محاولات فرض أعياد أهل الكتاب على المسلمين… إرهاب أم تسامح؟
يبدو أن بعض الأجندات الخارجية بدأت تتسلل إلى بلدان المسلمين من خلال دهاليز الكنائس وبعض الشخصيات ذات الأغراض المتعددة لفرض معتقداتهم أو على الأقل لإضعاف شوكة المسلمين ولإسكات بعض الأصوات الرافضة لتدجين الأمة وتمييع دينها، وقد تعددت المحاولات ولكن هذه المرة بدأت تستخدم رنينا خاصا كان معروفا لدى الجماعات الليبرالية والعلمانية التي ترفض هيمنة الدين على حياة الأمة، وإن كانت بعض جمعيات النفع العام التي تمثل رأس الحربة على هذا المشروع المشبوه تنتمي في أغلبيتها إلى هذه الفئات إلا أن مشاركة بعض المعممين وإعطاءهم وجهة نظر دينية مع استخدامهم ألفاظا لا تمت إلى الدين بصلة يؤكد أن هذا الهجوم له ما بعده، وأنه أمر قد دبر بليل.
نقاشات علمية هادئة
وفي هذا نؤكد أن المسائل الدينية تحتاج إلى نقاشات علمية هادئة ومن أهلها وليس من حق كل من هب ودب أن يدلي بدلوه في قضايا شرعية لا يستطيع فهم حقيقتها، كما أنه على الذين يدعون المعرفة الدينية، ويزعمون الفكري أنهم يقلدون مراجع أو غير ذلك أن يستخدموا لغة أهل العلم إذا كان عندهم علم وإلا فإن استخدام كلمات مثل «علماء الكراهية، والحقد، والتطرف...» وغير ذلك من الألفاظ ثم مطالبتهم عدم تكفير الآخرين لا تجعلهم متسامحين، بل تؤكد أنهم يحاولون ركوب الموجة للنيل من الآخرين، وهذا بحد ذاته باب من أبواب الطائفية والإرهاب.
الموقف الشرعي من المشاركة في الاحتفالات
وفي هذا السياق نستعرض بعض أقوال العلماء التي توضح الموقف الشرعي الرافض لمشاركة احتفالات الكفار في أعيادهم ولماذا تم الرفض؟
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: «إن الأعياد من جملة الشرع والمناهج والمناسك التي قال الله سبحانه عنها {لكل أمة جعلنا منسكا هم ناسكوه} كالقبلة والصلاة والصيام، فلا فرق بين مشاركتهم في العيد وبين مشاركتهم في سائر المناهج؛ فإن الموافقة في جميع العيد موافقة في الكفر، والموافقة في بعض فروعه موافقة في بعض شعب الكفر، بل الأعياد هي من أخص ما تتميز به الشرائع، ومن أظهر ما لها من شعائر، فالموافقة في أخص شرائع الكفر، وأظهر شعائره، ولا ريب أن الموافقة في هذا قد تنتهى إلى الكفر في الجملة بشروطه». أهـ (اقتضاء صـ470).
وقال أيضا: «فأقل أحواله أن تكون معصية وإلى هذا الاختصاص أشار النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: «إن لكل قوم عيدا وإن هذا عيدنا» وهذا أقبح من مشاركتهم في لبس الزنار ونحوه من علاماتهم؛ لأن تلك علامة وضعية ليست من الدين إنما الغرض منها مجرد التمييز بين المسلم والكافر...»
وعلى الرغم من ذلك فإن هذه المسألة مسألة دينية بحتة ويجب أن يتم النقاش فيها في إطارها الديني الشرعي إلا أن بعض الناس يحاولون تحويلها إلى مسألة عامة يمكن تناولها في المنتديات الخاصة والعامة، وهذا نوع من الاستهانة في المسائل الشرعية التي يجب أن يبينها العلماء الربانيون، لأن الله سبحانه وتعالى يقول: {فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون}.
موقف طائفي غريب
ومن المستغرب أن يطالب أحد المعممين المنادين لمباركة أعياد الكفار ومشاركتها: «أن يمتنع المسلمون عن تكفير الآخرين وأن يتجنبوا خطاب الكراهية والهجوم على الأديان السماوية» ويقول أيضاً: «فإن الإسلام دين المحبة والعفو والرحمة والتسامح ونبذ الكراهية والحقد على الآخرين»
ويضيف في تصريح له: أطالب المسيحيين في الكويت وغيرها عدم الإصغاء إلى فتاوى من وصفهم بعلماء الكراهية والحقد والتطرف والتكفير فانهم لا يمثلون الإسلام المحمدي الأصيل، فالنتيجة وفقا لمذهب أهل البيت عليهم السلام يجوز تهنئة المسيحيين في عيد كريسمس وغيره من الأعياد.
وهذا كله يدل على أن النقاش ليس فيه أي نوع من الألفاظ العلمية التي ينبغي أن يتقيد بها من يدعي العلم الشرعي كما أن هذا الكلام ينطوى على كثير من الأخطاء الشرعية التي تدل على أن الهدف من الكلام غير تصحيح الأخطاء وإنما هو ارساء قواعد خاصة لطائفة معينة حتى ولو كان في الكلام مخالفات شرعية جسيمة يرفضها الدين الصحيح، وكيف نتعامل مع من يقول إن تكفير غير المسلمين حقد وكراهية وتطرف، مع أن الله سبحانه وتعالى يقول: {لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة} وقال سبحانه: {ومن يبتغي غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين} وغير ذلك من الآيات والأحاديث المبينة لكفر من لم يؤمن بالإسلام.
وهل الحاقد والمتطرف من يلتزم بتعاليم رب العالمين؟ أم من يحاول التهجم على هذه التعاليم وتقليل شأن من يتمسك بالدين الصحيح المستند بالكتاب والسنة وعلى كلام خير القرون الذين شهد لهم النبي صلى الله عليه وسلم بالخيرية حيث قال: «خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم».
نداء إلى عقلاء الأمة
وعليه فإننا نطالب العقلاء من هذه الأمة أن ينظروا إلى من تنطبق عليه ألفاظ الحاقدين وعلماء الكراهية، أمن الدعاة إلى الدين الصحيح الذي جاء به محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم الذي لم ينقل عنه أنه شارك الكفار يوما في أعيادهم، أم من يستخدم المنابر الإعلامية ليل نهار لبث أفكاره المخالفة تمام المخالفة إلى ما دعا إلى الإسلام، ونطالب هذا وأمثاله أن يأتوا بأدلة من الكتاب والسنة بأن الإسلام أباح المشاركة في هذه الأعياد، غير الأدلة العامة التي تدل على التسامح التي لا تنطبق على الحالة التي نتحدث عنها.
وفي هذا السياق يقول شيخ الإسلام بن تيمية: «إن مشابهتهم في بعض أعيادهم توجب سرور قلوبهم بما هم عليه من الباطل؛ فإن ذلك يوجب قوة قلوبهم وانشراح صدورهم». ويقول أيضا: « وقد رأينا اليهود والنصارى الذين عاشروا المسلمين هم أقل كفرا من غيرهم، كما رأينا المسلمين الذين أكثروا من معاشرة اليهود والنصارى هم أقل إيمانا من غيرهم... والمشاركة في الهدي الظاهر توجب أيضا مناسبة وائتلافا».
أرأيت أن هذه الدعوات هي محاولة صارخة من تمييع الدين في قلوب العامة.
هجوم جمعيات النفع العام
وقد جاء بيان بعض الجمعات النفع العام المنتمية إلى التيارات الليبرالية هجوما ضد من يرفض مشاركة الكفار في أعيادهم، ورأى البيان أن هذا الأمر يمثل إساءة بالغة للدين المسيحي ومعتنقيه على حد وصفهم، ومع أن هذه الجمعيات ليس من اختصاصها التدخل في المسائل الشرعية الدينية وكان من الأجدى أن تتقدم بطلب فتوى لوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية وتستوضح عن الحكم الشرعي لمثل هذه المسألة، أما أن تقحم نفسها لمسألة شرعية وتصدر أحكاما جاهزة تأييدا لأفكارها المؤيدة لكل ما جاء من الغرب، وجعلها نوعا من التحضر، فإنما يدل على أن الهجوم أكبر من المبررات التي يتم إيرادها.
وقالت هذه الجمعيات: «اعتادت بعض الجهات في كل عام أن تتهجم وتسيء إلى كل من يحتفل بمناسبة عيد ميلاد السيد المسيح، ورأس السنة الميلادية، وتحريم مظاهر الفرح والزينة في هذه المناسبة.
ولما يمثله هذا الفعل من إساءة بالغة إلى الدين المسيحي، ومعتنقيه من مواطنين ومقيمين، فإننا في الجمعيات الموقعة أدناه على هذا البيان، نرفض رفضاً تاماً نشر مثل هذه الإساءات وتوزيعها، إذ إنها لا تقع ضمن حرية التعبير التي نقدرها وندافع عنها مهما اختلفنا مع مستخدميها، بل تتجاوز ذلك لتأتي ضمن خطاب الكراهية الذي تجرمه القوانين الدولية، وكما أكدت عليها المادة 35 من دستور الكويت، والتي تنص على أن «حرية الاعتقاد مطلقة، وتحمي الدولة حرية القيام بشعائر الأديان»، وما أكدته المادة 29 منه أن «الناس سواسية بالكرامة الإنسانية...لا تمييز بينهم بسبب...الدين»، وقبل هذا ما دعت إليه عقيدتنا السمحة، كما جاء في محكم كتابه من سورة المائدة، {ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى}.
ونقول إن استدلالهم بهذه الآيات يدل على اقحام نفسهم في ما لا يحسنون، وكان من الأجدى أن يبتعدوا عن هذا، أما فيما يتعلق بمواد الدستور التي تم إيرادها في البيان فإن حرية الاعتقاد التي كفلها الدستور لا تعني أن يترك المسلمون دينهم ويتبنوا أديان الآخرين أو أن يروج البعض لأديان الآخرين ويمنع المسلم أن يتحدث عن الخطأ الذي يوجد في المسألة، لأن الدفاع عن الدين من الأمور التي كفلها الدستور وتنص مادة2 من دستور دولة الكويت أن «دين الدولة الإسلام، والشريعة الإسلامية مصدر رئيسي للتشريع»
وهذه المادة تؤكد أن على الحكومة أن تدافع عن دين الدولة وأن تحميه من عبث أصحاب الأفكار الدخيلة، لأن دين الدولة الإسلام وما سوى ذلك من الأفكار الدخيلة ينبغي على الدولة أن تحاربه حماية لدين الأمة وعقيدتها، وعليه فإننا نطالب الحكومة ومؤسساتها الرسمية أن تتصدى لكل من يحاول تجهيل المسلمين وإبعادهم عن حقيقة دينهم.
لاتوجد تعليقات