رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الفرقان 15 ديسمبر، 2017 0 تعليق

محاضرة بالمخيم الربيعي لجمعية إحياء التراث فرع الجهراء- القحطاني:مما يغفل عنه الناس في الفتن الدعاء واللجوء إلى الله بالاستغفار والتوبة

تناول الشيخ مسند القحطاني -رئيس مركز الدعوة والإرشاد بمدينة الدمام في المملكة العربية السعودية- وضيف المخيم الربيعي التابع لجمعية إحياء التراث الإسلامي فرع محافظة الجهراء هدي النبي صلى الله عليه وسلم في زمن الفتن، وبدأ الشيخ القحطاني محاضرته بشكره لجمعية إحياءالتراث الإسلامي على دعوته وحسن الترتيب والاستقبال . 

      ذكر الشيخ القحطاني بعض الوقفات الواردة في الفتن التي أشار إليها النبي  صلى الله عليه وسلم في جملة من الأحاديث الكثيرة التي نراها في أوساط المسلمين، وتأتي نتيجة لتسلط الأعداء على المسلمين؛ فما يحدث في مجتمعات المسلمين من خلافات وتفرق، وتسلط الأعداء وغلبتهم وما يصاحبها من أحداث مؤلمة ومآس هي من الفتن ، وهي التي أخبر عنها النبي  صلى الله عليه وسلم أنها تحدث في آخر الزمان، ولا نقصد هنا فتن المال والشبهات والجاه والرياسة وفتنة النساء، وكذلك مخالطة الكفار والإعجاب بهم وتقليدهم، إنما نقصد من حديثنا عن الفتن تلك التي تحدث على مستوى الأمة إما من داخلها أو من خارجها .

مؤثرات أثرت في الأمة

      وأشار القحطاني إلى مؤثرات أثرت على ثقافة الأمة، وسببّت تحولا في طريقة التعامل مع الفتن، وحري بنا أن نعود إلى النصوص التي ترشدنا إلى الطريقة الصحيحة للتعامل مع هذه الأحداث، مؤكدا في خضم الفتن أن على المسلم ألا ينسى شيئا مهما وهو أن ما يحدث يكون بقضاء الله وقدره، بقوله: «وتسمع بعض الناس يتحدثون عن أحداث الأمة، وكأن هناك قوة في العالم تدير الكون، بأن هناك أشياء تحدث على غير مراد الله، تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا، مؤكدا أن كل ذلك بقضاء الله وقدره فلا يخرج عن قضائه وقدره، وقضائه وقدره كله خير كما تعلمون؛ فلا ننسى أن ما يحدث في الأمة بقضاء الله وقدره سواء القدر الشرعي أم الكوني لا يمكن أن يحدث شيء على غير مراد الله في هذا الكون؛ فجميع من في هذا الكون بشر مستضعفون أنفاسهم وأرواحهم بيد الله -سبحانه وتعالى».

       وفند القحطاني كلام كثير من المحللين الذين يتناولون الأحداث التي تمر بالأمة الإسلامية أنها فوضى قائلا: هل يجوز أن يوصف فعل الله بالفوضى؟ قال -تعالى-: {إنا كل شيء خلقناه بقدر}، مؤكدا أنه يجب على المرء المسلم أن يؤمن بأن ما يحدث من أحداث داخلية أو خارجية هي بقضاء الله وقدره حتى يتحقق لدى المسلم الهدوء والسكينة في نفسه، مشيرا إلى قول الإمام ابن تيمية لما سئل هل يُعصى الله بأمره؟ قال: إنما يُعصى الله بعلمه؛ فالله لا يأمر بالفحشاء والمنكر، هذه نحتاج أن نبينها، ولاسيما للناشئة والشباب أن هذه المآسي والأحداث والتفرق والمناهج، هذا كله بقضاء الله وقدره الكوني والقدري لا يخرج عن أمر الله وشرعه وعلمه . 

مما أخبر الله عنه

      من ناحية أخرى أشار القحطاني أن ما يحدث في الأمة هو مما أخبر عنه الله -تعالى- ونبيه  صلى الله عليه وسلم ؛ فهذه الفتن والأحداث هي سنة ماضية على الأولين والآخرين قال -تعالى-: {أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون}، مشيرا أنه لابد أن يكون الناس على استعداد للصبر والثبات في مواجهة هذه الفتن تأسيا بالأنبياء  صلى الله عليه وسلم ، وأن يوطن المسلم نفسه أنه يلقى ابتلاء أو إيذاء في نفسه وجسده، ولم يسلم منها حتى الأنبياء فإنهم قد أوذوا في أنفسهم .

مما أخبر النبي  صلى الله عليه وسلم عنه

     وهذا أيضا مما أخبر عنه النبي  صلى الله عليه وسلم في أحاديث الفتن حديث افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، وافترقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة، وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار، إلا واحدة، قيل: من هي يا رسول الله، قال: من هم على مثل ما أنا عليه وأصحابي، وفي رواية قيل: هم الجماعة، مشيرا إلى استغرابه من تساؤل الناس عن الإسلام والفرقة فيه وكثرة الخلافات، مجيبا بأن هذه سنة الإسلام ومن محاسن الإسلام وجود هذه الاختلافات لإعمال العقل ولكي يكون هناك ورع وتقوى .

     كذلك من أحاديث الفتن قوله  صلى الله عليه وسلم : «بادروا إلى الأعمال فتنا كقطع الليل المظلم»، داعيا الحضور بتأمل وصف نبينا الكريم لهذه الفتن، بأنه يصبح الرجل مؤمنا ويمسي كافرا، ويمسي مؤمنا ويصبح كافرا، يبيع دينه بعرض من الدنيا قليل. 

      وذكر القحطاني حديث النبي  صلى الله عليه وسلم : «يوشك أن يكون خير مال المسلم غنم يتبع بها شعب الجبال ومواقع القطر» لماذا «يفر بدينه من الدنيا»؟ وجاء في حديث آخر عند الإمام أحمد بسند صحيح عندما ذكر الهرج: قال ليس بقتلكم الكفار ولكن يقتل بعضكم بعضا، يقتل الرجل أخاه وجاره وعمه وابن عمه، نعوذ بالله، ولقد حصل هذا كما أخبر النبي  صلى الله عليه وسلم .

تغير أحوال الناس

     كذلك -أيها الأحبة- مما أخبر عنه النبي  صلى الله عليه وسلم تغير أحوال الناس، أنس بن مالك رضي الله عنه يقول في زمن التابعين: «إنكم لتعملون أعمالا كنا نعدها في زمن النبي  صلى الله عليه وسلم من الموبقات»؛ فماذا نقول نحن في هذه الأزمان؟ تغير الزمان والأحوال وضعف الدين وتبدل الأشياء مما أخبر عنه النبي  صلى الله عليه وسلم ، متسائلا، هل نحن نعيش في آخر الزمان؟ أجاب بأن الشيخ ابن باز -رحمه الله- سئل هذا السؤال فأجاب: لقد بدأت علامات آخر الزمان منذ نهاية القرن الأول. 

     أخبر صلى الله عليه وسلم أيضا في حديث آخر: أن من أشراط الساعة أن يرفع العلم، ويظهر الجهل، ويفشو الزنا، ويكثر القتل، وتشرب الخمر، ويذهب الرجال، ويبقى النساء حتى يكون لخمسين امرأة قيم واحد، قيم وليس زوجا كما يفهم بعض الناس هذا الحديث، مشيرا إلى أن هناك دولاً إسلامية عددهم عشرة ملايين لا يوجد فيهم عالم واحد، عالم رباني واحد! ويرغبون رغم ذلك بتطبيق الشريعة .

طريقة السلف

     وأشار القحطاني إلى طريقة السلف في التعامل مع الولاة متأسين بهدي النبي صلى الله عليه وسلم بالصبر والسمع والطاعة كما قال  صلى الله عليه وسلم : «وإن تأمر عليكم عبد حبشي»، حتى لا تكون هناك فوضى وانفلات؛ فيُعمل السيف ويهدم كيان الأمة؛ فيتجرأ عليها الأعداء؛ فالإسلام عندما يعطي هذه الحقوق للولاة ليس تقديسا أبدا؛ فالأمة إذا انشغلت بالطعن في الولاة والحكام حلت الفوضى والدمار في البلدان كما تعرفون الواقع اليوم نسأل الله السلامة .

مما يغفل عنه الناس

     وبيّن القحطاني أنه مما يغفل عنه الناس في زمن الفتن الدعاء واللجوء الى الله بكثرة الاستغفار والتوبة ، فإذا كثرت الفتن علينا أن نلجأ إلى الله، ونجتهد في العبادة، كما ثبت عن النبي  صلى الله عليه وسلم في صحيح البخاري «العبادة في الهرج كهجرة إلي»؛ لأنه في زمن الفتن الناس ينصرفون عن الذكر والعبادة إلى القيل والقال والأحاديث وكثرة الكلام فيما لا فائدة فيه؛ فمن هدي النبي  صلى الله عليه وسلم في الفتن الإكثار من العبادة مثل الزيادة من الصيام والقيام والصدقة لعل الله -عز وجل- يدفع البلاء .

     وروي عن بعض السلف: ادفعوا الفتن بتقوى الله، والله -سبحانه- قد لام أقواما {فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا ولكن قست قلوبهم}؛ فالتضرع إلى الله -عز وجل- وقت الأزمات والفتن هي تربية إيمانية للمسلم يحثنا عليها ديننا الحنيف، ويجب أن نعلمها لأبنائنا ونغرس فيهم ذلك . 

حفظ اللسان

     من الأمور المهمة في زمن الفتن حفظ اللسان، يقول ابن عمر: «وقع اللسان في الفتنة أشد من وقع السيف»، ويقول ابن مسعود رضي الله عنه في معرض حديثه عن التصدر للفتن: «أن تكون تابعا في الخير خير من أن تكون رأسا في الشر».

     من هدي النبي  صلى الله عليه وسلم في زمن الفتن حفظ اللسان؛ ففي أيام الفتن لا تتكلم فيما لا فائدة منه، بعض الناس اليوم يخوض ويتصدر في الأمور وفي الأحداث رغم أنه لم يطلب منه ذلك مؤكدا على أن بعض مجالسنا اليوم تتناول الأحداث التي تمر بالأمة الإسلامية من خلال كلام أغلبه ظني لا حقيقة فيه؛ فمن آفات اللسان في زمن الفتن الوقوع في أعراض الناس وفي الحكم على الأشخاص مشيرا إلى التسرع في الحكم على الناس رغم أن الله -عز وجل- يقول: {يا أيها الناس إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا}، ولاسيما في زمن الفتن فكلما صد المسلم عنها وكف نفسه عنها يكون أسلم لدينه وعرضه .

     مؤكدا أن النبي  صلى الله عليه وسلم قدّم لنا منهجا في التعامل مع الفتن بالاعتزال عنها ونهانا عن الخوض فيها قال  صلى الله عليه وسلم : «ستكون فتن القاعد فيها خير من القائم والقائم خير من الماشي والماشي خير من الساعي فمن تشرّف لها تستشرفه» أي تهلكه.

التصدي للفتن

      التصدي للفتن ليس هو قوة شخصية أو رجولة أو ديانة كما يظن بعضهم، إنما الديانة في الفتن بالاعتزال عنها والكف عن الخوض فيها، نحن نعرف الفتن التي حدثت في عهد الصحابة بعد مقتل عثمان رضي الله عنه ، هل تعلمون أنه لم يشارك فيها كثير من الصحابة، ولم يشارك فيها إلا أقل من القليل، الصحابة اعتزلوا ما حدث بين علي ومعاوية -رضي الله عنهما- يقول محمد بن سيرين: «هاجت الفتنة وأصحاب رسول الله أكثر من عشرة ألاف لم يشارك فيها إلا حوالي ثلاثين رجلا»، والشعبي يقول: «لم يشارك فيها إلا أربعة فإن شارك خامس فأنا كذاب»، كلما اعتزلت وقلت لا أدري، كلما كان أسلم لك ودينك وعرضك؛ فاليوم الكل يحلل، ويفصل ويحكم على الآخرين، وهو ليس لديه علم يقيني . 

الرجوع إلى العلماء

      الرجوع إلى العلماء مهم في زمن الفتن قال -تعالى-: {وإذ جاءهم أمر من الأمن أوالخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم}.

       الرجوع للعلماء أبرأ للذمة؛ فإننا نحذر من المتعالمين في زمن الفتن، فإذا حصلت الفتنة ظهر لدينا فجأة مجموعة من المتعاملين لا يعرف لهم سابقة في العلم ولا شيخ تعلم على يديه ولا أقران في العلم، وهذا يعود إلى خلل لدينا في أوساط المسلمين في تعريف من هو العالِم؛ لذلك ضل كثير من الشباب وفتنوا ببعض هؤلاء؛ لأنهم ابتعدوا عن العلماء الربانيين، فينبغي أن نحافظ على وحدة الصف وجمع الكلمة والمحافظة على كيان العلماء واحترام وهيبتهم.

احترام الولاة

       واستغرب القحطاني في معرض كلامه بقوله: تخيلوا أمة لا تحترم ولاتها وحكامها ولا علماءها فأي حياة هذه؟! وكيف يعيش الناس؟ فاليوم بعض الناس إذا اختلف مع أحد مستعد أن يهدم كيان الأمة بأكمله!! مشيرا إلى موقف الشيخ بن باز -رحمه الله- إلى دعمه لبعض الدعاة الذين لديهم أخطاء وملاحظات فيسألهم كم تعطونه نسبة من عمله؟ يجيبون : 60 أو 70 %؛ فيجيب: بركة وحسابهم على الله .

تأويل الأحاديث

      وختم القحطاني محاضرته بالتحذير من تأويل الأحداث من خلال الرؤى الشيطانية التي يراها بعض المفتونين؛ فمن خلال خبرته بالتعامل في لجنة المناصحة، سمع عن كثير من الرؤى التي ضل من خلالها الشباب، وفسروا الواقع من خلال هذه الرؤى المغلوطة التي يزينها الشيطان، ودعا من الحذر في المبالغة بإنزال بعض الأحاديث النبوية على الأحداث والنوازل، واستشهد بقول القرطبي لا يكاد أحد يجزم بأن الحادثة الفلانية هي التي ذكرت في حديث ما .

 

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك