رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: د. عبدالرزاق بن عبدالمحسن العباد البدر 27 سبتمبر، 2016 0 تعليق

مختصر كتاب: دروس عقدية مستفادة من الحج- لبيك .. شعار نبذ الشرك وإخلاص العبودية لله

هذه جملة من الدروس المنتقاة والفوائد المختارة، التي یفیدها المسلمون من حجِّهم لبیت الله الحرام، والحج -كما تقدّم- مليء بالدروس العظیمة والعِبر الرائعة والفوائد المؤثِّرة، إلاَّ أنَّ الناس في تحصیلها واكتسابها متفاوتون بحسب ما تعي قلوبُهم من ذلك، فهناك قلبٌ كبیرٌ یسع علماً عظیماً، كوادٍ كبیرٍ یسع ماءً كثیراً، وقلبٌ صغیرٌ، كوادٍ صغیرٍ یسع علماً قلیلاً، وقلبٌ لاهٍ، غافل غمرته الغفلةُ، فلم یجد العلمُ مكاناً فیه، والتوفیق بید الله وحده، فنسأله أن یمنَّ علیناجمیعاً بالعلم النافع والعمل الصالح، وأن یعمرَ قلوبَنا بطاعته، إنَّه سبحانه سمیع الدعاء، وهو أهل الرجاء، وهو حسبنا ونِعم الوكیل.

هذا وقد قدم فضيلة الشيخ صالح بن فوزان الفوزان لهذه الدراسة بقوله:

     «فقد اطَّلعتُ على نُبذة مختصرةٍ بعنوان: (دروس عقيدية مستفادة من الحج) بقلم الدكتور الشیخ: عبد الرزاق بن عبد المحسن البدر، فألفیتُها نبذة مفیدة، تشتمل على دروس قیِّمة في العقیدة تُستفاد من مناسك الحج».

الأول: بيان أن الحج مدرسة عظيمة

     لا ریب أن الحج من أفضل الطاعات وأجلِّ القُرُبات، فقد قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بني الإسلام على خمس»، وذكر منها: «وحج البيت».

     كما: «وأن الحج يهدم ما كان قبله»، وأيضا: «من حج ولم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه». وأيضاً: «العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة».

     إن الواجب على كل مسلم قدم لأداء هذه الطاعة العظيمة أن يجتهد تمام الاجتهاد في معرفة هدي النبي صلى الله عليه وسلم في الحج وكيفية أدائه لمناسكه»

     وصِلةُ المسلم ببیت الله الحرام مستمرةٌ في كلِّ یومٍ ولیلةٍ یستقبله مع القدرة في كلِّ صلاة یصلیها فریضة كانت أو نافلة كما یستقبله في الدعاء.

فالمسلم متى استطاع الحج بادر إلیه أداءً لهذه الفریضةِ ورغبةً في مشاهدة البیت الذي یستقبله في جمیع صلواته.

     إنَّ الحج فرصةٌ عظیمةٌ للتزوُّد فیه من زاد الآخرة بالتوبة إلى الله والإنابة إلیه والإقبال على طاعته والسعي في مرضاته.

الثاني: في بيان جملة من منافع الحج

     فالحج مليءٌ بالمنافع العظیمة الدینیة والدنیویة، واللاّم في قوله تعالى: {ليشهدوا منافع لهم}، هي لام التعلیل وهي متعلِّقة بقوله تعالى: {وأذِّن في الناس بالحج يأتوك رجالاً وعلى كلِّ ضامر} الآیة، أي: إن تؤذِّن فیهم بالحج یأتوك مشاة وركباناً لأجل أن یشهدوا أي یحضروا منافع لهم والمراد بحضورهم المنافع حصولها لهم.

     وقوله -تعالى- في الآیة {منافع} هو جمعُ منفعةٍ، ونكَّر المنافعَ؛ لأنَه أراد منافع مختصةً بهذه العبادة دینیّةً ودنیویةً لا توجد في غیرها من العبادات مجتمعة.

فالمنافع التي یُحصِّلها الحجیج ویَجنونها في حجهم لبیت الله الحرام عدیدة ومتنوِّعة:

- منافعُ دینیةٌ من العبادات الفاضلة والطاعات الجلیلة التي لا تكون إلا فیه.

     ومنافعُ دنیویةٌ من التكسب وحصول الأرباح الدنیویة، كما قال -تعالى- في سیاق آیات الحج من سورة البقرة: {ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا  من ربكم}(البقرة: 198.

     وأيُّ خیر أعظم وأيُّ ربح أجلُّ من أن یخرج الحاج من حجه كیوم ولدته أمّه بلا إثم ولا خطیئة، ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم : «من حج هذا البیت ولم یرفث ولم یفسق خرج من ذنوبه كیوم ولدته أمّه»، وقوله صلى الله عليه وسلم: «الحج المبرور لیس له جزاءإلاَّ الجنة»، وقوله صلى الله عليه وسلم : «تابعوا بین الحج والعمرة فإنهما ینفیان الفقر والذنوب كما ینفي الكیرُ خبث الحدید».

     فهذه النصوصُ تدلُّ على أنَّ من حج فقضاه بحدوده على ما أمره الله فهو خارج من ذنوبه كما قال جلّ وعلا: {فلا إثم عليه لمن اتقّى}.

     بل إنَّ الربَّ -سبحانه- من عظیم كرمه وجمیل إحسانه بعباده الحجیج یباهي ملائكته بحجاج بیته الحرام عندما یقفون جمیعُهم على صعید عرفة ویقول: «انظروا إلى عبادي أتوني شُعثاً غُبراً ضاحین من كلِّ فجٍّ عمیق أشهدكم أني قد غفرتُ لهم».

الثالث: الدلالات العقيدية

 في الإهلال بالتوحيد

     إنَّ من أجلِّ الدروس العظیمة التي یفیدها المسلم في حجّه لبیت الله الحرام وجوبَ إخلاص العبادات كلِّها لله وحده لا شریك له؛ فالمسلم یبدأ حجَّه أولَّ ما یبدأ بإعلان التوحید ونبذ الشرك، قائلاً: «لبیك اللّهمَّ لبّیك، لبیك لا شریك لك لبّیك، إنَّ الحمد والنعمة لك والملك،لا شریك لك»، یقولها ویرفع بها صوته، وهو في الوقت نفسه مستشعر ما دلت علیه من وجوب إفراد الله وحده بالعبادة والبعدِ عن الشرك، فكما أنَّ اللهَ متفرّد بالنِّعمة والعطاء لا شریك له، فهو متفرِّدٌ بالتوحید لا نِدَّ له، فلا یُدعى إلاَّ الله، ولا یُتوكّل إلاَّ على الله، ولا یُستغاث إلاَّ به، ولا یُصرف أيُّ نوع من أنواع العبادة إلاَّ له، وكما أنَّ العبد مُطالَبٌ بقصد الله وحده في الحج، فهو مُطالَبٌ بقصده وحده في كلِّ عبادة یأتیها وكلّ طاعة یتقرّب بها، فمن صرف شیئاً من العبادة لغیر الله أشرك بالله العظیم، وخسر الخسران المبین، وحبط عمله، ولم یقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً.

     إنَّ النِّعمةَ على أمَّة الإسلام عظیمةٌ بهدایتهم إلى توحید الله في ربوبیته وألوهیته وأسمائه وصفاته، والنعمةُ علیهم عظیمة بتوفیقهم إلى الإهلال بتوحید الله بعد أن كان غیرُهم بالشرك والتندید، فله الحمدُ سبحانه على توفیقه وإنعامه وهدایته حمداً كثیراً طیّباً مباركاً فیه كما یحب ربُّنا الكریمُ ویرضى.

الرابع: دلالة التلبية

على التحذير من الشرك

     لهذا فإنَّ الواجب على كلِّ من أهلَّ بهذه الكلمات العظیمة أن یستحضر ما دلّت علیه من معنى، وأن یعرفَ ما تضمّنته من دلالة؛ لیكون صادقاً في إهلاله، موافقاً كلامُه حقیقةَ حاله؛ بحیث یكون مستمسكاً بالتوحید، محافظاً علیه، مراعیاً لحقوقه، مجانباً تمام المجانبة لنواقضه وما یضادّه من الشرك والتندید؛ فلا یسألُ إلاَّ الله، ولا یستغیث إلاَّ بالله، ولا یتوكّل إلاَّ على الله، ولا یطلب المددَ والعونَ والنصرَ إلاَّ من الله.

     والمسلم عندما یقول في تلبیته: «لا شریك لك»، یجب أن یكون عالماً بحقیقة الشرك، مُدرِكاً لخطره، حذِراً تمام الحذر من الوقوع فیه، أو في شيء من أسبابه ووسائله؛ إذ هو أعظم ذنب عُصِيَ اللهُ به.

الخامس: في بيان جملة من الفوائد المستفادة من التلبية

     وقد نبّه أهل العلم على عِظم شأن هذه الكلمات وعِظم ما اشتملت علیه من منافعَ وفوائد، وقد تناول هذا الجانب بوفاء وزیادة في البسط والبیان الإمامُ العلاّمة ابن القیّم في كتابه تهذیب السنن. قال -رحمه الله-: «وقد اشتملت كلمات التلبیّة على قواعدَ عظیمةٍ وفوائد جلیلة...»، ثمّ ذكر -رحمه الله- إحدى وعشرین فائدة.

فمن هذه الفوائد أنَّ قولك: «لبّیك» یتضمّن إجابة داعٍ دعاك، ومنادٍ ناداك، ففي هذا إثبات صفة الكلام لله.

     ومنها: أنَّها تتضمّن المحبة، ولا یُقال لبّیك إلاَّ لمن تحبّه وتعظِّمه، ومنها: أنَّ التلبیة تتضمّن التزام دوام العبودیة، ومنها: أنَّها تتضمّن الخضوع والذلّ، ومنها: أنَّها تتضمّن الإخلاص، ومنها: أنَّها تتضمّن الإقرار بسمع الرب -تعالى-، ومنها: أنَّها تتضمّن التقرّب من الله، ومن هذه الفوائد: أنَّها جُعلت في الإحرام شعاراً لانتقال من حال إلى حال، ومن فوائدها: أنَّها شعارُ التوحید، ومنها: أنَّها متضمّنة لمفتاح الجنة وباب الإسلام الذي یُدخل منه إلیه، وهو كلمة الإخلاص والشهادة لله بأنه لا شریك له.

     ومنها: أنَّها مشتملة على الحمد لله، ومنها: أنَّها مشتملة على الاعتراف لله بالنعمة كلّها، ومنها: أنَّها مشتملة على الاعتراف بأنَّ الملك كلّه لله وحده، فلا ملك على الحقیقة لغیره. ومن هذه الفوائد أنَّ التلبیة متضمّنة للإخبار؛ وهذا عن اجتماع الملك والنعمة والحمد لله -عز وجل.

     ومن الفوائد أن النبي صلى الله عليه وسلم: قال: «أفضل ما قلت أنا والنبیّون من قبلي: لا إله إلاَّ الله وحده لا شریك له، له الملك وله الحمد، وهو على كلِّ شيء قدیر»، ومن الفوائد أیضاً أنَّ كلمات التلبیة متضمّنة للردِّ على كلِّ مبطل في صفات الله وتوحیده،

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك