مسألة التكفـير عند مدرسة الشيخ محمد بن عبدالوهاب- الشيخ محمد بن عبدالوهاب من أعظم الناس توقفاً وإحجاماً عن إطلاق الكفر
مسألة التكفير والتشدد من أخطر المسائل التى أثارها خصوم الدعوة السلفية عبر العصور، وقد خفيت على المحايدين بل المؤيدين البعيدين عن الساحة الداخلية تأثراً بآلة الإعلام المضادة للشيخ ومدرسته.
بطبيعة الحال هؤلاء أثاروا وروجوا هذه الشبهة عند العوام والخواص، بل وحرضوا الدولة العثمانية على الشيخ وأتباعه حتى إن بعض العلماء قد صدق بداية الأمر هذه الإشاعة، مثل صديق حسن خان والشوكاني.
تفرع عن هذه الفرية التي أُلصقت بالشيخ القول: بأنه وأتباعه من الخوارج الذين يكفرون المسلمين بالكبيرة.
ورغم نشاط الشيخ وأتباعه في تجلية الصورة الصحيحة عن الدعوة السلفية إلا أن خصومها كادوا لها كل كيد، واتهموهم بأنهم خوارج، كما فعل ابن عابدين والصاوي فقد صنفوهم بأنهم من الخوارج.
الشيخ وأتباعه من بعده قد بينوا غاية البيان أمر التوحيد وأهميته ومايضاده من الشرك الأكبر والأصغر،وقامت المناظرات والرسائل في بيان أول واجب على المكلفين وهو التوحيد.
إلا أن الخصوم ركبوا الصعب، وزادوا في البهتان وإلصاق التهم بالدعوة السلفية، وتنادوا من كل الأقطار لعلهم يكبحون جماحها ويصدون طريقها؛ لأنها سرت في الناس سريان النار في الحطب.
من أوائل من افترى على الشيخ ودعوته هو محمد بن عبد الرحمن العفالق حيث قال: «وهذا الرجل كفّر الأمة، بل والله كذّب الرسل، وحكم عليهم وعلى أممهم بالشرك».
وقال أيضا: «وحلف يميناً بالله فاجرة إن اليهود والمشركين أحسن حالاً من هذه الأمة».
وقال القباني متهكماً: «وجاء النبي الكريم وليس معه من أمته إلا النفر اليسير من أهل العيينة أما الباقون فكلهم مخلدون في النار مع الكفار».
ولحقهم الحداد بقوله: «إذا أراد الرجل أن يدخل في دينه يقول له: اشهد على نفسك أنك كنت كافرا وعلى والديك أنهما كافران».
وزاد الحداد في غيه وقال: «ويبغي اليوم في هذا الوقت من الحوادث التي حدثت في ثلم الدين باعتقاد العامة قول البدعي: إن الاستغاثة شرك، فالعالم والمقتدي به ينبغي له أن يظهر الاستغاثة ليٌقتدى به».
وتعرض حسن الشطي لعقيدة الشيخ وتلاميذه وقال فيهم: «تكفير المسلمين واعتقاد حل دمائهم وأموالهم وذراريهم».
وقال زيني دحلان: «وكانوا يصرحون بتكفير الأمة منذ ستمائة سنة وأول من صرح بذلك محمد بن عبد الوهاب».
وطارت هذه الفرية والإشاعة في المشرق والمغرب وسارت بها الركبان وأصبحت حديث الناس، وشوهت الدعوة السلفية عند العام والخاص لكن يبقى في الزوايا بقايا.
وقام الشيخ وتلاميذه برد هذه الفرية على المستويات كلها.
قال الشيخ ابن عبد الوهاب ذاباً عن نفسه «ولا أكفر أحداً من المسلمين بذنب ولا أخرجه من دائرة الإسلام».
وجاء في مجموع الرسائل والمسائل 853/3 مايلي: أن من مات من أهل الشرك قبل بلوغ هذه الدعوة إليه، فالذي يحكم عليه إذا كان معروفاً بفعل الشرك ويدين به ومات على ذلك، فظاهره أنه مات على الكفر فلا يدعى له ولايضحى، ولايتصدق عنه، وأما حقيقة أمره فإلى الله تعالى، فإن كانت قد قامت عليه الحجة في حياته وعاند فهذا كافر في الظاهر والباطن،وإن كان لم تقم عليه الحجة فأمره إلى الله، وأما من لانعلم حاله في حال حياته، ولا ندري ما مات عليه فإنا لانحكم بكفره وأمره إلى الله، فمن نسب إلينا غير هذا فقد كذب علينا وافترى وحسبنا الله ونعم الوكيل.
أما على المستوى المحلي فقد أرسل الشيخ رسائل إلى أهل الرياض ومنفوحة ينفي عن نفسه هذه الفرية ويقول: «قولهم: إننا نكفر المسلمين،فإننا لم نكفر المسلمين،بل ما كفرنا إلا المشركين».
وقال في رسالته لأهل القصيم يرد بها على ابن سحيم أحد خصومه: «والله يعلم أن الرجل افترى علي أموراً لم أقلها ولم يأت أكثرها على بالي، فمنها قوله: إني أقول: إن الناس من ستمائة سنة ليسوا على شيء، وأني أكفر من توسل بالصالحين، وأني أكفر البوصيري، وأني أكفر من حلف بغير الله، وجوابي عن هذه المسائل أن أقول: سبحانك هذا بهتان عظيم».
قال الشيخ راداً على الشريف: «وأما الكذب والبهتان، فمثل قولهم: إنا نكفر بالعموم ونوجب الهجرة إلينا على من قدر على إظهار دينه، وأنا نكفر من لم يكفر ولم يقاتل ومثل هذا وأضعاف أضعافه فكل هذا من الكذب والبهتان الذي يصدون به الناس عن دين الله ورسوله».
وقد بين الشيخ غاية البيان معتقده في مسائل التكفير وقال: «لا نكفر إلا بما أجمع عليه المسلمون على تكفير فاعله من الشرك الأكبر والكفر بآيات الله ورسله أو بشيء منها بعد قيام الحجة وبلوغها المعتد».
قال الشيخ عبدالله بن محمد بن عبد الوهاب: «أما من يكذب علينا ستراً للحق وتلبيساٍ على الخلق أننا نكفر الناس على الإطلاق».
وقال أيضا «إن صاحب البردة وغيره ممن يوجد الشرك في كلامه والغلو في الدين وماتوا لايحكم بكفرهم وإنما الواجب إنكار هذا الكلام،وبيان من اعتقد هذا على الظاهر فهو مشرك كافر، وأما القائل فيرد أمره إلى الله سبحانه وتعالى، ولا ينبغي التعرض للأموات لأنه لايعلم هل تاب أم لا».
وقال الشيخ عبدالعزيز بن حمد سبط الشيخ ابن عبدالوهاب: «الذي نعتقده وندين الله به أن من دان بالإسلام وأطاع ربه فيما أمر وانتهى عما نهى وزجر فهو المسلم حرام الدم والمال، ولم نكفر أحداً دان بالإسلام لكونه لم يدخل في دائرتنا ولم يتسم بسمة دولتنا».
وبين الشيخ عبد اللطيف بن عبدالرحمن بن حسن ورع جده محمد بن عبدالوهاب عن التكفير:
«والشيخ محمد رحمه الله من أعظم الناس توقفاً وإحجاماً عن إطلاق الكفر حتى إنه لم يجزم بتكفير الجاهل الذي يدعو غير الله من أهل القبور أوغيرهم إذا لم يتيسر له من ينصحه ويبلغه الحجة التي يكفر مرتكبها».
قال د. السلامة: هناك بعض الألفاظ قد يشكل إطلاقها على بعض الناس مثل (المشركون، الكفار) وهي موجودة في كلام بعض المؤرخين والعلماء من أنصار الشيخ وأتباعه.
- كما هو معلوم الشيخ لم يبدأ أحداً بالقتال، إنما كان في البداية يدافع عن نفسه، لذلك قال الشيخ محمد بن عبدالوهاب «وأما التكفير فأنا أكفر من عرف دين الرسول، ثم بعد أن عرفه سبه ونهى الناس عنه وعادى من فعله،فهذا الذي أكفره، وأما القتال فلم نقاتل أحداً إلى اليوم إلا دون النفس والحرمة، وهم الذين أتونا في ديارنا.
- كان الشيخ ينذر الناس ويرسل لهم، ويأمرهم بالتوحيد وينهاهم عن المنكر وأوله الشرك.
- إن إطلاق عبارة المشركين والكفار على الخصوم إنما كانوا يقولونها في وصف رؤوس الخصوم والمعاندين وجيوشهم المقاتلة؛ لأنهم كانوا يحملون راية رفض دعوة التوحيد والدفاع عن الشركيات والبدع بعد اقامة الحجة عليهم.
- إن الذين استعملوا هذه العبارات من المؤرخين كابن غنام وابن بشر وبعض المناصرين للدعوة كانت في الخصوم الذين قامت عليهم الحجة الدامغة.
- إن إمام الدعوة وعلماءها حين يتكلمون عن عموم المسلمين من المخالفين وعوام أهل البدع يبرؤون إلى الله من تكفيرهم ومن وصفهم بالمشركين ومن استحلال دمائهم، وأما من كان من المعاندين والمقاتلين ومن كان في صفوفهم فحكمه حكمهم من حيث التعامل في الظاهر والله أعلم بالسرائر.
- إن أغلب هذه الأوصاف والأحكام كانت عامة لاتنصرف للأعيان الذين لم تقم عليهم الحجة الدامغة، وهناك فرق بين التكفير بفعل عموماً وتكفير المعين،لذلك وضح الشيخ ابن عبدالوهاب معنى قيام الحجة وفهم الحجة وقال: من المعلوم أن قيامها ليس معناه أن يفهم المرء كلام الله ورسوله صلى الله عليه وسلم مثل فهم أبي بكر رضي الله عنه، بل إذا بلغه كلام الله ورسوله، وخلا من شيء يعذر به فهو كافر.
- ومما لايخفى أن قضية التكفير والقتال من القضايا الشائكة وفيها اشتباه ولبس كبير؛ لذلك استغلها الخصوم ضد الدعوة ولايزالون.
لاتوجد تعليقات