رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: أحمد الشحات 27 أغسطس، 2022 0 تعليق

مشاهد وعبر من سورة الكهف  – قصة موسى -عليه السلام- والخضر (4)

 

 

هذه جولةٌ تأمُّليةٌ في رحاب سورة الكهف، نستهدف منها إيقاظ وعي العاملين في الدعوة الإسلامية، أن ميادين الإصلاح متعددة، وأنبوسعهم أن يجعلوا مِن الحياة كلها محرابًا للدعوة إلى الله، والتغيير والإصلاح، وقد تضمّنَت السورة بين جنباتها أربعًا من القصصالرائعة، انتظمت في عقدٍ فريدٍ، ونظمٍ بديعٍ، لترسمَ لنا ملامح بارزة في طريق التمكين المأمول، ونتناول في هذه السلسلة قصة موسى -عليهالسلام- والخضر.

     تحدثنا في الحلقة الماضية عن المشهد الأول من قصة موسى -عليه السلام- والخضر وكان بعنوان: (العزيمة الصادقة)، واليوم نتحدث عن المشهد الثاني وهو بعنوان: (مجمع البحرين)، ويحتوي على عدد من الرسائل وهي: «النفسية الرحيمة، والعلم اللدُنّي، والأدب الجم، ونصيحة مشفق، والعزم الأكيد والصبر المديد، والصحبة المشروطة».

5- العزم الأكيد والصبر المديد

     قال الله -تعالى-: {قَالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا}: لم يتراجع موسى -عليه السلام- عما عَزَم عليه، ولم تزده كلمات الخضر إلا إصرارًا على مواصلة السير في رحلة طلب العلم، التي قطع من أجلها أسفارًا بعيدة، وأما بخصوص خوف الخضر مِن عدم تحمله لما سوف يراه؛ فقد طمأنه موسى -عليه السلام- بخصوص هذا الأمر، وقدَّم المشيئة في ذلك، وزاد على تعهده بالصبر أن يكون سامعًا لأوامره مطيعًا لما يأمره به.

تقديم المشيئة في الأفعال والأقوال

     وتقديم المشيئة في الأفعال والأقوال من الدروس الكبرى التي تؤكدها السورة؛ فإن سبب تأخر الوحي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان بسبب عدم ذكر المشيئة، بينما سبقت المشيئة قول يوسف -عليه السلام- لأبويه وإخوته، قال -تعالى-: {فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقَالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ} (يوسف:99)، وفي قول الرجل الصالح لموسى -عليه السلام-، قال -تعالى-: {فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِنْدِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ} (القصص:27)، وفي قول إسماعيل -عليه السلام- لأبيه: {قَالَ يَاأَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ} (الصافات:102)، ولو لم يقدِّم بنو إسرائيل المشيئة في قولهم: {إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ} (البقرة:70)، لما هداهم الله إلى البقرة التي يبحثون عنها.

     وهنا لمحة أخرى من تواضع موسى -عليه السلام- لمَن سيتعلم على يديه، وسيكون له بمنزلة القائد والمعلم. إن كثيرًا مِن الأعمال الصالحة ربما تتعطل أو تتوقف بسبب قلة المطاوعة وكثرة المنازعة، وقلة الصبر والتنافس غير المحمود، وعدم إحسان كل فرد لعمله، والتفرغ لعدِّ الأخطاء والوقوف أمام الزلات؛ فهلَّا تعلم الدعاة إلى الله من موسى -عليه السلام؟! وهل نطْمح أن نرى شعار كل عامل لدين الله -عز وجل- مع شركائه في العمل، ورفاقه على الدرب هو: {سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا}؟!

      إن الجزع وعدم التحمل داءٌ فتاك، يصيب كثيرًا مِن الدعاة فيُقعدهم عن السير، ويثبط عزيمتهم عن مواصلة الطريق، كما أن كثرة الخلافات والتنازع والجدل من أشد الأمور خطرًا على القلوب، ومِن أكثر ما يُحمِّل النفس بالضغائن والأحقاد، فيكثر الفشل، ويدب الشقاق بين رفقاء الطريق الواحد، والعلاج الحاسم الذي يقطع دابر كل هذه الآفات، هو تعلُّم أدب السمع والطاعة، والتخلُّق بفضيلة الصبر.

6- الصحبة المشروطة

     قال الله -تعالى-: {قَالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلَا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا}: مِن الواضح أن الخضر -عليه السلام- لديه حرصٌ على أن تستمرَّ صحبة موسى -عليه السلام- له، ولمَ لا يكون حريصًا وهو الولي الذي يعرف منزلة موسى -عليه السلام؟! ولكنه في الوقت نفسه يخشى ألا يتحمل موسى -عليه السلام- ما سيراه من أفعال مستنكرة، بل بعضها شديد القبح والنكارة، مثل: قتل الغلام؛ لذلك كان شرط الخضر الذي صاغه بعبارة واضحة هو: {لَا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا}.

      فلم يكتفِ الخضر بتعهد موسى -عليه السلام- بالصبر والسمع والطاعة، ولكنه كان أكثر تحديدًا لمراده؛ لأن الخضر يعلم مِن طبيعة الحال: أن موسى -عليه السلام- سوف يعترض عليه بمجرد أن يراه يفعل فعلًا مستنكرًا عنده، فأراد أن يؤكد عليه أن يمسك لسانه عن السؤال والاعتراض، حتى يكون الخضر هو مَن يفسِّر له ما غمض عليه فهمه.

 

فوائد من المشهد

- الرحمة أثر من آثار القرب من الله -عز وجل-؛ فإن قساة القلوب غلاظ الأكباد يُحرَمون هذه النعمة؛ بسبب بُعد قلوبهم عن الله، وقد جمع الله للخضر بين العلم والرحمة، ولكنه قدَّم الرحمة على العلم؛ لأن العالِم لابد أن يكون رحيمًا بالناس مشفقًا عليهم، ولا يكون عالمًا ولا عارفًا بالله مَن أحبَّ الهلاك للناس، أو تعمَّد التضييق عليهم، بل يكون العالم حريصًا على هداية الخلق، حزينًا على بُعدهم عن الهداية، راجيا لهم الخير والفلاح.

- طلب موسى -عليه السلام- من الخضر مصاحبته بتلطفٍ وحسنِ أدبٍ، رغم أن مقامه أعلى من الخضر، ومَنزلته عند الله أفضل، ولكنَّ موسى -عليه السلام- يعلِّمنا درسًا في أدب التعامل مع المعلم، واحترام مقامه، حتى لو كان المعلم أصغر سنًّا أو أقل منزلةً من المتعلم على يديه، ولكن العلم له مهابته وتوقيره، واحترام المعلم فرع على توقير العلم ورفعة شأنه.

- قصة الخضر تقول لنا: إن كثيرًا من الأعمال الصالحة ربما تتعطل أو تتوقف بسبب قلة المطاوعة وكثرة المنازعة، وقلة الصبر والتنافس غير المحمود، وعدم إحسان كل فرد لعمله، والتفرغ لعدِّ الأخطاء والوقوف أمام الزلات؛ فهلا تعلَّم الدعاة إلى الله من موسى -عليه السلام؟ وهل نطمح أن نرى شعار كل عامل لدين الله -عز وجل- مع شركائه في العمل، ورفاقه على الدرب هو: {سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا}؟.

- قصة الخضر تقول لنا: إن الجزعَ وعدم التحمل داءٌ فتاكٌ يصيب كثيرًا مِن الدعاة، فيُقعدهم عن السير، ويثبط عزيمتهم على مواصلة الطريق، كما أن كثرة الخلافات والتنازع والجدل من أشد الأمور خطرًا على القلوب، ومن أكثر ما يُحمِّل النفس بالضغائن والأحقاد، فيكثر الفشل، ويدب الشقاق بين رفقاء الطريق الواحد، والعلاج الحاسم الذي يقطع دابر كل هذه الآفات، هو تعلم أدب السمع والطاعة، والتخلق بفضيلة الصبر.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك