رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: القاهرة: د. أحمد عبدالحميد 4 يناير، 2016 0 تعليق

مخاطر كارثية تقلص حصتها في مياه النيل – هداسي جــاديب- أكبر مشكلة اقتصادية وبيئية ستواجه مصر في الأعوام القادمة

الحلم الإثيوبي في بناء السد ليس بالجديد فمنذ أواخر القرن الثامن عشر الميلادي يتردد الكلام حول نية إثيوبيا لبناء سد لتحقيق أكبر استفادة ممكنة من كون نهر النيل ينبع في إحدى أكبر منابعه في أراضيها

 حينما تجدد العمل بالمشروع في نهاية الستينات هدد السادات بالتدخل العسكري وتكوين فرق قوات خاصة قادرة على خوض حروب الأدغال

لم يعد الخيار العسكري مقبولاً على المستوى السياسي العالمي وهو الخيار الذي يؤدي إلى الحسم السريع للقضايا ولكنه يفتح جبهات أخرى عديدة لا طاقة لدولة نامية بها ولاسيما دولة كمصر

 

في تطور مفاجئ وقبل انطلاق جولة المفاوضات التي ضمت وزراء الخارجية والري الدول المطلة على نهر النيل في الخرطوم، أقدمت إثيوبيا على إعادة تحويل مجرى نهر النيل إلى الموقع الرئيس لسد النهضة( أو سد الألفية الكبير( هداسي جاديب باللغة الأمهرية)، تمهيدًا لبدء تخزين المياه للمرحلة الأولى، وإنتاج الكهرباء طبقاً لما هو مقرر له، وأكد مصدر مسؤول أن أديس أبابا أجرت احتفالا كبيرًا في موقع السد،  مشيرًا إلى أن مياه نهر النيل ستمر للمرة الأولى عبر بوابات سد النهضة، ومنها إلى الأنفاق، إلى التوربينات، لافتاً إلى أن ذلك يعني بأنه تم الانتهاء من جزء كبير من سد النهضة.

رسالة تحد

     وعَدَّ خبراء هذه الخطوة بمثابة رسالة تحد للحكومة المصرية، وأشار إلى ذلك خبير المياه وأستاذ الموارد المائية في (جامعة القاهرة)، نادر نور الدين؛ حيث قال: إن إعلان إثيوبيا تحويل مجرى نهر النيل باتجاه (سد النهضة)، بمثابة (رسالة تحدٍ لمصر)، وقال تعليقًا على القرار الإثيوبي، إن أديس أبابا ستبدأ بتخزين مياه النيل في السد؛ ما سيؤثر على كمية المياه التي تصل إلى مصر، وهذا القرار يعني أن إثيوبيا لن تنتظر التخزين من يونيو القادم، وستبدأ من الآن، وهي رسالة واضحة لمصر.

عدم وجود معلومات

     من جانبه أشار وزير الموارد المائية والري المصري، حسام مغازي، أن إعلان إثيوبيا تحويل مجرى نهر النيل لاستكمال بناء سد النهضة لن يؤثر إطلاقا على اجتماعات وزراء الخارجية والمياه بشأن السد، والتي انطلقت الأحد 27/12/2015 مؤكدًا أن هذه الخطوة إجرائية وطبيعية لاستكمال الإنشاءات، بعد تحويل مجرى النهر في بداية الإنشاءات؛ حيث إن هذا هو المجرى الطبيعي للنهر، وأضاف مغازي إثر وصوله مطار الخرطوم أن إثيوبيا لم تبلغ مصر رسميا بهذا الإجراء، مشيراً إلى أن هذه الخطوة لا تعنى بدء التخزين في بحيرة السد قائلا: «لا توجد معلومات عن ذلك».

تاريخ الأزمة

     الحلم الإثيوبي في بناء سد عند منبع نهر النيل ليس بالجديد؛ فمنذ أواخر القرن الثامن عشر الميلادي وبناء محمد علي لسد أسوان على نهر النيل يتردد الكلام حول نية إثيوبيا لبناء سد لتحقيق أكبر استفادة ممكنة من كون نهر النيل ينبع في إحدى أكبر منابعه في أراضيها، إلا أن بدائية التكنولوجيا والدراسات من جهة، وكون مصر سياسياً كانت تمتد في هذه الحقبة إلى قلب السودان من جهة أخرى جعلا محمد علي حاكم مصر في ذلك الوقت يهدد بالتدخل العسكري في حالة بناء إثيوبيا للسد نظراً للتخوف على السودان ومصر نتيجة عملية البناء وما يتبعها من تغيرات بيئية كبيرة.

حقبة عبد الناصر

     الأمر نفسه ظل مستصحبًا طوال حقبة حكم عبد الناصر ثم السادات لمصر؛ حيث كانت مصر في ذروة صعودها السياسي والعسكري والاقتصادي فضلا عن وجودها الثقافي والسياسي الواسع في إفريقيا، وحينما تجدد العمل بالمشروع في نهاية الستينات هدد السادات مرة أخرى بالتدخل العسكري وتشكيل فرق قوات خاصة قادرة على خوض حروب الأدغال؛ بل مما يقال: إنه قام بالفعل بضربة جوية محدودة انطلاقاً من قاعدة عسكرية سودانية  استهدفت الموضع الذي يعتزمون به بناء السد به برغم خلو الموقع من أية حركة إنشائية وكون السد طور الدراسات والمسح الجغرافي، إلا أن هذه الضربة جاءت لإجهاض أي محاولة لبنائه ولاسيما مع تأكد وجود دراسات أمريكية جادة للموقع وإنكار إثيوبيا لذلك الأمر في الوقت ذاته وتسمية المشروع بتسمية كودية (المشروع X).

الدعم الأمريكي والصهيوني

     الدعم الأمريكي للمشروع ومن ورائه الأطماع الإسرائيلية في التحكم في مصادر المياه المصرية فضلا عن المحاولة الانتقامية من قرار عبد الناصر ببناء السد العالي؛ كانا وراء العمل الجاد الأمريكي والإسرائيلي في التمهيد لبناء السد الإثيوبي، فضلا عن إقامة إسرائيل العديد من الاتفاقيات السياسية والاقتصادية والعسكرية مع إثيوبيا ولاسيما مع وجود عدد كبير من يهود الفلاشا في إثيوبيا؛ حيث قامت إسرائيل على مدى العشرين عاماً الأخيرة بعمليات تسليح وتدريب كبيرة للجيش الإثيوبي ولاسيما في ظل التقارب الكبير للرئيس الإثيوبي ميليس زيناوي مع إسرائيل.

العلاقات المصرية الأثيوبية

     وبرغم العمق التاريخي في العلاقات المصرية - الإثوبية خصوصا، والمصرية - الإفريقية عموما؛ فإن الأمراختلف في عهد مبارك؛ حيث تضاعفت المشكلات الداخلية المصرية؛ مما أدى إلى انكفاء الإدارة المصرية على الوضع الداخلي وانحسار دورها العالمي ولاسيما الدور الإفريقي الذي حرص عليه سابقوه من الرؤساء المصريين، فضلا عن القطيعة المصرية الإثيوبية التي بدأت عام 1997 نتيجة محاولة الاغتيال الفاشلة للرئيس السابق مبارك أثناء زيارته لأديس أبابا العاصمة الإثيوبية، فضلا عن الدعم الإسرائيلي المتواصل، كل هذه العوامل أدت إلى جرأة إثيوبيا على المضي قدماً في بناء حلمها القديم لتعلن في أوائل عام 2011 وبعد ثورة 25 يناير بأقل من شهرين البدء العملي في المشروع ووضع حجر أساسه استغلالاً لحالة الاضطراب السياسي والاجتماعي والاقتصادي الكبير في مصر في هذا الوقت.

اتفاق الخرطوم وتعثر سياسي مصري

     لم تتوقف إثيوبيا عن خطواتها في فرض الأمر الواقع استغلالاً لحالة الترهل السياسي والاقتصادي المصري ومضت جادة في بناء السد وتحويله إلى حقيقة ملموسة بعد أن كان لا يتعدى ملفات الدراسات السياسية والاقتصادية، وبعد تغير الإدارة المصرية تعثرت تعثراً جديداً؛ حيث قام الرئيس السيسي بتوقيع اتفاقية الخرطوم في 23 مارس 2015 التي مثلت صدمة للمتخصصين؛ حيث تُعدُّ اتفاق مبادئ وافق فيه الرئيس السيسي على حق إثيوبيا في بناء السد، وهو ما يأتي عقب سلسلة طويلة من المفاوضات والمماطلة من الجانب الإثيوبي لفرض الأمر الواقع ببناء السد في الوقت التي أجريت فيه عشرات الاجتماعات الدبلوماسية والفنية لمحاولة الخروج من الأزمة.

إهدار للحق المصري

     ووفقاً لكلام الدكتور نادر نور الدين الخبير المائي ووزير الري الأسبق ، أنه بهذه الطريقة يرى هذا الاتفاق إهدار للحق المصري في استغلال الاتفاقيات العديدة التي أعطت لمصر الحق في الاعتراض على إجراء أي تعديلات على مجرى نهر النيل أو إقامة مشروعات عليه دون موافقة الجانب المصري، وأن الأمل الوحيد المتبقي هو تفعيل دور البرلمان الجديد في رفض الاتفاقية التي وقعها رئيس الجمهورية في ظل غياب المؤسسة التشريعية.

     هذا الاتفاق الأخير قلص من خيارات القاهرة وأدوات ضغطها إلى الحدود الدنيا وصارت فرصة تعديل الأمر دبلوماسياً وسياسياً في غاية المحدودية، ولاسيما بعد التحدي الإثيوبي لمصر بتصريح وزير الخارجية الإثيوبي بأن مصر أضعف من القيام بأية عمليات عسكرية ضد إثيوبيا للدفاع عن حقها في تحديد مصير مصادرها المائية وهو ما سبب استفزازاً كبيراً للرأي العام المصري على مستوى رجل الشارع العادي، فضلاً عن الشارع السياسي الذي يدرك حقيقة الأزمة وعمقها والتي تحاول وسائل الإعلام المحلية تجاهلها.

مخاطر سد النهضة

     لا تتوقف المخاطر المتوقعة من بناء السد على المخاوف المنطقية المصرية من تقلص حصتها في مياه النيل بدرجة كبيرة، وتبوير مساحات كبيرة من الأراضي الزراعية نظراً لانخفاض نسبة الطمي القادمة مع المياه، أو نتيجة عمليات البخر المكثف لبحيرة ناصر وخزانات السد الحالية نتيجة ارتفاع درجة الحرارة والانخفاض الشديد في منسوب نهر النيل ولاسيما في فترة ملء خزان سد النهضة، وما يتبعه ذلك من تغيرات بيئية في المنطقة فضلا عن التعرض للفقر المائى للبلاد والانخفاض الكبير في الطاقة الكهربائية المتولدة من السد العالي المصري الذي يشكل جزءاً مهماً من مصادر الطاقة بمصر التي تعاني أصلاً من أزمات كبيرة في ملف الطاقة ولاسيما الطاقة الكهربية، وإنما تمتد المخاطر أيضاً إلى تهديد السودان، بل وإثيوبيا ذاتها نتيجة بعض المخاطر المتوقعة نتيجة بناء السد.

مخاطر كارثية

     ففي تصريح وزير الري السوداني بعد توقيع اتفاق الخرطوم قال: إن مخاطر بناء السد كارثية وجسيمة نتيجة انخفاض منسوب نهر النيل لفترة طويلة، وأنه ما كان للحكومتين السودانية والمصرية التوقيع على هذه الاتفاقية والموافقة على بناء السد، جاء هذا التصريح من المسؤول السوداني الكبير والمختص بملف المياه والري في السودان بمثابة صدمة كبيرة للحكومة السودانية وحزبها الحاكم، ومخالفاً للتوجه السوداني المتنامي بالابتعاد مسافة عن مصر وإنهاكها في ملف حلايب المتنازع عليها بين مصر والسودان، هذا فضلا عما يمثله السد من مشكلة بيئية في الإقليم الإثيوبي الذي يبنى فيه السد نتيجة تغير طبيعة التربة والمنظومة البيئية والديموغرافية به، وهي المشكلة الأكبر التي تواجه إثيوبيا؛ حيث أقدمت على بناء السد دون الحصول على موافقة القبائل التي تسكن هذا الإقليم، وهذا الأمر ربما يمر في دولة متجانسة عرقياً بعكس الحال في الإثيوبيا التي يشكل الوضع القبلي فيها بعداً شديد الأهمية وعنصراً مؤثراً بشدة في قرارات الحكومة المركزية التي تتعامل مع دولة هي في الحقيقة أشبه بدويلات عدة صغيرة غير متجانسة، ولكنها متحدة سياسياً بالقوة القهرية؛ حيث ما تزال مجموعات كبيرة من السكان المختلفة العرق والديانة تتراشق الاتهامات بالاحتلال والاستيلاء على الموارد.

     يؤكد هذا الأمر الأخير المظاهرات المتصاعدة في إثيوبيا مؤخراً نتيجة انتباه القبائل القاطنة حول منطقة السد إلى ما سيحدث من عمليات تهجير تمت بقرارات سيادية من قبل الحكومة دون موافقة الأهالي، في الوقت الذي واجهت فيه الحكومة الإثيوبية هذه المظاهرات بعنف بالغ مستخدمة طائرات مروحية؛ حيث أدت الاشتباكات بين المتظاهرين والحكومة إلى عشرات القتلى والجرحى وهو ما أدانته فرق الدراسات المختصة بالملف والتابعة للاتحاد الأوروبي الذي كان قد قرر في وقت سابق إيقاف أية تمويلات للسد الإثيوبي نتيجة الشكاوى المصرية التي تم تقديمها للأمم المتحدة ومجلس الأمن والدول المانحة.

خيارات المواجهة المصرية

     لم يعد الخيار العسكري مقبولاً على المستوى السياسي العالمي وهو الخيار الذي يؤدي إلى الحسم السريع للقضايا ولكنه يفتح جبهات أخرى عديدة لا طاقة لدولة نامية بها ولاسيما دولة كمصر التي لم تستفق بعد من مشكلاتها الداخلية والخارجية وأزمتها الاقتصادية الطاحنة.

     وبقيت الحلول السياسية والتفاوضات ذات الفعالية المحدودة هي الطريق الوحيد المتبقي للإدارة المصرية في تحسين شروط أية اتفاقيات قادمة، ولاسيما بعد تكوين البرلمان المصري الذي يتوقع أن يعترض على الموافقة التي وقعها الرئيس السيسي على اتفاق المبادئ في ظل غياب البرلمان وهو ما يقوي الموقف التحكمي الدولي لمصر نسبيًا.

طريق آخر

     وبما أن ما وقع قد وقع فهناك طريق آخر للإدارة المصرية في تحسين الاستفادة بطريقة قصوى من نهر النيل وتحسين المجرى المائي وتنظيفه، باعتبارها دولة المصب وإيجاد تفريعات جديدة للدلتا المصري وفرعي المصب – دمياط ورشيد- فضلا عن تفعيل مشروعات قديمة مقترحة تتم على الجزء السوداني من النهر؛ بحيث يمثل ذلك استفادة مشتركة لمصر والسودان لكن يبقى ذلك مرتهناً بدرجة التوافق بين مصر والسودان في هذا الملف، واحتمال تفخيخ العلاقة بينهما لأي سبب من جهات قد لا يروق لها هذا التوافق، هذا فضلا عن التوسع في دراسات الاستفادة من المياه الجوفية، وعلى مستوى توليد الطاقة اتجاه مصر إلى توليد الطاقة النووية الذي يعد ملفاً شائكاً هو الآخر، تبقى المشكلة الأخطر التي تواجه جميع دول النيل هي حدوث أي عمليات تخريبية متعمدة للسد الإثيوبي بغرض إغراق المنطقة في مياه الفيضانات التي لا تملك هذه الدول أية إمكانيات أو خطط احتياطية لمواجهتها، وهذا السيناريو برغم كارثيته إلا أنه غير مستبعد لكون المنطقة منطقة صراع إقليمي كبير ومتصاعد، هذا فضلاً عن حدوث أية انهيارات في السد نتيجة وجود أخطاء في التصميم لا يستبعد وجودها في مشروع ضخم كهذا ولاسيما مع التعجل الكبير في إنهاء المشروع.

  

معلومات حول سد النهضة الإثيوبي

      هو سد إثيوبي قيد الإنشاء يقع على النيل الأزرق بولاية بنيشنقول- قماز بالقرب من الحدود الإثيوبية-السودانية، على مسافة تتراوح بين 20 و40 كيلومتراً، وعند اكتمال إنشائه المرتقب سنة 2017 سوف يصبح أكبر سد كهرومائي في القارة الأفريقية، والعاشر عالمياً في قائمة أكبر السدود إنتاجاً للكهرباء، تقدر تكلفة الإنشاء ب 4.7 مليار دولار أمريكي، وهو واحد من ثلاثة سدود تُشيد لغرض توليد الطاقة الكهرومائية في إثيوبيا.

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك