رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: صالح بن يحيى صواب 24 أكتوبر، 2016 0 تعليق

مستقبل المنظمات الخيرية.. الآمال والمخاطر

 على الجمعيات والمنظمات الخيرية أن تعي أن الدعوة إلى الله -تعالى- ليست أمراً واجباً فقط بل عامل مهم جداً ومساعد في تحقيق مستقبل أفضل لهذه الجمعيات الخيرية

 مما يهدد العمل الخيري الفردية في العمل وعدم إطْلاع الآخرين على الأهداف والبرامج والتصرف من خلال المركزية الشديدة

من المهم أن يكون للجمعيات الخيرية نظام مؤسسي يعمل من خلاله القائمون على هذه المؤسسات لتطوير أنفسهم وتسيير العمل بدقة وتحديد اختصاصات كل شخص في هذه المؤسسات

من المهم جداً أن يفقه القائمون على المؤسسات أن هذه الأعمال كلها مسئولية المسلمين جميعاً ويتحمل ذلك الدعاة إلى الله تعالى

 

 

أضحى العمل الخيري -عبر المنظمات والجمعيات- وسيلة مهمة في العصر الحاضر، لا يمكن الاستغناء عنها؛ إذ لا يمكن للعمل العشوائي أن يحقق ما يحققه العمل المؤسسي من أهداف وأنشطة، ولا ينبغي ترك المجال للجمعيات المشبوهة التي تسعى بكل ثقلها لإفساد المجتمع وإبعاده عن الدين.

وفي الوقت الذي يسعد الإنسان فيه بوجود الجمعيات والمنظمات الخيرية، وما تقوم به من أعمال خيرية مشكورة إلا أن المتابع يلاحظ فراغاً كبيراً في المجتمع؛ إذ لم تقم هذه المؤسسات بدورها المطلوب، ولم تحقق الحد المطلوب من حاجاتها، بل إن البون شاسع بين الواقع والطموح في كثير من الجمعيات والمؤسسات الخيرية.

ومن ثم فلابد من وقفة تأمل للنظر في (مستقبل المنظمات والجمعيات الخيرية)؛ بحيث تحقق هذه النظرة إصلاحاً لها، ودفعاً بها إلى الأمام، وتحقيقاً لمكاسب أكثر.

ويمكن النظر إلى مستقبل الجمعيات والمنظمات الخيرية من خلال ما يمكن أن يرتقي بها، وما ينبني عليه من آمال يمكن أن يكون عائقاً في طريقها، وكيفية تجاوز هذه العوائق، وتأتي هذه المقالة في ثلاثة محاور:

المحور الأول : المنظمات الخيرية وعوامل التوجه نحو مستقبل أفضل:

هناك عوامل كثيرة يمكن من خلالها الارتقاء بالمؤسسات والمنظمات الخيرية لتؤدي دوراً أفضل في المرحلة القادمة، ويمكن الحديث عنها في النقاط الآتية:

1- الصحوة الإسلامية:

     إن مما يثلج الصدور، ويسر النفوس أن يعود الناس إلى الله -سبحانه وتعالى- ويتوبوا إليه، وهذا التوجه له أثره البالغ في دعم الناس للجمعيات والمؤسسات الخيرية، دعماً مادياً، ومعنوياً، وعملياً؛ فيؤدي ذلك إلى مزيد من الدعم المادي، ومزيد من الدعم المعنوي، ومزيد من الكفاءات البشرية التي تشارك في أداء ذلك الواجب.

     ولذا فإن على الجمعيات والمنظمات الخيرية أن تعي أن الدعوة إلى الله -تعالى- ليست أمراً واجباً فقط، بل عاملاً مهماً جداً، ومساعداً في تحقيق مستقبل أفضل لهذه الجمعيات الخيرية، وعليها أن تسعى إلى المشاركة في كل باب من أبواب الدعوة إلى الله -سبحانه وتعالى- وبجميع الوسائل الممكنة والمشروعة.

2) التعاون بين الجمعيات والمؤسسات الخيرية:

     مما يحدد مستقبل المنظمات والجمعيات الخيرية مدى التعاون أو الاختلاف بين هذه الجمعيات أو المؤسسات؛ فالتعاون مطلب أساس، وهو مؤشر إيجابي يخدم المصلحة العامة، ومن خلاله يمكن تطوير عدد من البرامج، ويمكن أيضاً تحقيق برامج مشتركة قد تعجز عنها هيئة أو جمعية بعينها، وعلى القائمين على الجمعيات والمؤسسات الخيرية السعي إلى مزيد من التنسيق والتعاون لتحقيق الأهداف المشتركة.

وفي المقابل فإن الاختلاف بين هذه المؤسسات يؤدي إلى عجز في الأداء، وقصور في القيام بالواجبات، بل قد يصل الأمر إلى انشغال هذه الجمعيات بعضها ببعض، وتشويه سمعتها أمام الداعمين، ومن ثم يخسر الجميع.

3) تقاسم الأدوار بين المؤسسات وليس تعارضها:

     من حكمة الله -تعالى- أن جعل وجوه الخير متعددة، وأبوابه كثيرة، وهيأ كل إنسان لما يتناسب مع قناعته واهتمامه؛ ولذا نجد أنواعاً من الأنشطة المتعددة، تقوم بها الهيئات والمؤسسات المختلفة، فهذا يسعى إلى تعليم كتاب الله -تعالى-، وآخر يعمل على تعليم السنة النبوية، وثالث يشتغل بأمر الدعوة إلى الله -تعالى-، وآخر يهتم بتأهيل من يقوم بذلك، وأناس يسعون إلى بناء المساجد، وآخرون يقومون على رعاية الأيتام والمساكين والأرامل وغيرهم من الضعفاء، وهكذا.

وقد تتداخل بعض الاختصاصات أحياناً، وقد تختلف أحياناً أخرى.

     ومن المهم جداً أن يفقه القائمون على المؤسسات أن هذه الأعمال كلها مسؤولية المسلمين جميعاً، ويتحمل ذلك الدعاة إلى الله -تعالى- ومن ثم فكل منهم يقوم بسد ثغرة من الثغرات، والآخرون يعينون على سد هذه الثغرة أو يسدون ثغرات أخرى؛ فكل منهم يقوم بواجب (نحو) الأمة، ومطلوب من الجميع أن يسعى، وأن يعمل على نجاح الجميع، كل في مجاله، مع الاحتفاظ باسمه وطبيعة عمله وتخصصه، ولا يراد أن يذوب في الآخر، أو أن ينسحب من الميدان ويتركه للآخرين، بل العمل على نجاح كل فيما يتعلق به.

4) النظام المؤسسي:

من المهم جداً في زمن المؤسسات والهيئات، أن يكون للمنظمات والجمعيات الخيرية نظام مؤسسي، يعمل من خلاله القائمون على هذه المؤسسات لتطوير أنفسهم، وتسيير العمل بدقة، وتحديد اختصاصات كل واحد في هذه المؤسسات.

ولا شك أن ذلك يقوي بناء المؤسسات الخيرية، ويؤدي إلى توفير كثير من الجهد والوقت ووضوح الرؤية المستقبلية، ومعالجة القضايا أولاً بأول.

5) إصلاح الأخطاء وتلافيها:

مما يعين على بقاء المنظمات والجمعيات الخيرية العمل على تحديد الخطأ وإصلاحه، ومن الأخطاء القاتلة في العمل المؤسسي: الإصرار على الخطأ والتعالي عن الخطأ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : «كلكم خطاء، وخير الخطائين التوابون».

إن تدارك الأخطاء وتلافيها أولاً بأول، يجعل من هذه المؤسسات مؤسسات ناجحة، قادرة على تجاوز السلبيات، سالمة من النقد المؤثر على سيرها وإنتاجها.

المحور الثاني: المخاطر التي تهدد نجاح المنظمات والجمعيات الخيرية:

ومع السعي إلى نجاح المؤسسات الخيرية في ظل الرؤية السابقة، إلا أن هناك أموراً تهدد مستقبل هذه الجمعيات، ولا بد من التنبه لها والعمل على تجاوزها، ومن أهمها:

1- الصراع بين المنظمات الخيرية:

     وهذا مرض خطير، وسبب من أسباب الفشل، كما قال سبحانه وتعالى: {وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا}(الأنفال:46)، وهو دليل على عدم سلامة النفوس، وعدم الإخلاص لله -تعالى-؛ إذ إن المسلم يفرح أن يجري الله الخير على يديه أو على يدي غيره، ومن الناس من يقف للحيلولة دون فعل أعمال الخير بصفة غير مباشرة، وذلك عن طريق الطعن في الآخرين أو الانتقاص من جهودهم أو اتهام نواياهم، وكل ذلك مرض يغذيه أعداء الدعوة الإسلامية، ويدعمونه ويشجعونه، لكنه يتنافى مع أخلاق الإسلام وتوجيهاته، والكل يعلم النصوص الصريحة الصحيحة الدالة على تحريم الغيبة والنميمة والإساءة إلى المسلمين وسوء الظن بهم.

وهو أيضاً جهل بطبيعة العمل الدعوي، وأنه تكاملي، وأن كلاً يقوم بدور في هذه الحياة؛ إذ يظن بعضهم أنه قادر على سد جميع الثغرات.

     ولا شك أن للأفكار والتوجيهات الثقافية دوراً كبيراً في تغذية ذلك؛ لذلك فإن على الجماعات الإسلامية، وعلى الدعاة إلى الله -تعالى- وعلى العلماء أن ينأوا بأنفسهم بعيداً عن الوقوع في هذا الخطأ؛ فطعن المرء في الآخرين دليل الفشل، ولإنكار المنكر أسلوبه وقواعده التي تحدث عنها العلماء.

2- الاختلاف داخل المؤسسة:

وهذا يؤدي إلى فشل المؤسسة، ومن أسباب ذلك السعي إلى حظوظ النفس مادياً ومعنوياً، وهو يتنافى مع الإخلاص لله -تعالى- وربما أدى التساهل فيه إلى انحراف في الهدف.

وعليه فإنه ينبغي وحدة الصف عموماً، ووحدة الصف داخل المؤسسة الواحدة، وإذا حصل الاختلاف في المؤسسة الواحدة فحري أن يحصل بين المؤسسات المختلفة، ومن لا يستطيع ضبط نفسه والاتفاق مع من حوله فهو مع الآخرين أبعد عن ذلك.

3- عدم العمل المؤسسي (الفردية):

     ومما يهدد العمل الخيري الفردية في العمل، وعدم إطْلاع الآخرين على الأهداف والبرامج، والتصرف من خلال المركزية الشديدة؛ فيصبح الاعتماد على شخص واحد في كل شيء، وعدم وجود آخرين لهم صلاحياتهم المحددة للقيام بالعمل، ومن ثم لا يستطيع الآخرون القيام بالأعمال الموكلة إليهم.

4- عدم وضوح الهدف:

     حيث تقام بعض المؤسسات تحت لافتات غير دقيقة، ومن ثم لا تتردد في أن تجعل نفسها قادرة على عمل كل شيء، في شتى المجالات والأنشطة، وليس هناك ما يمنع من ذلك شريطة أن يكون ذلك كله واضحاً ومعلوماً، وأن يكون وفق أهداف المؤسسة وبرامجها.

لكن ما يعيب بعض الجمعيات والمنظمات كونها لا تهتم بشيء محدد، ولا تركز على أهدافها المحددة سلفاً.

5- التضييق المالي على العمل الخيري :

ومن المخاطر التي تهدد الجمعيات والمنظمات الخيرية ما يتعلق بالجانب المالي، ذلك أن معظم المؤسسات الخيرية -إن لم تكن كلها- دأبت على العمل على جمع التبرعات الموسمية لتغطية احتياجاتها.

     ومع الحملة الشنيعة من أعداء الإسلام على الدعوة والدعاة، والتضييق عليهم فإن بعض أهل الخير قد لا يتجرأ على استمرارية دعمه للمشاريع الخيرية، ولذلك لابد من العمل على إيجاد روافد مالية، تحت بنود مختلفة، حتى تستطيع هذه المؤسسات القيام بدورها في كل الظروف.

6- التضييق الرسمي (حجب التصاريح):

     وفي إطار الحملات العالمية والإقليمية على الصحوة الإسلامية (لأهداف متعددة) قد تلجأ بعض الدول إلى مضايقة عدد من الجمعيات، وربما لم تسمح لها بالعمل الخيري العلني؛ وحينئذ فإن على المؤسسات الخيرية أن تبحث لنفسها عن صيغة قانونية مشروعة؛ كي تؤدي واجبها، وتقوم بدورها.

7- إيجاد جمعيات الضرار:

     قد يصعب على الجهات المختصة التضييق على الأعمال الخيرية؛ نظراً لدورها البارز في المجتمع، ولحاجة المجتمع إليها، وحتى لا يحسب لأهل الخير والإحسان خيرهم وإحسانهم، فإنهم يلجؤون إلى إنشاء مؤسسات خيرية مماثلة، تقوم بالنشاط نفسه، ولكن غالباً ما تفشل هذه المؤسسات في عملها؛ لأن القائمين عليها –عادة- غير مخلصين في عملهم؛ وإنما يسعون لمصالح شخصية، ويصعب عليها أن تتجاوز غيرها من المؤسسات الأخرى.  وعلى المنظمات والجمعيات الخيرية التعامل مع مثل هذه المؤسسات معاملة حسنة، وعدم الخوف من التأثير عليها، والاستفادة منها ما أمكن ذلك.

8- الحرب الإعلامية:

     ومن المصاعب التي تواجه الجمعيات والمؤسسات الخيرية ما يكون من حرب إعلامية ضد هذه المؤسسات، واتهامها بشتى أنواع الاتهامات، سواء بالإرهاب، أم بخدمة جهات أجنبية، أم نحو ذلك. وعلى المؤسسات الخيرية أن تواجه مثل هذا النوع من الإساءة بإثبات العكس، والقرب من الناس، حتى يعرفوهم عن قرب، والمعاملة الحسنة مع عامة الناس؛ وحينئذ فسوف يقومون بالدفاع عنهم.

المحور الثالث: المعالجات:

     إذا أردنا معالجة المخاطر المتوقعة لمستقبل المنظمات والجمعيات الخيرية، فإننا نحتاج إلى إعادة ما سبق ذكره من المخاطر المتوقعة، ولذلك فإن خلاصة المعالجات تكمن في البعد عن المخاطر التي أشرنا إليها سابقاً، فيتم تجنب الصراع بين المؤسسات الخيرية، ونسعى إلى توحيد الجهود في العمل الخيري، كما يتم بناء العمل المؤسسي الصحيح القائم على النظام والمنهج ذي الأهداف المحددة.

     وأشير في الختام إلى مسألة مهمة لها أثرها في نجاح المنظمات والمؤسسات الخيرية؛ وهي : التوازن في العلاقات مع السلطة؛ إذ الواجب إقامة علاقة متوازنة؛ بحيث لا يكون هناك تصادم بين المؤسسة المعنية وبين الجهة المختصة، ولا يكون هناك استسلام يؤثر على تحقيق الأهداف؛ وإنما يتم السعي إلى تحقيق الأهداف، وتغليب المصلحة العامة على المصلحة الخاصة.

وفي الختام؛ فهذه رؤية عاجلة مختصرة، أردت من خلالها الإشارة إلى بعض الأمور، وهي قابلة للمناقشة والمراجعة، أسأل الله -تعالى- أن ينفع بها الجميع.

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك