رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: مشاري الشثري 17 سبتمبر، 2018 0 تعليق

محاولات تغيير وجه ابن تيمية


ثمةَ محاولاتٌ طامعة في تغيير وجه ابن تيمية، ليكون وجهًا (غانديًّا) لا تعرف حروفُه سوى مفردات الحب والسلام، بذلك الوجه يظهر ابنُ تيمية بصورة العالم الوديع، الذي لا يكاد يتحدث إلا عن (الأفكار) دون (الأعلام)، فهو لا يبغي المساس بأحد من الأعيان، ويتحاشى ذلك ويباعد عنه، وهمه منصبُّ على المقولات، والمقولات فقط.

وواضحٌ من كثير من سياقات هذا البعث الجديد للتيمية الغانديَّة إرادةَ الإضرار بأتباعه الذين لم يفطنوا لهذا المكون اللاعنفي في شخصية ابن تيمية، وأتباعه لما لم يفهموا ذلك أضحوا أصحاب صبغة ستالينية، والشيخ حينئذ براء منهم.

ومن عجبٍ أن بعض هؤلاء حين يأتي الحديث عن بابن تيمية يكون ذا وجهين:

- فتارةً يلمز ابنَ تيمية ويعرض به ويقدح فيه من طرف خفي؛ بذكره نقدات بعض أتباعه وتلاميذه في أنهم أخذوا عليه (كلامه في بعض الأئمة الأكابر الأعيان).

- وتارة يمدحه بتعظيمه لمخالفيه من الأئمة الأكابر والأعلام، وأنه كان حملًا وديعًا مع أعيانهم، وإنما اتجه نقده لمقولاتهم وأفكارهم فحسب.

صورتان متناقضتان يؤتى بكل واحدة منهما بحسب داعي الهوى لا الهدى.. والضحية ابن تيمية.

ولكنني قلتُ من قبل بأن ابن تيمية ليس جدارًا قصيرًا، ونصوصه عصيَّة على التطويع، فكلامه مفصَّلٌ مبين، سواء ما كان منه متعلقًا بالأعلام أم ما كان متعلقًا بالمقولات.

وطالب الحق لا يجدر به أن تكون قراءتُه لإرث إمامٍ قراءةً (رغبويةً) يتوسل بها إلى تثبيت أفكاره، دون انطباقها على واقع ذلك الإمام نفسه.

ابن تيمية تكلم في الأعيان والأكابر ونقدهم نقدا مفصلا كما نقد أفكارهم ومقولاتهم، مثلا بمثل، سواء بسواء.

أفلا (قليلٌ) من الحياء المنهجي يحجز هؤلاء عن العبث بأوراق ابن تيمية وكتبُه في متناول أصغر طلبة العلم؟!

أفلا (قليلٌ) من المروءة البحثية يمنع هؤلاء عن المقامرة الكاذبة بتراثِ علمٍ وصرفه عن كماليته إلى جزئيات مبتورة؟!

ولكن.. ما عَلِمَ بمدى تأثير ابن تيمية مثلُ خصومه، في زمانه وبعد زمانه، ممن ناصبوه العداء، لعلمهم أن تقريراته تأتي على مذاهبهم وأعلامهم فتذرها وإياهم هشيمًا كالرياح.

وأما هؤلاء الذي يُظهِرون الولاء الناعم لابن تيمية إرادةَ الضر بأتباعه فليس لهم من ابن تيمية إلا التمسحَ بجاهه، وأما تقريراته وأحكامه فلا يعرفون منها إلا ما يهوَون، يجعلونها قراطيس، يبدونها ويخفون كثيرا.

وجملة القول أن ابن تيمية كما كان إمامًا في إعذار المخالفين فقد كان إمامًا في كشف ضلالاتهم وأباطيلهم.

     لم يكن يعرف -رحمه الله- المناطق الرمادية التي يهوى المكث فيها كثيرٌ من الناس، بل كان واضحَ البيان، شديدَ الانتماء لعقائد السلف، عظيمَ المباينة لمخالفيهم، يربِّي قارئه على فقه مكين من الموالاة والمعاداة، فعلى من أراد التمسك به أن يفطن لجمعيَّته وكماليَّته، وألا يجتزئ منه بالذي يهواه.

صِفُوا ابنَ تيمية كما يدل عليه واقع ابن تيمية، ثم بعد ذلك خذوا منه واتركوا.. أما أن تصفوه بما تريدونه منه دون غيره ليكون مجرد جندي في عسكركم فهيهات العقيق!

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك