مختصر تقريرات أئمة الدعوة في مخالفة مذهب الخوارج وإبطاله- للدكتور محمد هشام طاهري
أصل هذا الكتاب رسالة جامعية للمؤلف، ناقشه فيها كل من سماحة الشيخ عبدالعزيز آل الشيخ -مفتي عام المملكة العربية السعودية- والشيخ أ.د سعود بن عبدالعزيز الخلف، والشيخ أ.د أحمد بن عطية الغامدي. حرصت جمعية إحياء التراث الإسلامي على طباعة هذا الكتاب المرجع الذي تجاوزت صفحاته (540) صفحة بنسخة فاخرة؛ لما له من أهمية كبيرة فيما جمعه من أراء لعلماء الأمة حول بطلان مذهب الخوارج وانحرافه. يقول المؤلف في مقدمته: إن من أوائل الفرق: الخوارج؛ فهي أول الفرق خروجاً، وأكثرها على الأمة شروراً، وكان كلما ظهر منهم قرن قطع، وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنهم لا يزالون حتى يظهر في عراضهم الدجال.
وهذه الفرقة الضالة قد تظهر من خلال مذاهب متعددة، ولكن الجامع لها كونها تكفر المسلمين، وتستحل دماءهم.
وإن أئمة الدعوة على أصول أهل السنة والجماعة أهل الحق والأثر، وأهل الفقه والنظر، يظهر للمنصف أنهم مخالفون للخوارج من كل جهة، وهم دعاة إلى الكتاب والسنة على وفق منهج سلف الأمة.
تعريف أئمة الدعوة للخوارج
وقد جعل المؤلف كتابه فصولاً ومباحث، فتحدث في الفصل الأول عن تعريف أئمة الدعوة بالخوارج، ووصفهم لهم بالغلو وعدم الالتفات إلى السنة والاكتفاء -بزعمهم- بالقرآن، كذلك اتهامهم للعلماء بالمداهنة وعدم مبالاتهم لفهم الصحابة والتابعين والعلماء المتبعين لآثار السلف الصالحين.
صفات الخوارج
كذلك تحدث المؤلف حول مروقهم عن دين الجماعة، وتكفيرهم للمسلمين بما ليس بمكفر شرعاً، كذلك الخوض والشغب، والكلام في الفتنة من غير علم ولا حلم، واللجاجة في الباطل؛ ومما يؤكد على ذلك ذكر علي] لصفاتهم، وهي: اتباع الهوى، وهو ما فهموه بأنفسهم من الآيات دون تروٍّ ورجوع إلى أهل العلم، وكونهم أصبحوا في الخطب العظيم، وهو كناية عن الخوض في الفتنة وعدم الرجوع إلى أهل العلم الراسخين.
كذلك من صفاتهم السفاهة والطيش والخفة والعجلة في الأمر، وهذا جاء صريحاً، فأصبحوا يعرفون به، فوسموا بأنهم سفهاء أحلام وحدثاء أسنان.
منازعة ولي الأمر
ومن أوصافهم كذلك منازعتهم ولاة الأمر الحكم، وتكفير الحكام بما ليس بمكفر، والقدح في الولاة بما ليس بقادح، فإن الخوارج يكفرون بالحكم بغير ما أنزل الله مطلقاً، بل وما هو حُكّم بما أنزل الله يجعلونه حكماً بغير ما أنزله الله إذا أرادوا الخروج، فيقولون: لا حكم إلا الله.
يقتلون أهل الإسلام
ومن أوصافهم كما ذكر الشيخ المؤلف أنه يقتلون أهل الإسلام، ويدعون أهل الأوثان، وهو منصوص عليه في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه مرفوعاً: «يمرقون من الدين مروق السهم من الرمية، يقتلون أهل الإسلام، ويدعون أهل الأوثان..»؛ كذلك؛ فإن مما عرفوا به تعبدهم بما لم يشرع التعبد به في الشرع في بعض الأمور.
ومن أوصافهم كما ذكر المؤلف بأنهم شر الخلق والخليقة، وأنهم كلاب النار، وأنهم لا يزالون يخرجون حتى يخرج في عراضهم الدجال.
أصناف الخوارج
بعد ذلك تحدث المؤلف حول أصناف الخوارج وفرقهم وأسباب ظهورهم، وبيان تحذير أئمة الدعوة منهم، واستدلالهم بأقوال العلماء في التحذير منهم، كذلك بيانهم لمفاسد الخروج.
مصادرهم في التلقي
أما الفصل الثاني، فقد أوضح فيه المؤلف طريقة الخوارج في الاستدلال ومصادر التلقي عندهم، وتحريفاتهم للنصوص، وأيضاً زعم بعض الخوارج تحريف القرآن الكريم، وإنكارهم للسنة واتباعهم للمتشابه من القرآن والسنة وتسفيههم للعلماء ورميهم بالمداهنة وتقريرات أئمة الدعوة في الرد على جميع ذلك.
مقالاتهم في التكفير
وفي الفصل الثالث مقالات الخوارج في التكفير وتقريرات أئمة الدعوة في إبطالها من خلال سبعة عشر مبحثاً مثل: حقيقة الإيمان عند الخوارج، وقولهم في زيادة الإيمان ونقصانه، وموقفهم من الاستثناء في الإبطال، وتعريفهم للتكفير، وتقريرات أئمة الدعوة في الرد على جميع ما سبق وبيان التعريف الصحيح للتكفير.
الفرق بين الشرك والكفر
وجاء فيه أيضاً تقريرات لأئمة الدعوة في الفرق بين الشرك والكفر والنفاق والفسق والظلم الأكبر والأصغر، كذلك بيان عدم تفريق الخوارج بين التكفير بالأوصاف والتكفير بالعموم والخصوص، وقولهم في موانع التكفير، وموقفهم من إقامة الحجة ليأتي بعدها تقريرات أئمة الدعوة في الرد على شبههم.
كما أوضح المؤلف فيه بأن تكفير المسلم بغير دليل معتبر ولا مستند شرعي أمر عظيم، وشناعته فظيعة وعقوبته وخيمة في الدنيا والآخرة؛ لأنه يترتب على ذلك استحلال الدم والمال ومنع التوارث وفسخ النكاح وغيرها؛ مما يترتب على الردة، وإذا كان هذا التكفير في ولاة الأمور فإنه أشد؛ لما يترتب عليه من التمرد عليهم، وحمل السلاح ضدهم، وإشاعة الفوضى وسفك الدماء وفساد العباد والبلاد.
وما نجم عن هذا الاعتقاد الخطأ من استباحة الدماء وانتهاك الأعراض وسلب الأموال وتفجير المساكن والمركبات وتخريب المنشآت المحرمة شرعاً بإجماع المسلمين؛ لما في ذلك من هتك لحرمة الأنفس المعصومة وهتك لحرمة الأموال والأمن والاستقرار وحياة الناس الآمنين المطمئنين.
كما ترتب على هذا التكفير تفرقة المجتمعات الإسلامية وتحزيب الناس وتباغضهم، وظهور الفتن بينهم، وحمل السلاح بعضهم على بعض.
استحلالهم الدماء
بعد ذلك تطرق المؤلف إلى استحلال الخوارج دماء المسلمين المخالفين لهم وأعراضهم وأموالهم، ذاكراً بعض الوقائع المعروفة والمشهورة قديماً وحديثاً، التي تثبت ذلك، وقد قرر أئمة الدعوة أن دماء المسلمين مصونة محفوظة، ولا تحل إلا بما جاء في الشرع، وكذلك أعراضهم وأموالهم كما دل على ذلك النصوص الشرعية.
تكفيرهم لولاة الأمر
وفي الفصل الرابع من الكتاب تطرق المؤلف فيه إلى تكفير الخوارج لولاة الأمر بالفسق، فهم ما إن يروا من ولاة الأمر ما هو -بنظرهم- فسق إلا ويكفرونه، ويطلبون منه التوبة من الكفر، وإن لم يتب فإنهم يخرجونه من الإسلام بكبيرته ويسعون في قتله وتغييره!
وأما أهل السنة والجماعة، فلقد استقر مذهبهم على منع الخروج على ولاة الأمور، وهذا ما دلت عليه النصوص، ولو كان الولاة فسقة وظلمة، إلا أن يكفروا كفراً بواحاً لا يختلف فيه الناس، ثم إن كفر وحكم الأئمة والعلماء الراسخون بكفره، فإن الخروج عليه يكون مرتبطاً بألا يترتب عليه مفسدة أعظم، فتكفير الولاة بالفسق أمر مخالف للنصوص، وأن الواجب السمع والطاعة بالمعروف وعدم نزع يد الطاعة، والواجب النصح لهم إن وقع منهم ما يخالف الشرع.
وتطرق المؤلف إلى قضية استحلال الخوارج دماء أهل الذمة والعهد، موضحاً بأن بعض المتأثرين بفكر الخوارج في هذا العصر يقتل أهل الذمة، بل والمسلمين بحجة التترس المزعوم، وقد قرر أئمة الدعوة تبعاً لمقتضى النصوص الشرعية متبعين أهل السنة النبوية في تحريم دماء أهل الذمة والعهد والمستأمنين، ثم ذكر بعض الرسائل والفتاوى لأئمة الدعوة في بيان الحذر من خيانة عهد الإمام، وقتل المستأمنين والمعاهدين والذميين خلافاً للخوارج القدماء منهم والمعاصرين.
مفهوم الولاء والبراء عند الخوارج
وفي الفصل الخامس تم التطرق إلى مفهوم الولاء والبراء عند الخوارج، وأن ولاءهم منصب على متابعيهم وعلى من كان في معسكرهم، وشرطهم لا يوالون من دان بمذهبهم ما لم يهاجر إليهم ولم ينضو تحت لوائهم، فبراءة الخوارج إنما يعني البراءة من أهل المعاصي وممن خالفهم ومن الحكام الذين لا يوافقونهم والحكام الظلمة.
وقد قرر أئمة الدعوة أن البراء المطلق إنما يكون من الكافر، وأما المسلم مهما بلغ من الذنوب فإنه لا يُتبرأ منه مطلقاً، وإنما يُوالى على قدر ما معه من الإيمان، ويُنصح مرارا وتكرارا على قدر ما معه من العصيان.
وأن الولاء والبراء متعلقان بالشرع، فيجب محبة كل ما في الشرع، والعمل على قدر الوسع والطاقة بالشرع، والتبرؤ من كل ما يخالفه، ومتعلق بالأشخاص بحسب قيامهم بالشرع، لا بحسب قربهم وبعدهم عن الخوارج ومذهبهم.
نزع يد الطاعة
وفي الفصل السادس ذكر المؤلف أن الخوارج يرون وجوب نزع يد الطاعة عن السلطان ووجوب الخروج على الظلمة منهم، والمخالفين لهم، وأنهم يرون الخروج بالسيف، في حين أن تقريرات أئمة الدعوة في أن الاحتساب على ولي الأمر إنما يكون بالتي هي أحسن، فإن قبل فذاك، وإلا فإن المحتسب قد أدى الذي عليه، وأنه يحرم تغيير المنكر عليه بالسيف، وأن ذلك من الخروج المنهي عنه في الشرع.
وأضاف المؤلف: من البديهي أن الخوارج لما جوزوا الاحتساب بالسيف والخروج على السلطان أجازوا اغتيال من يريدون اغتياله، ومن المشهور من مذهب الخوارج الغدر ببيعة الإمام والغدر بالعهود، ولا أدل على ذلك أن الذي خرجوا على علي بن أبي طالب رضي الله عنه كانوا قد بايعوه، ثم طلبوا منه الغدر بميثاق الصلح المبرم بينه وبين معاوية رضي الله عنه .
أما أئمة الدعوة -رحمهم الله- فقد قرروا تحريم الغدر بالعهود ووجوب الوفاء بالعقود، ومن أهم ذلك عقد البيعة للإمام، فإن السلطان إذا بويع له من قبل أهل الحل والعقد ومن يقاربه من المسلمين، لم يحل لسواهم مخالفته ممن هم تحت إمرته بحجة أنهم لم يبايعوه، كما يحرم اغتيال من خالفنا من المسلمين ما داموا على الإسلام، بل لا يجوز اغتيال الكفار ما لم يكونوا حربيين.
مسائل الاعتقاد
وفي الفصل السابع من الكتاب تطرق المؤلف لموقف الخوارج من بعض المسائل المتعلقة بالاعتقاد، ومن ذلك قولهم في أن التوحيد لا يعرف إلا بالخبر، وهذا القول مجانب للصواب ومخالف للسنة والكتاب، فالله -تعالى- يعرف بالخبر أي بالسنة والكتاب، ويعرف بدلالة الفطرة وبدلالة العقل وبدلالة الحس.
كذلك قولهم بالتمثيل في صفات الله -عز وجل- في حين أن معتقد أهل السنة والجماعة ينص على وجوب إثبات ما أثبته الله لنفسه، أو أثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم، ونفي ما نفاه الله -تعالى- عن نفسه، أو نفاه عنه رسوله[ من غير تمثيل ولا تعطيل ولا تكييف.
الحكم على الخوارج
وفي الفصل الثامن والأخير أورد المؤلف تقريرات أئمة الدعوة في الحكم على الخوارج، موضحاً بأن أهل السنة قوم عدول يزنون الناس والجماعات والفرق بميزان الشرع، ومما لا ريب فيه أن الخوارج من الفرق الضالة المنحرفة التي جانبت الفرقة الناجية، فهي خارجة عن سبيل المؤمنين، مخالفة لمنهج الصحابة المرضيين والأئمة المتبعين.
وإن المتطلع إلى أقوال أهل العلم المتقدمين من السلف والمتأخرين يرى اتفاقهم على أن الخوارج من أهل البدع الضالة، وهم يرون أن القول الراجح هو عدم تكفيرهم، وهو الذي عليه جمهور علماء الدعوة -رحمهم الله تعالى.
لاتوجد تعليقات