رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: وائل رمضان 31 ديسمبر، 2016 0 تعليق

مركز ابن خلدون للدراسات يقيم ندوة: التصوف السياسي وخطره على الأمة

علاقة الدين بالسياسة انحرف بها أهل البدع انحرافات وغالباً ما كان هذا الانحراف عن طريق العمل لصرف سياسة الدولة عن خدمة الدين وإقامة الشرع، إلى خدمة المذهب المنحرف، أو الجماعة، أو الفئة

ظل التصوف البدعي في أطوار نشأته الأولى منعزلاً عن السلطات السياسية فلا يعرف لرواده الأول كإبراهيم بن أدهم وأبي يزيد البسطامي والجنيد وأضرابهم، أي علاقة بالسلطات السياسية

أول علاقة بين الصوفية والسياسة كانت بين الحلاج وبين ثورة الزنج التي ابتدأت من عام ٢٥٥هـ وتم القضاء عليها في ٢٧٠هـ على يد الدولة العباسية

استطاعت الدولة الفاطمية عن طريق تشجيع المتصوفة نشر المذهب الباطني في مصر والذي لا تزال بعض طقوسه حاضرة في التقاليد والعادات المصرية

عقد مركز ابن خلدون للدراسات الاستراتيجية ندوة تحت عنوان: (التصوف السياسي وخطره على الأمة)؛ حيث استضاف فيها نخبة من العلماء المتخصصين من داخل الكويت وخارجها، فحضر الندوة من المملكة العربية السعودية د. محمد السعيدي الأستاذ بجامعة أم القرى، ومن جمهورية مصر العربية حضر د. عبد الله شاكر الجنيدي رئيس جمعية أنصار السنة المحمدية، ومن الكويت د. محمد الحمود النجدي، ونتناول في حلقات ما عرض في الندوة نظرًا لأهميتها، واليوم نتناول ورقة الدكتور محمد السعيدي التي جاء فيها:

منهج الإسلام

     جاء الإسلام إلى هذه الدنيا ليكون منهجاً تقوم عليه حياة المسلم الخاصة، التي تتمثل في علاقته مع ربه -عز وجل- ومعالجته وإصلاحه لشأن نفسه، ونظرته إلى ما حوله من مخلوقات، وتعامله معها، وتقوم عليه أيضا حياته العامة التي تبدأ بعلاقته مع من حوله من والدين وزوجة وذرية وإخوة وأخوات وعصبات وجيران، وتنتهي عند آخر مدى يمكن أن تنتهي عنده علاقاته الاجتماعية.

السياسة والدين

     والسياسة جزء من هذه العلاقات الخاصة والعامة؛ فهي توجيه هذا الإنسان بالدِّين في شؤون حياته وعلاقاته كلها، لكنها عن طريق سلطة يكون لها صلاحية هذا التنظيم، تبدأ من إدارة حيِّه الصغير ومدرسته ومقر عمله، وتنتهي عند رأس الدولة التي يتبعها، والفصل بين السياسة والدين لا يقال إنه ممنوع شرعاً، لكن يقال: إنه متعذر، فمن يُؤْمِن بالدِّين كما أنزله الله، لا يمكن أن يتصور أيَّ فصل بين السياسة والدين.

     فالإسلام يحكم علاقة الحاكم بالمحكوم والعكس صحيح أيضًا، سواء أكان الحاكم مؤمناً بهذه العلاقة أم لا، وسواء أكان المحكوم مؤمنا بها أم لا، والتفصيل في ذلك يطول، لكن الذي أريد التوصل إليه من خلال هذه المقدمة: أن هذه المُسَلَّمة في علاقة الدين بالسياسة: انحرف بها أهل البدع انحرافات متفاوتة في القوة ومتباينة في الاتجاه بحسب حجم انحرافاتهم عن الدين، وغالباً ما كان هذا الانحراف عن طريق العمل لصرف سياسة الدولة عن خدمة العدل والإحسان وإيتاء ذي القربى والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإقامة الشرع، إلى خدمة المذهب المنحرف، أو الجماعة، أو الفئة، وسوف ندرس في هذه الورقة موقف الصوفية الطرقية من السياسة من خلال محورين: 

-  الأول: موقف الصوفية من الحكام.

- والثاني: موقف الصوفية من الغزاة والمستعمرين.

علاقة الصوفية بالسياسة

     ظل التصوف البدعي في أطوار نشأته الأولى منعزلاً عن السلطات السياسية، فلا يعرف لرواده الأول كإبراهيم بن أدهم (تـ١٦٢هـ) وأبي يزيد البسطامي(تـ٢٦١) والجنيد (تـ٢٩٧) وأضرابهم، أي علاقة بالسلطات السياسية من، أي نوع؛ حيث لم يشتهر هؤلاء وأمثالهم بالانحرافات العقدية الخطيرة، وربما تكون أول علاقة بين الصوفية والسياسة كانت بين الحلاج (٣٠٩هـ) وبين ثورة الزنج التي ابتدأت من عام ٢٥٥هـ وتم القضاء عليها في ٢٧٠هـ على الدولة العباسية، وقد تزعم هذه الحركة رجل يدعي النسب العلوي ولم يكن معروفا به قبل ذلك، بل كان له حسب أطواره أنساب عدة، انتهت بأنه علي بن محمد من نسل زيد بن علي، والمؤرخون المعاصرون يذكرون أن الحلاج كان مرتبطاً بهذه الحركة، ومنهم من يرى أنه مهندسها، ومن الطبيعي ألا نجد لديهم أدلة قوية على ذلك؛ فالعمل السري للحركات الباطنية قد حال كثيراً دون التعرف على أسباب متغيرات كثيرة في التاريخ الإسلامي إلا من خلال مقارنات يعقدها المؤرخون لتحليل كثير من الظواهر التاريخية التي لم يتمكن التأريخ الوصفي من رصد أسبابها؛ ومهما كان فكثير من المبادئ الدعائية التي قامت عليها حركة الزنج، هي مبادئ تتناسب مع الصوفية الغنوصية التي يدين بها الحلاج؛ فقد قامت على تقديس الفقر وذم الغنى وكره الأغنياء، لكن العلاقة الأكبر والأوضح كانت بين الحلاج والقرامطة؛ فبعد القبض على الحلاج وجد في بيته رموز وطلاسم ومراسلات وتم الإعلان عنه في بغداد على أنه قرمطي، وليست الغرابة في أن يكون الحلاج قرمطياً وصوفياً في الوقت نفسه؛ فالأصول الباطنية للحلاجية لا تختلف عن القرمطية، وقد تم قتل الحلاج بحكم قضاة من العدول، وليس المسيسين كما يشيع المستشرق ماسينيون في كتابه آلام الحلاج، ومن مسببات الحكم هو انتماؤه للقرامطة.

التصوف وتجنيد العامة

     وقد قال ابن النديم: إن الحلاج كان يظهر مذهب الباطنية للملوك والتصوف للعامة، أي أن التصوف كان وسيلة لتجنيد العامة والفقراء سياسياً من أجل الدعوة، وربط الدكتور كامل الشيبي بين دخول القرامطة مكة وأخذهم للحجر الأسود وبين قتل الحلاج بأنه تحقيق لمذهب الحلاج في الحج؛ حيث لا يرى الحج شرطا إلى مكة، والذي لا يمكن إلا الالتفات إليه باهتمام هو أن حركة القرامطة بأسرها اعتمدت التصوف والفقر في جذب العامة إليها.

     بل إن أبا عبدالله الحسين بن عبد الله بن زكريا (تـ٢٩٨) كانت بداية دعوته إلى التصوف والزهد حتى اجتمع حوله الناس، ولما سأل عنه إبراهيم بن الأغلب سلطان المغرب الأوسط من قبل العباسيين، جاءه الجواب من واليه بأنه رجل يلبس الخشن، ويدعو إلى عبادة الله فلا ضرر منه، فتركه ابن الأغلب حتى ظهر فيما بعد وقاتل الأغالبة ليؤسس دولة العبيديين.

     ويذكر بعض المؤرخين المعاصرين: أن الدولة الطولونية في مصر شجعت التصوف، والحقيقة أنني رجعت إلى مراجع هذا الباحث فلم أجد ما يؤكد ما ذكره!! سوى أن بعض رموز التصوف عاشوا في مصر إبان الدولة الطولونية، وهذا وحده لا يكفي دليلاً.

الفاطميون والمتصوفة

     وبالرغم من الاختلاف الكبير بين الفاطميين والمتصوفة من حيث انتساب الأخيرين -ولو ظاهراً- إلى السنة إلا أن الخلفاء الفاطميين لم يحاربوا المتصوفة؛ حيث لم يجدوا ما يصطدمون به في الفكر الباطني الذي يجمع بينهم وبين الدولة؛ لذلك أحيا المعز لدين الله الفاطمي بعض الطقوس الصوفية في مصر، وتم فتح مصر لتدفق الصوفية من كل مكان، ولم تكن هناك معارضة لطقوسهم، بل ربما شاركهم فيها الأمراء الفاطميّون؛ وذلك لأمرين: أحدهما قرب التصوف من الفكر الباطني الذي يحمله الفاطميّون، والثاني قدرة الحركات الصوفية على اجتذاب الناس وتسكينهم لسلطة الفاطميين، وفي الغالب لم يعلن الصوفية موقفا معارضاً للفاطميين إلا ما كان من أبي بكر الطرطوشي -رحمه الله- وهو وإن كان المتصوفة يدرجونه في تراجمهم إلا أنه عالم من أهل السنة، اشتهر بقمع البدع ومناصحة الأمراء، وقد ساعده أنه عاش في فترة الأفضل بن أمير الجيوش، وهو وزير سنِّي تولى الوزارة بالقوة، وقتله الفاطميّون غيلة سنة (٥١٥) على يد المأمون البطائحي، وهو باطني رباه الأفضل، لكن تم أيضا قتل الأفضل بالطريقة نفسها سنة٥١٩هـ،

     وقد استطاعت الدولة الفاطمية عن طريق تشجيع المتصوفة نشر المذهب الباطني في مصر، الذي لا تزال بعض طقوسه حاضرة في التقاليد والعادات المصرية، وقد سقطت الدولة الفاطمية على يد صلاح الدين الأيوبي سنة ٥٦٧هـ وبرز فيها الكثير من أعلام التصوف من أمثال: ابن الترجمان العزي (٤٤٨هـ)، وأبو القاسم الصامت.

صلاح الدين الأيوبي

     ويذكر المؤرخون أن صلاح الدين الأيوبي تولى دعم أصحاب الطرق أيضا، وأنشأ دويرة الصوفية التي عرفت بخانقاه سعيد السعداء، وأنفق الأموال الكثيرة على المخصصات اليومية للطعام والكساء للصوفية وأنشأ، الخانقاءات وأرسل مشايخ المتصوفة إلى قرى مصر.

     وبالرغم من تدين صلاح الدين وطلبه للعلم وتقريبه للعلماء إلا أن المتتبع لسيرته لا يجد أنه كان متصوفاً بالكيفية المعروفة عند أهل التصوف؛ مما يؤكد ما ذهب إليه بعض الباحثين من أنه أراد محاربة الفرق بالطنية التي دخلت على المصريين عن طريق التصوف بالتصوف نفسه؛ لذلك نجده استقدم متصوفة الشرق المنتسبين إلى السنة، وشجع متصوفة الباطنية كعبدالرحمن القنائي على الانتقال للتصوف الذي كان يراه -رحمه الله- سنياً.

والحقيقة: أن هذه الطريقة، وإن كانت حافظت على الانتماء السني لمصر إلا أنها أبقت البدعة والخرافة في مصر قرونا طويلة.

الدولة السلجوقية ورعاية التصوف

     وفي المشرق الإسلامي حيث كانت الدولة السلجوقية (السلاجقة العظام) لها الكلمة والسيادة منذ ٤٢٩هـ حتى ٥٥٢هـ، نشطت الدولة في رعاية التصوف ونشره بشكل كبير جداً، وقد عزا ذلك الباحث عمر التل في كتابه التصوف في بغداد في القرن السادس الهجري إلى رغبة السلاجقة في تهيئة الأجواء أمام تقدمهم لضم البلاد العربية ابتداء من بغداد، وعززوا التصوف والمذهب الأشعري عن طريق المدارس النظامية التي اقتصرت الوظائف فيها على الأشاعرة والمتصوفة كأبي حامد الغزالي وابن القشيري.

     ومن نتائج امتزاج التصوف بالفكر الأشعري زمان الدولة السلجوقية، أنْ أُصيب الناس بِداءِ التّواكل وضعف عقيدة البراء من الكافرين والاستسلام التام للطغيان، حتى إذا أقبلت الجحافل الصليبية عام ٤٩٢ لم تجد من يقف أمامها، فقد انشغل أمراء السلاجقة ببعضهم، وكان الترك هم عامة جنودهم، أما أهل الشام والعلماء فقد قعدت بهم العقيدة الجبرية والتصوف عن مواجهة الصليبيين، وكانت النتيجة اجتياح الشام واحتلال بيت المقدس وتهديد مصر والحرمين في بضعة أشهر.

      والحقيقة أن الدول الأعجمية التي حكمت بلاد العرب كلها حرصت على نشر التصوف في بلاد العرب بطريقة كبيرة، واستبعدت العرب من الجيش والمناصب غالباً؛ وذلك -والله أعلم- حذراً من نصرة العرب للدولة العباسية الشرعية، أو أي ثابر عربي، وبالفعل، فقد ضعف الوجود العربي في مناصب الجيش والدولة في جميع الدول التي حكمت بلاد العراق ومصر والشام وحتى نهاية العهد العثماني.

     ولما تولى صلاح الدين الأيوبي حكم مصر، كان يدرك تماما أن الهزيمة العسكرية والسياسية للفاطميين لا تكفي؛ فالدولة الفاطمية كان لها سياستها وتدبيرها الخاصين؛ ولذا أضحى من الضروري أن يبحث عن سياسة بديلة؛ ولهذا قرب منه المتصوفة السنة، ثم استورد صوفية من الشرق وأنشأ لهم خانقاه سعيد السعداء، وأرسل من لدنه صوفية إلى الصعيد ومنهم عبد الرحيم القنائي (تـ٥٩٢) الذي كان متصوفا موالياً للدولة الفاطمية، وانقلب على أتباعه، وانضم في سلطان الأيوبيين.

كما استقدم الفقيه الصوفي محمد بن موفق الخبوشاني(تـ٥٨٧)، وتركه يبني ضريحاً بدعياً مخالفاً للسنة للإمام الشافعي، ويقيم عنده، ويجمع تلاميذه، ويلقي دروسه بجواره.

     بل تركه ينقل رفات أحد العلماء الحنابلة من قبره ليدفنه بعيداً عن الشافعي، وقال: لا يجتمع قبر صديق وزنديق، ويعني بالزنديق العالم المحدث: محمد بن إبراهيم الكيزاني (تـ٥٦٢). وللحديث بقية إن شاء الله.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك