رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الشيخ: محمد إسماعيل المقدم 27 سبتمبر، 2018 0 تعليق

محو الأمية التربوية (2) بعض مظاهر الخلل في التربية

قال الله -عز وجل-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} (التحريم:6)، المنهج التربوي الإسلامي يستهدف إنقاذ الذرية من النار، وأن يشبوا أبناء صالحين يعملون لدينهم ودنياهم، ويسعدون في الدارين بالصلاح والتقوى والإيمان والتوحيد، وقد يفهم كثير من الناس  بمستوياتهم الثقافية كافة معنى الأمية التعليمية، لكن الخطأ المشترك بين هؤلاء جميعا هو جهلهم بمعنى الأمية التربوية؛ ولذلك يمارسون مع أبنائهم أساليب تربوية خطأ؛ ولهذا فالواجب على كل أب أن يتعلم أسس التربية، ويلتزم الطريقة الصحيحة في ذلك؛ واليوم نتحدث عن بعض مظاهر الخلل، وموقفنا من موضوع التربية.

 

التربية المخالفة للإسلام

 إذا قلت لشخص: ما هذا؟ فقال: لا أدري، فهذا جهل، لكن لو قلت لآخر عن كوب: ما هذا؟ فقال: هذا كتاب، فقد أخطأ، فهو لا يعرف الكتاب من الكوب، فالخطأ في العلم نوع من الجهل، وقد يكون أخطر من الجهل العادي الذي يعني انعدام العلم.

     أقصد بذلك أن عندنا بعض الناس لا يخطر الموضوع لهم على بال، وبعضهم الآخر يتبنى مناهج تربوية خطأ؛ لأنها مصادمة للمنهج الإسلامي الصحيح والسوي؛ فهذا أيضاً نوع من المرض والانحراف، ينبغي أن يعالج، وأن تقتلع المفاهيم المنحرفة؛ لأنها لا تخرج عن حيز الجهل؛ لأنها مناهج خطأ تصادم المنهج الصحيح.

أقسام الناس

     والناس في مسألة التربية أقسام: إما أن بعضنا غافل تماماً عن شيء يسمى تربية؛ فيمارس نوعاً من اللامبالاة، والموضوع لا يخطر له على بال، وكل نظره يتجه إلى نمو الطفل: أنه الآن يحبو، الآن بدأ يتكلم، الآن كذا وكذا.. مضغة لحم تنمو وتكبر ويتلهى بها، ويغفل أنواعاً أخرى من النمو ينبغي أن يُعتنى بها، وأن يُعطى الطفل احتياجاته فيها؛ فالوعي التربوي لدى أغلب الناس وعي منخفض جداً حتى عند المثقفين منهم؛ فالتربية لا تأخذ عندهم مأخذاً جاداً كعلم يكتسب، ومهارة تحتاج إلى تدريس، وإنما ينظر إليها أغلب الناس على أنها شيء تلقائي يدركه الفرد بإحساسه العفوي؛ فإن أراد الاجتهاد فإنه يضيف شيئاً من خبراته المكتسبة وراثياً عن طريق ما تعلمه من الآباء.

     وغالبية الناس يجهلون كيف يتعاملون بالأسلوب السليم مع أولادهم في هذا العصر الذي صعبت فيه التربية جداً؛ لأنه عصر يكتظ بالمتناقضات، وتتزاحم فيه الأضداد، وأصبح الإنسان تتنازعه جوانب عدة واتجاهات مختلفة؛ فلا يجد الفتى أو الفتاة سوى التخبط والضياع عندما لا يكون هناك من هو كفؤ لقيادته إلى الطريق الصحيح في هذا الخضم المتلاطم من الأفكار والنزعات.

أبراج عالية

     والحديث عن التربية من أبراج عالية لا تناسب بسطاء العقول؛ فبعض الناس يتكلمون كثيرًا عن التربية لكنهم يتكلمون من برج عاجي، أو دراسات أكاديمية معقدة لا يفقهها إلا من كان على هذا المستوى الأكاديمي، وكما نلاحظ في الدراسات المتخصصة فإنها لا تعطينا وجبة سهلة قابلة للتطبيق؛ لأن كل الكلام على مستوى أكاديمي يناسب المتخصصين، ويستغلق على الإنسان العادي، وربما عقدت بعض المؤتمرات لمناقشة بعض المشكلات، وقد حضرت مرة مؤتمراً يناقش مشكلات المراهقين، وتطرق أساتذة كبار في كلية الطب إلى هذه المشكلات؛ فوجدت أن الكلام كله يدور في إطار مشكلات طبقة المترفين، وفيه تفاصيل لا تمت للأغلبية من الناس بصلة.

المنهج التربوي الغربي

     أيضاً بعض الناس افتتن بالمنهج التربوي الغربي، وأراد إسقاطه عشوائياً على بيئتنا، وهذا كقصة المثل الذي يحكي أنه كان هناك سمكة جرفها السيل، وأخذ يدفعها أمامه، وهناك قرد أراد أن ينقذ هذه السمكة، فأخرجها من الماء حتى ينقذها، نحن إذا تم التعامل معنا على أساس ثقافة غير ثقافتنا ومذهب غير ديننا فإن هذا لا يناسبنا؛ لأن صلاحنا لا يكون إلا بما صلح به أمر أول هذه الأمة. وبعض الناس يرون التربية الحسنة في أن يوفر الأب لأولاده أحسن ملبس وأحسن مأكل، ووسائل الترفيه، وبعضهم يسلك مسلك التربية القاسية المتسلطة، حتى إن منا من يستحسن ذلك حين يحكي عن شخص أنه حين ينظر لابنه بعينيه فإن الولد يرتجف، فينظر إلى هذا الأب على أنه مرب جيد، وأن هذا الولد متربٍ، وعلى الجهة الأخرى نجد التدليل المفرط الذي يدمر الأطفال ويسيء إليهم.

طريقة الآباء الخطأ

     من مظاهر الخلل في هذه التربية أيضاً: اعتزاز بعض الناس -إلى حد التقديس- بالطريقة التي ربي هو بها منذ صغره ويعدها جزءاًً من كيانه لا يستطيع أن يتخلى عنه، وبالتالي يريد أن يحاكي هذه الطريقة ولا يخضعها أبداً للنقد أو التمحيص أو النقاش أو إعادة النظر فيها. أما مشكلات المترفين فهم يتركون زمام التربية لغيرهم، كحال الخادمات، فقد أصبحن في هذا الوقت ظاهرة جديدة؛ حيث يستقدمن من شرق آسيا كافرات لا يعرفن العربية، ويسلطن على الأطفال لتربيتهم، وهذه مصيبة ما بعدها مصيبة؛ لأن لهؤلاء الخادمات دوراً مدمراً لهوية الأطفال الإسلامية.

ندرة وجود المعلم التربوي

     من هذا أيضاً: تسليم زمام التربية لمعلمات غير تربويات، ولا حظ لهن على الإطلاق في التربية، فنجد بعض المسالك من المعلمة التي لا تعرف شيئاً في التربية؛ لأن هناك فرقاً بين التربية وبين التعليم، فالتعليم جزء من التربية، كما يقول المثل الصيني: إذا أتاك مسكين من أجل أن تتصدق عليه فأن تعطيه شبكة وتعلمه كيف يصطاد السمك أفضل من أن تتصدق عليه بسمكة. فالمدرس الذي يدرس الرياضيات قد يحل لهم المسألة بسهولة، وهو في هذه الحالة ليس معلماً فقط لكنه يكون مربياً إذا علم التلميذ أو الطالب كيف يفكر ويحلها، وكيف يستقل بالإبداع في هذه المجالات؛ فالتربية أعم من التعليم، فقد يوجد معلم لكنه لا يكون مربياً كما لاحظنا، والأمثلة مؤلمة جداً.

وسائل الإعلام المفسدة

     الآن يُنتزع زمام التربية ويُعطى لوسائل الإعلام التي تدمر الأبناء تدميرًا، وفي مقدمتها التلفاز بسلوكه الخطير على نفسية الأطفال بإجماع جميع العقلاء في كل العالم، وفي أمريكا يوجد اقتراح لمنع الفساد عبر أجهزة التلفزيون والفيديو وغيرها، فانضم لهذه الحملة رئيس أمريكا وطالب الناس أن ينضموا ليطالبوا الوسائل التلفزيونية بالحد من النشاط الإجرامي الذي يفسد الأطفال. هذا وهم كفار غير مسلمين، فما بالك بالمسلمين! فلا نشك أن التربية الموازية والمضادة للتربية الإسلامية التي تسلط على الأطفال صباح مساء تصعب المهمة جداً في واقعنا الذي نعيشه.

 

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك