رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الفرقان 29 يناير، 2022 0 تعليق

محاضرة الافتتاح للمخيم الربيعي لتراث الأحمدي ومبارك الكبير – د. فرحان عبيد الشمري: من أعظم صفات المسلم شكر النعم

 

 

شُكْرُ النِّعْم من أجل الصفات وأطيبها التي يجب أن يتصف بها المسلم، وهي من مكارم الأخلاق، والشكر هو المجازاة على الإحسان، والثناء الجميل على من يقدم الخير والإحسان، ومن المعلوم أن الله -جل وعلا- أسبغ علينا نعما كثيرة، ولم يزل يسبغ على عباده النعم الكثيرة، وهو المستحق -سبحانه- لأن يشكر على جميع النعم، وهو من أسمائه -سبحانه-، فالله -تبارك وتعالى- هو الشكور، ومن صفاته الشكر -سبحانه وتعالى-، لذلك فهي صفة جليلة وعظيمة يجب علينا أن نتصف بها بحسب أحوالنا واستطاعتنا وقدرتنا.

     واسم الله الشكور له معان، فمن معانيه الذي يعطي كثير الجزاء على قليل العمل، وضرب العلماء مثلا لذلك فقالوا: أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - أنَّ امرأة بغيا سقت كلبا؛ فشكر الله لها فغفر لها. أي أورثها جنة عرضها السموات والأرض بسقاية كلب. قال ابن تيمية -رحمه الله-: لما قام في قلبها من الإخلاص، فهذه أعمال القلوب ترفع الآدمي، وترفع المسلم أضعاف أضعاف ما يقوله أو ما يفعله في أعمال الجوارح، ومن ذلك أيضًا ما روته السيدة عائشة -رضي الله عنها-: «دَخَلَتِ امْرَأَةٌ معهَا ابْنَتَانِ لَهَا تَسْأَلُ، فَلَمْ تَجِدْ عِندِي شيئًا غيرَ تَمْرَةٍ، فأعْطَيْتُهَا إيَّاهَا، فَقَسَمَتْهَا بيْنَ ابْنَتَيْهَا، ولَمْ تَأْكُلْ منها، ثُمَّ قَامَتْ، فَخَرَجَتْ، فَدَخَلَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَلَيْنَا، فأخْبَرْتُهُ فَقالَ: مَنِ ابْتُلِيَ مِن هذِه البَنَاتِ بشيءٍ كُنَّ له سِتْرًا مِنَ النَّارِ»، وأيضا يقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم -: «بينما رجل يمشي؛ إذ رأى غصن شجرة، فقال: لأُنَحِيَنّ هذا عن طريق المسلمين، فشكر الله له وغفر له». فانظر كيف يشكر الله العمل -سبحانه وتعالى-، ويعطي كثير الجزاء على قليل العمل.

نِعَم الله لا تحصى

     الكلام عن صفة الشكر لله -سبحانه وتعالى- كثير، لكن نريد نحن أن نتعلم كيف نشكر النعم؟ لابد علينا أن نعرف النعم، ومعرفة كل النعم صعب جدا؛ لأن الله -تبارك و-تعالى- يقول «وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها». فالعد قد يكون لكن الإحصاء ممتنع. نستطيع أن نعد نعم الله، ممكن نصل إلى ألف، لكن نحصي؛ بحيث لا تبقى نعمة إلا وذكرناها هذا مستحيل. وقول الله -تبارك وتعالى-: {وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ}، والآية الثانية قال: {إن الله غفور رحيم}. قالوا: ظلوم كفار، لا يشكر كثيرا من النعم، لكن إن شكر فإن الله غفور رحيم. فهذه بشرى من الله -تبارك وتعالى- لأهل الشكر.

الشكر صفة الأنبياء

     ويحب الله -تبارك و-تعالى- العبد الشاكر؛ لذلك كانت صفة الشكر من صفات الأنبياء، قال -سبحانه- عن إبراهيم -عليه السلام-: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، شَاكِرًا لِأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} النحل (120/121)، وقال الله -تبارك وتعالى- عن نوح -عليه السلام-: {إنه كان عبدا شكورا}، وهذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما بشّره الله -جل وعلا- بقوله: {ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر} قالت له عائشة: يا رسول الله، غُفِرَ لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر، ومع ذلك تتعب نفسك بكثرة القيام! قال: أفلا أكون عبدا شكورا؟

أعظم النعم معرفة الله -تعالى

     ومن أعظم النعم، معرفة الله -سبحانه وتعالى-، فمعرفة الله -جل جلاله- وعبادته كما قال ابن القيم -رحمه الله- أعظم وأجل من الطعام والشراب والهواء، والنبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: «ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين»؛ لأن الله -جل جلاله- إذا وكلك إلى نفسك طرفة عين، هلكت، ومن ذلك ذهابك إلى الصلاة، فإن المؤذن إذا قال الله أكبر، قلنا مثله، فإذا قال حي على الصلاة، قلنا لا حول ولا قوة إلا بالله، وهذه كلمة استعانة تعني لا حول لنا ولا قوة في الذهاب إلى الصلاة والامتثال لأمر الله والوقوف بين يديه إلا بحول وقوته -سبحانه وتعالى-، فاستشعروا عندما تقولون لا حول ولا قوة إلا بالله، أنه يا رب لا حول لنا في طاعتك، في الاستقامة، في الهداية، في السداد والتوفيق، في كل شيء إلا بأمرك يا ربنا.

نعمة العقيدة الصحيحة

     ومن شكر النعم أن الله -سبحانه وتعالى- هداك للعقيدة الصحيحة، فإنك -بحمد الله تبارك و-تعالى- لا تعبد إلا الله، ولا تتوكل إلا على الله، ولا تستعين إلا بالله، ولا تستغيث إلا بالله، ولا ترجو ولا ترغب ولا ترهب إلا بما عند الله -سبحانه وتعالى- من خير وغير ذلك، لذلك من شكر نعمة العقيدة الصحيحة التي أعطاك الله إياها أنك تتمسك بها وتتعلمها، ثم تعمل بها، ثم تنشرها، ثم تنابذ ما يخالفها من الشرك.

عَرَفتُ الشَرَّ لا لِلشَر لَكِن لِتَوَقّيهِ

                              وَمَن لَم يَعرِفِ الشَرَّ مِنَ الخَيرِ يَقَع فيهِ

     ومن شكر نعمة العقيدة الصحيحة أن يتعلم المرء أنواع الشرك حتى لا يقع فيه، فالشرك شركان، أكبر وأصغر، والكفر كفران أكبر وأصغر. والنفاق نفاقان اعتقادي وعملي، لابد من تعلم هذه الأمور لتجنب الوقوع فيها، يقول أحد التابعين: أدركت عددا كبير من الصحابة كلهم يخشى على نفسه النفاق، فيخافون أن يُسلب التوحيد منهم، وأن تُسلب العقيدة منهم، فما لنا لا نخاف؟! وإذا كان أبو الأنبياء إبراهيم -عليه الصلاة والسلام- يقول: {واجنبني وبني أن نعبد الأصنام} يخاف وهو الذي كسّر الأصنام، فما بالي أنا وأنت لا نخاف؟!

نعمة السنة

     ومن نعم الله -سبحانه وتعالى- أن جعلنا على السنة، وكثير من الناس قد كان من أهل البدعة والضلالة والانحراف والعياذ بالله، ولو قرأتم الملل والنحل، ومَن كتب في الفرق فستعجبون والله كيف أن هؤلاء ضلوا مع وجود الكتاب والسنة؟! لكن القضية ليست قضية عقل، بل القضية توفيق، ولذلك يقول الطحاوي -رحمه الله- في العقيدة: نقول في توحيد الله معتقدين -بتوفيق الله -، يعني لولا توفيق الله ما حصلنا التوحيد.

الاتباع ونشر السُنّة

فكيف نشكر نعمة السنة؟ أولا: باتباع النبي - صلى الله عليه وسلم -، والعمل بهديه، ثم نبذ البدعة مهما كانت، ونبذ كل ما يُخالف سنة النبي - صلى الله عليه وسلم -، ثم مِن شُكْر النعمة نشر السنة، وبحمد الله هذه الدعوة السلفية قائمة على نشر التوحيد ونشر السنة، ونبذ الشرك ونبذ البدعة.

نعمة الأمن

     ومن النعم التي أعطانا الله -سبحانه وتعالى-، نعمة الأمن، فإننا -بحمد الله- نرفل بهذه النعمة العظيمة، التي يتخطف الناس من الخوف والجوع والحروب وغير ذلك من حولنا ونحن آمنون بحمد الله -تبارك وتعالى-، وما ذلك إلا بطاعة الله والعمل بمرضات الله -سبحانه وتعالى-، والعمل على السنة، والعمل على تحقيق الأمن، ومن أسباب تحقيق الأمن السمع والطاعة لولاة الأمور الذين ولّاهم الله -سبحانه وتعالى- أمورنا والحمد لله رب العالمين، وكان من نهج السلف الصالح في نصح الولاة أن يكون النصح سرا دون إثارة ودون خروج ولا تشغيب ولا غير ذلك، بل نسمع ونطيع وفق مرضات الله -سبحانه وتعالى.

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

     كذلك علينا حتى نكون مجتمعا آمنا أن نأمر بالمعروف وننهى عن المنكر، ولا يقول إنسان لا شأن لي بذلك، نبدأ أولا بأنفسنا ثم بأهلنا وأولادنا قال -تعالى-: {يايَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا}، فإن مِن شُكر النعم أنك تقي نفسك وتقي أولادك وتقي جيرانك وتقي مجتمعك النار، وتنصحهم وتذكرهم بالله -سبحانه وتعالى-، لعل الله -سبحانه وتعالى- أن ينشر هذا الخير وينشر السلام وينشر المعروف، ويدحر المنكر، فلا يظن إنسان أن عمله لا يبارك الله فيه، بل إذا أخلص النية يبارك الله -تعالى- فيه، رأينا مثلا أن بعض الناس يضع شجرة للكريسماس، فلو تحركنا على نواب مجلس الأمة، أو بالكلمة، أو بتغريدة، ربما كتب الله -سبحانه وتعالى- لك البركة في عملك ولو كان يسيرا، فيمنع منكرا عظيما.

نعم لا تحصى ولا تعد

     والإنسان إذا عدد نعم الله -تعالى- عليه لا يحصها: نعمة المال، ونعمة الصحة والعافية، ونعمة الخير، ونعمة العلم، هذه كلها نِعَم أنعم الله -سبحانه وتعالى- بها علينا؛ لذلك نحن نريد أن نشكر الله -جل وعلا-، والشكر يكون بالقلب واللسان والجوارح، أما القلب فإنك تعلم أن هذه النعمة أعطاك الله إياها فلا تنسبها لغيره، قال -تعالى-: {وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون}، أي تجعلون شكر النعمة أنكم تكذبون فتنسبون النعمة لغير الله -جل وعلا.

التوحيد أولى

     عن زيد بن خالد - رضي الله عنه - قال: «صلى لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلاة الصبح بالحديبية على إثر سماء كانت من الليل، فلما انصرف أقبل على الناس فقال: هل تدرون ماذا قال ربكم؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: قال: أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر، فأما من قال: مطرنا بفضل الله ورحمته فذلك مؤمن بي كافر بالكوكب، وأما من قال: مطرنا بنوء كذا وكذا فذلك كافر بي مؤمن بالكوكب.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك