رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: د. عقيل العقيل 18 يونيو، 2012 0 تعليق

مشايخ ودعاة: الإجازة فرصة لتعويض ما فات خلال العام

 

 يستقبل أبناؤنا وبناتنا الطلبة والطالبات إجازة نهاية العام الدراسي التي تمثّل لهم استرخاء بعد عناء وفراغا بعد عمل وجهد مضن، فمن الناس من يحسن استغلال هذه الإجازة بما هو نافع ومفيد، ومنهم من تضيع عليه أيامها كغيرها من الأيام، والأيام جزء من حياتنا فإن فرطنا فيها فرطنا في أعمارنا.

ولقد تحدث مجموعة من المشايخ مبينين السبل المثلى لاستثمار الإجازة وكيف يستفيد منها الجميع، الأبناء والبنات والآباء وكيف يجعلونها موسم خير يدر بالخير والنفع العاجل والآجل.

     بداية تحدث الشيخ د. محمد جاد بن أحمد صالح المصري المستشار الشرعي إمام وخطيب جامع أبي هريرة بالرياض فقال: أقبلت الإجازة الصيفية والجميع يتطلع إليها بلهفة وأمل كيف يسعد بها؟ وللمسلم نظرة متميز للإجازة فهي فرصة يحاول اغتنامها باعتبارها نعمة كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : «نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس، الصحة والفراغ».

      ولما قال حنظلة للرسول صلى الله عليه وسلم «نافق حنظلة» قال النبي صلى الله عليه وسلم : «وما ذاك؟» قلت: يا رسول الله نكون عندك تذكّرنا بالنار والجنة كأنا نراها رأي العين، فإذا خرجنا من عندك عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات فنسينا كثيراً، فقال رسول الله  صلى الله عليه وسلم  : «والذي نفسي بيده لو تدومون على ما تكونون عندي وفي الذكر لصافحتكم الملائكة على فرشكم وفي طرقكم، ولكن يا حنظلة ساعة وساعة»، قالها ثلاث مرات.

      وهو حث من النبي  صلى الله عليه وسلم  على استثمار ساعات الفراغ باللهو المباح، وقد فهم ذلك السلف الصالح؛ فهذا الإمام أبو الحسن علي بن أبي طالب رضي الله عنه يقول: «أجمّوا هذه القلوب فإنها تمل كما تمل الأبدان».

       وقال أبو الدرداء رضي الله عنه: «إني لأجم فؤادي ببعض الباطل لأنشط على الحق»، والمعنى أن المسلم يستثمر أوقات الفراغ باللهو المباح ليتنشط على العبادات المحضة.

       وحيث إن وقت الإجازة الصيفية يساوي ربع السنة تقريباً فإن ملأها بما يعود بالنفع على أبنائنا شباباً وفتيات يحتاج إلى تخطيط سليم، وتنفيذ واع، ومتابعة حازمة،؛ حتى لا تكون الإجازة مصدر شقاء والعياذ بالله تعالى، ومع التذكير أن غاية الخلق هو عبادة الله عزَّ وجلَّ وأنه لا سعادة لهم ولا أمان، ولا طمأنينة إلا بتحقيقها في الجد والهزل وفي الفراغ والشغل؛ لذا يجب على الآباء والأولياء حماية أبنائهم من أسباب الردى كما أمرهم ربنا عزَّ وجلَّ بقوله سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ } (التحريم: 6). وهذه الوقاية لا بد لها من تكوين بيئة صالحة تعين على ذلك من خلال تشجيعهم على صحبة الأصدقاء الصالحين والبعد عن رفقة السوء، ولا بد من مراقبة سلوك الأبناء عن بعد دون تجسس أو سوء ظن ولكن على مبدأ:

ليس الغبي بسيد في قومه

                             لكن سيد قومه المتغابي

التشجيع بالهدايا

       وأضاف: كما قيل: في التغافل ثلث التربية، ومما يعين في ذلك تشجيعهم بالهدايا في حالات الإحسان، ولا بد من إشراكهم في هواية الأب والاشتراك معهم في هواياتهم خصوصاً أثناء دخولهم إلى المواقع الإلكترونية، حماية لهم من الانزلاق في مواقع الشبهات، أو الشهوات، وخير وسيلة لذلك أن نقترب من نفسيات الأبناء؛ حيث إن هواياتهم ورغباتهم وقدراتهم ليست واحدة، وبالتالي يتم اختيار البرامج المناسبة من مثل البرامج الجدية والمهمة كحلقات التحفيظ والدورات العلمية المكثفة ودورات الحاسب واللغة الإنجليزية ونحوها، أو البرامج الترفيهية التي يجب أن تكون بناءً على اختيار الأبناء ولا يكون الحذر إلا من وسائل الترفيه المحرمة والضارة، مع الحرص على أن يكون للجد المكان اللائق به وصلة الرحم وزيارة الأصدقاء، والمراكز الصيفية في عدد من مدارسنا ويقوم عليها تربويون أكفاء، والتدرب على العمل والإنتاج سواء من خلال مكاتب العمل أم من خلال حرص الأب على مشاركة أبنائه وبناته له في أعماله كل فيما يناسبه، والإسهام معهم في إقامة مشاريع إنتاجية متنوعة كل حسب اختصاصه وقدراته يعطيهم الثقة ويزرع في نفوسهم الطمأنينة والاستراحات والمجتمعات والمسابح الآمنة ومتابعة قنوات المجد والفلك والمواقع الإلكترونية الهادفة، وفي العموم فإن في الحلال غنية عن الحرام لتحقيق السعادة والطمأنينة واستثمار الإجازة بدلاً من قتلها أو إضاعتها، أو ملئها بما تحاسب عليه، وليكن شعارنا قول ربنا جلَّ وعلا: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ} (المؤمنون: 115)، وقوله سبحانه: {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَن نَّجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَّحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ} (الجاثية: 21).

       ثم تحدث الشيخ سالم بن مبارك المحارفي الموجه والمرشد التربوي والإمام والخطيب بجامع ابن عساكر بالرياض، فقال: يجد الإنسان من التعب والإرهاق بعد عام عمل ودراسة ما يحتاج معه لقسط من الراحة والإجمام، وهذا بحمد الله تعالى منصوص عليه في النظام والقوانين العالمية، وبعض الشركات والحكومات تجعله إلزاماً للموظف كي يستعيد نشاطه بعد ضغط العمل وشدته.

        وطلاب المدارس من أطول الناس إجازة، ولذا فإنهم يجدون فراغاً كبيراً خلال اليوم الواحد، فكيف يقضي الشباب والفتيات أوقاتهم خلال الإجازة؟ هناك بعض الخطط العملية لقضاء إجازة نافعة ومفيدة، منها: قراءة القرآن الكريم وحفظه: وفي ذلك الأجر الكبير من الله سبحانه، فلم لا يخصص وقت معين لقراءته، مثلاً بعد صلاة الفجر لمدة نصف ساعة يخصص بعضها للحفظ وبعضها للـتلاوة، أو قــبل كل صلاة يتم قراءة عشــــر دقائق أو أي وقت مناسب للشخص، ففي الحديث «اقرؤوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه».

        وقراءة الكتب النافعة فإنها تحتوي على العديد من الفوائد التي تهم الشخص في دنياه وآخرته، فهناك الكتب العلمية المخصصة لطلاب العلم، وهناك الكتب الثقافية التي تزيد من ثقافة الإنسان وتنـــمي مواهــبه، وهناك الكتب المنوعة من القصص المفيدة أو كتب الألغاز وغيرها، أما الأوقات المناسبة لقراءة الكتب فتختلف من شخص لآخر وكذلك على حسب نوعية الكتاب لكن يفضل القراءة قبل النــوم وبعد صلاة المغرب، وهذا عند الغالب، وكما ورد في الشـعر: «وخيـر جلـيس في الزمان كتاب».

        وسماع الأشرطة المفيدة فإن الأشرطة المسموعة تأخذ جزءاً كبيراً من وقتنا، فمثلاً عند ركوبك السيارة ما يضيــرك لو اسـتمعت إلى شريــط مفيد تستفيــد منه في إثراء معلومـاتك، أو تنمية مواهبك، أضف الى ذلــك قضاء وقــتك بالنفــع والفائدة. وهنا ننبه إلى مراعاة اختيار الشريط المناسب.

        وقراءة المجلات الهادفة فبالتأكيد أثناء جلوسك في البيت تشعر ببعض الملل خصوصاً في الإجازة، فلم لا تقضي هذا الوقت الضائع بدل عدم الاستفاده منه بقراءة مجلة مفيدة، والقراءة لا تكلف شيئـاً، ومعـروف أن المجلات تحتوي على العديد من الفوائد الأدبية والعلمية وأيضاً الترفيهية التي تشد انتباه القارئ.

إيجاد برامج عائلية

        ومنها صنع برامج عائلية، فأثناء جلوسك في البيت أنت والأهل، حاول أن تبتكر طريقة تغير روتين العادة اليومية «شاي، جرائد، متابعة التلفاز، مشكلات.. إلخ»، حاول أن تقوم بعمل مسابقة شبه يومية تغير بها الجو قليلاً… بل كثيراً، وتبعث عنــصر الحمـاس والنشاط لدى العائلة، ولكن لا تنـسى الهدايا أيضاً.

        وحفظ الأذكار عمل قليل لكن أجره واسع وكبير جداً، فاحفظ أذكار الاستيقاظ من النوم، أذكار الاستعداد للنوم، أذكار قبل الصلوات وبعدها، أذكار الصباح والمساء، وأيضاً الأذكار المهمة الأخرى، فبها تحفظ نفسك وتكسب الأجر وتحصل على صدقة جارية لو علمتها غيرك.

        وكـذلك التواصل مع الجيران فمع التقدم العمراني الهائل وكثرة الانشغالات، لم تعد الحارة كما هي في السابق من تواصل وألفة ومودة «إلا ما ندر»، فلمَ لا تقوم بجمع سكان الحارة وعمل لقاء أسبوعي فيما بينكم أو تتصل على جارك وتسأل عنه أو تذهب في رحلة معه يتم خلالها التواصل والتقارب فيما بينكم؟! بل حتى النساء يمكنهن عمل ذلك من لقاءات فيما بينهن وتواصل على أقل شيء بالهاتف ومعرفة أحوال بعضهن البعض.

        وزيارة المعارض والفعاليات أثناء الصيف لكسر الملل في الإجازة، مثلاً معارض الكمبيوتر أو السيارات أو فعاليات أسرية ممتعة أو غيرها من المعارض المفيدة أو الفعاليات الهادفة التي تقضي وقتك بها على نفع وفائدة، وقد انتشرت في الآونـة الأخيرة مثل هذه المنتزهات التـي تلم شمل العائلة في جو أسري ممتع يضاف إليها بعض الأنشطة الترفيهية المتنوعة.

تنمية القدرات

        وتنمية المواهب والهوايات إذا كان لديك هواية اشتهرت بها سواء مهارتك في استخدام الحاسب الآلي أو كرة القدم أم الطـبخ للفتيات أم الرسم أم غيرها، لم َلا تـحاول تنميتـها بالذهاب إلى المكان المناســــب من مثل: المعـهد أم النوادي الرياضية أو غيرها مما ينمي الموهبة التي تملكها ويُمكِّنك من استثمارها الاستثمار الأمثل؟!

        والتواصي على قيام الليل، وهو من أعظم القربات إلى الله، فقد كان النبي[ دائماً ما يقول: «أيها الناس أفشوا السلام وأطعموا الطعام وصلوا الأرحام وصلّوا بالليل والناس نيام، تدخلوا الجنة بسلام»، فما أعظم مناجاة الخالق سبحانه في الليل وحدك، تطلب من الله سبحانه وتتوسل إليه. فعلى سبيل المثال لو يقوم اثنان أو ثلاثة أو أكثر بالتواصي فيما بينهم وتذكير بعضهم بعضهم الآخر بحيث يحدد وقت معين يتصلون فيما بينهم للتذكير بقيام الليل.

والعمرة وزيارة المسجد النبوي الشريف.

        والسفر المباح من الأمور المستحبة في الإجازة، وهو السفر البعيد كل البعد عن الأمور المحرَّمة، فكما هو معلوم أن للسفر فوائد كثيرة منها تغيير الجو والترفيه لك وللأسرة وأيضاً مشاهدة المناطق الجميلة والممتعة وغير ذلك مما ذكر وعُرف في فوائد السفر.

        والبحث عن العمـل من الأمور التي حث عليها ديننا الحنيف وأكد عليها. فبالعمل ينشط المرء ويفيد ويستفيد، ويكسب من عرق جبينه وهو ما أثنى عليه النبي صلى الله عليه وسلم : «أن نبي الله داود كان لا يأكل إلا من عمل يده»، وفي العمل في الإجـــازة فوائد عدة منها تقضية وقت الفراغ الكبير في الإجازة بالنفع والفائدة المالية والمعنوية، وأيضاً التجربة وكسب الخبرات للمستقبل.

وقت الإنسان ثمين وعظيم

        ثم تحدث الشيخ عبدالله بن محمد السداح إمام وخطيب جامع الموظفين بمحافظة أحد رفيدة بعسير فقال: وقت الإنسان ثمين وعظيم وبحاجة لاستغلال دقائقه وثوانيه فيما ينفع.

        والإجازة الصيفية فرصة لاستغلالها فيما ينفع وبما يقرّب الإنسان من ربه وخالقه، والحقيقة أنها ليست عطلة، بل فرصة لعمل ومضاعفة الجهد في ملء أوقاتها، بما ينفع فتعتبر راحة من العمل تتفرغ لما كنت مقصراً فيه من ذي قبل، ومما يجدر التنبيه عليه من الطرق لاستغلالها:

- أن تكون فرصة لقراءة كتاب الله وتدبره وتفهم أحكامه وتطبيقه في الحياة وحفظ شيء منه فهو منهج حياة.

- وكذلك تستغل بزيارة أهل العلم والخير والدعاة للاستفادة والنهل من علمهم.

- صلة الأقارب والأرحام وإهداء الهدايا لهم ومحاولة القرب منهم والتلطف معهم.

- تربية الأسرة والجلوس وقتاً طويلاً معهم وعمل برامج مميزة تملأ وقت فراغهم وإيصالهم للمنتزهات والأماكن المناسبة لتغيير الجو والبعد عن الروتين اليومي.

- زيارة الأماكن الشريفة كمكة المكرمة والمدينة النبوية وأخذ عمرة واستغلال الأوقات فيها ولا سيما الصلاة في مساجدهما المعروفة فيها أجر وافر وعظيم فالصلاة في المسجد الحرام تعدل 100 ألف صلاة.

- فرصة للقراءة وعمل جدول يومي لذلك وخصوصاً في الكتب المهمة والهادفة.

- الاستفادة من الدورات التي تُقام وقت الصيف وكذلك اللقاءات الهادفة.

- تنمية مواهب الأولاد وتطويرها والسعي لاكتشافها وشراء ما يحتاجون من أجل ذلك.

 تصحيح مفهوم الإجازة

        ثم تحدث الشيخ عبدالرحمن بن محمد الجارالله إمام وخطيب جامع العضيب بالرياض وأستاذ العلوم الشرعية بثانوية اليمامة بالرياض فقال: الإجازة على الأبواب والسؤال المهم: كيف نستثمرها بعضهم يرى أنها راحة في كل شيء وتحرير من كل شيء، وهذا مفهوم غير صحيح فعلى الجميع أن يستفيدوا من الإجازة بما ينفع ويقضوها بما يفيد كحضور الدروس والدورات التي تُقام في الإجازة، والسفر إلى مكة والمدينة مما يزيدهم إيماناً وثواباً عند الله، أو الوظيفة مما يكسب خيره ومعرفة للاستفادة منها مستقبلاً، ومع الأسف نجد البعض يستغل فراغه بما يضره ويسمم أفكاره، فيقع كالفريسة لوسائل الإعلام التي تحاول جذب المشاهد من خلال التركيز على الإثارة وما يهدم القيم والأخلاق، وعلى الوالدين مسؤولية تربية الأبناء ولا يتركانهم فريسة لهذه الوسائل الهدامة، ويوجهانهم الوجهة الصحيحة ويختاران لهم النافع والتحذير من الضار وبيان خطورته فيستفيدون من الإجازة بما فيه صالح الأبناء وبالله التوفيق.

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك