رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: ذياب عبد الكريم 3 سبتمبر، 2013 0 تعليق

مستقبل الأمة ..وعقلية المؤامرة!!

يجنح كثير من أبناء جلدتنا إلى الإيمان بنظرية المؤامرة، والميل إلى وصف كل ما يحدث في عالمنا الثالث أو الرابع بأنه من فعل القوى الاستعمارية، وأنه من تخطيطهم المحض، وإلى التشكيك في كل شيء تقريبا!  ويقصد بنظرية المؤامرة Conspiracy Theory تفسير الحوادث والوقائع على أنها بفعل تآمر الآخر ضدنا دائما، ويعزى ذلك إلى الجهل ونقص المعلومات، والخوف والعجز عن التفسير المنطقي.

ويشعر كثيرون بالارتياح والرضا عندما يقرؤون ما يؤيد ذلك، مثل قول الماغوط وغيره : «كل طبخة سياسية في المنطقة أمريكا تعدها، وروسيا توقد تحتها، وأوروبا تبردها، وإسرائل تأكلها، والعرب يغسلون الصحون.» وكذلك يشعر المدمنون على تحليلات القنوات الفضائية القومية والثورية ..

     ولا أصدق من الدلالة على بطلان ذلك من قول القذافي : إن العالم متآمر على ليبيا حسدا لها على ما ينعم به شعبها، ثم قرأ «ومن شر حاسد إذا حسد»!! وكذا النظام السوري الذي يردد دائما أن ما يصيبه إنما سببه مؤامرات خارجية، تستهدف نضاله البطولي لقوى الإمبريالية والاستعمار!! وشر البلية ما يضحك!
   

     ولا ينكر أن الدول الكبرى والكيان الصهيوني يخططون لمستقبل بلدانهم، ويبحثون السيناريوهات المحتلمة جميعها لما يجري على الأرض، ويعملون على تجييره لمصالحهم بطرائق مشروعة وغير مشروعة وفق المعطيات (الجيوسياسية) والمنطلقات الاستراتيجية.

     ولا ريب أن ما يصيب مجتمعاتنا من تحولات عميقة تلفت الأنظار الدولية لتلك المنطقة المهمة، ويدفعها للتدخل المباشر وغير المباشر تحت غطاء الديمقراطية وحقوق الإنسان وحق التظاهر والتعبير السلمي .. إلخ

     في حين نجد أن سبب تلك القلاقل والانفجارات بطش بعض الديكتاتوريات الحاكمة، وتفشي الرشوة والفساد، وشيوع الفقر والقهر والاستبداد.

     وبذلك يصبح ارتهان العقول بالمؤامرة ثمرة عدم القدرة على التعامل مع الآخر، أو تحليل الأمور بموضوعية وفق حقائق ثابتة ومعطيات صادقة، وتنمو مثل تلك الاتهامات أكثر في ظل وجود الأحزاب واختلاف المذاهب والفصائل والحركات خوفا وهروبا وتفضيلا لإلقاء اللائمة على المجهول في ظل العجز عن إيجاد موقف علمي ومبدئي من تلك الأحداث.

     ولا ننكر أن الغرب - ولا سيما الولايات المتحدة بما أعلن عن انتهاج الفوضى الخلاقة ومشاريع الشرق الأوسط الجديد - ليس بمعزل عن الدور القذر في منطقتنا، ولكن نجاح مثل هذه المخططات لن يتم إلا برضا دولنا أو ضعفها، ووقوع شعوبنا في متاهات الفوضى وجولات التنازع والاقتتال الداخلي، وأدوار الخيانة والعمالة من ضعيفي النفوس وعديمي الضمائر.

     وتزداد فاعلية تلك الدول في عصرنا الحالي بانتشار معطيات العولمة، من: وسائل التواصل الاجتماعي، والإعلام البديل، وتقنيات الصور والصورة، والتواصل الأني عبر الإنترنت.

     وينبغي علينا - بدل تصديق دعاوى فكر المؤامرة المجهول - أن نؤمن بقدرة الله في الغيب والشهادة، ونؤمن بسننه في الكون، وأن ننظر في سيرة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وتاريخ العظماء من بعده؛ لنستقي منها سبل النصر ومكامن القوة ومفاتيح الحل.

     وبدل التوجه للخارج لتحميله تبعات ما يحدث وفق عقلية المؤامرة وإعفاء الداخل منها؛ أن نبحث عن سر قوتنا ومبعث وحدتنا، والاعتماد على أنفسنا في جمع شتاتنا وتأليف قلوبنا بالتعاون على البر والتقوى وليس على الإثم والعدوان.

     ويؤكد باحثون من جامعة (كنت البريطانية) أن من يعتنق عقلية المؤامرة سيكون أكثر ميلاً لتصديق مؤامرات شبيهة رغم تناقض فرضياتها مع نظرية المؤامرة الرئيسية ، كما ويؤثر ذلك - سلباً - في علاقاته الاجتماعية في مجتمعه الوطني. فدائرة التفكير التآمري لا تنتهي ولا تتوقف, بل يستمر فيها الإدمان على التشاؤم والشك المتواصل في نوايا الناس الآخرين، ويدفع إلى العيش في الكوابيس المصطنعة ووساوس الشياطين .

     والمنهج القرآني لم يتركنا هكذا دون توجيه؛ بل أحال النصر والهزيمة إلى أسبابها بقوله تعالى: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ}، (الروم: 41). وقوله سبحانه: {قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ}، (آل عمران: 165) ثم وجه إلى الحل الجذري لما يصيبنا بقوله: {إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ}، الرعد:11)، {والعاقبة للمتقين} (الأعراف: 128).

وختاما أقول ما قاله الشاعر:

خذ ما تراه ودع شـيئا سـمعت به.

                              في طلعة الشمس ما يغنيك عن زحل

إن العقل المتوازن، والنقد الإيجابي، والتفكير الإبداعي طريقنا الأمثل لحل مشكلاتنا والنهوض بأمتنا، والانشغال

 بما يصلح حالنا، ويطور إمكاناتنا، بعيدا عن المبالغة والتهويل وتحميل الآخرين تبعات أخطائنا وتقصيرنا.

     وسواء كان ما نشهده الآن مؤامرة أم لا؛ فإن المهم البحث عن المخرج -وليس الانغماس في مستنقع المشكلة-، ومتابعة إلسير إلى الامام؛ لاستشراف مستقبل أفضل، والباحث عن الحياة لا يعدم حيلة للنجاة بإذن الله .

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك