مطرقة الأجهزة الذكية تدكّ التأثير التربوي
- المتتبع لواقع انكباب الأطفال والمراهقين على الأجهزة الذكية بمواقعها التواصلية يشهد واقعا غير مسبوق في انفلات النظام الأسري فضلا عن انخفاض مستوى تأثيره التربوي على البنين والبنات
- من الأهمية بمكان تدريب الأبناء على التمييز بين الصواب والخطأ لنضمن تمكينهم من السيطرة على هوى النفس ولكبح جماح الفضول المحرّم ولتجذير الرقابة الذاتية من الصغر
سحر التأثير الإلكتروني على الأبناء ذكورا وإناثا، بات يسحب البساط من تحت جهود الوالدين المضنية في تربية أبنائهم فتيات وفتيانا، ولا داعي لذكر إحصائيات وأرقام بهذا الصدد؛ إذ تكاثرت الدراسات الميدانية والوصفية التي تصدّر لنا النتائج الواقعية، وتسطّر لنا التوصيات المتعددة والوضع على ما هو عليه، بل تفاقم وازداد وانفرطت سبحة التأثير التربوي من الوالدين والمربين على هذا الجيل.
وإنّ المتتبع لواقع انكباب الأطفال والمراهقين على الأجهزة الذكية بمواقعها التواصلية، ليشهد واقعا غير مسبوق في انفلات النظام الأسري، فضلا عن انخفاض مستوى تأثيره التربوي على البنين والبنات، ولقد كان المعنيّون بالشأن التربوي سابقا، يعتقدون أنّ الطلاق وتعدد الزوجات من أهم أسباب انحراف الأبناء وانجرافهم باتجاه الخطأ والخطيئة- هكذا كانوا يعتقدون-، وكانت تُعدّ الأسر المتصدعة بؤر لقنابل مجتمعية موقوتة لأطفال ومراهقين عاش والداهما انفصالا حقيقيا وأثّر ذلك على الأبناء سلباً. عزيزي القارئ، عزيزتي القارئة، كنّا أيضا في السابق نسمع ونقرأ من أصحاب الشأن التربوي ممن يدندن على أنّ تعدد الزوجات من شأنه أن يخلق أسرا كبيرة يعجز الأب عن متابعة أبنائه وبناته فكان ذلك - وكما يظنون -مدعاة لفساد أخلاق العيال.الله -تعالى- لا يشرّع أمرا فيه أضرار للخلق
كانوا في السابق يطنطنون على هذا وذاك، ويتغافلون عن أنّ الله -تعالى- لا يشرّع أمرا فيه أضرار للخلق، ونحن نعلم يقينا أنّ لهؤلاء أغراضا وأهواء شتى، يريدون تسفيه نظام تعدد الزوجات وتجريمه، كما يريدون التقليل من قيمة الطلاق وفائدته، على الرغم من أنه حل حكيم للمضطرين إليه، فقد يكون الانفصال رحمة واستقرارا بدلا من الاختناق الأسري لكثرة الأزمات التي تعيشها الأسرة قبل قرار الطلاق ومدعاة للهدوء النفسي والمسالمة الحياتية.طوفان الأجهزة الذكية
أعزائي القراء، لسنا بصدد التفصيل في مسألة الطلاق ونواتجها، ولسنا بصدد التفصيل في نظام البيوت المعددة للزوجات، وإنما هي الإشارة -وبوضوح تام- إلى أنّ طوفان الأجهزة الذكية قد غطّى وملأ الأفق بالتبعات الملقاة على الوالدين في ضبط النظام التربوي وتقنينه لأبنائهم، وللإشارة إلى أنّ ما كان الخوف منه سابقا قد تلاشى، وحلّ محلّه ما هو أعظم وأضخم خطرا وسببا منه، وصار الطلاق والتعدد في منظورهم لا شيء من الخطورة والتحدي بالنسبة لخطر الأجهزة الذكية وماتحويه، لقد بات عيانا نهارا جلّ تحليلاتهم للشأن التربوي تتصدّى لخطر مالم يكن متوقعا حصوله في يوم ما، ألا وهو خطر الألعاب الإلكترونية وإدمانها وخطر مواقع التواصل الاجتماعي. إن ّمن يحللون ويكتبون في الشأن التربوي صار همّهم التنادي ومخاطبة الوالدين، أن يُحكِموا التقنين والضبط تلافيا للإدمان الإلكتروني الذي يدمن عليه الأب والأم قبل أبنائهما وبناتهما! فكيف السبيل إلى تخليص الأبناء من حالة الإدمان المفسد لأخلاقهم وضياع عقولهم إذا كان رب البيت بالدف ضاربا؟!أين تأثير النظريات التربوية؟
أتساءل حقا أين تأثير تلك النظريات التربوية التي لطالما درسناها في الدراسات العليا، بل وحتى في الليسانس والدبلوم قبله التي أجهدونا في دراستها وفهمها وحفظها وتقديم الاختبارات بها؟ بل وتقديم العروض التقديمية لنيل أحسن الدرجات بها، التي لم أكن أؤمن بشيء منها، بل كنت أعتقد يقينا أنّ ما في تشريعات ربنا وتفاصيل حياة رسولنا -[- من منظومة تربوية هي من أجلّ التطبيقات والنظم التربوية المتكاملة التي تُغني المسلم وتكفيه عن آلاف النظريات الغربية التي لم تعد تسمن ولا تغني من جوع في ظل حمأة الانكباب والاندفاع نحو الأجهزة الذكية.رسالة للآباء والأمهات
أعزائي القراء، رسالة أوجهها للآباء والأمهات كافة؛ لوقاية أبنائهم وبناتهم من التأثير السحري للأجهزة والمواقع والتطبيقات الالكترونية، إنّ امتلاك الأبناء للبصيرة التي يأتي دورنا لندرّب الأبناء والبنات على أن يصطبغوا بها هو من أهم المسؤوليات الموكلة إلينا ؛ إذ من الأهمية بمكان تدريبهم على التمييز بين الصواب والخطأ تدريبا محنّكا يوميا كما التدريب على أي مهارة أخرى مهمة لهم في حياتهم، لنضمن تمكّن وتمكين الابن والابنة من السيطرة على هوى النفس، ولكبح جماح الفضول المحرّم، ولتجذير الرقابة الذاتية من الصغر، حتى إذا مابلغوا سنّ التكليف والبلوغ تكفّلوا هم بمراقبة الله فيما يشاهدون ويتابعون ويلعبون، والكبير منهم يدرّب الأصغر منه على مراقبة الله له.تحريك الوعي والنضج
لا أتوانى ولن يكلّ لساني ولن يجفّ قلمي عن تحريك سلسلة الوعي والنضج عند الأمهات والآباء؛ لذا فسأكرر وأظل أكرر دائما بأن نتعلم وبعمق وتفصيل سلسلة أعمال القلوب وكيفية عبادتها لله -تعالى-، مصاحبا لها دراسة -وبتجذّر عميق- لأسماء الله وصفاته وأثرها على سلوكياتنا اليومية، نتعلمها أولا نحن الآباء والأمهات ثم ننقلها رويدا رويدا مع تدريب عملي، نُجهِد أنفسنا في ممارسته مع الأبناء؛ وذلك كله من أجل أن نحظى بجيل يمتاز بالصلابة النفسية والذهنية وبالبصيرة الحامية والواقية له من أشكال التفسخ والعربدة والانحلال بل والضياع الفكري من انسلاخٍ عن العقيدة، وذلك الانسلاخ الذي يدفع به إلى الالتحاق بركب الإلحاد المنتشر بين الشباب، إنّ تجذّر هذين العلمين العقديّين كفيلان بعد توفيق الله -تعالى- بحفظ الأبناء والبنات من مشاهدة الحرام والضلال وممارسته.الطريقة التي نمارسها آباءً وأمهاتٍ
أعزائي القراء، إنّ الطريقة التي نمارسها آباء وأمهات، كوننا نظل نحن من يحمي الأبناء والبنات من هوى نفوسهم ونحن من نراقبهم، تلك طريقة تنفع فيما إذا كان الأبناء في مرحلة الطفولة، ولكن حينما يكبرون فلن نستطيع دوما فعل ذلك؛ فنحن لسنا معهم في كل لحظة في الحياة القادمة، وأسلوب العقاب بسحب الهواتف والأجهزة من الأبناء، أو أننا لا نعطيهم إياها مطلقا إلا حينما يكبرون، فتلك أيضا من الأخطاء التي يظن بعض الآباء والأمهات أنها نافعة لردع الأبناء، فلا يعجز الابن أن يجد له منفذا للحصول على جهاز آخر من مصدر آخر.عشرات من التساؤلات التربوية
عزيزي القارئ، عزيزتي القارئة، عشرون سنة تماما وأنا أقدّم الاستشارات التربوية للأسر في بلادي وخارجها، وعشرات من التساؤلات التربوية التي تردني من الوالدين عن العمر المناسب لإعطاء الأبناء تلك الأجهزة، وكيف يتم تقنين استعمالها؟ فأجيبهم بألا سنّ محدد لذلك، والأمر يعتمد على الصلابة الدينية داخل نفس الابن والابنة؛ فكم من ابن عمره إحدى وعشرون سنة والسفاهة تملأ رأسه، وهوى نفسه قتّال يدعوه للفساد والانحراف! وكم من ابن أو ابنة أعمارهما عند الخامسة عشر وأقل، تجدهم ناضجين واعين منضبطين بقواعد والديهم في المسموح والمحظور! بل إنّ الرقابة الذاتية لله -تعالى- عالية جدا في نفوسهم، وكم من أطفال أيضا يحترمون قرارات والديهم ويهابونهم ولا يتجاوزونهم! لذا فالأمر إليك أيها المربي وازرع مابدا لك وستحصد ما زرعت، ولن تنفعك الجهالة التربوية ولا ندم بعد فوات الأوان.
لاتوجد تعليقات