رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: معالي الشيخ: صالح بن عبدالعزيز آل الشيخ 22 مارس، 2018 0 تعليق

مصادر التشريع وأثرها في وحدة الأمة (2)

  

 

استكمالا للحديث عن مصادر التشريع وأثرها في وحدة الأمة ذكر الشيخ -حفظه الله- في المقال السابق أن (وحدة الأمة) مطلب عزيز عظيم، وكل مخلص لله -جل وعلا- ولرسوله ولكتابه ولأئمة المسلمين ولعامتهم فإنه يطلب هذه الوحدة؛ لأن الخير في الاتحاد، والقوة في الوحدة، والتفرق فيه الضعف وفيه قوة الأعداء، ثم ذكر الشيخ أننا أمام تساؤلات عدة ضخمة وصعبة وهي كيف نتحد؟ وما عوامل هذا الاتحاد ووسائله؟ والسؤال الثالث الصعب أيضا: هل الأمة في نظرتها لبعضها بعضا متفقة أم مختلفة؟

     إذا بدأنا بالسؤال الثالث، هل الأمة في نظرتها لبعضها بعضا مختلفة أم متفقة دائما؟ تنظر إلى أن من لا يعي المعركة فإنه يظن أن صدام بعض طوائف الأمة مع بعض بقوة هذا يؤدي إلى تنقية الصف وإخراج الحقيقة، وهذا ليس كذلك، هو كذلك لو كان الجو غير هذا الجو، والقوى غير هذه القوى، والواقع غير هذا الواقع، والمجتمعات الدولية بغير هذه النظرة.

سيطرة الحداثة والعولمة

     لكن مع سيطرة الحداثة والعولمة والعلمانية والماسونية بشكلها أو بأحداثها العامة فإن من الصعب أن نقول: إن تفرق العلماء وضرب بعضهم لبعض بحثًا عن الحقيقة أنه يؤدي إلى وحدة في المستقبل، ذلك المستقبل يتجه في اتجاه واحد فيما أرى، الكلمة هذه أقولها صعبة، لكن يتجه -في العالم- ليس في خصوص المملكة العربية السعودية، المملكة العربية السعودية لها خصوصيتها إن شاء الله ولها محافظتها، لكن نحن نبحث في الأمة وليس بحثًا داخليًّا، من الصعب جدًّا أن تتحد الأمة، لماذا؟

     لأن النظرة الآن اقتصادية بالدرجة الأولى والثقافة تبع؛ وبالتالي لا رؤية لتوحيد الثقافة بل يراد أن تُحَطَّم الثقافة الخاصة، خصوصية الثقافة لا بد أن تحقَّق، لا يوجد خصوصية، ولذلك أي علماني يأتي يتحدث أو حداثي فإن أكثر كلمة تضايقه هي كلمة الخصوصية، كلمة خصوصية الأمة؛ لذلك هم لا يقبلون أن يكون هناك تلق لوسائل العيش الكريم.

تفوق الغرب

     الغرب تفوّق وقدَّم للبشرية خدمات جليلة بوسائل العيش الكريم، لكن هو لا يريد أن يصدِّر وسائل العيش الكريم للإنسان إلا مع ثقافة العلمانية الشاملة، ثقافة العلمانية الشاملة لا دخل للدين في القيم، لا دخل للدين في الأخلاق، لا دخل للدين في أي سلوك إنساني، يريد صاحب الدين أن يتعبد؟ نعم، تدرس الدين؟ تدرسه في نفسك ومَن معك، تَعَبَّدْ بنفسك، لكن هذا سلوك شخصي فقط لا دخل له بحياة الآخرين؛ وبالتالي فإن العملية صعبة جدًّا في أن يكون هناك بُعْد عن السيطرة الكبرى للحداثة، السيطرة الكبرى للعولمة.

هل ساد الشعور بأن الإسلام في تحدٍّ كبير الآن؟

     الحقيقة أن العالم الإسلامي يجرّد من هويته، يجرّد من مرجعيته ومصادر تشريعه، ويفصل في دينه عن دولته، ويفصل في أخلاقه وقيمه عن دينه؛ وبالتالي فإننا أمام الكثير من التحديات إذا كان الأمر كذلك لابد من أن يكون هناك مصارحة مع النفس حتى نعلم ما هي قوتنا؟

هل نرضى بأن تكون وحدة الأمة مما يعفو عليها الزمن ونكون أقاليم ودول؟

     كل دولة مسؤولة عن نفسها، ويمكن بشكل أو بآخر أن تُضْعَف هذه الدولة بأي مقدر من مقدراتها، ويسيطر عليها بطريقة دون أن تكون ضمن دول أخرى، tهناك منظومات كبيرة وجمعيات ومؤسسات إقليمية ودولية، عربية، إسلامية، إلى آخره، لكن فاعلية تلك المنظمات في الدين، في الثقافة، في وسائل القوة، في عوامل الاتحاد، كلها وسائل ضعيفة، يُبْذَل جهود لكن ليست في مستوى التحدي، وهنا لابد من الذهاب دائمًا إلى القوى المتاحة، القوى المتاحة لتأصيل مصادر التشريع في الناس، وبقاء هذا الانتماء للدين وللتوحيد وللتبعية للإسلام والإيمان بالله -عز وجل- إلهًا وربًّا وبالإسلام دينًا، وبمحمد صلى الله عليه وسلم  نبيًا، وأن شريعته لازمة وخاتمة، وأنه يجب على الناس أن يؤمنوا بالله -عز وجل- وبرسوله محمد بن عبد الله هو الرسول الخاتم، هذه الكلية تحتاج إلى أن تتعامل معها في خضم هذا التحدي الكبير بالمتاح، المتاح هي القوى الفردية، الرأي العام، بذل الجهد في إيمان الناس، وعدم النظر إلى تحدي الزمن، الزمن يلقي بظلاله تحديًا، القوى تلقي بظلالها في التحدي على نفس العالم، طالب العلم، والمفكر، وفي نفس المثقف الإسلامي، إلى آخره.

     تلقي بظلالها ويشتد عليها حتى يكاد يرى ألا مخرج لكن نحن أعطينا عزاء كبيرًا في أن الرسل لم ينتصروا، الرسل قاوموا، الرسل بذلوا لكن لم يصلوا إلى النتيجة فورًا، ومنهم من مكث مائة سنة، ومنهم من مكث مائتي سنة، ومنهم من مكث ألف سنة، ولله الحكمة في قواعد المغالبة البشرية، ولماذا يمتحن المؤمنون سنوات طويلة؟ مائة سنة، مائتي سنة! لله حكمة في ذلك.

كيف تتعامل أنت؟

     لكن كيف تتعامل أنت ديانة حتى تبرأ الذمة وتكون متصلاً بالله -عز وجل- وفي نفسك مضاد للأفكار الإلحادية والأفكار اللادينية بصورها المختلفة؛ فكرة الليبرالية، العلمانية، العولمة، إلى آخره؟ هذه لابد أن يكون لدينا فيها بصيرة، البصيرة أنه لابد من اتجاه للأفراد -أفراد المسلمين-، وأن تنقذ ما أراد الله -عز وجل- إنقاذه، ما تيسر لك أن تخاطبه، من ذلك: التعاون في توجيه الرأي العام.

الرأي العام الإسلامي

      الرأي العام الإسلامي، مَن الذي كسبه في القرون الأولى؟ كسبه علماء الإسلام، لماذا؟ لأنهم يرجعونه إلى مصدر التلقي، فمهما تغيّرت سياسات الدول، في قيامها واختفائها فإن مرجعية الناس في دينهم مرجعية واحدة؛ لأن الارتباط بالعلماء جعل لهم هذا الثبات في ذلك مع وجود الاختلافات، ووجود الافتراق في أشياء، لكن الإيمان، مصادر التشريع، الرجوع إليها هذا أمر ثابت، فلا تجد أحدا يقول: الكتاب «ليس بحجة»، ولا «السنة»، و«لابد أن نعيد قراءة القرآن، نعيد تبويبه، ونعيد قراءة السنة، فالسنة يصح منها ما وافق العقل، وما لا يوافق العقل لا يناسب زماننا هذا، فالنبي صلى الله عليه وسلم أتى إلى قوم في زمن مبكر يُصْلِحُ حال البادية، ويصلح حال الأعراب، ويصلح حالا لا يناسب زمن ناطحات السحاب، ولا لزمن الكمبيوتر، ولا لزمن الثقافة».. إلى آخر مثل هذا الكلام.

معركة الفكر والثقافة

     أيها الإخوة الكرام، لوسمعتم يتداوله مَن يريد سيطرة الثقافة -ثقافة العولمة أو العلمانية-، ما لعلمتم حقًّا: أن المعركة كبيرة في العالم الإسلامي، وهي معركة الوحدة الضخمة جداً، لذلك أنا من هنا أقول -من موقع البحث، لا من موقع المسؤولية، من موقع البحث-: الباحث المجرّد، وطالب العلم المتفحص يرى أننا أمام تحدٍّ كبير، تحدٍّ كبير جدًّا جدًّا، وهذا التحدي الكبير لا ينقذنا منه إلا أن نكون على قوة اتصال بالله -عز وجل- وأن يكون الله -عز وجل- هو أغلى عندنا من أي شيء وأن يكون هو المقدّم -جل جلاله- على كل شيء.

     هذا الإيمان هو الذي يكسر الأطروحات جميعًا ولذلك معركة الفكر والثقافة، معركة الأخلاق، معركة القيم، معركة الدين في نفسه، هذه المعركة لا تظنوها سهلة، هي على أشدها في العالم كله، ولذلك الاتجاه أن يكون العالم بالعولمة صاحب ثقافة واحدة، يكون هناك خصوصيات خفيفة لكن يجب أن تنتهي خلال خمسين سنة، العالم كله لابد أن يكون بفكرة واحدة، بثقافة واحدة، وهي: الثقافة العلمانية المفتوحة، فيكون الدين ليس له علاقة بالإنسان! ونحن بإيماننا بالله -عز وجل- نقول: لن يكون ذلك -بحول الله -عز وجل- وقوته-، فيما يأملون أن يكون هناك انتزاع ثقافي لكل ما يخصّ التاريخ الإسلامي.

والعلماء اليوم ما بين واعٍ للمرحلة وما بين غير واع، ما بين مَن يظن أنه الآن يمكن أن يحقق للدين مكسبًا بأن يكون ضد إخوانه علنًا، ويجب أن يزيد من النقد لإخوانه العلماء والرد عليهم وإشغال النفس بذلك حتى يكون هناك انتصار للحقيقة.

الفكرة العلمانية

     وفي الواقع -أيها الإخوة- أن الفكرة العلمانية أقوى من فكرة المهتمين بالدعوة الإسلامية؛ لذلك بعض المهتمين بالدعوة الإسلامية، سواء كان اهتمامهم سلفيًّا أم حركيًّا، بعضهم يُخْدَعُون ويمتطون الحافلة؛ لتحقيق أهداف الرؤى الثقافية والعلمانية والحداثة، من حيث لا يشعرون، وفي  النهاية يظن من يفعل ذلك  أنه مُصْلِح وهو ليس كذلك.

     هنا دائما لابد مِنَ الذي يعاني هذه الأمور أن يسأل نفسه السؤال الكبير حينما يأتي أمر من المسائل المشكلة، التي قد يدخل فيها مما قد يؤثر في وحدة الأمة، ينظر مَن المستفيد؟ مَن المستفيد من وجود هذا الشيء؟ فنجد أن جواب هذا السؤال يحدد لنا جهة الاستفادة، فإذا كان المستفيد هو الحق، المستفيد هو: البحث، أؤ هو: بيان  الطريق، أو هو: مصادر التشريع، حين ذلك يكون نقاش علمي في داخل الأمة صحيحًا، لكن إذا كان المستفيد هي: العلمانية،  الحداثة -الحداثة الغربية، حداثة العولمة-، أو الثقافة -ثقافة العولمة-، إذا كان أتباع هذه المناهج فكيف يدخل فيها أصحاب فكر؟، وكيف يدخل فيها أحرار لثقافة الأمة، كيف يدخل فيها من ينتمي بحقيقته إلى دين الإسلام؟

عدم الوعي ليس عذرًا؛ لأننا اليوم في عالم  كل شيء فيه متوفر، فإنك تدخل في أي مكتبة تجد كتب الإلحاد والعلمانية والحداثة، والأفكار ;بتفاصيلها، والليبرالية، وغيرهما مما يتعلق بذلك، كالليبرالية الحكومية، والليبرالية العامة، والحرية وأنواعها.

الحرية في مفهومها العام هي: تخلُّص الدولة وأنظمة الدولة من سلطان الدين، فهي تلتقي بشكل أو بآخر مع العلمانية، فإذا تخلصت الدولة من سلطان الدين في أنظمتها وفي تشريعاتها دخلنا في الفكرة الكلية لمضادة وجود هذه الأمة.

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك