رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: سالم الناشي 11 أبريل، 2023 0 تعليق

محاضرات منتدى تراث الرمضاني الثالث – أهمية الإعلام  في تعزيز القيم الإيجابية-     الحلقة الثانية

 

 

ما زلنا في استعراض محاضرات منتدى تراث الرمضاني الثالث الذي جاء هذا العام بعنوان: (أثر القيم الإسلامية في الحفاظ على المجتمعات)، واستكمالا للحديث عن (أهمية الإعلام في تعزيز القيم الإيجابية)؛ حيث تحدثنا عن بعض المفاهيم والتعريفات الخاصة بالإعلام، وما هي وكالات الأنباء الأقوى في العالم؟ وعن صناعة الإعلام، ومفهوم القيم، واليوم نتكلم عن كيفية مواجهة الإساءة للدين الإسلامي وللنبي - صلى الله عليه وسلم - وللعلماء، ونماذج من الفكر الإعلامي السلبي، ودوره في تشويه القيم في الإعلام، وخطورة الرسائل الإعلامية، وكيفية الحد من الإعلام السلبي، وتعزيز القيم الإيجابية.

     وقبل أن نتكلم عن دور الإعلام في تعزيز القيم الإيجابية لابد أن نعلم أن الإعلامُ عنوان للأمَّة، ومقياسٌ لحَضارتها، ومِرآةٌ صادقةٌ لنشاطها ومدى تقدُّمها ورُقيِّها ونهضتها، والإسلام ما ترك شيئًا إلا وحدَّد له أهدافَه، ووضَع له ضوابطَه، فنجده قد وضع للإعلام أهدافًا عقائديةً، وثقافيةً، وتعليميةً، وتربويةً، وسياسيةً، وتوجيهيةً، وإصلاحيةً، وإرشاديةً، واقتصاديةً؛ تَرمي جميعُها إلى تحسين أوضاع الأمَّة والنُّهوض بها، فأهداف الإعلام المحوريَّة تتلخَّص في ترسيخ الإيمان في نفوس الناس، وتحقيق السيادة لشرع الله -عز وجل-، وبناء حياة إسلاميَّة متكاملة.

تكوين الهُويَّة الإسلامية للأفراد والجماعات

     ولا يمكن إغفال دور الإعلام في تكوين الهُويَّة الإسلامية للأفراد والجماعات، ودعم انتِمائهم لأمَّتهم، وجعلهم عناصر فاعِلةً مِن خلال بنائهم معرفيا وروحيا، وتذكيرهم بماضي أمَّتهم التَّلِيد، والمساهمة في بناء حاضِرهم المجيد، ومستقبَلِهم المنشود، ولقد وُجِد الإعلام ليَبني لا ليهدِم، ويبيِّن الحقيقة لا ليشوِّهها، ويَرد الشبهات، لا ليبُثَّ المنكرات ويُروِّج الأباطيل والشائعات.

انحراف الإعلام عن مساره الصحيح

     وحين ينحرف الإعلام عن مساره الصحيح، ويتخلى عن دَوْره المَنُوط به، ويَعْدِل عن جادَّة الطريق، يَجعل الحقَّ باطلًا والباطلَ حقًّا، ويصيِّر الجرائمَ مكارمَ، فيحتقِر العلماء، ويزدري الأديان، ويزعزِع القيم والأخلاق، ويَطعُن في الثوابت، ويُمَيِّع العقيدة، ويطمِس الهُويَّة، ومن ثم يصبح ما يعرضه راسخًا لا يقبل المساوَمة عند الأجيال الجديدة القادمة.

نظرةٌ فاحصةٌ إلى إعلام اليوم

     ثم نظرةٌ فاحصةٌ عن كثَب إلى إعلام اليوم، تجده لم يخْطئ هذه الأساليب، فهو أقربُ ما يكونُ إلى أداة تَخدم القوى الاستعمارية، على حين أنَّ دَوره المنوط به هو فضْح مخططاتهم، بدلًا من المساهمة في بَثِّها والمساعدة في ترويجها وتحقيق أهدافها، فكم نصَر الإعلامُ الفاسد باطلًا، وزيَّف واقعًا، وعطَّل مسيرةً، وأخَّر أقوامًا، وخذَل حقوقًا، ولوَّث أفكارًا، وأسقط هممًا، وثبَّط عزائم!

السيولة المعلوماتية

     يزيد من صعوبة هذا الواقع، حالة (السيولة المعلوماتية) التي يشتد تدفقها يوما بعد آخر، سواء عبر وسائل الإعلام الجماهيري أم التواصل الاجتماعي، في محاولة لتسجيل المواقف والآراء ونقل صورة حية للوقائع، ولم يعد كثيرون يميزون بين المعلومة الصحيحة والخطأ، وفي حالات كثيرة، تضيع الحقيقة خصوصًا وسط حالة الصخب التي تشهدها الساحة الإعلامية وفرض الآراء على أنها حقائق.

دور الإعلام الهادف  في تعزيز القيم

     أمام هذا الواقع، الذي صار سمة عامة، أصبح مهما العمل على تعزيز الدور الإيجابي للإعلام؛ فالأخلاق والمجتمعات لن تتقدم إلا بإعلام نقي مستنير، يؤدي دوره الأساسي في نشر القيم والمبادئ الإنسانية، فهو إعلام يلبى احتياجات المجتمع ويتصدى للابتذال والتشويه، إعلام يدافع عن القيم العليا وحق المجتمع في المعرفة ويبث طاقات إيجابية لدى الجمهور، تمنحه قدرة على التفاؤل والعمل بإيجابية.

نشر القيم في المجتمع

     حتى يكون الإعلام ناجحًا وفعّالا لابد من أن يكون له غاية وهدف؛ إذ من المعروف أن وضوح الهدف والغاية يوفر الجهد والطاقة والمال، ويعطي نتائجه بطريقة أفضل؛ لذا فإن الإعلام الناجح لابد أن يكون له دور في نشر القيم في المجتمع؛ لما يملكه من وسائل تمتاز بالتشويق والإثارة، والتكرار، ولذلك تعظم المسؤولية على العاملين فيه، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ  أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَنْ دَعَا إِلَى هُدًى كَانَ لَهُ مِنَ الْأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ تَبِعَهُ، لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا، وَمَنْ دَعَا إِلَى ضَلَالَةٍ كَانَ عَلَيْهِ مِنَ الْإِثْمِ مِثْلُ آثَامِ مَنْ تَبِعَهُ، لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ آثَامِهِمْ شَيْئًا».

     ولا يستطيع أحد أن ينكر العلاقة الكبيرة بين وسائل الإعلام بأشكالها المُتعددة من ناحية، وبين تشكيل الفكر والوجدان والقيم من ناحيةٍ أخرى، بعدما صار العالم كله صغيرًا جدًّا على رحابته، وضيقًا جدًّا رغم اتساعه، ومما لا شكَّ فيه أنَّ الإعلام الصادق يَرتقي بالفكر والوجدان، ويساهم في ترسيخ القيم الإيجابية والحد من القيم السلبية.

دور الإعلام في تعزيز  القيم الإيجابية

وبناء على ما سبق فإنه يمكن للمؤسسات الإعلامية الإسهام في تعزيز القيم الإيجابية من خلال المحاور التالية:

- تطوير الخطاب الديني، وغرس العقيدة الإسلامية الصحيحة، ونشر ثقافة الاعتدال والوسطية.

- التصدي لما تطرحه وسائل الإعلام المغرضة بإنتاج مواد إعلامية تفند ادعاءات أعداء الإسلام.

- توفير المواد الإعلامية الملائمة لتوجهات المجتمع الإسلامي وتطلعاته، ولاسيما فئة الشباب والمراهقين الذين يعدون من أكثر الفئات تأثرا بالوسائل الإعلامية.

- مراقبة ما يُبث من مواد إعلامية موجهة فكريا وعقديًا واخلاقيا، والعمل على إيجاد بدائل مناسبة تتوافق مع الحاجات النفسية والاجتماعية لجميع أفراد المجتمع.

- ينبغي إحاطة الشباب من خلال وسائل الإعلام المختلفة بالأخطار المحدقة التي تكتنف بلاد الإسلام والمسلمين كافة، وكلها تستهدف إفساد المجتمعات الإسلامية عن طريق إطلاق عنان الغرائز والشهوات.

- لما كان لوسائل الإعلام عظيم الأثر في ترسيخ العقيدة في النفوس، بات واضحا أن لها أثرا في نشر الأخلاق وضبط المعاملات بين الناس، فمن كانت عقيدته سليمة، حسن تصرفه، واستقام سلوكه.

- ترسيخ تعاليم عقيدة التوحيد في النفوس، وذلك من خلال توعية المسلمين على مختلف أعمارهم وثقافاتهم بتعاليم دينهم طبقا لما جاء في القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة وسلف الأمة -رضوان الله عليهم.

الأدوار الفاعلة للإعلام

ومن الأدوار الفاعلة التي تقع على عاتق وسائل الإعلام لمواجهة القيم السلبية وتعزيز القيم الإيجابية ما يلي:

- ترسيخ القيم والعادات الإيجابية، التي تسهم في تقدم المجتمع وتطوره.

- الحرص على ألا تتضمن وسائل الإعلام أو وسائل التواصل بأنواعها ما من شأنه الترويج لسلوكيات غريبة تناقض القيم في النظام الاجتماعي.

- الالتزام بمحاربة السلوكيات الخطأ التي بدأت تستشري في المجتمع بدرجة تهدد بفقدانه لهويته.

- العمل على إحياء القيم الإسلامية الأصيلة التي كانت موجودة من قبل، واختفت بفعل عوامل داخلية وخارجية.

- تحسين المستويات الفكرية عند الفرد وتوجيهه إلى تبني منهج فكري سليم عن نفسه وعن مجتمعه وعن الحياة بصفة عامة.

 

ماذا نريد من الإعلام؟

- لابدَّ مِن رسم خريطة للعمل الإعلامي، تضع أُسُسًا للمُمارسة الإعلامية، بمُختلف أشكالها، بمعايير تتَّفق وقيمنا ومبادئنا، مع سنِّ القوانين اللازمة لمواجهة أي تجاوز وانحراف.

- نريد من الإعلام أن يكون صادقًا مُنصِفًا للحق والحقيقة.

- لابدَّ من البعد عن الإسفاف والتفاهة وتطهير الحقل الإعلامي من الدخلاء عليه، الذين لا همَّ لهم إلا الكسب، ولو على حساب القيم.

- لابد للإعلام من أن يعزِّز القِيَم الإيجابية ويُثري المبادئ السامية والنبيلة.

- لابدَّ من إعلامٍ يقدِّم الحقيقة مُجرَّدة دونما توجيه ويحترم عقل الإنسان.

- نريد إعلامًا نظيفًا، بعيدًا عن أهواء الشهوات والشبهات، ويُراعي قيمة الكلمة وحُرْمة البيوت.

- المطلوب إعلام يحترم قيمة الإنسان؛ وليس إعلاما يسعى لنشر (الفوضى الأخلاقية) في المجتمعات.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك