رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: ياسر برهامي 2 مايو، 2016 0 تعليق

مصر فــي مفترق طرق

ما زال خطر الانقسام والفوضى جاثما، ومازال أمل الكثيرين في الهدم والتخريب قائما، وما زالت طوائف منا تتصرف حسب أجندتها الخاصة لا تعبأ بآلام الضعفاء، ماتزال كثير من المشكلات تأخذ طريق التعقيد مع أن طريق الحل سهل وواضح وميسور.

     ولا تزال توافقات -أو قل تحالفات -الإخوة متباينة الأفكار والمناهج والأهداف، تجتمع في الخطوة التكتيكية التي هي الهدم، والكل يحلم بأنه سوف يبنيها على نظافة -كما يتوهم-، مع تناقضهم وبقاء كل واحد منهم، لكن كل منهم يتصور أنه سيتخلص من رفقاء اليوم كما فعل سابقه عبر التاريخ، كل منهم يريد أن يبنيها بعد الخراب على طريقته؛ منهم من يريدها ليبرالية غربية، ومنهم من يريدها إسلامية ثورية؛ في وجه الطواغيت والمجتمع الجاهلي -كما يظن-، ومنهم من يريدها اشتراكية ثورية، والكل يحلم حلمه الخاص ليعيش به في غيبوبة تعمي عليه حقائق التاريخ التي هي سنن الله الكونية بعد سننه الشخصية.

إن نفق الدماء المظلم مسدود، وإن الخروج منه لا يكون بأحلام كل واحد، وإن ما يهدم لا يبنى كما كان، حتى ولو كان البناء الأصلي معيبا ضيقا سيئا لكنه ربما صار في المستقبل حلما لا ينال.

     ونحن لم نكن يوما دعاة هدم رغم الفساد والظلم الذي تعرضنا له، لكن لا يمكن أن نعالجه بظلم أشد، ينال من الملايين، لا نجد أمامنا شيئا نقدمه لهم، كما نعجز اليوم عن نصرة ملايين العراق وسوريا الذين لم يجد أطفالهم حلا إلا أن يقبلوا قدم البابا لينقذهم -وما هو بفاعل-، لكن مع ذلك لابد لنا أن ننصح ونذكر بضرورة تجنب أسباب الخراب المتكررة عبر الأنظمة المتتابعة، يلدغ الناس من الجحر نفسه مرات، ولا يتعظون بمن سبقهم.

خطوات العلاج

- نقول: نحن نرفض الفوضى والتدمير، ونحذر من سفك الدماء وانتهاك الحرمات، وفي الوقت نفسه نقول لمن تحملوا المسؤولية: لا بد من علاج حقيقي لنقاط هي أسباب السقوط في كل مرة، ولا يكفي الاعتراف بوجود الخلل، بل لا بد من معالجته قبل فوات الأوان:

رفع الظلم

- الأمر الأول: الظلم والاعتداء على الأبرياء، والمتهم بريء حتى تثبت إدانته، والعدل البطيء ظلم سريع، وانتهاك حقوق البشر محرم في الشرع وفي الدستور وفي القانون وفي المواثيق الدولية، فإلى متى ندفن رؤوسنا في الرمال، ونقول: لا نستطيع العلاج؟ نعم هي مسؤوليات مشتركة بين القضاء والسلطة التنفيذية والسلطة التشريعية لكن لابد من حل، ربما دعوة مظلوم لم يرتكب جرما ولم يفكر في هدم وطنه ولا محاربة مجتمعه؛ ربما كانت سببا في الخراب.

التفاوت الاجتماعي

- الأمر الثاني: التفاوت الاجتماعي الهائل: بين الفقر المُنسي الذي يعانيه الملايين وعشرات الملايين، والغنى المطغي الذي يعضده الفساد الضاغط المسيطر العميق لا يمكن أن يستقر مع هذا التفاوت المجتمعي، ولا أن ينعم بالأمن، ولا يجوز أن يدفع الفقراء فاتورة المرحلة الانتقالية التي نخشى أن تكون انتقالا للأسوأ الذي لا يُبقي غنيا ولا فقيرا، انهيار البناء المتصدع سيكون على الجميع، وأبناؤنا في المقدمة.

إنهاء الاستقطاب

- الأمر الثالث: لا بد من إنهاء الاستقطاب الحاد والصراع القاتل داخل المجتمع، لابد من هدوء النبرة، لابد من صدق الكلمة، لابد من تأخير المصالح الشخصية والطائفية لصالح المصلحة العامة، والكل لابد أن يتنازل ليتقارب لنتعايش، كلنا عندنا ما نقدمه للتنازل، لنتقارب مع المخالفين، ولنتعايش مع اختلافنا لابد أن يختفي الكبر والإصرار على المواقف التي ثبت خطؤها.

اقتران رأس المال بالسياسة

- الأمر الرابع: اقتران رأس المال بالسياسة والتشريع؛ لابد وأن يجعل صاحبه يبحث عن نفسه وطائفته بأنانية ونرجسية، تفتح للفساد أبوابا لا تغلق. لابد أن يعلم كل واحد أنه لا يمكنه أن يقوم بكل شيء، لابد ألا تستحوذ طائفة على كل شيء، لابد أن يتسع المكان للجميع والعمل للجميع.

في النهاية نقول: الصدق والإخلاص واليقين بالآخرة وكمال التوكل على الله يخرجنا الله به من الظلمات إلى النور.

اللهم ألف بين قلوبنا، وأصلح ذات بيننا، وانصرنا على عدوك وعدونا، واحفظ بلادنا وبلاد  المسلمين آمنة مطمئنة.

 

 

ما الخيــار الآخـر؟

م. ناصر القحطاني

    هذا السؤال رغم بساطته ووضوحه، إلا أنه قد يكون سببا -بإذن الله- في حماية الاقتصاد من الانهيار، والشركات من الإفلاس، والأسر من الضياع، والدول من التفكك، ولاسيما في وقت الأزمات؛ هي ليست دعوة للانهزام والرضا بالواقع، وترك الطموح والتحدي، بل هي دعوة للواقعية، والبعد عن المثالية عند اتخاذ القرار.

الناجحون عبر التاريخ هم الذين تصالحوا مع الذات والواقع، واتسموا بالمرونة في التعاطي مع الأحداث والمفاجآت.

تجرع الألم البسيط رغم قساوته، أفضل من تجرع ألم أكبر يأتي لاحقا بالاستمرار بالطريق نفسه، وصدق الشاعر حينما قال:

إن لم يكن إلا الأسنة مركبا

                                        فما حيلة المضطر إلا ركوبها

العقلاء في مراكز اتخاذ القرار

العقلاء في مراكز اتخاذ القرار هم الذين يسألون وقت الأزمات (ما الخيار الآخر؟) وفي الغالب تكون قراراتهم صائبة، وتحمي كياناتهم الاقتصادية أو الاجتماعية أو السياسية من الانهيار، وتقلل من الخسائر.

أمثلة من الواقع

     استسلام اليابان في الحرب العالمية الثانية، بعد إلقاء الولايات المتحدة الأمريكية قنبلتين نوويتين عليها، كان بعد النقاش حول (ما الخيار الآخر؟) كان قرار الاستسلام صعبا ومؤلما، لكنه جعل من اليابان قوة اقتصادية مؤثرة ومتحكمة في الاقتصاد العالمي خلال أقل من 25 عاما.

     في عام 2007 اتصل بي أحد خريجي الثانوية، بعد أن أقفلت جميع الأبواب في وجهه، وطلب وظيفة (تليق) به، فعرضت عليه الشاغر الوحيد لدي بالشركة وهي وظيفة مأمور سنترال براتب ضعيف؛ فرفض بحجة أنها لا تليق به، فسألته (وما الخيار الآخر لديك؟) فلم يجد جوابا، فجاوبته نيابة عنه، إن الخيار الآخر هو أن تبقى في البيت!!

فقبل الوظيفة وتدرج عندي بالشركة، ثم انتقل لأحد البنوك، ويشغل حاليا مديرا لإحدى الإدارات، ومايزال يتذكر قاعدة (ما الخيار الآخر؟).

     في صيف 2005 تعطلت إحدى المعدات الصغيرة في أحد مصانع (البولي ايثلين) بالجبيل؛ مما أدى إلى تعطل أحد خطوط الإنتاج بالكامل، تم استدعاء مقاول الصيانة، وطلب إليه تصليحها خلال أقل من 24 ساعة، وافق المقاول وطلب مائة ألف ريال مقابل تسليمها خلال 24 ساعة، علما بأن قيمة شراء معدة جديدة مائة ألف ريال من هولندا، وافق مدير المصنع على السعر؛ لأن (الخيار الآخر) هو الانتظار على الأقل 5 أيام حتى تصل المعدة الجديدة، والذي سيخسره المصنع خلال فترة الانتظار هذه 5 ملايين ريال بمعدل مليون ريال يوميا بسبب توقف الإنتاج.

في المجال الطبي يناقش الأطباء مع المرضى قاعدة (ما الخيار الآخر؟) لكي يصلوا إلى أفضل حل بأقل الخسائر والألم، حتى لو تطلب الأمر استئصال عضو حيوي.

السائق الناجح هو الذي يتصرف بحكمة فطرية، ويتخذ القرار في أقل من ثانية عند مفاجآت الطريق بقاعدة (ما الخيار الآخر؟)، فالاصطدام بشجرة أقل خسارة من الاصطدام بعابر مترجل ودهسه.

     بعد هذا المقال، اجلس مع ذاتك في خلوة، واستعرض مشكلاتك وفكر بحيادية وعقلانية بالخيارات المتاحة أمامك، وسوف يهديك الله بفطرتك للخيار الذي فيه سعادتك، وتأكد أن عاطفتك سترفض قرار عقلك، ولكن عقلك سينتصر -بإذن الله- إن قال لها: (ما الخيار الآخر؟).

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك