفسهم عن هذا المنحى الطائفي بل حرصوا على وجود عناصر جنوبية في التظاهرات، وهي مشاركة فسرها المراقبون بأنها مسعى من المتظاهرين للتأكيد بأن غضبهم موجه تجاه سياسيات المالكي وليس موجها للطائفية.

     وإزاء هذا الوضع المعقد لم يجد المالكي بدا من الاعتراف بمطالب المتظاهرين المشروعة رغم لهجته الخشنة حين طالب بوضع مصالح البلاد في الاعتبار والكشف عن اللعب بورقة الطائفية والتلويح بتقسيم العراق، فهو يدرك مدى الصعوبة الشديدة التي يواجهها حكمه في ظل تربص خصومه السياسيين به وبدأ السنة العرب والقائمة العراقية والتحالف الكردستاني في حشد الصفوف ضده، فضلاً عن أن تداعيات الأزمة السورية وقول البعض إن سقوط الأسد في سوريا سيخلف زلزالا سياسيًا في العراق، وهو ما يحاول المالكي نزع فتيله عبر محاولة الالتفاف على مطالب المتظاهرين وتطويقها بدلاً من مواجهتها بشكل عنيف قد لا يكون له تداعيات إيجابية.

ربيع عربي

     ورغم الموقف الصعب الذي يعاني منه الحكم الطائفي العراقي وتصاعد مطالب المعارضة من المالكي إلا أن احتمال تكرار سيناريو الربيع العربي في العراق يعد أمرا شديد الصعوبة، فهناك حزمة من الأسباب يراها الدكتور جمال زهران أستاذ العلاقات الدولية بجامعة قناة السويس؛ نظرًا لصعوبة دعم الجيش العراقي لهذه المظاهرات على غرار ثورات الربيع العربي في ظل الطابع الطائفي للجيش العراقي وسيطرة جنرالات موالين للمالكي فضلاً عن صعوبة دخول قوى إسلامية على غرار القاعدة على خط الأزمة في ظل الرفض الشعبي العراقي لهذه القوى.

     ولفت إلى أن إيران لن تقبل أن تخسر حليف في قيمة المالكي ولا سيما أنها تقترب من خسارة الحليف السوري الذي يعد ذراعها الأهم في المنطقة وبالتالي فإيران لن تسمح بأن تغير هذه التظاهرات من طبيعة المشهد السياسي في العراق باعتباره يمثل عمقًا إستراتيجيًا لها في ظل وجود المالكي في السلطة.

     وتابع: لم تكتف إيران بإعلان رفضها التام لقيام ميليشيات بتغيير النظام في العراق، بل إنها دفعت بحسب ما يتردد بعناصر موالية لها للتظاهر لتضمن عدم خروج الأمر من تحت السيطرة، بل إنها قد تحرك الخلايا النائمة من القاعدة خلال الفترة القادمة لضمان تسوية هذه الانتفاضة.

     وبرر زهران جنوح المالكي إلى المرونة إلى مخاوفه الشديدة من وصول الأمور للسيناريو الأسوأ؛ لذا فلم يجد أفضل من التظاهر بقبول هذه المطالب التي وصفها بالمشروعة بأسلوب المراوغة ولاسيما أنه يستطيع تفريغ هذه المطالب من مضمونها لدى التزامه بتنفيذها وفي مقدمتها عدم تسييس الجيش، وهو مطلب فضفاض لا يستطيع أحد إلزام المالكي به خصوصًا أنه معروف عنه نكثه بوعوده مكتوبة كانت أو شفوية.

غول الطائفية

     بل إن المالكي وفي هذا السياق حاول وصم المظاهرات التي شهدتها الأنبار والموصل وسامراء بالطائفية؛ حتى يصعد المخاوف من عودة الطائفية لتطل برأسها على بلاد الرافدين وذلك لإضعاف الدعم الشعبي لهذه التظاهرات.

     وذهب المالكي إلى أقصى السقوط حيث نظم حزبه مظاهرات مضادة قامت بإحراق صور رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان واتهامه بمحاولة استغلال هذه المظاهرات لدعم المصالح التركية في العراق، وهي تهم لم يقدم المالكي أي أدلة عليها إلا رفضه لمطالبة المالكي له بالكف عن سياساته الطائفية، وتكريس نوع من الشراكة السياسية.

     ولعل ما يزيد الأزمة في العراق اشتعال المظاهرات في المدن السنية احتجاجًا على سياسيات المالكي والعصف الأمني بأبناء هذه المناطق علاوة على أن التهميش السياسي والإقصاء العرقي لهم قد تزامن مع مغادرة الرئيس العراقي جلال طالباني للعراق في رحلة علاجية في ألمانيا قد تطول، وهو الغياب الذي سيكون له تداعيات سلبية على مجمل الوضع العراقي خصوصًا أنه جاء تاليًا لاشتعال الصراع على المناطق المتنازع عليها بين المركز وإقليم كردستان، وهي الأزمة التي تدخل فيها طالباني للتهدئة والوصول لحل وسط وفق قاعدة «لا غالب ولا مغلوب»، رغم نزوع الطرفين للتصعيد سعيًا لاستغلال الأزمة لإضعاف الخصوم السياسيين، وهي الإستراتيجية التي يتعامل بها المالكي مع مجمل المشهد العراقي منذ وصوله للسلطة.

     بل إن الطالباني ورغم سلطته المحدودة وفق الدستور العراقي قد نجح في نزع فتيل أزمات عديدةو فقد تدخل في السابق عبر الضغط على المالكي لإخراج  طارق الهاشمي من بغداد إلى كردستان بشكل أبعد الأخير من مواجهة القبض عليه واقتياده إلى محاكمة سياسية أمام قضاء عراقي فاسد ومشبوه بحسب تقرير المفوضية الدولية للأمم المتحدة، وهو أمر كان مرشحًا للتكرار وإن كان بشكل أفضل مع أزمة وزير المالية رافع العيساوي.

 خليفة غامض

     غير أن الدبلوماسي المصري الخبير في الشأن العراقي السفير هاني خلاف يرى أن تداعيات غياب طالباني عن الساحة العراقية قد تتجاوز هذا الأمر ولاسيما أن هناك غموضًا حول تحديد هوية خليفته خصوصًا أن المحاصصة الطائفية المعمول بها في العراق منذ سقوط صدام حسين ستعطي المنصب بشكل مباشر لأحد الصقور بشكل سيصعد التوتر في العراق بشكل عام ويكرس حالة الفرز الطائفي خصوصًا أن الشخصيات المسيطرة على المشهد الكردي حاليًا تبدي قدرا غير مقبول من التشدد حيال استمرار العراق كدولة موحدة ومسيطرة.

     وحذر الدبلوماسي السابق من خطورة الأوضاع في العراق خصوصًا أن اشتعال المظاهرات في المدن السنية ورفع المتظاهرين علم الجيش السوري الحر قد أججا التوتر وأبلغا رسالة للمالكي بخطورة اللعب بالنار مع مكون عراقي أصيل في وقت يتعرض غطاؤه الإستراتيجي في سوريا وإيران لصعوبات جمة، وهي تطورات دفعت المالكي لمحاولة احتواء التوتر واللعب بسلاح الحوار والمماطلة في الاستجابة للمطالب وهي إستراتيجية لا تفيد في نزع فتيل الأزمة على المدى الطويل بشكل يشير إلى أن العراق على موعد مع أزمات متتالية قد يعصف بالحكم الطائفي ويعيد الاعتبار لحكم وطني يبتعد عن نهج الطائفية والمحاصصة التي زرعها الاحتلال وأعوانه.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك