رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الفرقان 13 أبريل، 2017 0 تعليق

مركز ابن خلدون للدراسات الحلقة (1) – القطاع الثالث ودوره في تحقيق التنمية المستدامة

 نهض القطاع الثالث في تاريخنا الإسلامي، وضمن من خلال تنوعه وحجمه وضوابطه لحضارتنا الإسلامية في الازدهار عمراً لم تماثلها فيه حضارة من الحضارات، وكان سياجاً في حماية الأصول المالية، وضماناً لاستمرار عطائها لأجيال عديدة، وقد ترك القطاع بمؤسساته ومخرجاته بصمات لا تُمحى في صفحات التاريخ الإسلامي؛ لذلك نعرض في حلقات للإصدار الأخير لمركز ابن خلدون للدراسات الإستراتيجية الذي جاء بعنوان: (القطاع الثالث ودوره في تحقيق التنمية المستدامة)، الذي تولى كتابة مباحثه ثلة من المختصين والباحثين في مجال العمل المجتمعي من خيري ووقفي وتنموي، واليوم مع الحلقة الأولى بحث الدكتور محمد السلومي بعنوان: (القطاع الثالث مقوماته ودوره الحضاري).

القطاع الثالث مجموعة من المنظمات التي تنبع من مبادرات المواطنين، وتحتل موقعاً ثالثاً بين مشروعات القطاع الخاص والمؤسسات الحكومية؛ حيث لا تستهدف هذه المنظمات تحقيق الربح، بل تسعى في المقام الأول إلى تحقيق النفع العام، ويقتصر دور الحكومات تجاهها على ما تصدره من تشريعات تنظم عمل هذه المنظمات فضلاً عن متابعة تنفيذها بوصفها مراقباً؛ فالجمعيات والمنظمات والمؤسسات التطوعية والخاصة والخيرية وغير الربحية ومؤسسات المجتمع المدني كلها تعد أسماء ومجالات أو عناصر لهذا القطاع.

     على الصعيد العالمي يشمل القطاع الثالث كل أنواع المؤسسات والمنظمات أو الجمعيات المانحة والممنوحة وأنواعها، والمعنية بتحقيق أهداف دولها في الداخل والخارج، كما أن هذا القطاع يشمل الجمعيات التعاونية وجمعيات النفع العام والنقابات والمؤسسات والشركات غير الربحية، وهو يشمل أيضاً المنظمات والجمعيات المعنية بالحقوق الإنسانية والسياسية، وما يسمى مراكز التفكير (Think Tanks)، ومراكز الرقابة والبحوث والدراسات والاستشارات غير الربحية وجمعياتها، وكل أنواع مؤسسات المجتمع المدني.

وللقطاع الثالث تسميات متنوعة أخرى عالمية تعكس موقعه الإداري والاعتباري، ومن ذلك:

المنظمات غير الحكومية (NGOS - Non government Organizations).

القطاع المستقل (IS- Independent sector).

القطاع الخيري: (Charity Sector).

القطاع الخيري المانح (Philan Thtoby Sector).

القطاع التطوعي: (Voluntary Sector).

كل تلك الأسماء وغيرها تعكس مدلولات مهمة لهذه الأنواع من النشاط التنموي الذي أصبح جزءاً لا يتجزأ من إدارة أي دولة، وقد تكون تلك الأنواع أسماء مترادفة.

وتلك الأسماء أو الأنواع للقطاع الثالث لا تعني الحصر لها، فكل عمل مؤسسي مستقل عن القطاعين، ومكمل لأدوارهما يعدّ من عناصر القطاع الثالث.

جوانب في حقيقة القطاع الثالث

     إذا عدنا عبر التاريخ في الحضارة الإسلامية، إلى ما يماثل القطاع الثالث في الإدارة الحديثة، فإن القطاع الخيري في الإسلام يشكل معظم مخرجات القطاع الثالث، إن لم يزد عليه، فهذا القطاع في الإسلام كان مستوعباً لمعظم احتياجات الأمة في معظم حقب التاريخ؛ من حيث موارده المالية والبشرية الكبيرة والمستدامة، ومن حيث قوة خدماته وحجمها وقيمته النوعية والرقمية ايضاً، وكان أكبر اتساعاً من مؤسسات القطاع الحكومي أو القطاع التجاري الخاص، وقد يكون بحق القطاع الأول، ويكفي أنه ولد حضارة إسلامية بفضل تشريعاته المتعددة في مجالات التطوع، والتبرع، والوقف, والزكاة وأعمال الحسبة وغير ذلك، حتى كان هذا القطاع مصدراً للعلم والمعرفة والوقاية والعلاج، ولم تكن السلطة الإدارية الحكومية في غالب حقب التاريخ معنية بغير الأمن الداخلي والحماية الخارجية للدولة.

جزء من واقع الإدارة الحديثة

     ويعد القطاع الثالث جزءاً من واقع الإدارة الحديثة للدولة ولاسيما في دول ما يسمى (دول الشمال) التي تعمل بهذا المصطلح الإداري، وهي تسمية اعتمدتها منظمة الأمم المتحدة في تسمية كل المؤسسات غير الحكومية وغير الربحية، وبنظام أدق لكل المؤسسات المستقلة إدارياً عن القطاع الأول (الحكومي) وعن القطاع الثاني (الخاص التجاري)؛ لذا فالقطاع الثالث يعد قطاعاً أساسياً في تكامل الهيكل الإداري للدولة، يكمل عمليات التنمية الشاملة، وفي إسهام هذا القطاع بدوره في تقديم الخدمات قوة للدولة والحكومة معاً.

تحقيق التوازن بين القطاعين الحكومي والتجاري

     ويعمل القطاع الثالث على تحقيق التوازن بين القطاعين الحكومي والتجاري؛ بحيث يمنع تغول القطاع الحكومي وتمدده، كما يسد نقص خدماته، وفي الوقت نفسه يكبح جماح القطاع الخاص وجشعه وطمعه ويزكيه وينميه ويكسبه حسن السيرة والسلوك على المستوى المحلي والعالمي، بل إن هذا القطاع هو الكفيل بإنهاء الأزمات أو (الحروب) الساخنة أو الباردة بين القطاعين.

من عوامل الحفاظ على الهوية

     وهذا القطاع عامل من عوامل الحفاظ على هويات الأمم والدول واستقرارها السياسي، كما أنه مساهم كبير في تحقيق الأمن الفكري والسياسي والاجتماعي للدول العاملة به، بحكم ما يوفره من شراكة شعبية؛ فهو من أقوى وسائل الإصلاح السياسي لحكومات دول العالم؛ حيث يغرس الانتماء الوطني بل إنه بحكم استقلاليته عن الحكومة يمنح الحكومات والدول مساحة أوسع للمناورات السياسية الدولية، ليجنبها الضغوط السياسية، كما أنه يستوعب كل جوانب التطوع والأعمال الشعبية والخيرية والأهلية، وينظم قبول جميع الموارد المالية وصرفها من منح وتبرعات وأوقات وضرائب وغرامات باختلاف بين إجراءات الدول وتنظيماتها لتلك الموارد.

حل مشكلات البطالة

     ويستطيع هذا القطاع استيعاب كثير من حالات التوظيف ومشكلات البطالة واحتواء الموارد البشرية وتوظيفها بإبداعاتها واختراعاتها، وهو بهذا أو ذاك المنظم للأنشطة والبرامج الأهلية والشعبية والخيرية، سواء أكانت ثقافية أم دينية أم اجتماعية أم مهنية أم رياضية أم فنية أم ترفيهية، كما إن الدول تحتاج إلى هذا القطاع -بحكم شعبيته- في مدد الأزمات السياسية أو العسكرية، فهو يعالج بطريقة فاعلة آثار سقوط الحكومات وضعفها؛ حيث يسد النقص والحاجة في الأزمات والكوارث التي قد تعصف بمكتسبات القطاعين.

يقوي نفوذ الدولة

     وهو قطاع يقوي نفوذ الدولة -أي دولة- في الخارج، ليحافظ بذلك على حق السيادة والقوة في الخارج والداخل، كما هو سلوك الدول القوية والدول الاستعمارية، وكذلك فهو يعزز الفكرة الرئيسية التي قامت عليها الدولة -أي دولة-.والقطاع الثالث يعمل في الغالب على توفير الموارد الاقتصادية فهو قطاع خدمي تنموي يعمل على إيجاد البنى الأساسية للدولة، وهو قطاع غير ربحي لا يدخل في الاستثمارات العالمية، فدورات اقتصاده واستثماراته محلية ووطنية، وهو لدى جميع الأمم والدول مرشح قوي لأخذ زمام المبادرات في التصدي للقضايا الإنسانية والحفاظ على ثرواتها المحلية والوطنية؛ لأنه القطاع الأقل فساداً والأكثر التزاماً بالمثل والقيم العليا بحكم دوافعه وطبيعة أهدافه، وهو قطاع يتصف بدرجات كبيرة من الشفافية التي تفوق معظم شفافية مؤسسات القطاع الحكومي والتجاري، كما أن هذا القطاع تتفاعل معه تفاعلا ايجابياً كل الأمم والشعوب في عمليات الوقف والتبرعات.

تحسين حياة الناس

     فهو -فعلياً- يعمل على تحسين حياة الناس، وتلبية حاجاتهم الأساسية، وايجاد فرص عمل بأجور مقبولة، ونشر روابط قوية بين الشعوب ذاتها، ويعد هذا القطاع الأسرع نمواً من القطاع الحكومي والقطاع التجاري، خاصة في الولايات المتحدة الأمريكية؛ حيث يشكل 10% من مجمل النشاط الاقتصادي على المستوى الوطني، ويمكن أن يكون أكثر من هذه النسبة إذا أدخلت الوظائف، فعلى سبيل المثال وصلت المؤسسات الوقفية المانحة في أمريكا 73.171 مؤسسة وقفية مانحة، وبلغت التبرعات النقدية لهذا القطاع 306.39 مليار دولار، ونحو مليون وستمائة ألف مؤسسة وجمعية خيرية، وأكثر من أحد عشر مليون موظف حسب إحصائية عام 2007م.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك