رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: د. خالد سلطان السلطان 17 أبريل، 2023 0 تعليق

محاضرات منتدى تراث الرمضاني الثالث  – الأسرة ودورها في التحصين القيمي للأبناء  الحلقة الثانية

 

ما زال حديثنا مستمرا في استعراض محاضرة د. خالد سلطان السلطان، التي كانت ضمن محاضرات (منتدى تراث الرمضاني الثالث)، وكانت بعنوان: (الأسرة ودورها في التحصين القيمي للأبناء)، وكنا ذكرنا في الحلقة الماضية عددًا من النقاط منها: أن الأخلاق أهم ما يميز أهل الإسلام، وأن كل مولود يولد على الفطرة، ثم بينا الأسلوب النبوي في التعامل مع الأبناء والناشئة، وذكرنا منها التعامل بالثقة واحترام حقوق الأبناء.

ثالثًا: الثناء على الأبناء

     مما تميز به النبي - صلى الله عليه وسلم - حرصه على إبراز مكانة الأبناء والثناء عليهم؛ فقد قال - صلى الله عليه وسلم -: «خذوا القرآن من أربعة: من ابن أم عبد (وهو عبدالله بن مسعود)، ومعاذ بن جبل، وأبي بن كعب، وسالم مولى أبي حذيفة»، وقال: «أعلم أمتي بالحلال والحرام معاذ بن جبل». وقال: «من أراد أن يقرأ القرآن غضا طريا كما أُنزل فليقرأه على قراءة ابن أم عبد (عبدالله بن مسعود)». نرى النبي - صلى الله عليه وسلم - دائما يبرز المكانة العلمية بين الصحابة، وكذلك يثني عليهم الثناء العاطر بما حملوا من علم، وهذا كله جاء بالوحي من الله -سبحانه وتعالى- للنبي - صلى الله عليه وسلم .

رابعًا: رعاية مشاعر الناشئة

     كذلك من الأساليب التي اتبعها النبي - صلى الله عليه وسلم - رعايته لمشاعر الناشئة، وذلك بأن جاء للنبي - صلى الله عليه وسلم - مالك بن حويرث مع مجموعة من الشباب كانوا متقاربين في العمر، جاؤوا ومكثوا عند النبي - صلى الله عليه وسلم - عشرين ليلة، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - بهم رحيما رفيقا، جاؤوا ليطلبوا العلم، وبعد مرور الأيام قالوا للنبي - صلى الله عليه وسلم -: قد اشتقنا لأهلنا، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ارجعوا إلى أهليكم فأقيموا فيهم وعلموهم -أي ما تعلمتم مني- وبِرّوهم، وصَلّوا كذا في حين كذا، ثم قال - صلى الله عليه وسلم -: إذا حضرت الصلاة فليؤذن فيكم أحدكم وليؤمكم أكبركم. لماذا قدم النبي هنا الكبير في الصلاة؟ علما بأنه قال - صلى الله عليه وسلم -: يؤم القوم أحفظهم لكتاب الله، لأن كلهم في سن واحدة، وكلهم تعلموا العلم، وكلهم حفظوا المقدار نفسه، فالشيء الفارق هنا للإمامة هو العمر. هنا نرى النبي - صلى الله عليه وسلم - احترم المشاعر وأرسلهم إلى أهليهم.

خامسًا: الاهتمام بالنصيحة للناشئة

     كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يعتني عناية كبيرة بقضية النصيحة، إما كان يبتدئ بتوجيه العلم لمن يكون معه، كما كان الأمر مع معاذ بن جبل -رديف النبي - صلى الله عليه وسلم - علّمه الحديث الجليل، ما هو حق الله على العباد؟ وما هو حق العباد على الله؟ وعلّم عبدالله بن عباس حديثا عظيما «احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله»، وكذلك عندما وصى النبي - صلى الله عليه وسلم - ذلك الشاب المسافر «اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن».

غرس القيم

     وهكذا نرى النبي - صلى الله عليه وسلم - يحرص على غرس القيم العقائدية، والقيم التعبدية والقيم الأخلاقية في الناشئة من خلال النصائح والوصايا، سواء كان بطلب من الشاب للوصية أو بابتداء النبي - صلى الله عليه وسلم - بذلك، وقد جاء في السنن أن شابا سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «يا رسول الله أوصني، قال له: يا بني إذا دخلت إلى بيتك فسلّم على أهلك تكن بركة عليك وعلى أهل بيتك».

أساليب كثيرة

وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يستخدم في غرس هذه القيم أساليب كثيرة، فتارة بالتوجيه المباشر، وتارة بالقصص، وتارة بضرب الأمثال، وتارة بالحوار، والنبي - صلى الله عليه وسلم - كان يستخدم كل هذه الأساليب للوصول إلى الهدف الكبير، وهي قضية غرس القيمة الأخلاقية والعلمية والعقيدة الصحيحة في قلوب الناشئة، من خلال هذه الأدوات التي يجب على المُعلم أن يتعلمها، سواء كان أبا أم أما أ معلما أم إماما وخطيبا أم غير ذلك، فنقول له نوّع بين هذه الأساليب؛ فالنبي - صلى الله عليه وسلم - قد استخدم كل هذه الأساليب.

علاج أخطاء الناشئة

     كذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - يستخدم منهجا حكيما في علاج أخطاء الناشئة التي لها علاقة بقضية القيم، ومن ذلك أنه - صلى الله عليه وسلم - ما كان يزجر، وما كان ينتهر، ولا كان يكفهر، بل كان رحيما، رقيقا، حكيما في علاج الأخطاء، فيأتي مثلا أحد الفتيان من الصحابة ويسأل النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو بين أصحابه: يا رسول الله، ائذن لي بالزنا! الصحابة -رضوان الله عليهم- كادوا أن يقوموا عليه، إلا أن النبي أخذ يحاوره قال - صلى الله عليه وسلم -: أترضاه لأمك؟ قال: لا، قال: كذلك الناس لا يرضونه لأمهاتهم. ثم قال: أترضاه لأختك؟ قال: لا، قال: كذلك الناس لا يرضونه لأخواتهم. وهكذا كان يستدرجه النبي - صلى الله عليه وسلم - من شخصية إلى شخصية من قرابته وفي كل ذلك يقول: لا، ما أحب أحد أن يُعتدى على عرضي؛ فيقول: كذلك الناس لا يحبونه، ثم مسح النبي - صلى الله عليه وسلم - على قلبه ودعا له، اللهم طهّر قلبه واغفر له ذنبه. فيقول ذلك الشاب: فما كرهت شيئا بعد دعاء النبي - صلى الله عليه وسلم - ككرهي للزنا. تحقق هذا الأمر بعلاج هذا الخطأ. هذا نموذج من نماذج الأخطاء.

     ولما أخذ أحد سبطي النبي الحسن والحسين تمرة من كومة طعام الصدقة عند النبي - صلى الله عليه وسلم - يريد أن يضعها في فمه، وكان يوزعها النبي على حسب من يأتيه من الناس، قال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: كخٍ، أما علمت أنّا آل محمد لا نأكل الصدقة، وكان صغيرا في عمره، لكن مع ذلك كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يوجّه ويُعلم، لذلك لابد أن تُعلّم وتوجّه في الصغر، ولا تقول لما يكبر يعرف؛ لأنه إذا كبر سوف يعتاد هذا الأمر، وقد يصعب عليك حينها أن تجعله يتخلى، فاجعله منذ الصغر يتحلّى بمثل هذه الأخلاقيات وينشأ عليها بإذن الله -سبحانه وتعالى.

     النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يعالج أخطاء الصحابة أحيانا بالتأنيب، وأحيانا بالثناء، وأحيانا بالتعليم، وأحيانا بالإيحاء بالغضب، وأحيانا بالتصريح، وأحيانا بالتلميح، كلها كانت أساليب من أساليب النبي - صلى الله عليه وسلم -، وهو منهج من منهجه النبوي الكريم الذي جاء به الوحي في قضية كيف يقوم بغرس القيم الصحيحة وإزالة القيم السيئة من قلوب أتباعه ولا سيما الناشئة منهم.

التحلية والتخلية

     فقضية التحلية، أن يتحلى الإنسان بالقيم الطيبة، وقضية التخلية، أن يتخلى الإنسان عن القيم السيئة، هذه مهمة كبيرة من المهام التي يجب أن نهتم بها، فحياة النبي - صلى الله عليه وسلم - مليئة بالنماذج في قضية التربية وغرس القيم الأخلاقية، ونحن اليوم في شهر رمضان المبارك، وهي فرصة لنا ومدرسة لمعاشر الآباء والدعاة والمربين أن نوجّه هذه الأمة، وأن نحمل شبابها على التحلي بأحسن القيم، وأن يتخلوا عن الأشياء السيئة، وهناك دروس عامة، فاجعل نفسك قريبا من الآخرين، ولا سيما في رمضان؛ حتى يفتح قلبه لك ويتناقش معك في مثل هذه الأمور، لتستطيع أن تضع يدك على مكان الألم والجرح فتداويه، وترى النقص الموجود فتقوم بإشباعه، وترى حالة الإشباع السيئة فتزيلها، فتقوم بهذا الدور الكبير الذي له أثر على هذا الفرد، وهذا الفرد سيكون في المستقبل هو رب أسرة، وقد يكون في منصب ما في المجتمع، وقد يكون له دور عالمي كما كان للقادة الذين قادوا الدعوة الإسلامية لأبعد بقعة من بقاع الأرض.

 

مسؤولية كبيرة

     الأسرة لها دور كبير، وعليها مسؤولية كبيرة ملقاة على عاتق الوالدين؛ فأبناؤكم أمانة في أعناقكم، فاجعلوا دخولكم إلى الجنة برحمة الله -عزوجل- ثم بما غرستموه في نفوس أبنائكم، وإنها لحسرة كبيرة أن يأتي المؤمن يوم القيامة، ويرى بأن أجور أبنائه والحسنات التي فعلها كانت من نصيب ذاك الذي علّمهم وحفّظهم ووجّههم، وذاك الذي غرس فيهم الغرس الطيب، فعلى الأقل يجب عليك أن تفوز في المبادئ الأولى والقيم الأساسية، واترك الشجرة تكبر بتوجيهات غيرك وتعليمه.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك