محاضرات منتدى تراث الرمضاني الرابع – أهمية الشعور بالمسؤولية وتحملها
- الهواري:
- إننا في حاجة لتعلم ديننا لنكون قادرين على الرد على الشبهات التي يلقيها أعداؤه وحاقدوه وحاسدوه لأنهم لن يكفوا عن طرح الشبهات وتضخيمها وتنفير الناس من خلالها
- الشعور بالمسؤولية هو علم العبد أنه مكلف بواجبات وحقوق هي في مقدوره وفي وسعه منها العينية ومنها الكفائية
- من أعظم المسؤوليات تجاه الرب سبحانه وتعالى أن تتعرف عليه من خلال أسمائه الحسنى وصفاته ومن خلال معاني ربوبيته لتصل لقدر التعظيم المطلوب له سبحانه وتعالى
- لن نستطيع تحقيق الشعور بالمسؤولية تجاه الرب تعظيما وإجلالا وتقديسا له سبحانه وتعالى إلا إذا أدركنا مسؤوليتنا تجاه أنفسنا والقيام عليها على نحو صحيح
- البديل لعدم الشعور بالمسؤولية هو الفوضوية والعشوائية والغفلة وعدم اهتمام بالواجبات سواء العينية أم الكفائية
- مما يحفزنا على تحمل المسؤولية كما ينبغي حجم الفتن التي لا تخفى علينا وتموج كموج البحر في ظل غلبة الجهل المنتشر بين عموم الناس
- فارق كبير بين الشعور بالمسؤولية وبين تحملها على وجه الحقيقة فقد يشعر الكثير منا بالمسؤولية
ما زلنا في استعراض محاضرات منتدى تراث الرمضاني الرابع؛ حيث المحاضرة الخامسة من محاضرات المنتدى التي كانت بعنوان: (أهمية الشعور بالمسؤولية وتحملها) التي قدمها الشيخ: شريف الهواري، (عضو مجلس إدارة الدعوة السلفية في مصر)، الذي أكد -في بداية محاضرته- أن هذا المفهوم لو نجحنا في إعادة معانيه مع تحملها بالمفهوم الصحيح، لكانت سببًا لعودتنا، وارتقائنا أفرادا وأسرا، ومجتمعات وأوطانا وأمة بأسرها بإذن الله -تبارك وتعالى.
ثم بين الهواري أن هناك فارقا كبيرا بين الشعور بالمسؤولية وبين تحملها على وجه الحقيقة؛ فقد يشعر الكثير منا بالمسؤولية، كأن يقول أرى والله حجم التحديات والمخاطر، وعِظَم حجم الفتن، وحجم الأزمات والمؤامرات، وحجم الانحراف والفساد، وحجم الكيد والمكر، ويقول نحن في خطر، والأسرة في خطر، والمجتمع في خطر، والوطن في خطر، والأمة في خطر، هذا قد يكون شعورا لدى كثير من المسلمين، لكن السؤال: من يتحمل المسؤولية ويؤدي دوره على الوجه المطلوب؟ هؤلاء لا شك قلة.تعريف المسؤولية
ولذلك نحن نُعَرّف الشعور بالمسؤولية مع تحملها معا، بتعريف بسيط ورائع وجميل جدا، باختصار شديد، الشعور بالمسؤولية له تفسير عند السلف، وله معان تطبيقية رائعة وعظيمة، قالوا: الشعور بالمسؤولية علم العبد أنه مكلف بواجبات وحقوق، هي في مقدوره، وفي وسعه، منها العينية ومنها الكفائية، وأنه عنها مسؤول وعليها محاسب بين يدي المولى -تبارك وتعالى-، فيوَلّد هذا لديه طاقة إيجابية، تقوم بمثابة قوة الدفع الذاتية، فيؤدي الأداء المتميز خوفا من اللوم والعتاب والعقاب والعذاب»، هذا معنى الشعور بالمسؤولية. وقالوا: الشعور بالمسؤولية وتحملها من أعظم أسباب الوصول إلى القمة، أي إلى قمة المثالية، والتميز والارتقاء، ومن أقصر الطرق لتحقيق الأهداف، وتحقيق المصلحة والمنفعة، وكذا النجاح والفلاح بالدنيا والآخرة، وعلى الوجه الآخر، عدم الشعور بالمسؤولية، مع تحملها من أعظم أسباب الفشل والسقوط والخيبة والخسران، وضياع الأهداف والمنافع والمصالح، فالبديل لعدم الشعور بالمسؤولية، فوضوية، عشوائية، كسل وغفلة، وتبلد في الأحاسيس والمشاعر، أي لا مبالاة وعدم اهتمام بالواجبات سواء العينية أم الكفائية، ومن ثم خطر عظيم على الجميع.لماذا الشعور بالمسؤولية؟
نضع هنا معنى تحفيزيا يحفزنا لإدراك قيمة الشعور بالمسؤولية مع تحملها على نحو صحيح، أولا من أمرك بذلك؟ هو المولى -عز وجل-؛ فقد أمرك بأن تشعر بالمسؤولية وبأن تتحمل المسؤولية، ووعدك على أداء ذلك بالأجر العظيم، وبالشرف الكبير، وتوعد على ترك ذلك بالتوبيخ والتأنيب وكذا تعريض الإنسان نفسه للعذاب وللأخذ الشديد؛ لذلك علينا وضع هذه المعاني أمام أعيننا؛ مما يحفزنا على الشعور بالمسؤولية وتحملها.الأسوة والقدوة
أيضًا أن تعلم أن الأسوة والقدوة التي أمرنا بالتسليم لها وهو النبي - صلى الله عليه وسلم - والسير وفق منهجه الذي ارتضاه -تبارك وتعالى- لنا، فقد أمرنا بالشعور بالمسؤولية، وبأن نتحملها ونؤدي دورنا على أكمل وجه إبراءً لساحتنا وذمتنا، وهذا ما وردت به الأدلة «كلكم راع وكل راع مسؤول عن رعيته»، فهكذا نحن مسؤولون مسؤولية كاملة بين يدي المولى -تبارك وتعالى-، وكلنا على ثغر من ثغور الإسلام فليحذر كل منا أن يؤتى الإسلام من قِبله.الخوف من عدم الاستعمال
قالوا أيضا مما يحفز على تحمل المسؤولية، إن لم تكن مستعملا في هذا الدور على نحو صحيح، فأنت غالبًا مستبعد، والمستبعد حتما سيستبدل ويؤتى بغيره فيؤدي دوره على الوجه الأكمل، فلا تضيّع هذه الفرصة لتنضم لقائمة الشرف العظيمة.جهود حملة الباطل
قالوا مما يحفز أيضًا على تحمل المسؤولية، أن نوقن بأن حملة الباطل يعملون لنصرة باطلهم، يواصلون الليل بالنهار دون كلل أو ملل، يبذلون الجهود والطاقات والأموال والأوقات وسائر الإمكانيات لنصرة باطلهم الذي لا يخفى عليك أنه باطل، فأنت والله أولى بذلك منهم، أولى بأن تشعر بالمسؤولية وتتحملها للحق الذي تشرف بحمله، وتقوم بنشره وبالدفاع عنه، ولذلك أتذكر قول عمر - رضي الله عنه -: اللهم إني أعوذ بك من جَلَد الفاجر، وعجز الثقة، عجيب أن يكون الفاجر لديه جَلَد يعني مواصلة ومثابرة على نصرة باطله، وأن صاحب الحق يتراخى، أو قل: محبط ومنهزم نفسيا كأنه يرى ألا عودة، وألا قدرة على أداء هذه المسؤوليات، وهذا ولا شك طعن في التشريع؛ لأن الله -عز وجل- أخبر بأنه لا يكلف الله نفسا إلا وسعها، ولا تكليف إلا بمقدور كما في القاعدة الشرعية التي نحفظها جميعا؛ لذلك قالوا: يكفيك أن يكون لديك شعور أنك إن لم تؤد هذه المسؤولية على نحو صحيح بتحملها التحمل الصحيح، أنك ستعرّض نفسك للوم والعتاب والعقاب والعذاب، على تركك لمسؤولياتك التي كُلّفت بها، وهذا من الخطر بمكان.ماذا نعني بالشعور بالمسؤولية؟
المهم عندنا أن ننتبه لهذا المعني وهو ماذا نعني بالشعور بالمسؤولية وتحملها؟أولا: المسؤولية تجاه الرب -سبحانه وتعالى
من المعاني المهمة جدا في المسؤولية، هي المسؤولية تجاه الرب -سبحانه وتعالى-، فمن أعظم المسؤوليات تجاه الرب -سبحانه وتعالى- أن تتعرف عليه من خلال أسمائه -سبحانه وتعالى- الحسنى وصفاته، ومن خلال معاني ربوبيته، والهدف من ذلك أن تصل لقدر التعظيم المطلوب له -سبحانه وتعالى- وهذا من خلال استعراض كيف خَلَقك وفَضّلك وكرّمَك، وأسبغ عليك النعم الظاهرة والباطنة، وسخر لك ما في كونه، وأخدمك حتى ملائكته، ومنّ عليك بالمثال وبالمنهج، وبيّن لك طبيعة الطريق، وحقيقة الصراع بين الحق والباطل؟المسؤولية العظمى
فالمسؤولية العظمى أن تسعى أولا أن تكون معظما لربك ومجلا وموقرا ومقدرا له -سبحانه وتعالى- من خلال تفعيل هذه العقيدة في قلبك؛ لأن هذا هو المطلوب، حينما تشعر بهذا المعنى، لا شك ستكون سامعا ومطيعا له -سبحانه وتعالى-، ولا شك ستكون ناشرا لهذا المعتقد فيه، ومعظمًا له بين الناس، ومنافحا ومدافعا عنه؛ لأنه الأهم في هذا الصراع القائم بين الحق والباطل، والمحاولات المتكررة والمستمرة لطمس معالم هذا القدْر الذي يوَلّد التعظيم، ويوَلّد -بعون الله وتوفيقه- الاستجابة، والخضوع، والانقياد، والتسليم التام، وأن تكون -كما قلنا- رهن الإشارة وطوع الأوامر؛ لذلك أين أنت من مسؤولياتك تجاه الرب -سبحانه وتعالى-؟ وكيف تؤدي هذه المسؤولية على الوجه المطلوب؟المسؤولية تجاه النفس
من الحقائق المهمة أنك لن تستطيع تحقيق الشعور بالمسؤولية تجاه الرب تعظيما وإجلالا وتقديسا له -سبحانه وتعالى-، إلا إذا أدركت هذه المسؤولية تجاه نفسك والقيام عليها على نحو صحيح؛ فالنفس هي التي ستقوم بسائر المسؤوليات الأخرى على نحو صحيح؛ لذلك عليك أن تتعرف على نفسك، المولى -عز وجل- أرشدك أن منها أمّارة ومنها لوّامة ومنها مطمئنة، وأنها تحتاج في كل وقت إلى ترويض، وإلى تزكية، وتصفية، وتخلية، وتحلية، وتحتاج إلى محاسبة، وتحتاج إلى مجاهدة مستمرة بلا انقطاع من خلال هذا المنهج المبارك، تتعرف عليها لتنجح في قيادتها وسياستها.سياسة النفس
كيف تساس الغرائز التي رُكّبَت فيك؟ كيف تُساس الجوارح التي أنعم بها عليك، المسلم إذا تعلم فن سياسة الغرائز بمنهج من خلقها ونجح في توظيفها التوظيف الصحيح، عادت عليه بالنفع في الدنيا والآخرة، أما إذا أطلق لها العنان، لا شك ستنحرف به وتسقط به في شباك الشيطان وشراكه والعياذ بالله -تعالى-، كذا الجوارح إذا قيدت، أو إذا سيست بمنهج مَن خلقها، كانت بفضل الله -عز وجل- روافد لتقوية الإيمان وتغذيته، وطيب النفس، والارتقاء بها؛ لذلك السلف يقولون: يا مسكين تعلم فن سياسة الغرائز، وفن سياسة الجوارح بمنهج من خلقها وامتن بك عليها لتنجح في أداء سائر المسؤوليات، وأدِّ دورك فيها على النحو الأكمل؛ لذلك إذا نجحنا في تعلم فن سياسة النفوس ستكون فعلا رهن الإشارة، وطوع الأوامر، وستؤدي المسؤوليات كاملة للرب -سبحانه وتعالى-، ولسائر المسؤوليات الأخرى.ثانيًا: المسؤولية تجاه الدين
أول ما نقدم بعد حق الرب -سبحانه وتعالى- وتأهيل النفس لتؤديه وتؤدي ما بعده، المسؤولية وتحملها تجاه هذا الدين، أولا- نريد أن نتفق أن الدين أعظم شيء في حياة المسلمين، معَظّم ومقَدّر وموَقّر؛ لأن الله ارتضى أن يُعبد به -سبحانه وتعالى-، {وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا}؛ ولذلك للدين مكانة عظيمة جدا في حياتنا، عقيدة، وشريعة، وكتابا، وسنة وفهما سديدا صحيحا، للكتاب والسنة، أعني به فهم السلف الصالح -رضي الله عنهم وأرضاهم.المسؤولية تجاه الدين كله
المعنى هنا المسؤولية تجاه الدين كله، عقيدة وشريعة، لابد إذا أردت أن تحقق هذه المسؤولية على نحو صحيح، بتحملها التحمل الصحيح، أن يكون الدين أحب إليك من نفسك وولدك ومالك والناس أجمعين، وأن تدخل في هذا الدين دخولا كليا {ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً}، وأن تبذل الغالي والثمين من أجل تعلّم علوم هذا الدين، عقيدة وشريعة، من مصادرها المعتمدة بفهم السلف الصالح -رضي الله عنهم وأرضاهم-، لماذا؟ كي تنجح في تطبيق هذا الدين، أولا على نفسك ودعوة الناس للتطبيق الصحيح له كما ينبغي.لتكون حارسًا أمينًا عليه
أيضا تتعلم هذا الدين عقيدة وشريعة لتكون حارسا أمينا عليه؛ لأنه مستهدف، والباطل يحاول أن يطعن عليه بقوة، أنت تعلم أن الباطل يعمل جاهدا لتغييب الدين، ولتغريبه، لاختراق الدين، بإلصاق ما ليس به فيه، لتنفير الخليقة منه، حتى لا يكون للدين سلطان ولا قدسية، ولا أمر، ولا نهي، ولا قيادة، ولا سمع ولا طاعة، هذا ما يعمل عليه الباطل الآن، فلابد أن تتعلمه أنت لتكون حارسا أمينا لتنجح في عرضه بالطريقة المثلى الآثرة المؤثرة.الرد على الشبهات
تتعلّمه لتكون قادرا على الرد على الشبهات التي يلقيها أعداؤه، وحاقدوه، وحاسدوه، وشانئوه؛ لأنهم لن يكفوا عن ذلك بطرح الشبهات وتضخيمها، وتنفير الناس من خلالها، فمن للدين إلا من تعلم الدين، ليستطيع الرد على الشبهات، والتأصيل والتنظير، وإفحام كل خصوم الدين، وبيان عظمة الدين، وأنه من عند رب العالمين -سبحانه وتعالى؟ هذا معنى مهم جدا ينبغي أن يكون حاضرا عندك للوهلة الأولى.حجم الفتن والمخاطر التي تحيط بالأمة
مما يحفزنا على تحمل المسؤولية كما ينبغي حجم الفتن التي لا تخفى علينا، التي تموج كموج البحر بل كقطع الليل المظلم، في ظل غلبة الجهل بين كثير من المسلمين، وحجم التحديات والمخاطر، وحجم المؤامرات والأزمات، وحجم المكر والكيد لهذه الأمة، من استهداف الأُسَر، واستهداف المجتمعات، واستهداف الأوطان، واستهداف الأمة وهويتها، إلى آخر هذه المعاني، أليست هذه كافية لنغار ونؤدي دورنا على أكمل وجه، وننضم بذلك إلى من ساروا على هذا الطريق من قبلنا من الأنبياء والرسل، ومن سار على دربهم ونهجهم؟ فقد كانوا مثالا يحتذى في الشعور بالمسؤولية مع تحملها وأدائها الأداء الأمثل.توريث الدين بالمفهوم الصحيح
إننا في حاجة لتعلم الدين لننجح في توريثه بالمفهوم الصحيح لمن بعدنا من الأجيال القادمة؛ لأن الباطل يريد أن يحول بيننا وبين توريث الدين بمفهوم السلف، بالفهم الصحيح لهذا الدين عقيدة وشريعة، ولذلك ينبغي علينا أن نعرف أن هذه المسؤولية من أعظم المسؤوليات بعد حق الرب -سبحانه وتعالى- وتأهيل النفس، فلابد أن يكون للدين مكانة عظيمة في قلوبنا، نتحملها بمصداقية، ونؤديها بأمثل طرائق الأداء؛ لأننا سنسأل بين يدي المولى -تبارك وتعالى- لماذا لم نؤد على النحو الذي أراده لنا -سبحانه وتعالى؟ وهذا من الأهمية بمكان.
لاتوجد تعليقات