رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: معالي الشيخ: صالح بن عبدالعزيز آل الشيخ 28 مارس، 2018 0 تعليق

مصادر التشريع وأثرها في وحدة الأمة (3)

 

استكمالا للحديث عن مصادر التشريع وأثرها في وحدة الأمة ذكر الشيخ -حفظه الله- في المقال السابق أن (وحدة الأمة) مطلب عزيز عظيم، وكل مخلص لله -جل وعلا- ولرسوله، ولكتابه، ولأئمة المسلمين، ولعامتهم؛ فإنه يطلب هذه الوحدة؛ لأن الخير في الاتحاد، والقوة في الوحدة، والتفرق فيه الضعف وفيه قوة الأعداء، وفي هذه الحلقة يتكلم الشيخ عن دور العلماء، وأنهم هم الأساس في نهضة الأمة فيقول: الأمة الإسلامية لا يمكن أن تنهض إلا بعلمائها؛ لأن العلماء هم القادرون على أن يقولوا بما جاء في مصادر التشريع، والعلماء هم المؤتمنون في هذه المرحلة؛ ولذلك لابد للعلماء أن ينهضوا بواجبهم تجاه وحدة الأمة باجتماعهم، بإزالة خلافاتهم، بتناسيها لخدمة الهدف الأكبر وهو: ألَّا يُجْتَثَّ الدين، ألا يُجْتَثَّ الإسلام، وأن يبقى فقط يقال: فلان يصلي، فلان طيب، ولكن لا دخل له بالسلوك، لا دخل له بالقيم، لا دخل له بأنظمة الدولة، لا دخل له بالتشريع.

     الله -عز وجل- يُعْزَل حكمه عن أرضه، الله الخالق! هو الذي خلق، ومَن خلق فله الأمر، هذه عقيدة المسلم، وبالتالي مصادر التشريع: الكتاب والسنة والإجماع، إلى آخرها يجب أن تحكم، كيف يجب أن تحكم لتتحد الأمة؟ عن طريق العلماء، أما عن غير طريق العلماء فلا تَثِقْ، لا تَثِقْ؛ لذلك العلماء يجب أن يرتبوا وضعهم، وأن يعيدوا حساباتهم، وأن ينظروا إلى المستقبل، وأنهم مؤتمنون عليه، وهم إذا خُدِعوا فإنهم هم الملومون.

     تدخل اليوم في النت وترى جميع المواقع بالأفكار جميعها، يمكن أن تفردها أو أن تقرأها مباشرة أو أن تفردها على ورق وتحلل وتنظر، تجد أن المسألة أكبر مما تتصور، وبالتالي فإنه يأتي من يريد التوفيق، وهؤلاء ناس عندهم إخلاص يريدون التوفيق ما بين الإسلام والعلمانية الشاملة، التوفيق يخرج لنا مدارس تنويرية مختلفة، لكن في الحقيقة ليس لها نهاية.

أنت تنويري؟

      أنت تنويري؟ نعم؛ تريد أن تتوسط؟ نعم! ما الحدود؟ إلى أين؟ فسيتجه في النهاية بشعور أو بلا شعور، بتسليم أو لا تسليم إلى العلمانية الشاملة، أو يقول: لا، هذا حدِّي، طيب، لم وقفت عند هذا ولم تقف عند ما قبله؟ يقول: هذه حاجة، طيب، هذه الحاجة غدًا ستزيد، حاجة المجتمع ستزيد، اتهام الإسلام والدفاع عن الإسلام، لا يعني أن تتخلى عن مصادر التشريع، لا يعني أن نقول: إننا نستغني عن الإيمان بالله بوصفه وجهة للمجتمع، وجهة للدول، نستغني عن التشريع في الحكم والقضاء، وفي الدساتير وفي التنظيمات.

تفكير واقعي

     التفكير بحل المشكلات يجب أن يكون تفكيرًا واقعيًّا، أن نكون في منتصف الطريق المستفيد هو القوي، دائمًا إذا جاء قوي وضعيف، الضعيف يقول: أنا سأحلّ جزءًا من المشكلة، يلتقي معه في منتصف الطريق، إذا كان الالتقاء في منتصف الطريق ممكنًا بوصفه حلا شاملا، يمكن أن يكون في القواعد الشرعية والمقاصد ما يؤديه، لكن -الحقيقة- أن الالتقاء في منتصف الطريق هو خطوة لإزالة هذا المُعَارِض ولإقناعه، يقول: طيب نمشي قليلًا وبعد أربع، أو خمس سنوات تنتهي الفكرة، وينتهي صاحبها، ويكون هناك النهاية للتفكير الشامل اللاديني.

طريق وحدة الأمة

     هنا نقول: إن طريق وحدة الأمة يكون عن طريق مصادر التشريع، عن طريق أهل العلم، غير ذلك؛ فإن العلمانية الشاملة تكتسح، والعولمة تكتسح، معها قوى مادية، قوى تخطيطية، معها قوى إعلامية فظيعة، معها ضعف الإنسان، شهوات الإنسان، رغبته في الخلاص، الذي يريد نموذجًا إنسانيًّا جميلًا بحتًا، الكل فيه يعيش لوحده، يعيش كما يريد، إلى آخره.

     ما خلق الله -عز وجل-  الحياة بهذه النظرة، لو كان الله -عز وجل  أَذِن بذلك كان شيئًا جميلًا وارتحنا، انتهت.. وضعنا النقطة، وأغلقنا الكتاب، لكن الله -عز وجل- ما خلق ذلك؛ لذلك يقول بعض مَن يقول: إنه يجب للأمة أن تتفتت، وأن تنهض من جديد بالفكرة العلمانية الشاملة، يقول بعضهم: إن سبب الغلو وسبب التطرف ليست هي أفكار الناس، هو القرآن، القرآن هو السبب، ويأتي ويعطيك بالآيات وبالأحاديث، يقول أحدهم - وهو مفكر مغربي علماني-: القرآن فيه خمسمائة آية في القتل، والقتال، والمواجهة، والإضرار بالآخر، وإلى آخره، وفيه كم آية في الود والسلام وإلى آخره.

     ما نريد أن نسيء أسماعكم بمثل هذا، لكن لتفهموا أن هناك مَن يقول: المشكلة في القرآن، في بعض البلاد لا يجسرون على ذلك، ما وصلوا إلى مثل هذه المرحلة، لكن اعلم أن مَن هاجم الإسلام هو يريد القرآن، يريد مصادر التشريع جميعًا أن تذهب فيقول: القرآن سبب المشكلة، والكتب السماوية كلها، (القرآن والإنجيل والتوراة، إلى آخره) هي سبب التطرف نتج من هذه الكتب، وبالتالي يجب إزالة الدين من الحياة، حتى تكون هناك حياة إنسانية راقية وعدم الدخول في ذلك، هذه الأفكار مؤثرة في المسلمين، وبالتالي هي عنصر هدم قوي في بناء وحدة الأمة، بل هي معوّق كبير جدًّا جدًّا في ذلك.

مرحليات العودة لقوة الأمة

     هنا نأتي إلى أن المرحليات -مرحليات العودة لقوة الأمة- وتوحيد الأمة عبر مصادر التشريع لابد أن يكون هناك اتفاق عليها،  اتفاق على مصادر التشريع، ويكون هناك دعوة للأمة إلى الاهتمام بمصادر التشريع، الذي نسميه  نحن هنا في المملكة العربية السعودية: (التوحيد)، توحيد الله -عز وجل- في ربوبيته، وألوهيته، أسمائه وصفاته، توحيد التشريع، والإيمان بما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم ، الشريعة حاكمة.

     هنا إذا جاءت كلمة (الشريعة حاكمة)، يقولون: حسناً، بأي مفهوم؟ الشريعة لا تصلح وفيها، وفيها، إذا اقتنعنا بالمبدأ أمكن التجديد؛ لذلك عندنا مفهوم (التجديد)، ومفهوم (الانسياق مع العلمانية)، هذان مفهومان يَرُوجان على كل صاحب غيرة، وصاحب حب لله -عز وجل-  ولرسوله؛ فأحدهم يأتي ويُخْدَع باسم التجديد، ولكن هو يجدد لا لصالح الدين، بل لصالح العلمانية الشاملة؛ وبالتالي فإنه ليس معذورًا؛ أن يقول: أنا أجدد وهو لا يعرف إلى أين يتجه هذا التجديد، يقول: أنا سأشترك مع فلان، وفلان، وفلان، في منظومات جديدة للحياة في أننا نُيَسِّر ونُبَيِّن محاسن الدين الإسلامي، ولكن لابد أن تعرف ألا يأخذوا هم الثمرة وأنت في النهاية تكون الخاسر، الدفاع عن الدين ليس شيئًا واحدًا.

      النبي صلى الله عليه وسلم أتى لقوم مشركين، وأسلم معه أبو بكر رضي الله عنه وكانا اثنين فقط، ثم تبعهم ثالث، إلى آخره، وفي عشر سنوات كانوا تجاوزوا المائة بقليل، يعني عدد قليل، بالمئات، ثم في المدينة زادوا وصاروا أكثر وأكثر، ثم بعد عشرين سنة صار الأمر: أن القرآن والسنة المسيطران في أكثر الأرض، وهذا كله دليل على أن العمل لابد منه، لكن لابد من صدق وإخلاص ومعرفة بالعدو؛ لذلك  الله -عز وجل- في القرآن أكثر من ذكر الأعداء، وهم طائفة من اليهود، وطائفة من النصارى، المنافقين، الأعداء، كذا، والشيطان،  وقال الله -عز وجل- لنا في سورة النساء بعد ذكر بعض العداوات الموجودة: {وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدَائِكُمْ وَكَفَى بِاللَّهِ وَلِيًّا وَكَفَىبِاللَّهِ نَصِيرًا} (النساء: ٤٥)، كفى بالله وليًّا، مَن لم يكتفِ بالله وليًّا له فليس له كفاية من أحد، ومَن لم يكتف بالله نصيرًا له فلن ينصره أحد، الجميع سيخذلك، إذا لم تنتصر بالله، وتوقن في نفسك أن الناصر هو الله، وأن وليي الله، وباقي الناس وسائل تستخدمهم، تستفيد من الوسائل المتاحة كلها، وسائل بشرية، ذاتية، وسائل دول، أو وسائل صناعات، إلى آخره.

لكن لا ينبغي لنا أن نغمض الطرف ولا نعرف أين موقع القدم، هذا لا شك ضعف في النظرة لوحدة الأمة وكيفية الأخذ بزمام القوة.

أهل العلم يختلفون عن غيرهم

      لذلك هنا نقول: أهل العلم يختلفون عن غيرهم، أهل العلم عندهم وعي، وحكمة ومعرفة بقدَرِ الله -عز وجل- قدَرُ الله -عز وجل- يمضيه في كونه بالضعف والقوة، من أسماء الله -عز وجل- الحسنى: القابض الباسط، وهما اسمان مقترنان يُطلقان معًا على الله -عز وجل- القابض الباسط؛ لأنه -سبحانه- كما قال في القرآن: {وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ}(البقرة: ٢٤٥)؛ لأن حكمته في خلقه تقتضي ذلك، لكن الابتلاء حاصل لكل واحد منَّا، الابتلاء حاصل، أما أن نعد أنه لا وجود لمعركة، وأن هذه في أوهامنا، وأن الناس لا يخططون للعلمانية الشاملة في الأرض، وأن الناس لا يريدون من الدول الإسلامية، إلا أن تكون كذا، وأن المعركة تسهيل وتسطيح الأفكار، هذا لا يمشي ولا يعرفه مَن لا يعرف كيف يفكر الناس، نعم، لا نبالغ في التفكير السلبي لكن نكون على وعي، لابد أن نكون على وعي حتى نتجه إلى مرحلة قادمة. التأثير على القوى الموجودة كل على حسب قدرته، الإنسان منَّا لا يعيش في دوامة لوحده هو يعيش في بيته، وفي عمله، وضمن مؤسسة، وضمن دولة. لابد أن يكون له أثر في كل مكان هو فيه، لكن لابد أن يكون عنده وعي؛ لأنه إذا لم يكن عنده وعي مُررت أشياء، وقد يستطيع وقد لا يستطيع، لكن يكون عنده وعي؛ ليعرف إلى أين يتجه العالم، وبالتالي لا يخدع؛ لأن اليوم المعارك أكبر مما تتصور.

 

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك