مركز الإمام البخاري للبحث العلمي والدراسات الإسلامية يقيم ندوة الأمن الفكري ومسؤولية حمايته الكبي لـ«الفرقان»: مـن أهـم أهدافـنا نشـر الإعتدال والأمن الفكري في المجتمع اللبناني
المنطقة تعيش حالة من الاضطرابات الأمنية، وهناك جهات مشبوهة تحاول اختراق بعض الشباب لاستخدامهم في أعمال محرّمة لا يقرها الإسلام
أصل العلاقة مع أهل الكتاب قائمة على السلم بدليل أن الله -سبحانه- أباح للمسلم أن يأكل طعامهم وذبائحهم، وأن يتزوج نساءهم،
الحكومات مسؤولة عن حماية الأمن الفكري من خلال إحلال العدالة الشاملة وتحقيق الإنماء المتوازن في المجتمعات دون تمييز
إنشاء مركز الإمام البخاري يعد خطوة جادة لإحياء جانب البحث والدراسة للمساهمة في نهضة الأمة علميا وفكريا وثقافيا
أقام مركز الإمام البخاري للبحث العلمي والدراسات الإسلامية، ندوة بعنوان: (الأمن الفكري ومسؤولية حمايته)، برعاية مفتي الجمهورية اللبنانية القاضي الشيخ عبد اللطيف دريان ممثلا برئيس المحكمة الشرعية في طرابلس القاضي الشيخ سمير كمال الدين، وعن الندوة والهدف منها والتعرف عن قرب على مركز الإمام البخاري للدراسات التقت (الفرقان) الدكتور سعد الدين الكبي رئيس المركز في هذا الحوار:
- ما الهدف من الندوة؟ واختيار هذا الموضوع على وجه الخصوص؟
- ابتداء أحمد الله -عز وجل- وأثني عليه، وأصلي وأسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وأشكر مجلة (الفرقان) على هذا اللقاء، وإتاحة الفرصة للإطلالة عبر مجلتكم الزاهرة.
كما تعلمون أن الأمن الفكري هو المقدمة الحقيقية للأمن الحسي؛ فلا أمن حقيقة إلا بالأمن الفكري، والأمن مقصد عظيم من مقاصد الإسلام، بل الشريعة جاءت للحفاظ على الضرورات الخمس: الدين، العقل، النفس، النسل، المال. وهذه الضرورات لا يمكن الحفاظ عليها إذا اختل الأمن.
وبما أن المنطقة تعيش حالة من الاضطرابات الأمنية، وهناك جهات مشبوهة تحاول اختراق بعض الشباب لاستخدامهم في أعمال محرّمة لا يقرها الإسلام، كما سمعنا عن أحداث فرنسا، وبلجيكا، ولاسيما وأن هذه الجهات تحاول استغلال تداعيات الأزمة السورية وغيرها، لإظهار المشهد السني على أنه غلو وتطرف؛ لذلك كان من الضروري جدا لفت انتباه القائمين على المحاضن التربوية لأخذ دورهم في حماية الأمن الفكري عند الشباب، والمحاضن هي: الأسرة، والمسجد، والمدرسة والجامعة، الإعلام؛ لذلك كانت الندوة تستهدف بيان دور هذه المحاضن في حماية الأمن الفكري.
- هذه الندوة الثالثة لمركز الإمام البخاري، هل لها ارتباط بالندوتين السابقتين؟ وما رؤيتكم من عقد مثل هذه الندوات؟
- نعم هذه الندوة العلمية الثالثة، وهي ترتبط ارتباطا منهجيا بالندوتين السابقتين؛ فالندوة الأولى كانت بعنوان: (المعاهد الشرعية.. الأمن والاستقرار)، والندوة الثانية كانت بعنوان: (دور التعليم الديني في حماية الشباب من الفتن).
وقد جاءت الندوة الأولى لبيان أن المقصود الأعظم من نشر علوم الشريعة إحلال الأمن والاستقرار؛ لأن الإيمان يدعو إلى الأمن، قال تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُولَٰئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ}(الأنعام: 82).
وأما الندوة الثانية فجاء توقيتها بقدر الله، عقب أحداث باب التبانة في مدينة طرابلس، ومنطقة المنية بشمال لبنان، فجاءت الندوة الثانية لتؤكد على دور التعليم الديني في حماية الشباب من الفتن، وأن التعليم الديني يدعو إلى نشر مفاهيم الأمن والاستقرار في المجتمع، وبيان ما في ديننا من نصوص تدعو إلى السلم الأهلي والأمن والاستقرار، منها قوله تعالى: {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ}(الممتحنة:8)، ومنها قوله صلى الله عليه وسلم : «من قتل معاهدا لم يرح رائحة الجنة».
وبيّنا أن أصل العلاقة مع أهل الكتاب قائمة على السلم بدليل أن الله -سبحانه- أباح للمسلم أن يأكل طعامهم وذبائحهم، وأن يتزوج نساءهم، وأنه يترتب على الزواج منهم إنشاء مفاعيل أسرية جديدة؛ مما يدل على أن أصل العلاقة قائمة على السلم.
كما بيّنا ما في ديننا الحنيف، من الحرص على الجار الكتابي، وأن له علينا حق الجوار، ومنها: قول عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه «أهديتم إلى جارنا اليهودي؟ فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه»، والحديث أخرجه أبو داود وصححه الألباني.
أما رؤيتنا لعقد مثل هذه الندوات؛ فهي من الضرورة والأهمية بمكان؛ حيث يحاول أعداء الإسلام شيطنة بعض الشباب ليقوموا بأعمال تشوّه صورة الدين الإسلامي الحنيف، فتأتي هذه الندوات لتوضح الصورة الحقيقية الناصعة لهذا الدين العظيم، وتلفت الانتباه إلى ما في التشريع الإسلامي من رحمة بالمخالف، واعتدال، ووسطية وعدالة شاملة حتى للمخالفين، كما أنها تضيء الطريق للشباب المسلم، وتحملهم على التحلي بالوسطية والاعتدال.
- ما أهم المحاور التي ناقشتها الندوة؟
ناقشت الندوة محاور عدة مهمة وهي كالآتي:
- المحور الأول: دور الإعلام في حماية الأمن الفكري، وتحدث فيه أ. د. محمد العادل رئيس المعهد التركي للدراسات الاستراتيجية بأنقرة.
- المحور الثاني: دور الأسرة في حماية الأمن الفكري، وتحدث فيه المستشار التربوي د. بسام طرَّاس.
- المحور الثالث: دور التعليم في حماية الأمن الفكري، وتحدث فيه فضيلة الدكتور سعد الدين الكبي -رئيس مركز البخاري للبحث العلمي والدراسات الإسلامية-.
- ما أهم التوصيات التي خرجت بها الندوة؟
- خرجت الندوة بتوصيات عدة هي:
(1) إظهار وسطية الإسلام واعتداله وتنمية مهارات الحوار وتفعيله.
(2) توجيه الشباب للرجوع إلى علماء الأمة الربانيين في معرفة الأفكار المنحرفة وتحديدها، وفقه القضايا المستجدة والنازلة.
(3) الاهتمام بالشباب وغرس قيم الاعتدال فيهم، واستثمار طاقاتهم فيما يعود بالخير على مجتمعاتهم.
(4) حث الأهل على تنمية ثقافة الأمن الفكري لدى أبنائهم بحسب فئاتهم العمرية المختلفة.
(5) دعوة المؤسسات التربوية إلى توجيه الأهل لتعزيز الأمن الفكري لدى أبنائهم.
(6) ضرورة إدراج مادة الأمن الفكري في المعاهد والجامعات، وتضمين مادة التربية الإسلامية في المدارس الرسمية والخاصة مذكرة الدروس التعليمية في حماية الأمن الفكري.
(7) إدراج مادة الإعلام التربوي في المناهج التعليمية لتنمية مهارات التواصل الاجتماعي عند الناشئة.
(8) دعوة مؤسسات التعليم العالي، ومراكز البحث العلمي، إلى إقامة مراكز بحث ورصد إعلامي متخصصة في مواجهة تهديد الأمن الفكري، والرد على حملات التشويه المنظمة.
(9) مطالبة دور الإفتاء ووزارات الأوقاف القيام بدورها في حماية الأمن الفكري وإنشاء لجان متخصصة في ذلك، والاستفادة من التجارب الناجحة في بعض الدول الإسلامية ونخص بالذكر لجنة المناصحة في المملكة العربية السعودية.
(10) دعوة الحكومات إلى حماية الأمن الفكري من خلال إحلال العدالة الشاملة وتحقيق الإنماء المتوازن في المجتمعات دون تمييز.
- هل حققت الندوة أهدافها؟ وما أبرز النتائج التي تحققت؟
- لا شك أن الندوة حققت شيئا من أهدافها، وستظهر ثمار الأهداف الباقية مع الزمن القريب بإذن الله، فأما الأهداف التي تحققت، منها:
- أولا: تسليط الضوء على المنهج الإسلامي الصحيح البعيد عن الغلو والتطرف.
- ثانيا: أن التعليم الشرعي قائم بدوره في حماية الأمن الفكري، وأن المؤسسات التعليمية الدينية هي أحد أبرز المراجع المجتمعية في تحمل مسؤولياتها وخدمة المجتمع، وحمايته من الأفكار الضارّة.
- ثالثا: اقتناع المسؤولين في لبنان أن المؤسسات التعليمية الدينية لها دور مهم في حماية الأمن الفكري، وقد دل على ذلك حضور عدد من الوزراء والمسؤولين السياسيين والأمنيين -مسلمين ومسيحيين- فعاليات الندوة.
- رابعا: التأكد على أن مدينة طرابلس وشمال لبنان ليس كما تصوره بعض الجهات الحاقدة على أنه معقل للغلو والتطرف، بل على العكس، فإننا لم نسمع عن نشاط يعالج مشكلات الأمن الفكري كما نحاول معالجته في شمال لبنان.
- خامسا: التأكيد على اللحمة والشراكة بين المؤسسات الدينية الأهلية، والمؤسسات الدينية الرسمية، عبر رعاية سماحة مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ القاضي الدكتور عبدالله دريان -وفقه الله لهذه الندوة-.
- سادسا: نشر مفاهيم الاعتدال والأمن الفكري بين قاعدتنا الشعبية؛ حيث شارك عدد كبير من فعاليات وأفراد المجتمع المدني، وطلاب وطالبات العلم الشرعي، ولا شك أنهم انتفعوا بما سمعوا، وصاروا أكثر حذرا من الفكر المنحرف.
وإن إنشاء مركز الإمام البخاري للبحث العلمي والدراسات الإسلامية في لبنان، ليعد خطوة جادة لإحياء جانب البحث والدراسة للمساهمة في نهضة الأمة علميا وفكريا وثقافيا، وللارتقاء بها في سلم الأخلاق، وهذه هي ثمرة البحث العلمي في أبعادها الحقيقية، التوصل إلى ما يكرّم الإنسان، وفق نتائج صحيحة تحقق له الحياة السعيدة، وبالتالي: الأمن والرخاء؛ ولذلك جاءت وسائل المركز في تحقيق أهدافه على الوجه الآتي:
- نشر الأبحاث العلمية الإسلامية، والدراسات الهادفة عبر مجلة البحث العلمي الإسلامي، المرخص لها بموجب ترخيص صادر عن وزارة الإعلام في لبنان برقم 364/2004.
- إصدار الدراسات العلمية، والمجلات المحكّمة ونشرها.
- عقد الندوات العلمية والثقافية.
- إنشاء أكاديمية مفتوحة (أون لاين) للمساهمة في نشر المفاهيم الإسلامية الصحيحة وحماية الأمن الفكري.
- إقامة الدورات التدريبية.
- عقد الاتفاقيات والتوأمات العلمية، وعقود الشراكة مع مؤسسات محلية وإقليمية ودولية لها الأهداف ذاتها.
- خدمة المجتمع ضمن اختصاص المركز.
مشاريع المركز
- مركز الإمام البخاري للبحث العلمي والدراسات الإسلامية مركز أهلي، ونتطلع -بإذن الله- إلى إنشاء أكاديمية للأمن الفكري، وقد أعددنا المناهج ووصفناها، وربما إذا أتيحت لنا الإمكانات، أن نتقدم لوزارة التعليم العالي في لبنان بطلب ترخيص كلية للأمن الفكري، ولاسيما وأننا بعد الندوة الثانية نجحنا في الحصول على ترخيص رسمي لمعهد الإمام البخاري بوصفه مرحلة ثانوية شرعية. كما أن من مشاريعنا الفكرية، مجموعة إصدارات في قضايا تتصل بالأمن الفكري.
رؤية المركز
- إننا نعتقد أن البحث العلمي، والدراسة الهادفة، وسيلة من وسائل الأمم المتحضرة للتطلع نحو مستقبل أفضل؛ فما أحيت أمة من الأمم جانب البحث والدراسة لقضاياها النازلة والمستجدّة، إلا وتوصلت بذلك إلى نتائج أفضل، وتمكنت أن تضع لمجتعاتها حلولا وبدائل لكثير من المسائل الشائكة والمستعصية، وأن تساهم في توعية أبنائها وتبصيرهم بما يصلح لهم، ويحقق لهم السعادة، ويجنبهم المخاطر والشقاء.
إنجازات المركز
- إقامة الندوات العلمية الثلاث التي تحدثنا عنها آنفا. تم طباعة عدد من الإصدارات في حماية الأمن الفكري، منها: علماء الإسلام بين أهل السنة وجماعة التكفير. ومذكرة الدروس التعليمية في حماية الأمن الفكري، وهي عبارة عن عشرة أحاديث مشروحة شرحا أكاديميا بإجمال، تصلح للتدريس المنهجي، والمسابقات العلمية.
ومنها: كتاب فقه التغيير بين أهل السنة وأهل الأهواء، سلطنا الضوء فيه على مفهوم التغيير عند الخوارج والمعتزلة، وأنه مستمد من مفهوم للإيمان، وضربنا الأمثلة بجماعة الهجرة والتكفير المصرية، وتنظيم القاعدة.
كما طبعنا بعض رسائل معالي الشيخ صالح آل الشيخ وزير الشؤون الإسلامية السعودي -وفقه الله- وهي: فقه الأزمات، والمصالح العليا للأمة، والوسطية والاعتدال وأثرهما في حياة المسلمين المعاصرة.
كما تم إصدار مجلة علمية تصدر عن المركز وكلية الشريعة والدراسات الإسلامية بجامعة أريس الدولية، وللمجلة هيئة استشارية مؤلفة من أساتذة في جامعات السعودية والكويت ولبنان.
نشأة المركز
- بدأ المركز أولا بنظام فردي، وتم إصدار مجلة البحث العلمي الإسلامي، ومجلة نفحات، وهي مجلة ثقافية عامة، ثم تطور النشاط فانضم المركز إلى مجمع الإمام البخاري ليكون أحد مؤسسات وقف البخاري الخيري في لبنان، الذي يرعاه مجلس فخري برئاسة الشيخ القاضي سمير كمال الدين رئيس المحكمة الشرعية السنية في طرابلس، كما تم توقيع اتفاقية علمية مع جامعة أريس الدولية -جامعة مفتوحة- لتصبح مجلة البحث العلمي الإسلامي، مجلة علمية محكمة، تصدر عن المركز، وعن كلية الشريعة والدراسات الإسلامية في جامعة أريس الدولية.
وختاما، فإننا نهيب بالمسؤولين في دولة الكويت، والمملكة العربية السعودية، وقطر والبحرين، مد يد العون لهذا المركز لتحقيق أهدافه في إقامة مؤسسات للأمن الفكري، ونشر مفاهيمه بين أجيالنا وشبابنا؛ لتنعم بلادنا بالأمن الحسي المتولد من الحماية الفكرية وهو ما اصطلحنا عليه: الأمن الفكري.
لاتوجد تعليقات