رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الدكتور محمد إبراهيم منصور 15 مارس، 2016 0 تعليق

مراعاة السنن

     من سمات المنهج الإصلاحي مراعاة السنن الربانية؛ فالسنة هي العادة في الأشياء المتماثلة، ومنه سميت أسنان المشط أسنانا؛ لأنها تسير على منوال واحد، ومعلوم أن الإصلاح مدار شرع الله -عز وجل- وهو قادر على أن يوجده بقوله كن فيكون، ولكنه جعل لذلك سننا لا بد أن تُراعى، {اسْتِكْبَارًا فِي الْأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ ۚ وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ ۚ فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ ۚ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا ۖ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا}(فاطر: 43).

     ومن هذه السنن سنة العاقبة، {فالعاقبة للمتقين}، وقال الله -عز وجل- على لسان موسى: {قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا ۖ إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ ۖ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ}(الأعراف: 128)، وقوله: {وَكانَ حَقّا عَلَيْنا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ}، وقوله: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا ۚ يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا ۚ وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ}(النور: 55).

     ولكن لا بد من وجود سنن قبل بلوغ هذه السنة ليتعامل معها حملة المنهج الإصلاحي، منها سنة الابتلاء والاختبار، قال تعالى: {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ۚ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ}(الملك: 2)، فما من إنسان إلا وهو واقع في ابتلاء واختبار، والموفق هو الذي يكون في صف المؤمنين، يحصل على الأجر في السراء والضراء، «عَجَبًا لأمرِ المؤمنِ إِنَّ أمْرَه كُلَّهُ لهُ خَيرٌ وليسَ ذلكَ لأحَدٍ إلا للمُؤْمنِ إِنْ أصَابتهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فكانتْ خَيرًا لهُ وإنْ أصَابتهُ ضَرَّاءُ صَبرَ فكانتْ خَيرًا لهُ».

     هذا وليعلم حملة هذا المنهج الإصلاحي أنهم سيتعرضون لاختبارات، وأن هذه هي سنة الطريق، قال تعالى: {الم (1) أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ۖ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ}(العنكبوت: 1-3)، فعليهم أن يتحلوا بالصبر والثبات والعمل على استمرار مسيرتهم الإصلاحية تحت كل الظروف؛ ليجتازوا العقبات التي ترفعهم الدرجات، وتفسح الطريق الإصلاحي أمامهم وأمام الأجيال القادمة.

     منها أيضا سنة التدافع بين الخير والشر، والصلاح والفساد، قال تعالى: {الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِم بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ ۗ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا ۗ وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ}(الحج: 40)، فالخير والشر يتدافعان منذ خلق الله الإنس والجن، والتدافع يكون على مستويات عدة باعتبار قوة أهل الإصلاح وضعفهم، منها الإعذار، قال تعالى: {وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِّنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا ۙ اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا ۖ قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَىٰ رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ}(الأعراف: 164)، ثم مستوى التأثير بإحداث قناعات عند الآخرين فتزداد شيئا فشيئا حتى تصبح هذه القناعات واقعا؛ فيكثر الخير ويقل الشر، وهذا مستوى التغيير.

     ومنها سنة: (العلاقة بين المصائب والمعاصي)، يقول تعالى: {وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ}(الشورى: 30)، وحين حلّت الهزيمة بالمسلمين في أحد، قال بعض الصحابة -رضوان الله عليهم-: كيف نُهزَم ونحن جند الله؟! فجاء الجواب القرآني: {قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنفُسِكُمْ}.

فمن المهام الكبرى لأهل الإصلاح أنهم يحرصون في أنفسهم على فعل الطاعات واجتناب المعاصي، والعمل على تحقيق ذلك في المجتمع قدر طاقتهم.

ومنها أيضا، (سنة الغيير) يقول تعالى: {إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم }(الرعد: 11). فواجب على أصحاب المنهج الإسلامي العمل على تعظيم الخير والصلاح، وتقليل الشر والفساد، حتى يَمنَّ الله عليهم بتغيير حالهم إلى أحسن حال.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك