رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: وائل رمضان 21 أبريل، 2014 0 تعليق

محمد القناعي للفرقان: من كلمات الوالد رحمه الله- لابد من استثمار الأفراد لإنشاء جيل متميز يتربى على الصلاح وقيم الخير والبر


كان شعاره في الحياة «اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدًا، واعمل لآخرتك كأنك تموت غدًا»

 

الدعوة إلى الله -سبحانه وتعالى- وظيفة الرسل، وهي مهمة شريفة،  ولها شأن عظيم؛ ذلك أن الداعية إلى الله سبحانه وتعالى يبذل جهده ووقته لله رب العالمين وهو يسير في دعوته، وينبغي عليه أن يسير كما أمر الله سبحانه: {ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}(النحل: 125)، وأول ما يجب أن يعتني به الداعية في دعوته أهل بيته وخاصته، فكما أنه يجب أن يكون الداعية متميزًا؛ فكذلك يجب أن يكون بيته كذلك، ولعل أهم ما ميز رجل الخير، الشيخ عبد اللطيف القناعي – رحمه الله – اهتمامه الواضح بأهل بيته، لدرجة أنه كان يعتذر عن أي موعد يتعارض مع موعد أو ارتباط أسري لأهل بيته أو أقاربه، ضاربًا مثلا رائعًا في الحفاظ على الجبهة الداخلية للداعية وهي بيته، وتحاور الفرقان اليوم ابنه محمد عبد اللطيف القناعي لنقف معه على أهم المحطات الإنسانية والأخلاقية للشيخ – رحمه الله- التي كانت لها الأثر الواضح في مسيرته في عمل الخير الذي تميز به فكان هذا الحوار:

- كيف كان تعامل الشيخ – رحمه الله - معكم؟ وهل لمستم أثر تدينه على هذا التعامل؟

- كان تعامله – رحمه الله - منبثقاً من الآية الكريمة: {ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}(النحل: 125)، فكان – رحمه الله - هينًا لينًا سهلاً وغضًا، ولم يكن يشعرنا يومًا بأن التدين فرض بالإكراه، فكان حكيمًا في تعامله راقيًا في طرحه، ولم يعنف ولم يزدر، وإن أصبنا ما يرضي الله كان يشجعنا معنويًا و يفتخر بنا،  وإن أخطأنا، كان يرشدنا إلى الصواب بقلب شغوف إلى أن نفعل الخير ونقوم أفعالنا، وكان دائمًا يقول: ليس عيبًا أن نخطئ، ولكن العيب أن نستمر و نكابر، وكان حريصًا على أن يكون القدوة الحسنة بالأخلاق، وكان يبدأ بنفسه ولاسيما بالطاعات قبل أن يدعونا إليها، فتدينه كان بالنسبة لنا تدينا وسطًا {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً}(البقرة: 143)، وكان دائم الابتسامة، يحب الحياة الهادفة، واستطاع بسلاسة طرحه أن يجعلنا نحول جميع أفعالنا الدنيوية إلى طاعة لله -عز وجل- لا واجباً دنيوياً.

- ما أهم صفة تميز بها الشيخ في التعامل مع أبنائه والمحيطين به من الأهل والأقارب؟

- أهم صفة تميز بها - رحمة الله عليه - هي الرحمة والتسامح، فكان رحيمًا مع الكبير والصغير، والغني والفقير والقوي والضعيف، وكان متسامحًا مع كل من أخطأ في حقه، أو غشَّه أو كذب عليه، وكان يوصينا دائمًا أنه إذا حان وقت نومنا يجب أن نمسح من قلوبنا كل غيظ أو حقد أو كره لمن آذانا أو ضايقنا، وكان يكررها كثيرًا.

- كيف كان برنامج الشيخ اليومي؟ وما أهم الاهتمامات اليومية التي كان يهتم بها؟

- برنامجه اليومي – رحمه الله - قبل المرض كان يبدأ من بعد أن يصلي الفجر في المسجد، وبعدها يرجع المنزل ويقرأ القرآن، ومن ثم يقرأ الصُحف على الإفطار مع الوالدة - بارك الله في عمرها- وبعد ذلك يخرج ساعيًا إلى طلب الرزق متوكلاً على الله، ويرجع بعد الظهر، ويحرص على جمعنا على الغداء، وكانت القيلولة مهمة بالنسبة له، وكان دائما يذكر لنا حديث النبي صلى الله عليه وسلم : «قيلوا فإن الشياطين لا تقيل».

     كما أنه كان حريصاً على الصلاة في المسجد مهما كانت الظروف ولاسيما صلاة البردين، وكان يحب أن يجتمع معنا في البيت، وكان يفضل هذا الاجتماع ويقدمه على أشياء كثيرة، حتى إنه كان يعتذر في كثير من الأوقات عن بعض الدعوات من أصدقائه فقط؛ لأننا مجتمعون، فكنا مرتبطين به فكريًا ووجدانيًا، وكان من أهم اهتماماته حفظ كتاب الله، وكان يحثنا خلال يومه على تلاوة القرآن، وكان يستغل فترة ساعة بين المغرب والعشاء في حفظ القرآن، ولم يتوقف عن المراجعة إلا مضطرًا بعد أن اشتد عليه المرض. وكان لا يأكل – رحمه الله -  إلا إذا رآنا مجتمعين، وكان شديد الحرص على أن يوتر قبل النوم، وكان يحب النوم المبكر، وكان دائمًا يردد مقولة جدي (والده أحمد القناعي): «النوم المبكر والصحو المبكر يجعل الإنسان ذا حكمة»، وكان من شديد الاهتمام بمتابعه أخبار الأمة الإسلامية، وكان شديد التأثر لما وصل إليه حال المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، وكان دائم الدعاء أن يصلح الله أحوال الأمة، وكان يحثنا على ذلك.

- هل تأثرتم بوصفكم أبناءً وأسرةً من انشغال الشيخ واهتمامه بالعمل الخيري؟

- بوصفنا أبناء وأسرة، نعم تأثرنا من انشغاله فقط عند سفره لشدة حبه وحبنا له، فكنا نفرح أنه يقوم بعمل خيري ينفع به إخواننا في كل مكان، وكنا محتسبين لذلك كما عودنا، وكنا نشتاق لحنانه وعطفه واستشارته وحكمته، وكان موفقاً، وكان دائم الاتصال والسؤال عنا رحمة الله عليه.

- هل تأثرتم بهذا التوجه الذي سلكه الشيخ واهتمامه بالعمل الخيري؟ وكيف كان هذا التأثر؟

-  كان والدي -رحمة الله عليه- يصحبنا معه مرات عديدة لمشاهدة أعمال الخير، وكان يحرص أن يوجهنا لعمل الخير لما له من فوائد كبيرة في نشر الكتاب والسنة في بقاع الأرض؛ لأنه إن صلح حال الفرد صلح حال المجتمع،  ففي العمل الخيري استثمار للأفراد لإنشاء جيل متميز يتربى على الصلاح وعلى قيم الخير والبر،  وإن وجد هذا الجيل صلح المجتمع وازدهر بالخير والفلاح، حتى أصبح – رحمه الله - قدوتنا في فعل الخير، فبفضل ذلك نعم فارقنا جسده رحمه الله، ولكن روحه في فعل الخير تسكن أجسادنا؛ لأنه ورثنا حب الخير وفعله والإحسان إلى الغير، وبإذن الله مسيرته لن تتوقف، وسنكمل تلك المسيرة بإذن الله.

- نرجو أن تصف لنا الشيخ: والداً – زوجاً – داعيةً؟

- والدي -رحمه الله- لم يكن لنا الأب فقط، بل كان الصديق ورفيق الدرب والعضيد والجد والأخ والقدوة الحسنة، أما زوجاً فكان الحنون الرحيم والسهل اللين الحبيب ونعم العشير، فتارة يكون أبًا، وتارة يكون الأخ، وتارة يكون الهين اللين دمث الأخلاق رقيق المشاعر والطباع، أما داعيةً فكان معلمًا لنا، درَّسنا وحفَّظنا كتاب التوحيد للشيخ محمد جميل بن زينو وأنا في سن الـ 13، وكان يختبرنا بأسئلة يكتبها لنا على الورق، وكان يعلمني كيف أتعلم، وكان دائم النصح ويحرص على أن نتعامل بالهدوء والحكمة، ودائمًا يقول لي الآية: {وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ}(آل عمران: 159).

- ما أهم المحطات المؤثرة في حياة الشيخ التي كان لها أثر واضح في حياته؟

- كان الوالد – رحمه الله - دؤوبًا في عمل الخير منذ نعومة أظافره، وكان متوجهًا كالسهم إلى أهدافه الخيرية بعيدًا عن السياسة حتى لا يجرح نواياه، وكانت له رسالة واضحة سعى لتحقيقها طيلة حياته حتى بعد إصابته بالسرطان منذ 10 أعوام إلى أن توفاه الله تبارك وتعالى، وكان دائمًا يردد قول الإمام علي -رضي الله عنه- حتى في أيامه الأخيرة في فراش المرض «اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدًا واعمل لآخرتك كأنك تموت غدًا».

- كيف تعايش الوالد – رحمه الله- مع مرضه، ونحن نعلم أنه كان صابرًا محتسبًا؟

- مررنا بعشر سنوات مرت كأنها عشرة أيام، لم نشعر بها لشدة صبره واحتسابه، فكان يراعي نفسياتنا قبل أن يبث بآلامه، وكان يؤدي واجبه الشرعي من الأخذ بالأسباب والاستطباب، فبحث عن العلاج التقليدي والطب البديل في الكويت وأمريكا وبريطانيا والمكسيك، وكان دائمًا يصبرنا عند سماعنا بزيادة المرض عليه، ويذكرنا بأجر الصابرين وكأننا نحن المرضى وهو مرافقنا، حتى في آخر أيامه عندما بلغنا الأطباء بأن الانتشارات وصلت إلى أماكن يعجز العلم الحديث عن علاجها، وأنها تعد مراحل المرض الأخيرة كان يرد على الأطباء المحليين والأجانب: إنني لست خائفًا من الموت، وإنه مشتاق إلى رؤية الله -عز وجل- وأنه قد عاش حياة حقق فيها مراده وأدى رسالته، وأن أعمار أمَّة الرسول صلى الله عليه وسلم بالستين، وتوفاه الله بعدها بشهرين عن عمر يناهز التاسعة والستين رحمه الله، وأثابه على صبره، وجعله في منزلة الشهداء والأنبياء والصالحين ورزقه الفردوس الأعلى.

- أخيرًا: ما أهم وصية وصاكم بها الشيخ؟

- أهم وصية وصانا بها – رحمه الله - الصلاة، حتى عندما ازدادت الانتشارات في رأسه كان يقول: عليك بالصلاة أهم شي فإن صلحت صلح جميع عملك وبالعامية «عليك بالصلاة ما راح يفيدك غيرها»، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، ولا تنسوا الوالد من فيض دعائكم، فإن القلب ليحزن، وإن العين لتدمع، وإننا على فراقك يا أبي لمحزونون، ونعدك بأن مسيرتك لن تقف عند موتك، ونعدك بأن نكون بعد توفيق الله خير سلف لخير خلف.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك