محاضرات منتدى تراث الرمضاني الرابع – المؤسسات الفكرية والأكاديمية وأثرها في نهضة الأمة
- السعيدي: لابد للمراكز البحثية التي تعنى بالإسلام أن يكون بينها تعاون وتواصل قوي للوصول إلى رؤية موحدة وتجديد الطرح لكي يكون هناك مخرجات تعالج الواقع وتقف دائمًا على مستجداته والتحديات التي تواجه مجتمعاتنا العربية والإسلامية
- ينبغي أن تكون أعمال المراكز البحثية أو جزء منها موجها لإصدار التقارير مثل تقارير الانحرافات الأخلاقية ولا سيما مع الانفتاح الهائل في مواقع الانترنت ووسائل التواصل الاجتماعي
- مهمة المراكز البحثية ليست فقط نشر الكتب مثل دور النشر وإنما مهمتها الأساسية القضايا وعمل التقارير ونشر البحوث حولها هذا هو العمل الأساس لمراكز الدراسات
- الذي ينبغي علينا هو التركيز على المراكز التي تعتني بتعزيز الإسلام وهي ليست قليلة بل كثيرة لكن أغلبها مراكز ضعيفة
- العالم الإسلامي في حاجة إلى المراكز البحثية من أجل تقديم المشورة لأصحاب السياسات وتوجيههم إلى أفضل القرارات واتباع أرشد السياسات
- لابد من عمل تقارير عن السنة النبوية عن طريق الإعلام لكي تصل هذه التقارير إلى الناس وهذه مهمة المراكز البحثية حتى يقربوا الناس من دين الله عز وجل ومن المنهج السلفي
- الإعلام في حاجة إلى أن يعزز دعوته إلى حسن الأخلاق من خلال تقارير مراكز الدراسات لكن مع الأسف لا يوجد هذا الأمر وإن وجد فهو ضعيف جدا
ما زلنا في استعراض محاضرات منتدى تراث الرمضاني الرابع؛ حيث المحاضرة السادسة من محاضرات المنتدى التي كانت بعنوان: (المؤسسات الفكرية والأكاديمية وأثرها في نهضة الأمة)، للشيخ د. محمد بن إبراهيم السعيدي، (أستاذ الفقه وأصوله ومقاصد الشريعة والمذاهب والتيارات بجامعة أم القرى).
بدأ الشيخ محاضرته بالحديث عن المقصود بالمؤسسات الفكرية؛ حيث بين أنها المراكز البحثية، وإلا فكلمة مؤسسة فكرية قد تشمل أشياء كثيرة، والمؤسسات الأكاديمية أيضًا ما كان في معنى المراكز البحثية كالكراسي العلمية، وبذلك نقول: إن المؤسسات الفكرية والكراسي العلمية في العالم العربي أجمع، ولنقل للعالم الإسلامي كثيرة جدا، إلا أن الفاعل منها الذي يؤدي دوره قليل جدا، فلدينا -على سبيل المثال- مراكز في مصر والأردن والمغرب العربي وفي دول الخليج، لكن كما ذكرنا القليل من هذه المراكز هو الذي يعمل.مراكز الدراسات الإسلامية
لكن الذي ينبغي علينا هو التركيز على المراكز التي تعتني بتعزيز الإسلام، وهي ليست قليلة، هي كثيرة، لكن أغلبها مراكز ضعيفة، وليس بينها مركز واحد أخذ مرتبة من المراتب الأولى، كل المراكز الفكرية التي أخذت المراتب الأولى ليست مراكز إسلامية، ومن أسباب هذا الضعف أن المؤسسات الإسلامية في العالم العربي، الكثير من هذه المراكز أشعرية وماتريدية، وهذه المؤسسات لا تعمل على نشر الإسلام بقدر ما تعمل على إحياء الفكر الأشعري وإحياء التصوف وضرب المنهج السلفي، إنهم يحاولون إعادة التراث الأشعري ونشره، ويظهر ذلك في تحقيقات كثيرة لكتابات الأشاعرة الأوائل، وهذه الكتابات الأشعرية ظلت زمنا وهي مهجورة، ليس لها حظوة، وهذه الكتابات الأشعرية بدأت تخرج وتبرز في محاولة لإظهار الفكر الأشعري على أنه الفكر المتقدم وعلى أن الفكر السلفي هو المتأخر، وهذه المراكز في العالم العربي تعمل على هذا الشكل، ويتم دعمها على نطاق واسع.المراكز السلفية
وفي المقابل نجد أن المراكز التي تهتم بالتراث السلفي وكتب السلف مراكز ضعيفة من حيث الدعم المادي الذي يقدم لها، وكذلك انشغالها بالرد على الشبهات التي تثيرها المراكز الأشعرية؛ فالطرح الذي يطرحونه طرح جديد على الأمة؛ لأن الأمة -منذ زمن- لم تستمع للطرح الأشعري بهذه القوة.واقع المراكز البحثية
وإذا نظرنا إلى واقع المراكز الموجودة بالمغرب العربي والمملكة العربية السعودية والكويت، نجد أن هناك العديد منها، ففي السعودية نجد على سبيل المثال مركز سلف للبحوث والدراسات، ومركز الدرر السنية، وفي الكويت توجد جمعية إحياء التراث الإسلامي بما تخرجه من إصدارات عبر مجلة الفرقان ومركز ابن خلدون للدراسات، لكن هذه المراكز في تقديري كثير منها تعمل عمل دور نشر، ولا تعمل عمل المراكز البحثية، فبالرغم من أنهم ينشرون الكتب المتميزة التي نحتاجها، لكن مهمة المركز البحثي ليست فقط نشر الكتب، إنما مهمته الأساسية القضايا، بمعنى أنه يأتي إلى القضية التي يراد لها البحث، فيبحث فيها وينشر، كما تفعل المراكز البحثية الأوروبية، في بحوث قصيرة لا تتجاوز الأوراق العلمية، هذا هو العمل الأساس لمراكز الدراسات، أما عملها في الوقت الحاضر فمعظمها يعمل عمل دور النشر، وإن كان المفترض أنها أسست لكي تكون مراكز بحثية تُعنى باستمرار البحث في القضايا الحاصلة، ونشر البحوث حول تلك القضايا.مركز سلف للبحوث والدراسات
على سبيل المثال مركز سلف الذي أتشرف بالإشراف عليه، نحاول أن يكون الأمر كذلك، نحاول أن نكون جهة تصدر التقارير باستمرار عن القضايا المهمة في الأمة، لكن ما زال عندنا ضعف في عمل التقارير، والتقارير هي التي تُعنى بالأرقام والإحصائيات، هذه التقارير لم نبدأ فيها بداية جيدة، هناك عدد من التقارير قمنا بها، لكن ليست بالشكل الذي نريده، وهذه التقارير الحقيقة هي لباب عمل مراكز الدراسات، وهي عمل المراكز الحقيقي، فأنا أقول حتى مركز سلف، وإن كان يعمل أسبوعيا على إصدار ما لا يقل عن ورقتين علميتين، إلا أن هذه الأوراق العلمية لا يوجد بينها تقارير، ومع أن هذا العمل على إيجاد تقرير هو المفترض وإن كنا قد أوردنا أو أصدرنا تقارير، لكن ليست بهذا الحجم المطلوب.هكذا ينبغي أن تكون أعمالنا
وهكذا ينبغي أن تكون أعمالنا، أو يكون -على الأقل- جزء من أعمالنا موجها في إصدار التقارير، مثلا نصدر تقريرا عن الخطر الأشعري، وتقريرا عن الخطر ضد الأخلاق، ولا سيما مع الانفتاح الهائل في مواقع الانترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، وانتشار الدعوة للشذوذ الجنسي، فكان يفترض أن يصدر من أي مركز من المراكز العربية تقرير حول: ماذا يمكن أن نعمل تجاهه؟ وكيف نرد هذه الموجات؟ ومثل هذا التقرير بالشكل المطلوب لم يصدر مع الأسف، نعم تم التحذير من سوء الأخلاق، ومن الانفتاح، لكن تقرير مهني، لا أعتقد أن أحدا قدم مثل هذا الأمر، العالم الإسلامي في حاجة إلى مثل هذا لتوجيه السياسات وتعزيزها نحو هذا التوجه، ولا شك أن مراكز العمل السياسي لديها أجهزة خاصة تستطيع رصد كافة هذه التيارات بدقة.مراكز الدراسات العالمية
هناك العديد من مراكز الدراسات العالمية مثل مركز راند، ومركز واشنطن للدراسات، ومركز الشرق الأوسط للدراسات، ومركز الشرق الأدنى للدراسات، وهذه مراكز علمية، وإن كان في قراراتها وفي قراءاتها كثير من الفشل، فهم لديهم ثقة عمياء في بعض الناس الذين يقدمون لهم الأموال لكي يقدموا لهم أبحاثا في الشرق الأوسط مثلا، فيقدمون أبحاثا على غير الحقيقة، تقارير (راند) حوالي عشرة تقارير لراند كلها تقدم أبحاثا على ما يشتهي الباحثون، وليس على ما يجد الباحثون، ومع أنها أبحاث مدفوعة الأجر بالكامل، ولديهم من الامتيازات ما لا يوجد عندنا، فالذي لا يوجد عندنا هو أن يكون البحث ممولا تمويلا كبيرا جدا، سواء كان تمويلا وقفيا أم تمويلا تصدره الحكومة، هذا لا يوجد عندنا؛ لذلك نجد أننا غير قادرين على أن نقدم توجيها لمثل هذا الأمر. فنحن في حاجة إلى أن يكون عملنا غزيرا بمثل هذا الشكل ومثل هذا الدعم، وأنا أقترح أن توجه الأوقاف العلمية نحو مراكز البحث وأن تفيدها، وأن تعطيها هذا المردود لكي تبحث وتقدم تقارير، ونحن -كما قلت- في حاجة إلى تقديم تقارير عن مشكلات كثيرة جدا في العالم الإسلامي.بين المواجهة والتنمية
حينما نتحدث عن المراكز البحثية الإسلامية نجد أن بعضها انشغل بالفكر الأشعري والصوفي ومحاولة نشره، ومراكز أخرى انشغلت بالفكر السلفي ومحاولة نشره، ومن تلك المراكز مركز البيضاء انشغل بالرد على الفكر الوافد الجديد الذي يدعو إلى الطاقة، وإلى تعزيز علم الطاقة فيما يزعمون، ومركز آخر مثل مركز تكوين انشغل بالرد على الملحدين، وأيضا له كتابات كثيرة عن العقيدة السلفية، لكن في الغالب هي محاولة تنظيف الساحة الإسلامية مما يأتيها من ويلات ومن شرور. أما العمل على تنمية الساحة الإسلامية فهذا في تقديري لا يوجد، وإن وجد فوجوده ضعيف جدا، لذلك لا يستفيد الناس منه كثيرًا، ولو سألت الناس عن هذه الأمور لم تجد عندهم خبرًا، ونحن في المراكز العلمية لا نطلب من الناس ولن نريد الشهرة، بمعنى أن يصبح لدى كل إنسان مسلم معرفة بالمراكز العلمية؛ لأن المركز العلمي يوجه.حاجة الإعلام إلى المراكز البحثية
لكن نقول إن ضخ الكم الأخلاقي هذا مهم جدا، سواء جاء عن طريق المراكز البحثية، أو جاء عن طريق غيرها، ويكون هذا الضخ كبيرا جدا؛ بحيث تستجيب المؤسسات الإعلامية، المؤسسات الإعلامية في بلادنا العربية في حاجة إلى مراكز بحثية تقودها أو توجهها، يعني لا يوجد عندنا مركز بحثي متخصص بالدراسات الأخلاقية؛ بحيث يستطيع أن يقدم هذه الدراسات الأخلاقية للإعلام، فلا يوجد دراسة أخلاقية مقدمة للإعلام من جهة مركز بحثي، الإعلام في حاجة إلى أن يعزز دعوته إلى حسن الأخلاق، لكن لا يوجد هذا الأمر، ولا يوجد تنبيه للإعلام من جهة المراكز على الأقل، قد يقال: إن الإعلام ليس عنده صلاحية لكي يكون منبرا أخلاقيا.الكراسي العلمية
أيضا بالنسبة للكراسي العلمية فهي موجودة في العالم العربي وكثيرة، ولكنها غير مشهورة، فلا يوجد كرسي بحثي علمي في العالم الإسلامي له شهرته، الكراسي البحثية، يعني مثلا عندنا في السعودية هناك كراسي علمية، وكرسي مثل الأمير سلطان، كان له جهود واضحة في الحديث عن الغزو الفكري خاصة؛ لذلك نحن في حاجة إلى تفعيل هذه الكراسي العلمية، فضلا عن ضرورة تعاون هذه الكراسي وتواصلها مع غيرها من الكراسي والمراكز الفاعلة. فلابد للمراكز البحثية التي تعنى بالإسلام أن يكون بينها تعاون وتواصل قوي للوصول إلى رؤية موحدة، وتجديد الطرح لكي يكون هناك مخرجات تعالج الواقع وتقف دائمًا على مستجداته والتحديات التي تواجه مجتمعاتنا العربية والإسلامية.أهمية الدعم للتقارير
خلاصة القول: إنَّ كتابة التقارير لها أثر كبير على الأمة؛ لذلك لابد من دعم مثل هذه التقارير، فلا يوجد شيء يغني عن التقارير في الوقت الحاضر، ولاسيما أن السياسات في العالم العربي، أو السياسات في العالم كله أصبحت لا تسير إلا وفق تقارير ودراسات دقيقة، فلا يمكننا أن نقنع مسؤولا بأن يسير على نهجنا إلا إذا قدمنا له تقريرا دقيقا، أما التقارير غير الدقيقة فليست محل بحث، بل على العكس تجعل هذا المسؤول يرفض هذا التقرير؛ لذلك أقول نحن بوصفنا مراكز بحثية عموما بحاجة إلى دعم موجه إلى مثل هذه التقارير، تستطيع من خلاله أن تجند باحثين يبحثون في هذا الأمر، يقدمون لك النتائج.المراكز والعمل الإعلامي
وهناك عمل آخر مطلوب من المراكز البحثية، وهو العمل الإعلامي، أنا لا أعرف مركزا بحثيا يقوم بعمل إعلامي، إذا كان هناك مراكز إعلامية بحثية تقوم بعمل إعلامي، فيكون هذا الأمر واجبا، ونحن نشجعه، لكن في معرفتي الخاصة لا يوجد مركز بحثي يقوم بعمل إعلامي، فما العمل الإعلامي المطلوب من المراكز البحثية؟العمل الإعلامي المطلوب
العمل الإعلامي المطلوب من المراكز البحثية هو العمل الذي تنتجه بحوثهم، بمعنى أن البحث العلمي يوصي صاحبه، بالنشاط الإعلامي في جهة معينة، ينبغي على المركز أن يقدم هذه التجربة أولا، وأن يقدم المادة الإعلامية لكي يحذو البقية حذوها، وأن يقدم هذه المادة، لكن لا أعرف مركزا بحثيا قدم مادة علمية بشكل إعلامي، إذا كان أوصى البحث بإعطاء مادة علمية مثلا، أو كذلك قدم البحث توصية للإعلاميين بسلوك مسلك معين، ينبغي أن يقدم هذا المركز النموذج المطلوب لبيع مثل هذا الأمر، إضافة إلى العمل الإعلامي الذي ينبغي أن يكون في الزاوية التي تعمل فيها المراكز حقيقة، وهي زاوية العمل لأجل الله -سبحانه وتعالى-، العمل الخالص لأجل الله -سبحانه وتعالى.تقارير عن السنة النبوية
لابد من عمل تقارير عن السنة النبوية عن طريق الإعلام؛ لكي تصل هذه التقارير إلى الناس، وهذه مهمة المراكز البحثية حتى يقربوا الناس من دين الله -عز وجل- ومن المنهج السلفي، نعم نسمع كثيرا عن أعمال إعلامية، لكن هذه الأعمال الإعلامية موجهة من أفراد وليست موجهة من مراكز، وقد تكون هذه المراكز ليست فكرية، قد تكون هذه المراكز إعلامية وتقدم عملا إعلاميا لتوجيه الناس، لكن لا يوجد مركز بحثي يرعى عملا إعلاميا على نظر هذا المركز البحثي أو كذلك نشاطا يرعاه كرسي من الكراسي البحثية المسؤولة عن رعاية مثل هذا الأمر، فهذا الذي قدمته لكم أرجو أن يكون -إن شاء الله- صحيحا.حاجة العالم الإسلامي إلى المراكز البحثية
العالم الإسلامي في حاجة إلى المراكز البحثية؛ من أجل تقديم المشورة لأصحاب السياسات في توجههم، فمثلا كتب أحد المراكز العربية تقريرا تكلم فيه عن السلفية محاولا تشويهها، وما يمكن أن تحدثه من مشكلات في بلداننا، ثم قدم الصوفية على أنها النموذج الأمثل، ليبين أن مثل هذه التوجهات سوف تريح القادة وتريح الناس من كثرة التشغيبات التي تحدثها السلفية، هكذا كانت الرسالة موجهة لصناع القرار، لذلك يفترض أن يكون اهتمام مراكز الدراسات هذه الرسائل الموجهة لصناع القرار، لكن -مع الأسف- لا يوجد.أهمية الدعم للتقارير
كتابة التقارير لها أثر كبير على الأمة؛ لذلك لابد من دعم مثل هذه التقارير، فلا يوجد شيء يغني عن التقارير في الوقت الحاضر، ولاسيما أن السياسات في العالم العربي، أو السياسات في العالم كله أصبحت لا تسير إلا وفق تقارير ودراسات دقيقة، فلا يمكننا أن نقنع مسؤولا بأن يسير على نهجنا إلا إذا قدمنا له تقريرا دقيقا، أما التقارير غير الدقيقة فليست محل بحث، بل على العكس تجعل هذا المسؤول يرفض هذا التقرير، لذلك أقول نحن المراكز البحثية عموما بحاجة إلى دعم موجه إلى مثل هذه التقارير، تستطيع من خلاله أن تجند باحثين يبحثون في هذا الأمر، ويقدمون لك النتائج.
لاتوجد تعليقات