رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: ذياب عبد الكريم 26 أغسطس، 2013 0 تعليق

مصر بعد حكم الإخوان.. كلمات قبل فوات الأوان

 

أتعاطف جدا، ويشهد الله أني بكيت على مشاهد العنف والقتل والحرق والسحل التي تعرض لها إسلاميو مصر، ولن يزايد علي أحد في ذلك؛ لأنني مسلم بالدرجة الأولى، وأعلم أن حرمة دم المسلم عند الله أعظم من حرمة الكعبة.

وعزائي الوحيد في ذلك أن المسلم لا يخرج عن إحدى الحسنيين إما النصر أم الشهادة، ونحتسب من قضى نحبه دفاعا عن دينه ودون نفسه أو ماله أو عرضه عند الله وعند المسلمين هم الفائزون في النهاية ولهم العاقبة الحسنى.

كما أقدر خروج الناس في جميع المحافظات غضبا لما حل بأبنائهم، وبما حل للشرعية من قبل، ولما آلت إليه الأمور في مصر من اعتداء وقتل، وحرق، ولكني أسال الله ألا يكون ذلك سببا في هلاكهم، وإتاحة الفرصة للبلطجية للانقضاض عليهم.

 

     لقد تيقنت فوق يقيني أن منهج السلف أسلم وأحكم في تقدير مآلات الأمور؛ لأن المنهج السلفي يحث على التربية والتزكية وتهيئة المجتمعات لقبول شرع الله وتطبيقه وعدم التسرع في تطبيق الخلافة دون النظر في المفاسد والمصالح وما يترتب على التغيير من فتن وسفك للدماء.

     وتيقنت أن تغيير المجتمعات لا يكون بالاستئثار بالحكم، والفوز بصناديق الانتخاب فحسب؛ ولكنه يحتاج إلى القوة والغلبة وتهيئة المجتمع لمناصرة الحق وتحكيم شرع الله فيه، وقد يستغرق ذلك زمنا طويلا، ولا بد من قياس ذلك بدقة حتى لا نقع فيما وقع فيه الإخوان في مصر وغيرها، وأنه لا ينبغي أن نجعل هم السلطة والكرسي مقدما على حقن دماء المسلمين وحفظ أعراضهم؛ فالاجتهاد السياسي قابل للصواب والخطأ، بينما قواعد الدين وحفظ الضرورات الخمس أمر لا رجعة عنه ولا تنازل فيه.

     وليعلم الجميع أنني نصحت الإخوان ود.مرسي في مواقعهم قبل بداية الأحداث الأخيرة لإعمال صوت العقل، والتنازل عن فكرة الحكم لأسباب عدة:

- أن التعنت الإخواني واشتراط عودة السلطة لمرسي والشرعية لحكومتة كان سببا رئيسا في اللجوء إلى العنف بعد فشل جميع الوساطات، وكان ينبغي أن يكون لديهم نوع من بعد النظر والتنازلات لتحقيق التوافق وحقن الدماء، ولا سيما أنهم لا يملكون القوة ولا السلاح في رابعة والنهضة، وأنهم يعتمدون على السلمية في مواجهة عقيدة العسكر وسلاحهم وطغيان بعضهم.

- كما أعتقد أن الإخوان أخذوا فرصتهم خلال أكثر من عام لإدارة الدولة فكانوا تحت المجهر، ولن يسمح لهم بالسنوات الأربع. لكن مرسي وحكومته لم تنجح في ذلك لأسباب وتحديات وعقبات عدة داخلية وخارجية، وبذلك لم ويتح لمرسي ولن يتاح له أن ينجح في تحقيق التنمية والسلام المنشود؛ نظرا لعدم إجماع الشعب المصري عليه، وبسبب التدخلات الخارجية.

- وكان لا بد من إدارك حقيقة صعوبة تمكن الحق الضعيف من مجابهة الباطل الطاغي؛ لأن الكثرة والقوة تغلب الشجاعة إلا في زمن المعجزات وتوحد الناس على قلب واحد. وكان لا بد من تأليف القلوب وتوزيع حقائب الحكم وإشراك بقية الأحزاب الإسلامية في تجربة الحكم وبعض العلمانيين المعتدلين (غير المعادين بشراسة) لتحقيق نوع من التوافق والتحول إلى المشروع الإسلامي تدريجيا وبحكمة وروية.

- وأمر آخر خطير لمسته ممن عايشتهم من بعض أصدقائي من المصريين -رغم صلاتهم وصيامهم- أن لديهم عقيدة عسكرية عجيبة غريبة ترى أن الإسلاميين والإخوان هم أعداء حقيقيون، وأنهم مرعبون، وأنهم لو استأثروا بالحكم لقتلوا الناس، ولقيدوا الحريات!

     وهذا يعكس مدى نجاح عمليات غسيل الأدمغة لنسبة لا يستهان بها من الشعب المصري على مدى سنوات من ترسيخ مثل هذا العقيدة الباطلة من خلال وسائل الإعلام الرسمية، وما تبثه من أفلام ومسلسلات مضللة.

والأمر بذلك يحتاج إلى عمل طويل، وإلى جهد أكبر في تصحيح الصورة وتحقيق التعاطف والمؤازرة.

     ويشهد الله أن هدفي من هذه الكلمات نصيحة كل مسلم في مصر أن ينصرف إلى حياته وعمله وألا يقف في مواجهة قوات مدججة يندس فيها كثير من البلطجية والمجرمين ومحبي الثأر والقتل والقنص والحرق؛ حفاظا على أرواح إخواننا وأهلنا ودمائهم في مصر، وأن غليان المشاعر وتغليب صوت العاطفة والمشاركة في المظاهرات والاعتصامات بعد إحراق واجتثاث اعتصامي رابعة والنهضة ونزول العزل والأبرياء في الشوارع والميادين يعرضهم للقتل ويجعلهم مسوغا لمزيد من الدماء.

     وكل عاقل منصف يعلم أن مثل هذه التجمعات والاحتجاجات الشعبية لن تجدي نفعا، وفي المقابل لا بد من تحرك الحكماء والعقلاء في مصر وجميع الدول العربية والإسلامية والمنظمات الدولية لضمان حقن دماء مصر وأهلها، وعدم استهداف أبناء الحركات الإسلامية بالقتل والتعذيب في السجون والمعتقلات.

     ولا بد لحكومة العسكر في مصر أن تعلم علم اليقين أن أعظم سبيل لاستئناف الحياة الطبيعية في مصر يكمن في حقن الدماء والتأليف بين المختلفين، وعدم الظلم والقهر، وعدم الفتك بالإسلاميين، وأن تحفظ حقوق الناس ودماءهم، حتى يرجع الشعب نسيجا واحدا، وينصرف إلى التنمية والحياة الطبيعية والإنتاج؛ ولا بد من محاسبة المفسدين والأخذ على يد الظالمين وألا تزر وازرة وزر أخرى.

- وبالمختصر المفيد: العالم لا يريد للإسلام أن يحكم، وليس أمام الإسلاميين إلا تطبيق الإسلام في أنفسهم وفيمن حولهم، وتوسيع الدائرة تدريجيا حتى ينصلح المجتمع بأكمله، ومن ثم يكون الحكم على أساس الدين بعد القيام بواجب الإعداد بحسب الوسع والطاقة، ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها. والعاقبة للمتقين.

ونسأل الله ألا يمنع المصلون من الصلاة ظلما وزورا، وألا ينبري للدين فيها دعاة البدع والضلال والتصوف مما يخالف الكتاب والسنة.

     وليعلم إسلاميو مصر أن دورهم لا يزال قائما بالدعوة السلمية إلى الله ورسوله، وهذا من وظيفة الأنبياء والرسل، وأن استعجال النصر والظفر قد يكون مهلكا، وأن التهور وعدم حساب مآلات الأمور مصيره الفشل وإشاعة الفتن وسفك الدماء؛ فالناس ليسوا ملائكة ولا يزال للباطل صوت وقوة وصولة وجولة. ويبقى دورنا أن نغلب خير الخيرين ونصرف شر الشرين.

وسيبقى الدعاء الصادق -لمصر وأهلها بأن يحفظهم الله- سلاحنا الوحيد حتى يقضي الله أمرا كان مفعولا. ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

     أسأل الله أن يرحم شهداءك يا مصر، وأن يداوي جراحك، وأن يفك قيد أسراك، وأن يقصم كل ظالم، وأن يحمي الأعراض والأنفس والأموال فيها، وأن يبرم لها أمر خير يعز فيه أمر طاعته ويخذل فيه أمر معصيته، وأن يرفع فيها لواء الحق والدين ولو بعد حين. إنه على ذلك قدير وبالإجابة جدير.. إنه نعم المولى ونعم النصير.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك