رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: أ. إبراهيم كنتاو 24 نوفمبر، 2014 0 تعليق

مستقبل التمويل الإسلامي في إفريقيا

شهدت الفترة الأخيرة اتجاه عدد كبير من الدول الاقتصادية الكبرى نحو (التمويل الإسلامي)؛ حيث بدأت في تغيير قوانينها المالية بما يتوافق مع نظام التمويل الإسلامي، وذلك بعد أن بذلت هذه الدول جهوداً كبيرة لتحديد عوامل حدوث الانهيارات الاقتصادية المتتابعة وأسبابها؛ بهدف التخفيف من آثارها.

     ومن أجل ذلك تبنّت هذه الدول سياسات الاستقرار التي تستهدف الحدّ من اقتصاد المضاربات الذي لا يرتبط بالاقتصاد الحقيقي، وتقليص المديونيات التي تؤدي إلى اختلال التوازن الاقتصادي، ومن هذه البدائل التي سعت الدول الصناعية الكبرى إلى استخدامها (التمويل الإسلامي)، وذلك لما يتميز به من توزيع المخاطرة، وتجنّب بيع الديون والمجازفات، وتشجيع الاستثمارات المرتبطة بالاقتصاد الحقيقي.

ولم يقتصر الأمر على الدول الكبرى فقط؛ فقد شهدت القارة الإفريقية اهتماماً كبيراً بالتمويل الإسلامي، ولاسيما في دول كينيا ونيجيريا والسنغال وجنوب إفريقيا، وتعدّ الأخيرة سوقاً واعدة للمعاملات المالية الإسلامية.

     وأشار تقرير أعدته شركة (بيتك للأبحاث)- التابعة لمجموعة (بيت التمويل الكويتي: بيتك) - إلى أنّ قارة إفريقيا تستحوذ على 38 مؤسسة مالية إسلامية، تعمل على أراضيها، وأنّ معظم دول القارة قد غيرت من تشريعاتها للسماح بعمل البنوك الإسلامية، كما تسعى دول بعينها، مثل كينيا ونيجيريا، لتكون مراكز مهمّة لصناعة التمويل الإسلامي الناشئة على مستوى القارة.

وللتمويل الإسلامي أثره  الإيجابي على نموّ المجتمعات الإفريقية وتطورها، ذلك أنّ هذه القارة ما تزال بكراً من حيث مواردها البشرية، والطبيعية، وتتوفر فيها الفرص في مجال التمويل الإسلامي؛ بالرغم من وجود عوائق متعددة، بعضها سياسية، وبعضها اقتصادية.

     التمويل الإسلامي جزء لا يتجزأ من التشريع الإسلامي العام، والتشريع الإسلامي جاء لتحقيق مصالح العباد في العاجل والآجل معاً، كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية: «إنّ الشريعة جاءت بتحصيل المصالح وتكميلها، وتعطيل المفاسد وتقليلها»، وقال ابن القيم: «فإنّ الشريعة مبناها وأساسها على الحِكَم ومصالح العباد، في المعاش والمعاد، وهي عدلٌ كلها، ورحمةٌ كلها، ومصلحةٌ كلها، وحكمةٌ كلها، فكلّ مسألة خرجت عن العدل إلى الجور، وعن الرحمة إلى ضدها، وعن المصلحة إلى المفسدة، وعن الحكمة إلى العبث، فليست من الشريعة، وإن أُدخلت فيها بالتأويل».

وبما أنّ المال هو عصب الحياة، وضرورة من الضروريات الخمس التي عليها مدار الحياة؛ فإنّ التشريع الإسلامي قد اعتنى بالمال إنتاجاً وتوزيعاً واستهلاكاً، وصانه بسياج منيع من الخصائص والمزايا، تُوجّه التمويل إلى تحقيق مصالح العباد والبلاد.

إنّ أحكام الشريعة الإسلامية هي المحفّز الذي يوجّه تصرفات الفرد واختياراته المالية المتعلقة بالاستهلاك والعمل والإنتاج والاستثمار وغيرها، كما أنّ الإسلام يحفّز أفراده للتنازل الطوعي عن بعض ملكياتهم الخاصّة لتحقيق مصالح عامّة للمجتمع من خلال الأوقاف والوصايا.

ويترتب على هذا: أن يكون للقطاع التطوعي دور اقتصادي أكبر في المجتمع الإسلامي، وأن يقتصر دور الدولة على الخدمات العامّة الصِّرفة التي لا يمكن لغيرها القيام بها،ومعلوم أنّ حجم القطاع التطوعي يعتمد طردياً في أي مجتمع إسلامي على متوسط درجة التقوى في هذا المجتمع.

     إنّ تأكيدنا على أهمية تناول قضايا التمويل الإسلامي بالبحث والتحليل يأتي دعماً للنجاحات التي حققها التمويل الإسلامي عالمياً، وترسيخاً لتجاربه، ولاسيما في إفريقيا التي باتت مرشحة لتقدّم للعالم أفضل النماذج التطبيقية للتمويل الإسلامي، فهي تحتضن أكثر من 400 مصرف إسلامي، كما أصبحت بما اتخذته العديد من دولها من تدابير، وما أصدرته من تشريعات، مركزاً أساسياً لمناقشة شؤون التمويل الإسلامي وبحث تطويره؛ ومن ذلك مثلاً عقد (القمة الثانية للمصارف الإسلامية الإفريقية)، في 6 و7 تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، في فندق كمبينسكي بجيبوتي، بحضور أكثر من 350 شخصية من قطاع المصارف الإسلامية وحكام المصارف المركزية في مختلف الدول المشاركة.

وكانت أهم توصيات خبراء المصارف الإسلامية وحكامها - الآتين من مختلف أنحاء القارة الإفريقية - أن تستغل إفريقيا الصناعة المالية الإسلامية لسدّ الهوة التي تعانيها على صعيد التنمية.

     كما يستهدف تأكيد أنّ الإسلام ليس إرثاً تاريخياً جامداً، بل هو دين حيوي متجدد، يستوعب بشموله كلّ مستجدات الحياة، والتمويل الإسلامي يقدّم نموذجاً واقعياً حياً لذلك، ويمثّل كسباً دعوياً في جانب حيوي مهم، تتأكد فيه مصداقية الدعوة وسلامة المنهج، كما يؤكد حتمية الأخذ بالإسلام منهجاً متكاملاً لحلول مشكلات الحياة، وتحقيق الأمن الشامل فيها.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك