رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: د. فالح بن محمد العجمي 9 ديسمبر، 2021 0 تعليق

مركز تراث للبحوث والدراسات – التجـاوزات الماليـة وعقوبتها في الإسلام

                         

حظي المال بمكانة رفيعة في الإسلام؛ حيث وصفه الله -تعالى- بأنه زينة الحياة الدنيا، مساويًا بينه، وبين نعمة الذرية، قال الله -تعالى-: {الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا}، ووصف الله -عز وجل- المال بأنه قوام الحياة فقال: {وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا}، قال ابن كثير: «يَنْهَى -تعالى- عَنْ تَمْكين السُّفَهَاءِ مِنَ التَّصَرُّفِ فِي الْأَمْوَالِ الَّتِي جَعَلَهَا اللَّهُ لِلنَّاسِ قِيَامًا، أَيْ: تَقُومُ بِهَا مَعَايِشُهُمْ مِنَ التِّجَارَاتِ وَغَيْرِهَا»، وأضاف الله -عز وجل- المال إلى نفسه فقال: {وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ}، وقال رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، لعمرو بن العاص: «يَا عَمْرُو، نِعْمًا بِالْمَالِ الصَّالِحُ لِلرَّجُلِ الصَّالِحِ»، وكان من دعائه - صلى الله عليه وسلم -: «اللهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْهُدَى وَالتُّقَى، وَالْعَفَافَ وَالْغِنَى».

     وصح حديث: «ذهب أهل الثور (أي الأموال) بالدرجات العلا»، وفي آخره: «ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء»، فعلم أن الخير كل الخير في مال تتحصل عليه من الحلال، ثم توفق للقيام فيه بحقوق الله -تعالى- وحقوق العباد الواجبة والمندوبة، ولم يزدك ذلك ذرة كبر أو تفاخر أو تعاظم على الآخر أو تعويل على ما في يدك أو إنفاق في باطل، وكم من غني موفق متصف بذلك، ككثير من الأنبياء وغيرهم! ألا ترى إلى ما صح من قول نبينا - صلى الله عليه وسلم - وثناءً على أيوب -عليه السلام-: «بَيْنَمَا أَيُّوبُ يَغْتَسِلُ عُرْيَانًا، خَرَّ عَلَيْهِ رِجْلُ جَرَادٍ مِنْ ذَهَبٍ، فَجَعَلَ يَحْثِي فِي ثَوْبِهِ، فَنَادَاهُ رَبُّهُ يَا أَيُّوبُ أَلَمْ أَكُنْ أَغْنَيْتُكَ عَمَّا تَرَى؟ قَالَ بَلَى يَا رَبِّ، وَلَكِنْ لاَ غِنَى لِي عَنْ بَرَكَتِكَ».

أغنياء الصحابة

     ومن أغنياء الصحابة عثمان وعبد الرحمن بن عوف وطلحة الفياض -رضي الله عنهم-، ومنهم كثير من الأولياء الصالحين والعلماء العاملين، وجاء أن ابن مسعود - رضي الله عنه - ترك سبعين ألف درهم، وكان من السلف من يتجر بقصد القيام بمؤنة العلماء والمحدثين، كابن المبارك، فإنه كان يقول للفضيل: لولا أنت وأصحابك ما اتجرت، وأصحابه هم سفيان الثوري وسفيان بن عيينة، وابن علية، وابن السماك، وكان ينفق على الفقراء في كل سنة مئة ألف درهم.

المال من أعظم الفتن

      ولما كان المال بهذه الأهمية، نهى الله -عز وجل- عن تحصيله بالباطل، وشرع الشرائع التي تضمن للناس حقوقهم، وجعل -سبحانه وتعالى- حفظ المال من مقاصد الشريعة الإسلامية، قال الله -تعالى-: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ}، وقال -تعالى-: {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ}، يقول الله -تعالى-: {وَاعْلَمُواْ أَنَّمَآ أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ}، فالمال والأولاد من أعظم الفتن التي تواجه الإنسان في سيره إلى الله -عز وجل-، قال السمرقندي: «إنما ذكر الأموال والأولاد، لأن أكثر الناس يدخلون النار، لأجل الأموال والأولاد، فأخبر الله -تعالى- أنه لا ينفعهم في الآخرة، لكيلا يفني الناس أعمارهم، لأجل المال والولد، وإنما ذكر الله -تعالى- الكفار، لكي يعتبر بذلك المؤمنون»، فكم من رجل باع دينه بحفنة من المال! وكم من رجل أكل الحرام خوفاً على أولاده! ولذلك حذر الله عباده من فتنة المال والولد فقال: {يأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلاَ أَوْلاَدُكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ}.

      قال ابن كثير: «يَقُولُ -تعالى- آمِرًا لِعِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ بِكَثْرَةِ ذِكْرِهِ وَنَاهِيًا لَهُمْ عَنْ أَنْ تَشْغَلَهُمُ الْأَمْوَالُ وَالْأَوْلَادُ عَنْ ذَلِكَ، وَمُخْبِرًا لَهُمْ بِأَنَّهُ مَنِ التَهَى بِمَتَاعِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَزِينَتِهَا عَمَّا خُلِقَ لَهُ مِنْ طَاعَةِ رَبِّهِ وَذِكْرِهِ، فَإِنَّهُ مِنَ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ يَخْسَرُونَ أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ»، وقال -تعالى-: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ} أَيْ: اخْتِبَارٌ وَامْتِحَانُ مِنْهُ لَكُمْ؛ إِذْ أَعْطَاكُمُوهَا لِيَعْلَمَ أَتَشْكُرُونَهُ عَلَيْهَا وَتُطِيعُونَهُ فِيهَا، أَوْ تَشْتَغِلُونَ بِهَا عَنْهُ، وَتَعْتَاضُونَ بِهَا مِنْهُ؟ كَمَا قَالَ -تعالى-: {إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ}، وَقَالَ -تعالى-: {وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً}، وَقَالَ -تعالى-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ}.

تحذير النبي - صلى الله عليه وسلم - من الدنيا

     ولقد حذر النبي -  صلى الله عليه وسلم - من الدنيا، ومن الاغترار بها، والتنافس فيها، وهذا غالباً لا يكون إلا بسبب الفتنة بالمال، لما قَدِمَ أَبُو عُبَيْدَةَ بِمَالٍ مِنَ البَحْرَيْنِ، فَسَمِعَتِ الأَنْصَارُ بِقُدُومِ أَبِي عُبَيْدَةَ، فَوَافَتْ صَلاَةَ الصُّبْحِ مَعَ النَّبِيِّ -  صلى الله عليه وسلم -، فَلَمَّا صَلَّى بِهِمُ الفَجْرَ انْصَرَفَ، فَتَعَرَّضُوا لَهُ، فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ -  صلى الله عليه وسلم - حِينَ رَآهُمْ، وَقَالَ: «أَظُنُّكُمْ قَدْ سَمِعْتُمْ أَنَّ أَبَا عُبَيْدَةَ قَدْ جَاءَ بِشَيْءٍ؟».

     قَالُوا: أَجَلْ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «فَأَبْشِرُوا وَأَمِّلُوا مَا يَسُرُّكُمْ، فَوَاللَّهِ لاَ الفَقْرَ أَخْشَى عَلَيْكُمْ، وَلَكِنْ أَخَشَى عَلَيْكُمْ أَنْ تُبْسَطَ عَلَيْكُمُ الدُّنْيَا كَمَا بُسِطَتْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، فَتَنَافَسُوهَا كَمَا تَنَافَسُوهَا وَتُهْلِكَكُمْ كَمَا أَهْلَكَتْهُمْ»، وهذا الذي خافه النبي -  صلى الله عليه وسلم -، وخاف منه عمر - رضي الله عنه - حتى بكى، وهملت عيناه بالبكاء، وعَنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ , قَالَ: قُدِمَ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ بِمَالٍ فِي وِلَايَتِهِ، فَجَعَلَ يَتَصَفَّحُهُ وَيَنْظُرُ إِلَيْهِ، فَهَمَلَتْ عَيْنَاهُ دُمُوعًا فَبَكَى، فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ: مَا يُبْكِيكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ؟ فَوَاللَّهِ إِنَّ هَذَا لَمِنْ مَوَاطِنِ الشُّكْرِ. فَقَالَ عُمَرُ: «إِنَّ هَذَا الْمَالَ وَاللَّهِ مَا أُعْطِيَهُ قَوْمٌ إِلَّا أُلْقِيَ بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ».

طلب المال والحرص عليه

     وجعل النبي -  صلى الله عليه وسلم - طلب المال والحرص عليه من أضر الأشياء على دين المسلم، فعَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -  صلى الله عليه وسلم -: «مَا ذِئْبَانِ جَائِعَانِ , أُلْقِيَا فِي حَظِيرَةٍ فِيهَا غَنَمٌ بِأَضَرَّ لَهَا مِنْ طَلَبِ الشَّرَفِ وَالْمَالِ» يَعْنِي فِي دِينِ الْمُسْلِمِ، بل إن النبي   صلى الله عليه وسلم نص نصاً صريحاً على أن فتنة هذه الأمة إنما هي في المال، فعَنْ كَعْبِ بْنِ عِيَاضٍ، قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ -  صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «إِنَّ لِكُلِّ أُمَّةٍ فِتْنَةً وَفِتْنَةُ أُمَّتِي المَالُ»، ومعنى هذا أن لكل أمة فتنة تخصها، وتكون سبباً لهلاكها وضلالها، كما أخبر النبي -  صلى الله عليه وسلم - أن فتنة بني إسرائيل كانت في النساء.

أحوال الناس في هذه الأيام

     والذي يتأمل في أحوال الناس في هذه الأيام، وانكبابهم على كسب هذا المال بأي وسيلة كانت سواء كان في مساهمات مشبوهة، أم معاملات فيها مخالفات شرعية كالربا، والغش، وأكل أموال الناس بالباطل وغيرها، ليتذكَّر قول النبي -  صلى الله عليه وسلم - كما روى البخاري في صحيحه من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -: «لَيَأْتِيَنَّ عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ، لاَ يُبَالِي المَرْءُ بِمَا أَخَذَ المَالَ، أَمِنْ حَلاَلٍ أَمْ مِنْ حَرَامٍ؟»، وأي فتنة في دين المرء أعظم من ألا يبالى من أين أخذ ماله من حلال أم من حرام؟ ولقد أورد البخاري -رحمه الله تعالى- هذا الحديث تحت بَابُ قَوْلِ اللَّهِ -تعالى-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}، ليبين -رحمه الله- أن أكل الربا لا يكون إلا عند تساهل الناس في جمع المال من الحرام أو من الحلال، فإذا فعل الناس ذلك فأكلوا الربا ووقعوا فيه، فقد تعرضوا لغضب الله وسخطه، بل وحربه -سبحانه-، وأي فتنة أعظم للمرء من أن يحاربه الله -تعالى؟ وهل لأحد طاقة بحرب ربه -سبحانه وتعالى-، قال -تعالى-: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (278) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ}، والربا وإن كثر فإن أمره إلى قلة، قال  صلى الله عليه وسلم  قَالَ: «الرِّبَا، وَإِنْ كَثُرَ، فَإِنَّ عَاقِبَتَهُ إِلَى قُلٍّ».

فتنة العبد في ماله

     فإذا فتن العبد في ماله، وأكل الحرام ولم يبال من أي طريق جاء، فقد أغلق في وجهه أبواب السماء، وقطع الصلة بينه وبين ربه، فإن أنفق لا يُقبل منه، وإن دعا لا يُستجاب له، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -  صلى الله عليه وسلم -: «أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ اللهَ طَيِّبٌ لَا يَقْبَلُ إِلَّا طَيِّبًا، وَإِنَّ اللهَ أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا أَمَرَ بِهِ الْمُرْسَلِينَ، فَقَالَ: {يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا، إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ} وَقَالَ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ} ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ، يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ، يَا رَبِّ، يَا رَبِّ، وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ، وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ، وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ، وَغُذِيَ بِالْحَرَامِ، فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ؟».

قصة قارون

     والله -عز وجل- ضرب لنا في القرآن مثلا بقصة قارون، ذلك الطاغية المتكبر الذي أوتي غنىً فاحشا؛ ففرح به فرحا أخرجه عن دائرة الاعتدال إلي البغي والطغيان، فكان نتيجة هذا البغي والطغيان أن خسف الله -تعالى- به وبداره الأرض، قال الله -تعالى-: {إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ (76) وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (77) قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِن قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا وَلَا يُسْأَلُ عَن ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ (78) فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (79) وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِّمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ (80) فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِن فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنتَصِرِينَ}.

الاشتغال بالأموال هلاك

ولقد جعل الله -عز وجل- هلاك هذه الأمة في الاشتغال بالأموال وترك الجهاد في سبيل الله، فعَنْ أَسْلَمَ أَبِي عِمْرَانَ قَالَ: حَمَلَ رَجُلٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ بِالْقُسْطَنْطِينِيَّةِ عَلَى صَفِّ الْعَدُوِّ حَتَّى خَرَقه، وَمَعَنَا أَبُو أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيُّ.

فَقَالَ نَاسٌ: أَلْقَى بِيَدِهِ إِلَى التَّهْلُكَةِ.

فَقَالَ أَبُو أَيُّوبَ: نَحْنُ أَعْلَمُ بِهَذِهِ الْآيَةِ إِنَّمَا نَزَلَتْ فِينَا، صَحِبْنَا رَسُولَ اللَّهِ -  صلى الله عليه وسلم - وشَهِدنا مَعَهُ الْمُشَاهِدَ وَنَصَرْنَاهُ، فَلَمَّا فَشَا الْإِسْلَامُ وَظَهَرَ، اجْتَمَعْنَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ نَجِيَا.

فَقُلْنَا: قَدْ أَكْرَمَنَا اللَّهُ بِصُحْبَةِ نَبِيِّهِ -  صلى الله عليه وسلم - ونَصْرِه، حَتَّى فَشَا الْإِسْلَامُ وَكَثُرَ أهلُه، وَكُنَّا قَدْ آثَرْنَاهُ عَلَى الْأَهْلِينَ وَالْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ، وَقَدْ وَضَعَتِ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا، فَنَرْجِعُ إِلَى أَهْلِينَا وَأَوْلَادِنَا فَنُقِيمُ فِيهِمَا، فَنَزَلَ فِينَا: {وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} فَكَانَتِ التَّهْلُكَةُ فِي الْإِقَامَةِ فِي الْأَهْلِ وَالْمَالِ وَتَرْكِ الْجِهَادِ».

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك